لشبكات التجارية للانترنت.. ضجيج يفتقر للسند القانوني ومشروعية التشغيل واحتيال على المواطنين
منذ الإعلان التحذيري الصادر عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ومعه الإعلان عن تعديل باقات خدمة الانترنت من قبل المؤسسة العامة للاتصالات، لم يكد يهدأ بال بعض المنتفعين من وراء استغلال حاجات الناس وانشغال الجهات المعنية والدولة عموماً بما يواجهه الوطن من حرب وعدوان في كل مناحي واتجاهات الحياة اليوم.. فقد واجهت الوزارة والمؤسسة معاً منذ أكثر من ثلاثة أشهر واحدة من أعنف الحملات الشرسة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المتاحة.. وشهدت هذه الحملة بل الحملات -إن صح التعبير- محاولات مفتعلة ومدروسة بعناية لتزييف الحقائق والوعي العام، في عمل اتهمته الجهات المعنية بالمدبر ضمن ما يواجهه الوطن من عدوان وحرب ظالمة يتلقاها اليمن واليمنيون..
وكان الموضوع الرئيسي الذي تم استغلاله في هذه الحملات تحذيرات الوزارة حول الاستخدام غير القانوني لأجهزة المايكروويف إلى جانب التعديلات التي أجرتها المؤسسة لضبط عملية التشغيل لخدمة الإنترنت..
وصحيفة “الثورة” باعتبارها صوت الدولة والشعب معاً لم تغب عن تفاصيل هذا الصراع فقد استضافت مسبقاً عددا من المسؤولين والمختصين وبعض الكتاب للوقوف على هذه القضية.. وها هي اليوم تواصل ذلك الاهتمام بإجراء هذا التحقيق المتعلق بقضية الخلاف بين الوزارة والمؤسسة من جهة وبين مشغلي شبكات الواي فاي من جهة أخرى.. فإلى التفاصيل:
الثورة / محمد العزيزي
مناكفات سياسية
كانت البداية مع الأخ محمد عبدالله وهو صاحب محل شبكة الأمجاد نت والذي يقول: لم يعد مدخول النت كافياً لمواجهة تكاليف تشغيل الشبكة من كهرباء وبترول وإيجار المحل وراتب للموظف، بالإضافة إلى الاشتراك وقيمة الخدمة.. ولذلك وبالنسبة لنا فقد نغلق المحل لهذه الأسباب والظروف الاقتصادية التي نعاني منها نحن والبلاد عموما..
وحول الشبكات التجارية وقانونيتها وما يثار حولها من ضجيج بين الجهات الحكومية وأصحاب الشبكات يقول محمد عبدالله: إن ما يحدث الآن من عراك بين نقابة الشبكات التجارية ووزارة الاتصالات يبدو في شكل مناكفات سياسية وحرب يغذيها أطراف متورطون بالحرب على اليمن.
ويواصل حديثه بالقول: النت بطيء جدا والناس أو المستهلكون للخدمة قليلون جدا بسبب رداءة الخدمة وضعفها وحالة المواطنين الاقتصادية الصعبة التي أثرت بشكل مباشر في الحياة العامة للشعب اليمني..
ويتساءل صاحب محل الأمجاد للإنترنت مستغرباً: لماذا تثار هذه المشكلة في الوقت الراهن بالذات..؟! ومن المستفيد من إثارتها..؟
ثم يردف قائلاً: يجب على الجميع استشعار المرحلة الحالية وإذا كان هناك خلل ما أو مخالفات قانونية يتم الجلوس على طاولة واحدة و يتم النقاش بين الجميع والخروج بحلول للمشكلة، دون لهجة التحدي والعنتريات والحملات الدعائية والإعلامية التي تثار بهدف التشهير خدمة للعدوان أو لطرف من الأطراف..
غش وخداع
من جانب آخر يتحدث المواطن نواف مهيوب حول استغلال مشغلي الشبكات لحاجات المواطنين قائلا: أصبحنا معزولين عن العالم الخارجي تماما بسبب رداءة النت وعملية الغش في نفس الوقت من قبل أصحاب المحلات التجارية، وأصبحنا ضحايا جراء الابتزاز والغش خصوصاً فيما يتعلق بالوقت المدون على كروت الواي فاي، فبمجرد أن تقوم بتصفح النت حوالي نصف ساعة وبعد عناء تنقطع عنا الخدمة وينتهي الوقت المسموح، مع العلم أن ذلك الوقت كما هو مدون على الكرت ثلاث ساعات وهو ليس كذلك.. وهذا غش وخداع وابتزاز يتعرض له المواطن المغلوب من قبل ملاك الشبكات.. وعليه أناشد وزارة الاتصالات بأن تقوم بواجبها واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بضبط ومراقبة أصحاب الشبكات التجارية ووضع حد لعملية الغش، كي يحصل المواطن البسيط على هذه الخدمة بصورة جيدة وبتكلفة مناسبة..
