“كورونا” يعصف باقتصادات العالم.. ودول الخليج أكبر الخاسرين
الإعلام الاقتصادي – خاص 13 يونيو 2020
كل دول العالم بلا استثناء تواصل نزيف الخسائر الاقتصادية منذ ظهور الفيروس التاجي المستجد في الصين نهاية عام 2019 ولكن بنسب متفاوتة، إلا أن البلدان المنتجة للنفط في منطقة الخليج كانت ولاتزال المتضرر الأول والخاسر الأكبر عالميا لاعتمادها على النفط والسياحة كمصدرين رئيسيين للدخل.
قررت أغلب دول المنطقة، اتخاذ إجراءات تقشفية بجانب الحزم التحفيزية لتخفيف الأضرار، مع تفاقم الخسائر المالية لاقتصاداتها بسبب تداعيات تفشي جائحة “كورونا”.
واتجهت الدول العربية إلى تقليص الإنفاق العام، وفي مقدمتها السعودية وعُمان ودبي، بينما لمحت عدد من الدول إلى إجراءات تقشفية محتملة بالفترة المقبلة.
وتوقع صندوق النقد الدولي تراجع صادرات الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، بمعدل 220 مليار دولار خلال 2020، بضغط تداعيات “كورونا” على الاقتصاد العالمي.
وأوضح أن دول المنطقة، أنفقت 64 مليار دولار على إجراءات مواجهة كورونا، كما تحركت البنوك المركزية بسرعة، وتم ضخ أكثر من 47 مليار دولار من السيولة خلال الأسابيع الأولى من الأزمة.
ومع مرور الأيام يتفاقم العجز المالي أكثر من المتوقع في موازنات دول الخليج، ليستنزف ما جمعته في عشرات السنوات من احتياطيات نقدية بل ويدفع بغالبيتها إلى دوامة الاستدانة والركود الاقتصادي.
تعاني السعودية، ومن في فلكها من دويلات الخليج، من عزوف المشترين من دول شرق آسيا عن شراء النفط في ظل معاناة هذه الدول من انتشار الفيروس وتراجع الطلب بسبب أجواء الحجر الصحي التي تطبقها.
وبتأثير من صدمة انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا، قرّرت حكومة الرياض رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 بالمائة وإيقاف بدل غلاء المعيشة، وذلك في إطار مسعى لتخفيف عجز الميزانية وتخفيف المدفوعات بعد أن كان المواطن السعودي ينعم بإعانات وإعفاءات من الضرائب، تقدمها الدولة بفضل عائداتها الكبيرة من الثروة النفطية.
وبينما تواجه المملكة أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، لايزال نظامها الحاكم يدفع المليارات للاستحواذ على أصول خارجية ليثير الكثير من التساؤلات حول جدوى مغامراته غير محسوبة النتائج.
قررت السعودية وقف صرف بدل غلاء المعيشة لمواطنيها بدءاً من يونيو الجاري، كإحدى أدوات ترشيد الإنفاق الذي باشرت تطبيقه مؤخرا، لمواجهة تراجع الإيرادات الناجمة عن هبوط أسعار النفط، والتبعات الاقتصادية لجائحة كورونا.
تأتي هذه الإجراءات، استكمالاً للقرارات المتخذة مسبقاً بخفض الإنفاق في الميزانية بنسبة 5 بالمئة وتجميد نشاطات وإلغاء أخرى، للحد من تفاقم الآثار السلبية للأزمة من مختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
وتبلغ قيمة الإجراءات التقشفية بالمملكة نحو 100 مليار ريال (26.66 مليار دولار)، شملت إلغاء أو تمديد أو تأجيل لبعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي.
لم يكد قطاع السياحة الوليد في المملكة يبدأ الانتعاش حتى عاود التراجع مرة أخرى متأثرا بقرارات منع منح تأشيرات السياحة والعمرة إلى البلاد، ما خفض حجم السياحة بنسبة 80 بالمائة، وهي ضربة أخرى للميزانية التي كانت تستهدف تنويع مصادر الدخل.
على الصعيد المحلي يواجه الاقتصاد اليمني، المنهك أصلا، انهيارا متسارعا أكثر من غيره بسبب توقف كل قطاعاته الإنتاجية جراء الحرب والحصار المفروض عليه بالتزامن مع تراجع تحويلات مغتربيه في الخارج، خصوصا في دول الخليج التي تأثرت اقتصاداتها كثيرا منذ تفشي الفيروس، وفي مقدمتها السعودية التي ظلت تتعامل مع اليمن كتابع لها وحالت دون استقراره وصولا إلى شن الحرب عليه وتدمير كل مقدراته.
في الإمارات أصدرت إمارة دبي، تعميماً بشأن خفض الإنفاق الرأسمالي بواقع النصف على الأقل، وتقليص النفقات الإدارية والعامة بما لا يقل عن 20 بالمئة، ووقف التعيينات الجديدة حتى إشعار آخر، لتجنب تداعيات الفيروس.
