لماذا الموت لأمريكا؟
الحقيقة/كتب/زكريا الشرعبي
لا تنفك الولايات المتحدة الأمريكية من الحديث عن الديمقراطية واحترام الشعوب، ولطالما اجتاحت تحت هذه الشعارات دولا وشردت شعوبا وأمم، وليس هذا افتراء عليها، أو صورة نمطية عنها، بل هو تاريخها المكتوب بدماء الأبرياء في كل ركن وكل مكان من أركان العالم، الموثق بفظائع ليس يسقطها التقادم.
إنها إذ ترفع شعارات حقوق الإنسان، الحرية، الديمقراطية، العدالة، التنمية الغذائية، تدوس عليها جميعا بالأفعال، وعلى حد تعبير ابنها أرنولد توينبي فإنها تقف باستمرار مع الأغنياء ضد الفقراء، بل إنها تقف مع نفسها فقط وتريد جميع الشعوب أن تكون في طوابير الخدمة لها وكما قال نعوم تشومسكي فإن الصورة الحقيقة لأمريكا هي أنها تسعى لتكريس شيء واحد تنال به كل ما تريده وباختصار يقول الأمريكيون لغيرهم من الشعوب “نحن السادة وعليكم أن تمسحوا أحذيتنا” .
أمريكا ..الواقع يكشف زيف الشعارات
يحمل الأمريكيون (الاعتقاد الاشد فتكاً في تاريخ الإنسانية) وهو الاعتقاد بفكرة الشعب المختار الذين اعطى الشرعية لعمليات استئصال السكان الاصليين لحضارتي المايا والأزتك والآنكا واغتصاب اراضيهم وكأنها أمر الهي!!. يصف توكفيل الكاتب الفرنسي احدى هذه الحفلات التي شاهدها قائلاً في جو قارس جداً، قام ثلاثة آلاف أو اربعة آلاف بمطاردة الأعراق البدوية من الوطنيين الذين كانوا يفرون أمامهم، حاملين مرضاهم وجرحاهم، وأطفالاً ولدوا حديثاً، وشيوخاً على حافة الموت، ثم يقول: ان المشهد كان مثيراً ولم يمّح من ذاكرتي ابداً.
يضيف كوكلان كان الرجال العظام يبنون حضارة أمريكا من خلال منظمة (كوكلكس كلان) التي أقسمت على إهانة الرجل الاسود وضربه وشنقه بلا محاكمة، وجعله يفهم أنه جيء به إلى أمريكا لغرض العبودية وليس لغرض آخر.
ليس هذا فحسب فعندما يقوم خريجو معاهد (السلطة السادسة) في الولايات المتحدة بعملية القتل يُكافأون على هذا العمل، لأنه “عمل حضاري”،
أرباب هذه السلطة كافأوا الضابط البحري الذي أمر بإطلاق صاروخ على الطائرة الايرانية المدنية ليقتل 298 مدنيا بريئاً، مثلما كوفي (كولبي) بقتله المدنيين في فيتنام بأعصاب باردة.
أكذوبة الديمقراطية
أما أكذوبة الديمقراطية وحقوق الانسان التي تنادي بها الولايات المتحدة فان (جورج كينان) رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الامريكية عام1948م يكشف لنا حقيقتها بقوله: نحن نملك 50% من ثروات العالم ولكننا لا نشكل اكثر من 6.3% من سكان الارض، وفي مثل هذا الوضع يبدو أنه لا مناص من أن نكون موضع غيرة وحسد الآخرين،
يضيف كينان سيكون جهدنا الاساس في الحقبة المقبلة، تطوير نظام من العلاقات يسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الوضع المتسم بعدم المساواة, دون أن نعرّض أمتنا القومي للخطر،
ولتحقيق هذا يقول كينان يجب علينا لتحقيق ذلك أن نتخلص من العاطفة تماماً، وأن نتوقف عن أحلام اليقضة. يجب ان يتركز انتباهنا في كل مكان على اهدافنا الوطنية الراهنة، علينا ألا نخدع انفسنا ولا نستطيع أن نسمح لأنفسنا اليوم بالغوص في ترف التفكير بالإيثار وعمل الخير على مستوى العالم.
