كيف هزم طوفان “اليمن” واشنطن وأقلق “إسرائيل

اليمن- استغل اليمنيون بمهارة واقع حال القطع البحرية الأمريكية المنهكة. رافضين الابتعاد أو الاستسلام. مصعدين من أدوات المناوشة والهجوم المباغت الذي لا يتوقف. على الرغم من الجهود التي تبذلها البحرية الأمريكية وحلفاؤها.
الأمر هنا يتعلق بمعجزة يمنية، فأن تبقي دولة تعاني الحرب والفقر أحد أكثر الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، “البحر الأحمر”. مغلقاً منذ عامين تقريباً. مجبرة غالبية حركة الملاحة البحرية لتحويل مسارها في اتجاه “رأس الرجاء الصالح” الأطول والأكثر تكلفة.
الحقيقة القائمة على الأرض وهي أن “واشنطن” فشلت في الحفاظ على حرية الملاحة البحرية في واحدة من نقاط الاختناق البحرية الرئيسية في العالم.
فقد قلبت التجربة اليمنية المعادلات التقليدية للحروب. حيث مكنت الثورة التكنولوجية في الحرب البحرية ذات الصلة بأنظمة الصواريخ المضادة للسفن والطائرات بدون طيار القوات اليمنية من قطع “مضيق باب المندب” الاستراتيجي في “البحر الأحمر”.
ولاستعادة جزء من القوة إن لم نقل كرامة “ترامب” الذي يرغي ويزبد ويهدد ويتوعد، شنت الطائرات الحربية الأمريكية عشرات الغارات على أنحاء مختلفة من اليمن. إلا انها لم توقف الهجمات على “إسرائيل” أو على السفن وحاملات الطائرات الامريكية التي فضلت الفرار أمام قوة الضربات. لتستعيض “واشنطن” عن ذلك باستعمال الطائرات الاستراتيجية الضخمة التي تنطلق من المحيط الهندي. وسط أخبار نقلتها “واشنطن بوست” عن محاولات تسخير قوى مؤيدة لواشنطن لاحتلال ميناء “الحديدة” الاستراتيجي، للتنفيس من هاته الضربات الموجعة التي مرغت “ترامب” وإدارته في الوحل الاستراتيجي اليمني.
وبطبيعة الحال فإن هاته الوقائع سيكون لها تداعيات خطيرة على “الولايات المتحدة” كقوة بحرية عالمية.
فالتجربة اليمنية قدمت مجموعة من الدروس في مواجهة أعتى القوى العسكرية العالمية. بدءا من أهمية التكنولوجيا في المعركة. فالطائرات بدون طيار وأنظمة الصواريخ الأرضية يمكنها الآن استهداف السفن الحربية السطحية على بعد مئات أو حتى آلاف الأميال من السواحل الساحلية.
وهو ما تؤكده الوقائع في البحر الأحمر حيث تجد البحرية الأمريكية نفسها في وضع صعب. الأكيد أن البحرية الأمريكية لم تعد بالفعل أكبر أسطول بحري في العالم، بعد أن تنازلت عن هاته الريادة لصالح الصين.
وعلى الرغم من محاولات “واشنطن” البحث عن طرق فعالة لإسكات المسيرات اليمنية والصواريخ المضادة للسفن. إلا أن حاملات الطائرات القديمة والسفن الحربية الأخرى، المجهزة بطائرات مأهولة وأنظمة صواريخ متطورة وباهظة الثمن. فشلت في أداء المهمة. فيما تفوق الجيش اليمني بامتياز في اصطياد هاته السفن. ليستعيض “ترامب” عن هذا الاحراج الاستراتيجي والفشل العسكري وانكشاف خواء منظومة واشنطن البحرية بقصف المدنيين والمنشآت المدنية بطائرات استراتيجية عملاقة تنطلق من المطارات الأرضية بالمحيط الهادي.
والدرس الثاني هو أن البحرية مرهقة. بعد اضطرار “واشنطن” إبقاء حوالي مجموعتين من حاملات الطائرات مرابطتين في منطقة “البحر الأحمر” لصد هجمات اليمنيين على السفن الحربية والتجارية. إلا أنه وعلى الرغم من هاته القوة الجبارة الموظفة لا يزال “البحر الأحمر” مغلقاً فعليًا.