وأبلغت دبي جميع الهيئات الحكومية بتعليق جميع مشاريع التشييد التي لم تبدأ حتى إشعار آخر، وعدم السماح بأي زيادات في الإنفاق لمشاريع البناء الجارية.
ونص التعميم على خفض المصروفات الرأسمالية بحد أدنى 50 بالمئة، مع الأخذ بعين الاعتبار إيقاف العمل بالمخصصات المالية لبنود (السيارات، الأثاث، البرمجيات، جميع المبالغ المخصصة للاستبدال والإحلال).
وأظهر استطلاع أجرته غرفة تجارة دبي أن 70بالمائة من الشركات تتوقع إغلاق أبوابها في غضون الأشهر الستة المقبلة، وذلك بسبب تفشي فيروس كورونا وحالة الإغلاق العالمية.
وعلى الرغم من أن دبي تتمتع بواحد من أكثر الاقتصادات تنوعا في الخليج، يشمل قطاعات مثل السياحة والترفيه والخدمات والعقارات، إلا أن ما يقرب من نصف المطاعم والفنادق توقفت عن العمل، كما أغلقت غالبية شركات السفر والسياحة والنقل والتخزين.
وتواصل الشركات في الات السبع المكونة لدولة الإمارات، تخفيض الرواتب ووضع الموظفين في إجازة بدون راتب، وخفض مستويات التوظيف.
وتأتي أزمة كورونا بعد عدة سنوات من انخفاض الإيرادات لبعض أهم قطاعات دبي، وخاصة العقارات والضيافة، حيث انخفضت أسعار العقارات السكنية بنسبة 30بالمائة عن ذروتها عام 2014 وسط زيادة العرض وضعف الطلب، وانخفضت الإيرادات لكل غرفة فندقية متاحة بأكثر من 25 بالمائة منذ عام 2015.
ولم تفلت الإمارات من الخسائر المرتبطة بالجانب السياحي إذ تسبب الفيروس في إلغاء معرض إكسبو دبي 2020 الذي كان مقررا في شهر أكتوبر، الذي يدر عليها قرابة 15 مليار دولار ويجلب إليها آلاف السياح من كل بلدان العالم.
نال الفيروس من حركة السفر في الدول الخليجية وأصاب حركة التجارة والتصدير عبر الموانئ بالشلل، خصوصا في الإمارات، التي تعتبره رافدا أساسيا لميزانيتها، كما طاولت أضرار الفيروس الدول الخليجية الأخرى الكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين فيما يتعلق بتراجع عائدات النفط وانهيار أسهم الشركات وتراجع قطاعي التجارة والسياحة ولكن بدرجة أقل من السعودية والإمارات.
إلى قطر التي دخلت في دوامة من الاقتراض المفرط، كشفت عنها بيانات مصرف قطر المركزي التي أكدت حاجة الدوحة لنحو 2.8 مليار دولار خلال الأشهر الستة المقبلة لسداد ديونها الداخلية.
وتشير مواعيد استحقاق الديون الداخلية إلى أن شهر سبتمبر المقبل من أصعب الشهور على الحكومة التي ستكون ملزمة بسداد نحو 1.9 مليار دولار لدائنيها، ما يفتح الباب أمام مزيد من الاقتراض، في ظل شح الموارد وتراجع معدلات الاستثمار.
وما يضفي الكثير من الضبابية على مستقبل الاقتصاد القطري انهيار معدلات الطلب عالميا على الغاز في أعقاب انتشار وباء كورونا، ما أدى إلى تسارع وتيرة خسائر الاقتصاد الذي انكمش بنحو 1.4 في المئة وفق بيانات مصرف قطر المركزي.
وتزامنت أزمة الطلب مع تراجع أسعار الغاز لأقل من دولارين، وهي مستويات سعرية أقل من نظيرتها قبل 52 أسبوعا.
على إثر ذلك أصدرت وزارة المالية القطرية تعليمات إلى الوزارات والمؤسسات والكيانات الحكومية لخفض الرواتب والنفقات الشهرية للموظفين غيرالقطريين بنسبة 30 بالمائة، بدءا من يوليو المقبل، حيث يشكل الأجانب في قطر 95 بالمائة من إجمالي القوى العاملة.
ومن الممكن، وفقا لوكالة بلومبيرغ، أن يهدد خفض الوظائف والرواتب للأجانب النمو الاقتصادي في قطر، من خلال زيادة خطر نقص العمالة وإلحاق الضرر بعائدات إنفاق المستهلكين.
وكانت ديون قطر ارتفعت بنهاية 2019 إلى 53.8 مليار دولار بزيادة 71.8 في المئة خلال 3 سنوات.
وإلى الكويت حيث كشفت وثيقة حكومية صادرة عن إدارة الاقتصاد الكلي التابعة لمجلس الوزراء، عن خسائر تكبدها القطاع الخاص منذ بداية تفشي فيروس كورونا بنحو 48 مليار دولار.
