لا ثقة إسرائيلية بـ«حلول» ترامب: اليمن لا يزال مستعصياً

تعمّدت إدارة البيت الأبيض، عند الإعلان عن الضربات الجوية ضد اليمن، تجنّب ذكر إسرائيل وارتباط هذه الضربات بها، في حين التزم الإعلام الأميركي، كذلك، بتلك السردية، وركّز على أن الاعتداء على اليمن يأتي في سياق حملة تستهدف حماية الملاحة البحرية والأمن القومي الأميركي، ورفْع الضرر عن الاقتصاد، بعدما باتت نسبة كبيرة من واردات الولايات المتحدة عبر الشحن البحري، تضطر إلى الإبحار عن طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، بدلاً من البحر الأحمر، نتيجة العمليات اليمنية.

ويبدو أن إدارة دونالد ترامب تنبّهت إلى الإشكالية التي وقعت فيها الإدارة السابقة حين فشلت في ضم الدول المشاطئة للبحر الأحمر، ولا سيما العربية منها، إلى تحالف «حارس الازدهار»، باعتبار أن هذا الأخير إنما شُكّل للدفاع عن إسرائيل ورفْع الحظر البحري عنها، في حين أن قطاع غزة يتعرّض للإبادة من قبل إسرائيل، الأمر الذي شكّل مصدر إحراج للدول المذكورة، ومنعها من المشاركة المباشرة في التحالف.

وعليه، أكثَرَ المسؤولون الأميركيون، في الأيام الماضية، من الحديث عن الأضرار الاقتصادية الأميركية الناتجة من تجنب سفن الشحن الأميركي المرور في قناة السويس، وأفرجوا عن تقارير داخلية عن حجم الأضرار الواقعة طوال العام الماضي، وهي تقارير لم تكن قد نُشرت في وقتها.

كما قال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، مايك والتز، في مقابلة تلفزيونية قبل يومين، إن «ثلاثة أرباع شحناتنا البحرية التي يفترض أن تمر عبر البحر الأحمر، تضطر حالياً إلى تجنبه، لتمر عبر الساحل الجنوبي لأفريقيا بسبب الضربات التي ينفّذها الحوثيون في المنطقة». ويبدو الهدف من وراء تلك الإفادات واضحاً جداً، ويتمثّل بالتركيز على أن الدوافع للضربات الجوية هي أميركية صرفة، كون واشنطن تعتبر نفسها معنية بأمن الممرات المائية في العالم.

من جهتها، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، فور سقوط الصاروخ اليمني الأول في الجولة الثانية، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الجانب الأميركي طلب من المستوى السياسي في تل أبيب عدم الرد على الصواريخ اليمنية وترك الأمر للبحرية الأميركية، ثم تكرّر هذا الطلب في الاتصال الهاتفي الأخير بين وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ورئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو. إلا أن الجانب الإسرائيلي يعتبر الاعتماد على الولايات المتحدة خصوصاً، والغرب عموماً، في إزالة التهديد اليمني، أقل صحة للأمن الإسرائيلي الذي عليه في هذه الحالة أن يكون مرهوناً بالكامل للدعم الخارجي.

ولكنّ التبرير في الأوساط الإسرائيلية هو أن هذا الخيار يظل أفضل وأكثر فعالية في الوقت الراهن مع عدو بعيد كاليمن، تُساوق الدعاية الإسرائيلية نظيرتها الأميركية، في أنه لا يشكّل تهديداً مقلقاً لإسرائيل فحسب، بل يتحدى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، بدأت تخرج أصوات في إسرائيل تشكّك في الخطة الأميركية الحالية ومدى نجاحها في تحقيق الهدف المنشود، في حين بات كثيرون في واشنطن وتل أبيب والمنطقة العربية على قناعة بأن الضربات الجوية قاصرة عن إنجاز المطلوب، وهو ما أكّده مثلاً القائد السابق لمديرية الدفاع الجوي الإسرائيلي، العميد احتياط زفيكا هايموفيتش.

