كيف يساهم ’الموساد’ في تنفيذ استراتيجية العدو الاسرائيلي عالميا؟
بالأمس وما قبله وعلى مدار تاريخه، نفذ العدو الاسرائيلي وينفذ جرائمه خارج حدود كيانه الغاصب بدم بارد ودون أي اعتبار للقانون الدولي، وحيث تندرج مكافحة أغلب تلك الجرائم التي ينفذها خارج حدود هذا الكيان، ضمن أسس ومهام ودور مؤسسات المجتمع الدولي، كجرائم ضد القانون الدولي العام ( جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الاعتداء على سيادة الدول)، جرائم القانون الجنائي ( الاغتيالات والتصفيات .. الخ )، يبدو هذا المجتمع بمواجهة ذلك عاجزاً، متواطئاً، خائفاً ومتفرجاً، وفي بعض الأحيان مزيجاً من كل ذلك.
بالعادة، درج الكيان الاسرائيلي على عدم الاعتراف بالجرائم التي ينفذها خارج حدود كيانه الغاصب، لكن دائماً ما كانت جميع معطيات و وقائع وحيثيات تلك الجرائم تذهب باتجاه مسؤولية جهاز الموساد الاسرائيلي، من خلال الاكتشاف المباشر للمتورطين بتلك الجرائم، أو من خلال ربط المعطيات والوقائع والحيثيات بالنتيجة وبالدافع، والتي تأتي في النهاية لمصلحة سياسة وأمن وإستراتيجية هذا الكيان .
انطلاقا من مهام جهاز الموساد الاسرائيلي، والذي هو مكلف مبدئيا بالعمليات الخارجية فقط والتي تتوزع بين: زرع العملاء، ادارة شبكات الجواسيس، تجنيد المندوبين، رصد المعلومات، إحباط تسليم الدول المعادية للكيان الأسلحة المتطورة، الاغتيالات، الحصول على معلومات استراتيجية وانشاء علاقات سرية، يمكن تحديد مناورة عمل هذا الجهاز الأمني على الشكل التالي:
إستهداف الأفراد
تتوزع عمليات الموساد في استهداف الأفراد الى أغلب شرائح المجتمعات “الهدف”، والتي تؤثر على أمن ومكانة الكيان الغاصب بشكل عام:
– شريحة المفكرين، والذين ينشرون الوعي في المجتمعات المعادية للكيان الاسرائيلي، وحيث يُعتبرون عاملا مساهما في تحصين تلك المجتمعات ضد مخططات وأهداف الكيان ، يكونون هدفاً لجهاز الموساد، والأمثلة على ذلك كثيرة عبر التاريخ ومنها إغتيال الدكتورة المصرية سلوى حبيب صاحبة كتاب “التغلغل الصهيوني في افريقيا”.
– شريحة العلماء، والذين يشكلون من خلال قدراتهم العلمية ودراساتهم وأبحاثهم، سلاحاً فعالاً في المعركة بمواجهة كيان العدو، وحيث تأخذ هذه المعركة حالياً حيزاً واسعاً من اهتمام العدو الاسرائيلي من جهة والأحزاب والدول المعادية له من جهة اخرى، تكاثرت مؤخراً عمليات الاغتيال والتصفية حيال هذه الشريحة، كاغتيال المهندس الزواري في تونس وعالم الطاقة الفلسطيني الدكتور فادي البطش في ماليزيا. وكانت دائماً هذه الشريحة مستهدفة من الموساد كاغتيال عالم الذرة المصري والمحاضر في جامعى ديترويت الدكتور سمير نجيب عام 1967، واغتيال عالم الابحاث اللبناني رمال حسن رمال في فرنسا عام 1991، واغتيال العالم الايراني مسعود محمدي عام 2010 والمتخصص في فيزياء الجسيمات، واغتيال الكثير من العلماء الذين كان من الممكن أن تؤدي أبحاثهم ودراساتهم الى تطوير أسلحة وقدرات علمية عسكرية تؤثر على العدو الاسرائيلي.
– شريحة القادة العسكريين والمقاومين، حيث يعتبر هؤلاء الاكثر تأثيرا على العدو الاسرائيلي، من خلال قيادة إدارة المواجهة المباشرة معه في أغلب المواقع والمعارك، وخاصة عمليات التحرير التي هُزم فيها، نفذ الموساد العشرات من عمليات الاغتيال لهؤلاء القادة، ومنهم على سبيل المثال اغتيال الامين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي، والقائد العسكري الشهيد عماد مغنية وغيرهم الكثير من قادة و كوادر حزب الله، بالإضافة لاغتيال العديد من قادة حماس والجهاد الاسلامي.
إستهداف المجتمعات
ويعمل جهاز الموساد في ذلك على استهداف مجتمعات الدول المعادية له من خلال النواحي التالية:
– إجتماعياً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام المفتوح والنواحي الثقافية، في الكتب والمنشورات والافلام السينمائية والمحاضرات المشبوهة، والهدف من ذلك ضرب المجتمع وافساده واضعافه عبر زرع الأفكار الهدامة لدى الشباب خاصة.
– إقتصادياً، من خلال اضعاف اقتصاده وتجارته وأعمال أبنائه في الخارج والداخل، ومن خلال منافسة أسواقه الخارجية واقفال تلك الأسواق بوجه منتوجاته، بالإضافة لإغراقه بالصفقات الخاسرة وبالديون عبر شركات عالمية مالية، تكون في الحقيقة عميلة لشركات كبرى مرتبطة بشبكات مالية يهودية، وهنا تلعب قدرات اللوبي اليهودي المالية الضخمة دوراً أساسياً في تلك الاستهدافات الاقتصادية والمالية للمجتمعات.
– سياسياً، من خلال زرع الشقاق والفتنة بين مكونات كل دولة مستهدفة من جهة، وبين أكثر من دولة مستهدفة من جهة أخرى، عبر استغلال العامل المذهبي والطائفي والعنصري، ومن خلال العمل على المتناقضات السياسية بين الأطراف الداخلية لكل دولة، أو من خلال العمل على المصالح المتضاربة أحياناً بين دول أخرى، للوصول الى سلطة ضعيفة القرار غير متماسكة، غير قادرة على اتخاذ موقف موحد أمام المجتمع الدولي، وللوصول الى ضرب أي تحالف أو تقارب بين الدول المعادية لهذا الكيان الغاصب.
وأخيراً، لا شك أن مواجهة إستراتيجية العدو الاسرائيلي، التي ينفذها عبر جهاز الموساد هي من الصعوبة بمكان، لا يمكن التعامل معها أبداً ببساطة أو استخفاف، ولا بد من العمل الدؤوب للوصول الى معادلة قادرة على مواجهة أهداف ومهام الموساد عبر العالم، من خلال دفع مؤسسات المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتها فيما خص الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني عبر الجهاز المذكور، أو من خلال نشر الوعي داخل كل دولة مستهدفة من قبل هذا العدو، عبر خلق استراتيجية مواجهة فعالة، أمنيا واعلاميا وديبلوماسيا واقتصاديا، فهل نحن جاهزون للعمل على ذلك، بعيداً عن كافة التجاذبات والخلافات الداخلية أو مع الدول العربية المحيطة والمستهدفة مثلنا، أم أننا نستسلم تاركين مصيرنا كمجتمع ودولة بيد أذرع الموساد الاخطبوطية الخطرة؟