لماذا المولد!…
د/مصباح الهمداني
صدقوني أنني أشعر بالغثيان، حينما أتحدث عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وحين أجد بعض الناس ما يزالون يعترضون على الاحتفال، ويقولون أنه بدعة، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غني عن الاحتفال، ولا يحتاج لهذا القماش الأخضر، ولا لهذه الزينة، ولا لهذه المهرجانات الطويلة العريضة.
هذه الأفكار المعارضة للاحتفال، لم تنبت في يوم وليلة، بل هي موروث خمسين سنة من التعبئة الخاطئة، وهي نتيجة مدروسة بعناية تحت إشراف مملكة الأسرة السعودية، ولهذا لن تجد أحد يعترض على احتفالات كثيرة ومتعددة، لكنه حين يسمع بمولد النبي ص يشعر بالاختناق، وحين تناقشه لن تجد إلا تلك الكلمات المتكررة، والتي ذكرتها آنفًا.
الاحتفال بالمولد يزكي أنفسنا، ويهذب أبناءنا، ويقرب الأمة من نبيها، ويجعله حاضرًا في حياتها، ومهمًا في تراثها، وكبيرًا في وجدانها.
وليت المعترضين يسألون أنفسهم؛ ما الفرق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة؟ ثم يفكرون؛
لماذا قام أبو بكر ببدعة جمع القرآن كما يروي البخاري ومسلم؟ لماذا قام عمر ببدعة جمع الناس لصلاة التراويح؟ ثم قال ” نِعم البدعة هذه”، ولماذا أمر عثمان ببدعة الأذان الأول لصلاة الجمعة؟ ولماذا الإمام علي يُنقط المصحف ويُشكِّله؟ ولماذا يبتدع عمر بن عبد العزيز المحاريب والمآذن، والتي لم تكُن موجودة في زمن النبي ص؟
ولهذا فإننا حينما نحتفل إنما ذلك من الإيمان برسول الله وتعزيره ونصرته واتباع نوره لكي نفلح، كما قال ربنا” فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون”.
ويشير الباري إلى أن نبيه الرحمة في قوله” وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين” وقوله عن النبي الرحمة ” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” ولا شك أن مولد النور المحمدي من أعظم أيام الله ولهذا يقول الحق ” وذكرهم بأيام الله”، ويشيد العظيم بميلاد الأنبياء كقوله ” وسلام عليه يوم ولِد”
وكما يروون أن النبي ص فرحَ بيوم نجاة موسى ع، وجعله يوم فرح وصيام، ألا يحق لنا أن نفرح بيوم أنجانا الله وأنقذنا بميلاد هذا النبي العظيم الخالد، ونبتهج، ونتذكر سيرته، ونغرس في عقول أطفالنا وشبابنا وبناتنا ونسائنا؛ حب وتعظيم هذا المبعوث رحمة للعالمين.
ليت الناس يُدركون بأن الاحتفال بمولد النبي ص بشكل كبير وواسع، أصبحَ ضرورة ملحة، وحاجة ماسة، خاصة وقد أصبح اليهود والنصارى، يسخرون من نبينا العظيم جهارًا نهارًا، تارة بالرسوم المسيئة، وتارة بالتماثيل المهينة، وتارة بالتصريحات القبيحة؛ دون أن يردعهم رادع، أو يقف في وجههم وجيه، واستطاع الأعداء من خلال مخططهم الطويل والخطير، أن يجعلوا من الحرمين الشريفين، مجرد أدوات تابعة لهم، وأصبح خطيب مكة؛ ينادي بمحبة أمريكا، ويشيد بخطوات التطبيع مع العدو، ولكنه في المقابل يُحذر ويُكفر من يدعو لمحبة النبي، وذِكر آثاره، والاحتفاء بنور مولده الشريف.
إننا اليوم في وضع خطير، وزمن أخير، تتضح فيه الصورة بشكل جلي، ولا يبقى بعدها عذر لكل ذي سمعٍ وبصر، فإما أن نقف مع الرجل الشجاع الصادع بالحق، المواجه لقوى الكفر والنفاق والضلال، أو ننضم إلى قطيع التطبيع والإساءة لرسول الله.
اليوم هناك فصيلين في الأمة؛ الأول يقودنا إلى أحضان اليهود دينيًا وثقافيًا وسياسيًا وعسكريًا، وعلى رأس هذا الفريق مملكة العائلة السعودية، والثاني يعيدنا إلى محمد القرآن، دينيًا وثقافيًا وسياسيًا، واجتماعيًا، وتوعويًا، ويحمي الإسلام بكل ما أوتي من قوةٍ وبأسٍ ورجالٍ وعدةٍ وعتادٍ وتمكين، وعلى رأس هذا الفريق السيد القائد العلم أبا جبريل حفظه الله ورعاه.
وباستطاعة كل إنسان تمييز الفريقين بكل سهولة، خاصة والغرب وإسرائيل قد كشفوا عن وجوههم القبيحة بكل وضوح بخصوص النبي محمد ص، ومسألة التطبيع، ومن هاتين القضيتين يتجلى الحق، وينكشف الباطل…
ولي ولكَ ولكل مسلمٍ وحُر الاختيار.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ومولدٌ مبارك، وكل عامٍ وأنتم وسيدي القائد، والمجاهدين العظماء، والوطن الكبير؛ بخير وصحةٍ ونصرٍ وتمكين.