كروت وهمية
أما الأخ أنور السامعي فقد كان حديثه مختلفا تماماً، حيث قال: لقد توقفت عن استخدام النت منذ حوالي شهر وأطالب الجهات المسؤولة بأن تقوم بتوفير أجهزة بث في كل حارة بدلا من أصحاب محلات الواي فاي الذين يمارسون الاستغلال من خلال بيع كروت وهمية لا تتطابق في الحقيقة مع عروض الخدمة التي يتبنونها، فما توفره هذه الشبكات لا يتجاوز ساعة واحدة بقيمة مائة ريال من إجمالي الوقت المسموح والمدون على الكرت (ثلاث ساعات).. وعليه فإننا نطالب وزارة الاتصالات بأن تلبي دعوتنا بتوفير خدمة جيدة للإنترنت الذي أصبح جزءاً ضرورياً وأساسياً من تفاصيل الحياة اليومية، خصوصاً وأننا والكثيرين مثلنا اصبحنا نمارس أعمالنا وتعاملاتنا واتصالاتنا عبر الإنترنت، وأنه بات على وزارة الاتصالات أن تضع حدا للابتزاز الذي نتعرض له من قبل أولئك الذين يبيعون لنا الوهم ليس إلا..
سوق سوداء
وبهدف إشباع الموضوع من جميع جوانبه والخروج بحصيلة ناجعة كان لنا حديث مع مهندسين مختصين في هذا المجال، ومنهم المهندس منير يحيى المتخصص في مجال الشبكات والذي قال لنا: بمرور الوقت تحولت “شبكات الواي فاي” إلى سوق سوداء مشبوهة خارج إطار الدولة والقانون وأصبحت تشكل خطورة بالغة على المواطن المستهلك الذي تزيد حاجته لهذه الخدمة من يوم لآخر، دون أن يعرف الكثير من الحقائق والمعلومات عن “شبكات الواي فاي” وتحولها إلى سوق سوداء بعد أن استفاد مالكوها من الأوضاع التي تعيشها البلاد، حتى اتسعت وزاد انتشارها بشكل فوضوي.. وهذه الشبكات لا تملك الحق ولا التراخيص القانونية التي تتيح لها ممارسة نشاط تقديم خدمات الإنترنت، فالفوضى والانتهازية التي يمارسها مالكو شبكات الواي فاي ظلت وستبقى مصدر قلق وإخلال كبير للدولة وللمواطن المستهلك للخدمة بدون حماية ولا قانون.
وأشار المهندس يحيى إلى أن الأهم من ذلك هو المعرفة المتأخرة بأن “شبكات الواي فاي” المنتشرة بشكل عشوائي لها مخاطر وأضرار جسيمة، لا يدفع ثمنها إلا المواطن الذي لا حول له ولا قوة، فهو لا يعلم شيئاً عن انبعاثاتها ورداءة أجهزتها ومخاطرها المتعددة، باعتبارها مجهولة المصدر تم صنعها بهدف الربح والاستخدام التجسسي أو الاستهلاك المشبوه، ولا تنطبق عليها أدنى المعايير والمواصفات اللازمة لتقديم خدمات الإنترنت، كما أن مالكيها والعاملين فيها ليسوا مؤهلين وليست لديهم القدرة على توفير أنظمة الحماية اللازمة لأمن البيانات والمعلومات.. فأنظمة الحماية لا يستطيع اقتناءها سوى شركات ومؤسسات الاتصالات العملاقة نظراً لتكاليفها الباهظة، ولما تمثله هذه الخدمات وتجهيزاتها من حساسية عالية ومخاطر صحية وأمنية فإنه لا يمكن أن تكون متاحة للعبث والتنصت..