يضيف كينان علينا التوقف عن الحديث عن مواضيع غامضة أو غير ممكنة التحقيق، تتعلق بالشرق الاقصى، مثل حقوق الانسان، أو تحسين مستوى المعيشة، أو احلال النظام الديمقراطي. ولن يكون بعيداً اليوم الذين سنجد فيه أنفسنا مضطرين للتحرك بصراحة من خلال علاقات القوة. وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية اقل بقدر ما يكون ذلك أفضل.
أمريكا عدو جميع الشعوب(نموذج بسيط من غطرسة أمريكا في العالم*)
لن نكون مبالغين إذن حين نقول أن أمريكا هي عدو جميع الشعوب، بل إن هذا ليس قولنا نحن وإنما هو قول الحاضر وقول التاريخ، وهو ما يعترف به أبناءها قبل أن نتحدث به نحن.
لقد ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية إلى الآن آلاف الفضائع ودمرت عشرات الدول وشردت عشرات الملايين من البشر بل وحرمتهم من الحياة وفيما يلي نموذج بسيط لعدد من الدول التي تدخلت فيها الولايات المتحدة لمواجهة الإرادة الشعبية الخارجة عن إمرتها
فرنسا
يقول الأمريكي وليام بلود في كتابه الدولة المارقة: عقب الحرب العالمية الثانية وجهت الولايات المتحدة الأمريكية مبالغ كبيرة من المال للحزب الاشتراكي الفرنسي لمنافسة نظيره الشيوعي وارسلت خبراء من حزب العمال الأمريكي لتقويض نقابات الحزب الشيوعي واستوردت محطمي الإضرابات من إيطاليا، وقدمت الأسلحة والعصابات الكورسيكية لتحطيم إضرابات الشيوعيين، وأحرقت مكاتب الحزب، وضربت وقتلت الأعضاء والمضربين، وأرسلت فريق حرب نفسية لاستكمال كل هذه الأعمال، وهددت بقطع المعونات الغذائية التي كانت تقدمها لفرنسا إذا لم ينتهي التأييد الذي كان يحظى به الحزب الشيوعي.
لقد أرادت فرنسا تابعة لها كما تريد أن تكون اليمن اليوم، وتريد أن تكون سورية والعراق وكل الدول الحرة في العالم.
ويشير بلوود إلى أن أمريكا كانت تجبر في الوقت ذاته الحكومة الفرنسية على إقالة وزراءها الشيوعين للحصول على المساعدات الغذائية والقروض. يقول رئيس الوزراء الفرنسي حينها بول رامادييه: مع كل قرض كنا نحصل عليه كنا نفقد جزءا من استقلالنا” وهكذا حتى أصبحت فرنسا تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية.
جزر مارشال
أجرت الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الجزر صواريخ باليستية وتجارب نووية كبيرة استمرت من عام 1946 حتى 1958م، بعد إجبار سكانها على المغادرة، وفي 1968م أعلنت الولايات المتحدة أن على السكان أن يعودوا إلى ديارهم فقد تم تنظفيها، وحين عادوا أخبرتهم أمريكا أنهم قد أًصيبوا بجرعات كبيرة من الإشعاع وأن عليهم الرحيل فورا، وفي 1983 دعت الولايات المتحدة السكان ليعودا مرة أخرى إلى ديارههم ولكن لا يتناولوا أي منتج محلي حتى نهاية القرن الواحد والعشرين.
إيطاليا
كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مع فرنسا حتى أدرجتها إلى حظيرة الطاعة، فعلت أيضا مع إيطاليا، حيث استخدمت كل أساليب الحرب النفسية والاقتصادية كما يقول بلوود للوقوف ضد الإرادة الشعبية المؤيدة لحزب اليسار، وقد استمرت من عام 1947 إلى السبعينات وهي تدفع ملايين الدولارات لمواجهة الإرادة الشعبية الإيطالية.
