رسم زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي في خطابه التاريخي والمليوني معادلةً ما فوق استراتيجية وضعت اليمن على الخطّ الأوّل للصراع العربي الإسرائيلي، يمن الايمان والحكمة الذي كان بعيداً عن القضايا العربية ومتقوقعاً في همومه الداخلية خلال السنوات الماضية، بات اليوم في مقدّمة الدول الفاعلة، لا المنفعلة، في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم أنّ البعض قد يرى هذا الكلام غير واضح أو مترجم على أرض الواقع، لكنّ معادلة البحر الأحمر من جهة، والمعادلة التي رسمها السيد الحوثي قبل يومين تجاه الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، وما بينها معادلات النفط، تؤكد أن اليمن “الفقير” بات بلداً إقليمياً بارزاً لا يمكن تجاهله في معادلات الشرق الأوسط، بعد أن كانت السعودية تعتبره فناءً خلفياً لها إبان الحكم السابق.
السيد الحوثي وفي كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف، أكد أن الشعب اليمني لن يتراجع عن موقفه تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والموقف الحاسم من “إسرائيل” كعدو للأمة الإسلامية، وعلى موقفه المناهض للسياسات الأمريكية مشيراً إلى أن الشعب اليمني لن يتردد في إعلان الجهاد ضد العدو الإسرائيلي وتوجيه أقسى الضربات ضد الأهداف الحساسة في كيان العدو إذا تورّط العدو في أي حماقة ضد شعبنا.
السيد نصرالله أثنى سريعاً على الموقف الشجاع الذي أعلنه القائد السيد عبد الملك الحوثي فيما يتعلق بالصراع مع العدو الإسرائيلي، داعياً إلى التوقّف عنده انطلاقاً من أمرين الأول كأبناء للمقاومة والثاني كشعوب في المنطقة، مشيراً إلى أنّ “أهمية هذا الكلام تكمن في أنه يصدر عن قائد لجبهة ما زالت تقاتل لمدة خمس سنوات قوى العدوان المدعومة أمريكياً وبريطانياً وغربياً، هذا التهديد صادر عن قيادة باتت تمتلك أسلحة متطورة جداً وتمتلك شجاعة استخدام هذه الأسلحة واستخدمتها بالفعل من منطلق حق الدفاع عن النفس”.
تهديدات السيد الحوثي الذي يتمتع بمصداقيّة كبيرة وقدرة على تنفيذ تهديداته، أثارت مخاوف إسرائيلية كبيرة في الساعات الأولى للخطاب، ففي حين قالت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية “هدد الزعيم الحوثي المدعوم من إيران في اليمن، بأن رجاله “لن يترددوا في إعلان الجهاد ضد العدو الإسرائيلي ويؤذونه بشدة إذا قاموا بعمل أحمق ضد شعبنا”، علقت قناة” كان” الإسرائيلية على كلام السيد الحوثي معتبرةً أنه يجب على الإسرائيليين أن يأخذوه بمحمل الجد ونقلت كلام الحوثي الذي هاجم به “إسرائيل” بالحرف الواحد.
اعتدنا على أن تنفذ القوات اليمنية معادلات السيد الحوثي وترسّخها وفق سياسة الصبر الاستراتيجي، وبالتالي لا نستبعد في حال تمّ استهداف أيّ صواريخ يمنية بأن يكون الردّ اليمني سريعاً على حيفا أو تل أبيب أو ربّما ديمونا، لا يتوقّف الردّ على الكيان الإسرائيلي في عمق فلسطين المحتلّة، بل ربّما في البحر الأحمر وربّما في مكان آخر من هذا العالم.
إذن، إن الإعلان الشجاع الذي أطلقه السيد الحوثي في المولد النبوي الشرف يستدعي التوقّف ملياً، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: إن معادلة السيد الحوثي، وفي حين تسير بحركة أنصار الله من لاعب داخلي بارز إلى لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله، كرّرت عنواناً جديداً يبدأ من المحيط وينتهي في المتوسّط، لا يمكن لأيّ آلية جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي أن تستثني اليمن ودوره أو تُبقيه هامشياً.
ثانياً: يعدّ اليمن اليوم أحد أبرز أركان محور المقاومة، ولعل موقعه الاستراتيجي يعزّز من دوره على كل الأصعدة، وبالتالي، في حال اندلاع أيّ مواجهة إقليمية واسعة بين محور المقاومة والمحور الأمريكي سيكون اليمن على خطّ المواجهة، بل سيكون أبرز اللاعبين في هذا المحور.
ثالثاً: يدرك الإسرائيليون جيداً ماذا تعني تهديدات السيد الحوثي فهم يعرفون جيداً أنه صادق في تهديداته وقادر على تنفيذها وأرامكو خير دليل على ذلك، ولكن لماذا أطلق السيد الحوثي هذا التهديد؟ يأتي تهديد السيد الحوثي بعد مزاعم نتنياهو عن وجود صواريخ إيرانية في اليمن موجّهة إلى الكيان الإسرائيلي، وبالتالي كان كلام السيد بمثابة التحذير لنتنياهو وقيادته العسكرية في حال سوّلت لهم أنفسهم تنفيذ أي ضربات في اليمن على شاكلة تلك الضربات التي ينفذونها في سوريا والعراق.
إن تنفيذ أي ضربة أو القيام بأي مغامرة لن تكون دون ردّ، فالسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج العقبة وباب المندب لن تكون خارج دائرة الاستهداف، ولكن ليست هي فحسب، بل كل المواقع الاستراتيجية في الكيان الإسرائيلي.
إن المعادلة الجيوسياسية الجديدة تعني دخول اليمن مرحلة جديدة في الصناعة العسكرية البالستية، هذه الصناعة التي بدأت ببضع الكيلومترات، باتت اليوم تفوق الـ2000 كلم حيث إن المسافة من صنعاء إلى “تل أبيب” المحتلّة توثّق هذا الرقم.