وبدورها، قالت صحيفة «يسرائيل هيوم» إنه «يُنظر إلى تهديد ترامب على أنه بندقية بلا رصاص»، وإن اعتبرت أن «الضغط الذي يحاول ممارسته على الحوثيين من خلال إيران صحيح، بمعنى حل مشكلتين برصاصة واحدة». لكنّ الصحيفة حذّرت من أن عدم وجود نية لتطبيق «الإنذار النهائي» الذي وجّهه ترامب إلى اليمنيين، قد يرتد بشكل مدمّر، ويُفقد أميركا قوة الردع، ويُخرج الوضع عن سيطرتها.

وفي السياق العام، فإن إدارة الحرب المشتركة، الأميركية – الإسرائيلية، قرّرت المضي قدماً في مخطّط استهداف اليمن، على رغم الخسائر المعنوية والمادية الكبيرة التي يتعرض لها الطرفان، والتي تُلزم إسرائيل بتحمل التبعات مهما كانت مؤلمة، خصوصاً أن الظروف السياسية والاستراتيجية تُعدّ مساعدة لها.

ويمكن اختصار بعض تلك الخسائر على النحو الآتي:
– تعرّض تل أبيب والمجمّعات الاقتصادية والسكانية الكبيرة والمنشآت الحيوية يومياً للصواريخ اليمنية، وأحياناً مرتين في اليوم، واضطرار نصف السكان إلى النزول إلى الملاجئ، ما يشكّل إزعاجاً دائماً. وليس أمام إسرائيل في هذه الحالة سوى الاعتماد على قدرات الدرع الصاروخي والإنذار المبكر للمدنيين، في حين يزعم المستوى السياسي الإسرائيلي أن هذه القدرات صمدت في الاختبارات مع الإطلاقات المتكررة من قبل اليمن.

وفي ضوء الأحداث الأخيرة، قرّر جيش الاحتلال توسيع منطقة الأمان، حتى لو كلّف ذلك تفعيل الإنذارات في عدد أكبر من المواقع، أخذاً في الاعتبار أنه يمكن إطلاق صاروخ باليستي أو طائرة مُسيّرة من مناطق مختلفة وإلى أهداف متعددة، وأن يختلف مسار الطيران وطريقة الاقتراب من المجال الجوي في كل مرة.

– الإرباك الدائم الذي تسبّبه الصواريخ اليمنية للرحلات الجوية في مطار بن غوريون في تل أبيب، وهذا ما أكّده موقع «آيس» العبري المتخصّص في الشؤون الاقتصادية، حين اعتبر أن تعليق الرحلات الجوية في «مطار بن غوريون» يثير قلقاً متزايداً في إسرائيل، خاصة بعد استئناف العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها عقب توقف طويل بسبب الحرب. وأفاد الموقع بأن بعض الشركات، التي عقدت اجتماعاً طارئاً أخيراً، قد تتخذ قراراً بوقف رحلاتها إلى المطار المذكور حتى يهدأ الوضع الأمني.

وأشار إلى أن «المخاوف تتزايد مع اقتراب عطلة عيد الفصح اليهودي، والتي تبدأ بعد نحو أسبوعين، حيث كان العديد من الإسرائيليين قد خطّطوا لقضاء عطلتهم في الخارج، إلا أن التصعيد الحالي، إلى جانب استئناف القتال في غزة، يلقيان بظلالهما على هذه الخطط، ولا سيما بعد إطلاق صواريخ من اليمن وقطاع غزة في اتجاه تل أبيب».

– توقّف العمل في ميناء إيلات كلياً لعجز السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل عن الوصول إليه بسبب الحصار اليمني، مع ما يعني ذلك من ارتفاع أسعار الكثير من السلع بسبب التكلفة المرتفعة لاستدارة سفن الشحن عبر الرجاء الصالح.

لقمان عبدالله

قد يعجبك ايضا