اليونان
يقول وليام بلوود في كتابه الدولة المارقة، فصل موجز من جرائم أمريكا، أن الولايات المتحدة تدخلت إلى جانب الفاشيين في اليونان منذ عام 1949، ضد اليسار اليوناني الذي يحظى بتأييد شعبي، وأقامت له نظاما وحشيا بدرحة بالغة، وأنشأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكالة للأمن الداخلي تتسم بالقمع، على النحو الواجب، حتى ظلت اليونان قطعة يتم تطويرها حسب احتياجات واشنطن
الفلبين
حاربت الولايات المتحدة الأمريكية قوات هوك اليسارية الفلبينية التي كانت تواجه الغزاة اليابانيين 1945م حينها، وبعد انتهاء الحرب مع اليابان أنشأت الولايات المتحدة قوات مسلحة فلبينية ونظمتها في مواجهة القوات الحقيقية التي كانت تحافظ على سيادة الفلبين، لتقضي على الحركة الإصلاحية ثم نصبت بعد ذلك عددا من الرؤساء التابعين لها، الديكتاتوريين بحق شعوبهم.
ألبانيا
أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية محاربي العصابات من المهاجرين إلى ألبانيا 1949-1953م للإطاحة بالحكومة الشيوعية، وإنشاء حكومة موالية للغرب
إيران
بدأ رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق عام 1953م سياسة تأميم النفط لكي تنفق عائداته على الشعب الإيراني وشرع بمطالبة شركات النفط العالمية بدفع حصة أكبر للإيرانيين أو مغادرة إيران وقد دفع هذا الولايات المتحدة لإرسال أشخاص إلى إيران من بينهم حفيد الرئيس روزفلت يحملون ملايين الدولارات وسرعان ما استطاع تنظيم مظاهرات بدت كأنها شعبية تطالب بالإطاحة بمصدق بينما لم يكن نظمها سوى عدد من الأشخاص الإيرانيين.
وبذلك تمت الإطاحة بمصدق ووضعه رهن الإقامة الجبرية وإعادة الشاه المخلوع إلى الحكم وإعادة عمل الشركات النفطية الدولية.
وعندما قامت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني عام 1978م واتجهت بإيران نحو التحرر من الهيمنة الخارجية واستثمار الموارد الإيرانية للشعب الإيراني، اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة الثورة وذلك على عكس إدعاءتها بدعم الثورات في العالم.
واجهت الولايات المتحدة الأمريكية، الثورة الإيرانية وبالتعاون مع أنظمة عميلة في المنطقة دعمت أمريكا حربا استمرت لمدة ثمانية أعوام ضد إيران، ولما يئست من إخضاع الشعب الإيراني، اتجهت إلى فرض حصار خانق عليه.
جواتيمالا
عام 1953 تشكل في جواتيمالا حكومة ديمقراطية بزعامة جاكوبو إربنز، وقد سعت هذه الحكومة إلى الحفاظ على سيادة البلاد والخروج من ربقة وصاية شركة الفواكه الأمريكية التي كانت تستغل جميع خيرات الأرض، فيما يعيش أبناءها في مآسي اقتصادية وصحية كبيرة.
لم يرق للولايات المتحدة الأمريكية أن تتحرر جواتيمالا فنظمت إنقلابا ضد حكومة اربنز المنتخبة ديمقراطيا تحت مبرر أن الحكومة موالية للاتحاد السوفيتي، وظلت أمريكا 40 سنة توجه سرايا الموت والتعذيب والإخفاء القسري نحو جواتيمالا حتى بلغ عدد الضحايا 200 ألف ضحية
اندونيسيا
شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربا عنيفة ضد إندونيسيا بدأت بإلقاء الطيارين الأمريكيين للقنابل عليها ومحاولة اغتيال الرئيس الاندونيسي سوكارنو تحت حجة حمايتها من الشيوعية ولما تمكنت من إنشاء حكومة موالية لها أغرقت إندونيسيا بالقروض عبر فخ الاستثمار، وكان على الأخيرة أن تدفع جميع مخزونها النفطي في سداد هذه الديون.