كما أن هناك تحديات أخرى. ضمنها التحدي الصيني للبحرية الأمريكية. وهكذا يواجه أسطول المحيط الهادئ الأمريكي، الذي يتألف من حوالي 200 سفينة. أكثر من 400 سفينة حربية تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني مباشرة.
ولن يكون بمستطاع البحرية الأمريكية بلوغ حجم البحرية الصينية. وذلك لكون أحواض بناء السفن الأمريكية المتقادمة لا تملك القدرة الإنتاجية اللازمة. ومع ذلك، فإن المهمة الأساسية لأسطول المحيط الهادئ هي الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة في المعاهدات، “الفلبين”، “اليابان” و”كوريا الجنوبية”، في أي صراع مع “الصين”. كما يجب أن يكون مستعداً للدفاع عن “تايوان” حتى بدون التزام بمعاهدة دفاعية.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاد إمكانية حصول أية مواجهة مع “إيران”. فيما يكثر الحديث عن هجوم وشيك كبير من البحرية على البرنامج النووي الإيراني.
أمام هاته الجبهات المتنوعة والمفتوحة على كافة التطورات ومع الحرب التجارية القائمة. والعدوان “الإسرائيلي” على “غزة”. سيجد “ترامب” نفسه مجبرا على رفع الراية البيضاء أمام هجمات اليمنيين الصاروخية والطائرات المسيرة.
وتلعب “واشنطن” آخر اوراقها بتصعيد الهجوم على “اليمن”، مخصصة موارد أكبر من القوة الجوية (بما في ذلك طائرات B2 التابعة لسلاح الجو). مستهدفة المنشآت المدنية والبنى التحتية في مسعى لالحاق الهزيمة باليمنيين.
لكن السؤال المطروح، هل القوة الجوية وحدها قادرة على حسم المعركة؟. ملحمة “غزة” أبانت عجز هاته القوة الجوية عن إحداث أي خرق أو انتصار أللهم من سياسة الاغتيالات وقتل الأبرياء، خاصة الأطفال والنساء. دون إغفال التكلفة الباهظة للعدوان. حيث تنفق “واشنطن” أكثر من مليار دولار على الذخائر الجوية في ثلاثة أسابيع فقط. لكن وفي النهاية ماذا تحقق؟. استمرت الهجمات اليمنية في “البحر الأحمر” بقوة وبلا توقف.
تبقى إحدى الخيارات التي لا بد منها أمام “ترامب” هو الانسحاب من “البحر الأحمر” وترك الحلفاء الأوروبيين لوحدهم يتعاملون عسكرياً مع اليمنيين. وذلك لحاجة أوروبا الغربية الاقتصادية لهذا المسار البحري أكثر من “الولايات المتحدة”. دون استبعاد الهواجس الأوروبية ودعمها اللامحدود ل”زيلنسكي” في أوكرانيا. في وقت قررت الولايات المتحدة لعب دور الوسيط وممارسة الابتزاز في حق “أوكرانيا”.
الواقع على الأرض لا يسر “أمريكا” في مواجهة “اليمن” وهي مع ذلك مجبرة على الاستمرار في المعركة والتواجد لكي لا تتسلم “إيران” رسالة خاطئة. فيفهم على أنه تراجع استراتيجي.
وتبقى إحدى الخيارات الممكنة أمام الولايات المتحدة مع صعوبة المشهد اليمني واستعصاءه عن التطويع. ووفق ما نشرته صحف أمريكية. هو الخيار البري عبر تحريك عملاء داخليين وخارجيين لإلحاق الهزيمة باليمنيين. لكن هذا الخيار يبقى ضعيفا على اعتبار انه سيفتح باب جهنم على داعمي هاته التنظيمات، سواء كانوا في “الإمارات” أو “السعودية”. كما أن ما اصطلح على تسميته ب”عاصفة الحزم”، التي جربت في السابق. عبرت عن فشلها والتخلي عنها لصالح الحلول السلمية.
والحقيقة الثابتة المؤكدة هو أن اليمنيين وضعوا “ترامب” وإدارته في مأزق استراتيجي. فمصداقية واشنطن على المحك. فتحقيق اليمنيين التعادل معناه خسارة استراتيجية كبرى ل”واشنطن”. إذ لن يكون أمام “ترامب” إلا خياران التصعيد أكثر، أو مواجهة نكسة أخرى شبيهة بانتكاسة “أفغانستان”، ولكن هذه المرة بإيمان وعزيمة وقوة “يمن” كان دوما عصيا على المعتدين.

محمد حميمداني

قد يعجبك ايضا