من يدفع الثمن..؟
وحول الإمكانيات المتاحة لأصحاب الشبكات التجارية في استخدام الإنترنت أفصح المهندس منير يحيى قائلا: الإنترنت خدمة نوعية تحتاج لبنية تحتية ذات مواصفات تقنية عالية ومرخص لها وتنطبق عليها المعايير، تتقدمها أنظمة الحماية التي تعد شرطاً أساسياً لتأمين المعلومات والبيانات وتهيئة الشبكات لتصبح جاهزة للاستخدام وبشكل آمن، بينما انتشار شبكات الواي فاي وتحولها إلى سوق سوداء، جعل المواطن هو المتضرر الأول ومن يدفع الثمن الأكبر لازدهار مثل هذه الشبكات التي تجعل معلومات وبيانات المستخدمين متاحة لدى مالكي شبكات الواي فاي وتجار السوق السوداء للإنترنت دون حسيب أو رقيب يحمي المواطن المستهلك لهذه الخدمات من مصادر مشبوهة..
ووصف المهندس يحيى تجارة شبكات الواي فاي بأنها تجارة سوق سوداء حيث قال: تجار شبكات الواي فاي يتربعون على سوق الإنترنت، مستغلين انشغال الدولة وحاجات الناس وأزماتهم ما يتيح لهم التحكم بهذه الشبكات بطريقة ابتزازية مطلقة.. فكيف يمكن للمواطن أو الدولة أن تأتمن وتتيح الساحة لسوق سوداء تقدم خدمات الإنترنت وتعمل بدون رقابة ولا إمكانيات عالية ولا تمتلك تراخيص ولا يدفع أصحابها الضرائب ولا رسوم المجالس المحلية، وكأنهم دولة فوق الدولة..؟! وبدلاً من أن يقوم ملاكها بتصحيح أوضاعهم والتفكير في طرق استثمارية أخرى متاحة ومشروعة، انغمسوا في أساليب ومخططات مشبوهة تمس أمن البلاد، سعياً لتنفيذ أجندات يرسمها لهم العدوان ويساندها بإعلامه الذي سعى لقتل اليمنيين وتدمير بلدهم بصورة شيطانية تعكس حجم العدوانية وما يكنه من حقد وانتقام بحق أبناء الشعب اليمني..
مخالفة للقانون
وفي ذات السياق توجهنا إلى المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية، حيث كانت ردود المسؤولين هناك أنه وبخصوص التسعيرة ما حدث هو إعادة توزيع لباقات الإنترنت بحسب الاستخدام وبهدف التوزيع العادل للمستخدمين، وأن الباقات الجديدة للإنترنت منحت سعات أكبر للمستخدمين وبنفس السعر السابق.. وأن المستخدم حصل على تخفيض في سعر الجيجا خصوصاً في عرض “باقتي” (1M – 2M) الأكثر استخداماً من قبل المشتركين.. وأنه تم تكريس هذا الإجراء لإرضاء المستخدم المباشر وتحسين جودة الخدمة والتنزيل لديه..
وأوضح المسؤولون المعنيون في المؤسسة أن ما يسمى بأصحاب شبكات الواي فاي يمارسون نشاطهم بطريقة مخالفة للقانون والاتفاقية الممنوحة لهم من قبل المؤسسة، كونها اتفاقية مشترك كأي مستخدم، فيما هم عملوا على استغلال الأوضاع التي تمر بها البلاد وقاموا باستخدام بعض الأنتينات والتجهيزات البسيطة ليقوموا بإعادة بيع خدمة من خدمات المؤسسة دون وجه حق ودون رقابة، ويجب على المواطنين إدراك أن المؤسسة تقدم خدماتها المختلفة للمواطنين بصورة مباشرة ودون وسطاء.. ومن يدعي خلاف ذلك فلا يجب التعامل معه بأي شكل من الأشكال..
مخاطر صحية وأمنية
وبين المسؤولون بالمؤسسة أن مشغلي شبكات الواي فاي يقومون باستغلال الأوضاع الراهنة بتشغيل خدمة من خدمات المؤسسة دون وجه حق، وأن من صور استغلالهم أن القيمة الحقيقية للميجا الواحد هي 95 ريالاً بينما يتم بيعه بأكثر من ألف ريال، وأن الكروت التي يبيعونها بسعر مائة ريال لا تتجاوز قيمتها الفعلية 18 ريالاً على الأكثر، ولنا أن نحسب الفوارق الهائلة التي يجنونها من المواطنين.. وأنه يتم التعامل معهم من قبل وكأنهم مستخدمون عاديون للخدمة بينما يجب التعامل معهم كقطاع تجاري، كما أنهم متهربون من سداد ضرائب الدخل وغير ذلك من الرسوم الحكومية المثبتة في القانون.. إلى جانب ما تشكله الشبكات التي يشغلونها من مخاطر صحية وأمنية، خصوصا فيما يتعلق بأمان المعلومات والبيانات للمستخدمين، فمشغلو هذه الشبكات بإمكانهم اختراق أجهزة وبيانات من يتصلون بشبكاتهم بغرض الاتصال بخدمة الانترنت..