وأقرت الحكومة الكويتية مؤخرا ، إعادة النظر في أرقام ميزانية العام المالي 2020-2021 بما يحقق أقصى ترشيد ممكن في بنودها، من خلال إلزام الوزارات والمؤسسات بتخفيض 20 بالمئة على الأقل، تعادل نحو 4.5 مليار دينار (14.6 مليار دولار).
وشملت المقترحات، عدم المساس بالبند الأول “الرواتب والأجور”، وتأجيل جميع المشاريع الإنشائية التي لم يجرِ التعاقد عليها، كذلك إعادة النظر في المشتريات العسكرية والعمل على تأجيل أو تخفيض حجم المشتريات.
سلطنة عمان هي الأخرى تبنت إجراءات تقشف إضافية في نفقات موازنتها للعام الجاري، لمواجهة التبعات الاقتصادية السلبية لتفشي الجائحة وهبوط أسعار النفط، حيث أصدرت 13 منشورا ماليا تستهدف خفض الإنفاق العام بقيمة 500 مليون ريال (1.301 مليار دولار) بميزانية السلطنة خلال عام 2020.
وزادت السلطنة من إجراءاتها، بتخفيض إضافي بنسبة 5 بالمئة على الموازنة المعتمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية لعام 2020، ليصبح إجمالي التخفيض بنسبة 10 بالمئة.
وتدرس سلطنة عُمان، وفقا لوكالة بلومبيرغ، إمكانية طلب مساعدة مالية من دول خليجية أخرى لمساعدتها في التعامل مع التأثير الاقتصادي لجائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط.
وكانت الوكالة ذكرت في مارس الماضي أن عُمان تجري محادثات تمهيدية مع البنوك المحلية والدولية لجمع ما يصل إلى مليار دولار من القروض في النصف الأول من هذا العام.
فيما أعلنت البحرين، في نهاية أبريل الماضي، خفض إنفاق الوزارات والهيئات الحكومية بنسبة 30 بالمئة لمساعدة البلد على اجتياز تداعيات تفشي فيروس كورونا.
وفي مايو الفائت قدرت الجامعة العربية تأثيرات جائحة «كورونا» على الاقتصاد العربي، بنحو 1.2 تريليون دولار، وتوقعت فقدان 7.1 مليون عامل وظائفهم.
وسلط تقرير صادر عن قطاع الشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة للجامعة الضوء على الانعكاسات قصيرة وطويلة الأجل، وتأثير تلك التداعيات على قطاعات الصحة والزراعة والغذاء والتنمية ..مؤكدا أن الأزمة ستترك تأثيراً سلبياً على النمو الاقتصادي بالدول العربية، مفصحا عن تقديرات للخسائر الاقتصادية للأزمة، وتكاليفها تبلغ
1.2تريليون دولار.ووزع التقرير تلك الخسائر على فواقد في رؤوس أموال الأسواق قوامها 420 مليار دولار، وخسائر بقيمة 63 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لدى الدول الأعضاء، وديون إضافية تبلغ 220 مليار دولار، وخسائر يومية من إيرادات النفط قدرها 550 مليون دولار، وتراجع للصادرات بقيمة 28 مليار دولار، و ملياري دولار من إيرادات التعريفات الجمركية، وفقدان 7.1 مليون وظيفة في عام 2020.
وتوقع تقرير الجامعة أن تكون لتداعيات الفيروس تأثيرات بعيدة الأثر على الاقتصاد العالمي والعربي، خصوصاً لدى الدول مرتفعة البطالة، ومستويات سوء التغذية، كما سيزيد الضغط على قطاعات الأعمال الخاصة التي ستضطر إلى الإقفال وتسريح الموظفين والعمال.
إلى ذلك توقع تقرير صادر عن بنك التنمية الآسيوي، بلوغ خسائر الاقتصاد العالمي 8.8 تريليون دولار، جراء تفشي فيروس كورونا ..لافتا إلى أن الخسائر الاقتصادية في آسيا والمحيط الهادئ يمكن أن تصل 2.5 تريليون دولار، فضلا عن أن المنطقة تمثل حوالي 30 بالمائة من التراجع العام في الناتج العالمي، ومن المحتمل أن تتكبد الصين خسائر تتجاوز 1.6 تريليون دولار.
ويشير التقرير إلى أن إغلاق الحدود والقيود المفروضة على السفر وحالات الإغلاق التي تطبقها البلدان المتأثرة بالجائحة بهدف وقف انتشار المرض من المرجح أن تساهم في تراجع التجارة العالمية بمقدار 2.6 تريليون دولار.
كما ستشهد أعداد العاملين على المستوى العالمي تراجعا يتراوح بين 158 مليون وظيفة و242 مليونا، وستشكل آسيا والمحيط الهادئ 70 بالمائة من إجمالي خسائر التوظيف، وينخفض دخل العمالة حول العالم بمقدار 1.2 تريليون دولار إلى 1.8 تريليون دولار.