فيتنام
من أبرز الفضائع التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العالم هي حرب فيتنام.
يقول المسؤول الأمريكي ديك جيروجيرى: إن ما نفعله في فيتنام هو أن نجعل الر جل الأسود يقتل الرجل الأصفر، حتى يستطيع الرجل الأحمر أخذ الأبيض الاحتفاظ بالأرض التي أخذها من الرجل الأحمر.
بلغ عدد ضحايا الحرب أكثر من مليون فيتنامي كما تقول الإحصائيات.
العراق
شنت الولايات المتحدة حربين ظالمتين على العراق كانت الأولى بحجة حماية الكويت، رغم موافقة النظام العراقي حينها على حل سلمي، ثم بذريعة امتلاك العراق للأٍسلحة النووية، والمرة الثانية بذريعة مواجهة الإرهاب، ولم تكن الحربان سوى لإخضاع الشعب العراقي، وتدمير نسيجه الاجتماعي والقيم العروبية الأًصيلة التي تشكل خطرا على مشاريع أمريكا في المنطقة.
لقد قتلت الولايات المتحدة الأمريكية ما يقارب المليون مواطن عراقي.
افغانستان
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية لشن حرب على افعانستان بذريعة مكافحة الإرهاب، ومنذ 2001 وإلى اليوم لم تنتهي الحرب هناك وقد أسفرت من 2001 إلى 2015م عن أكثر من 162 ألف قتيل من المدنيين.
سوريا
لم تكن سوريا تحت ربقة الولايات المتحدة، ولا في عداد الدول الخاضعة لها، وقد اتجهت لبناء نفسها وتطوير قدراتها نحو الاكتفاء الذاتي، فتم تجنيد الارهابيين من كل اصقاع الأرض وحشدهم الى الأراضي السورية تحت مسمى الثورة بهدف خلق نظام يقوم بتسديد فواتير الطاعة للصولجان الأمريكي وهد قلعة المقاومة والممانعة السورية حماية لأمن اسرائيل وتنفيذ ما عجزوا عن تنفيذه لفترة طويلة.
اليمن ليس المحطة الأخيرة
ما إن انطلقت ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م حتى شعرت الولايات المتحدة أن اليمن سيخرج من تحت إمرتها الذي بلغ إلى حد اعُتبر فيه السفير الأمريكي حاكما فعليا للبلاد، لذا اتجهت لاحتواء هذه الثورة عبر أدواتها السابقة ثم بفرض المبادرة الخليجية، وقد كانت تحركات السفير الأمريكي حينها علنية حد الفضيحة.
تمكنت أمريكا من إفراغ الثورة من محتواها ونصبت أدواتها مجددا في إدارة حكم البلاد، في سبيل تحويل اليمن إلى مستنقع للفوضى والإرهاب، وقد بلغ أن وصل الإرهاب حينها إلى تنفيذ عمليات في قلب وزارة الدفاع، في موازاة استباحة طائرات الدرونز الأمريكية للأجواء اليمنية ليل نهار.
ولأن اليمنيين رفضوا استمرار هذا العبث ببلدهم واتجهوا لتصحيح مسار الثورة في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م، بخلع أدوات النفوذ والهيمنة.. حشدت أمريكا قواتها العسكرية والدبلوماسية والسياسية والإعلامية، وباشرت عدوانا على اليمن بدأ في السادس والعشرين من مارس ولم ينتهي حتى الآن، بمزاعم إعادة رئيس انتهت ولايته وانتقضت شرعية التوافق التي لم يكن رئيسا إلا بموجبها، وقدم استقالته أيضا.
نحكمكم أو نقتلكم..هذه هي الشريعة الأمريكية فإما أن تمضي في سياقاتها وإلا فإنك مدان يجب أن يتجه الجميع لعقابك..لا تقل ما هي جريمتي!.. خروجك عن طاعة أمريكا هو الجريمة، ولن تعدم واشنطن ذريعة لقتلك.
*المصدر: جرائم أمريكا في 100 /ويب+ كتاب الدولة المارقة للمؤلفة وليام بلود+ الكاتب