وأكدوا أنه فيما يخص المستخدمين العاديين فقد تم مع تعديل الباقات تحسين الخدمة لديهم وأن المتضررين من هذه التعديلات هم مشغلو الشبكات، مبيناً أنها أضرار غير مؤثرة كثيراً فما تزال لديهم مساحات جيدة وكافية لتحقيق ارباح كبيرة من تشغيل الخدمة..
منح التصاريح
وعن الجهة المخولة بمنح التصاريح لأصحاب الشبكات التجارية أجاب المسؤولون بالمؤسسة العامة للاتصالات إنه لا توجد جهة تملك حق منح تراخيص تشغيل خدمات الإنترنت والاتصالات سوى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ولا توجد جهة تملك ترخيصا وبشكل حصري لتقديم خدمات الانترنت والاتصالات سوى المؤسسة العامة للاتصالات.. وبالتالي فإن المؤسسة لم تقم بمنح تراخيص لهؤلاء لأن التراخيص بحسب القانون لن تستطيع أي جهة أو فرد تطبيقها وبالذات إمكانية ومستوى هؤلاء أصحاب الشبكات التجارية المتواضعة.
وأضاف المعنيون في المؤسسة: منح التراخيص يخضع لاشتراطات فنية عالية لا يستطيع الأفراد أو الشركات المتوسطة على الإيفاء بها لما للخدمة من حساسية عالية في التجهيزات الفنية وأيضا لما لها من أبعاد أمنية وقومية.
ونفوا الاشاعات بأن المؤسسة تقوم ببيع الخدمة لأصحاب الشبكات إذ قالوا: إن المؤسسة لا تبيع لأصحاب الشبكات الخدمة “الإنترنت” بل هي تبيع للمستخدمين بشكل عام.. لكن أصحاب الشبكات هم من يستغلون الخدمة ويقومون بالإتجار بها دون وجه حق ودون ضوابط أو رقابة..
تحذير وضبط
وحول إمكانية ضبط وتنظيم العملية ومعاقبة المخالفين باعتبار الاتصالات الجهة المخولة قانونا قال المسؤولون المعنيون في المؤسسة: إن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أعلنت في منتصف يوليو الماضي وبموجب قرار مجلس الوزراء رقم لسنة 2019م عن تحذيراتها بشأن منع استخدام تجهيزات ووصلات المايكروويف المخالفة للقانون، وطالبت المخالفين بسرعة تصحيح أوضاعهم وإزالة المخالفات في المدة القانونية والمحددة بشهر من تاريخ الإعلان، وأن الأمور تسير إلى حد ما بالشكل الصحيح.. وأن الوزارة ستكون بالمرصاد لكل من لا يزال مستمرا في مخالفة القانون واستغلال الوزارة والمؤسسة وقبل ذلك استغلال المستخدمين من المواطنين..
وانه وبالتعاون مع أجهزة الدولة المعنية تم في عدد من المحافظات ابتداء من 9 ديسمبر الجاري ضبط أجهزة المايكروويف المخالفة والتي لها تأثيرات سلبية كبيرة على الشبكة الوطنية والبدء بمصادرتها وانه لن يتم التهاون أو التراجع في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل مخالف وفقا للقانون وسلطة الدولة..
ختاماً
يتضح مما سبق أن الخلافات حول شبكات الواي فاي بين أصحاب الشبكات ووزارة الاتصالات والمؤسسة العامة للاتصالات هي خلافات حول تطبيق القانون وفقدان أصحاب الشبكات التجارية لمصالحهم في حال تطبيق الإجراءات القانونية.. وكذا المخاوف التي تراود قيادة وزارة الاتصالات من مخاطر الأمن القومي وأمن المعلومات، كما أن الأمر يذهب إلى وجود تأجيج لهذا الخلاف وتحويله من خلاف إلى صراع سياسي تتم تغذيته من الخارج.. والمطلوب في الأخير هو حماية أمن الدولة وحفظ حقوق المواطنين وتطبيق القانون أولا وأخيرا .