لقد فاز بها أبو صابر …
عين الحقيقة/كتب: أبوب ادريس
لقد استشهد أبو صابر “طه الأهنومي ” ..
رحل آخر الصالحين
اختفى آخر القدّيسين ،وتوارى عن هذه الدنيا .!
لقد ذهب بقيةٌ لله ..
لقد قُتل طه ؟!
ولكن..هل كلُّ طه قُتل ..كلُّه غادر ..كلّه اختفى ؟!
كيف لكبيرٍ مثل هذا أن يُقتل مرة واحدة ؟!
هل حقاً رحل أبو صابر؟؟
كيف لهذا الجبل أن يسقط ؟
بل كيف لهذا النجم أن يأفُل ،ولهذا القمر أن يخسُف ،ولهذه الشمس أن تكسُف وتتكدّر ..؟
كيف لهذا المحيط المتلاطم أن ينتهي ويزول في غمضة عين ..؟
مصيبة هي هذه ؟
كلا كلا كلا؛
هذا هراء..!
لم أصدّقْ ،ولن أُصدّق !
أيا سماءُ أمطري حزناً ،،وصُبّي دمعك ليس ذا حين الجمودِ !
أيتها السحاب الحزينة أمطري الدمع والدم معاً على أبي صابر ..
ما الذي فعلته بنا يا أبا صابر ؟!
وكأنّ رحيل أبي هاشم لم يكفِ حتى لحقتَ به !
ونحن لِمَن تتركوننا ؟!
لقد كرِهْنا الحياةَ ،وكرِهتْنا ..ملَلْناها ،وملّتنا ..
نريد لنا حياة خيراً منها ،ولها خلْقاً شراً منّا ..
أيا أيتها السماء العظيمة ..يا مخلوقات الله العجيبة ..يا بحار ويا أنهار ..يا أزهار ويا أشجار ..يا جبال ،ويا أيتها السحب البيضاء منها والزرقاء ..
تعالوا إلى هنا ..
أيتها الصحاري الشاسعة ..يا نجوم السماء ..يا كواكب الفضاء ومجرّات الكون
يا ملائكة الرب ويا أنبياء الله ..يا إنسُ ويا جنّ ..
تعالوا إلى هنا ..أنصِتوا ..وهلمّوا إلينا ..
وفي حضرة عملاقِنا اسجدوا ,,واركعوا وسبّحوا لله ،وكبّروا وتبتّلوا بين يديه،،وهلّلوا ..
ليتوقف التاريخ للحظة ..
أيتها الأرض توقّفي عن الدوران ..وانت يا ليل ابقَ كما أنت إياك أن تنجلي ..
أطلب منكِ يا شمسَ السماء ألا تشرقي غداً ..
سنكون في حدادٍ لثلاثة أيام ..
والآن أنت أيها القمر المزعجُ بضوئه ألا يمكنك أن تخجل قليلاً وتتوراى عن النواظر ..؟
إنّك تفضح دموعنا ُ ،وتكشف وجوهنا المستورة ،،وتُشمت بنا أعداءنا ..
ألا ترى أنهار الدموع تسيل حزناً ..اغربِ الآن أرجوك
اذهب اذهبْ غطّ وجهك بسحابة سوداء ..
ألا يمكنكم ان تفعلوا ذلك من اجلنا ولو لساعة !
ولنا أن نقول بعد هذا المصاب الجلل والحدث المؤلم إنه ما خُلق الحزن إلا لهذا اليوم ..
وما خُلق البكاء والنحيب إلا لمثل هذا الفاجعة المهولة ،والصاعقة القاتلة ..
مقتلكُ يا طه هدّ أركاننا بعد رسوخٍ ،وفتّ عضدَنا بعد قوة ..وزلزل أقدامنا بعد ثبات .
على مثلك فليبكِ الباكون ..وعلى رحيلك فليصرخ الصارخون ..
ومن أجلك فليجزعِ المتجلّدون الصابرون ..
لقد رحل أبو صابر إذن تاركاً حزناً عميقاً في قلوبنا وثلمة لا تسد ..
أبو صابر ومن مثل أبي صابر ؟!
شجاعٌ مقدام،مقاتل شرس ،طيبٌ طاهر ،نقيٌ صفي، وصافٍ مُصفّى ..!
ورِعٌ سخي ،كريم أبيٌّ ،وشهم حر طيّب مُطيّب ..
متواضع ودود ،ولطيف باسم بسّام ضحوك ..
شهدتُه وعايشته وعرفته عن قرب ،ومكثنا أياماً ولياليَ معاً في جبهة مأرب فما رأيته إلا شجاعاً وأسداً مغواراً ..
كله إيمان وعزة من أعلاه إلى أسفله .وكلُّه شموخ وكبرياء نفس وثقة عالية بالله وبالنفس .
أعطاه الله سَعَة في الجسم والقلب ،كما بسط عليه في العلم والشجاعة أيضاً ..
جُرح في مأرب وكان في اقتحامٍ حيث كان مع الشهيد أبي هاشم “محمد عبده عامر” .وانتقل بعدها إلى جبهة الحثيرة بجيزان حيث لقي ربه شهيدا طاهراً مطهّرا ..
كان مرشداً مدرّساً قرأ العلوم الشرعية ،والنحو والأصول وغيرها ..
كلُّ أيامه نضال ،،كل لياليه عباده وجهاد ..
كان يُسمّي أحدَنا ويناديه بـ:”يا ضخم” وهو يبتسم ويضحك ..
الله ما كان أجمل ابتسامته ،وألطفها وأطهرها وأنقاها وأصفاها وأقدَسها ..!
نفس برئية عظيمة لم أر مثلها إلا في قلة قليلين جداً ..
والآن غادرنا أبو صابر بكل سهولة
يا الله: هل حقاً أخذت علينا ومنّا أبا صابر !
يا حبيبنا عزرائيل ..لقد طالت ضيافتك يا سيدي
أيها المَلَكُ العطوف الرحيم ..
ألا يمكن ألا تأخذ منا أكثر من هذا ؟!
إني أثق بك وفيك ..
وأنت يا شهيدنا السعيد ..نم قرير العين ليتنا كنا معك ..
إيهٍ إيه يا أبا صابر ..مرحا مرحا لك هذا المقام
طوبى طوبى لك ذلك المستقر وهذا الفوز ..
هنيئاً هنيئاً لك مجاورة النبيين والصديقين والصالحين ..
السلام عليك والصلاة،،
وصبرٌ جميلٌ والله المستعان !