اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
في شهر رمضان المبارك شهر التزود بالتقوى، في كل ما يتصل بها في واقع الحياة من: أعمال، ومسؤوليات، ومواقف، وفي شهر نزول القرآن الذي هو: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، هو كتاب الهداية والنور، كتاب الوعي والبصيرة، دعا الإمام الخميني “رضوان الله عليه” إلى تخصيص الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في كل عام، ليكون يوماً يسمى (يوم القدس العالمي)، في بيانٍ وجهه للمسلمين، في شهر رمضان عام 1399 للهجرة، أراد بذلك:
أن يكون ذلك اليوم يوماً لاستنهاض المسلمين، وتذكيرهم بمسؤوليتهم الدينية تجاه مقدَّساتهم في فلسطين، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف، وتجاه فلسطين كجزءٍ من الأمة الإسلامية، وأيضاً تجاه الخطر الصهيوني اليهودي، الذي هو خطرٌ يهدد المسلمين جميعاً.
ولأجل أن تبقى مشاعر الرفض لإسرائيل حيَّةً في نفوس المسلمين، في مقابل السعي الحثيث من الأعداء وعملائهم المنافقين، لإيجاد قابليةٍ للعدو الإسرائيلي، وتقديمه كصديقٍ وحليف.
ومن أجل أن تبقى القضية حيَّةً في نفوس المسلمين باعتبارها تعنيهم، وعليهم تجاهها التزامٌ إيمانيٌ، دينيٌ، أخلاقيٌ، إنسانيٌ.
ولتكون كذلك مناسبةً لرفع مستوى الوعي، الذي هو أول متطلبات المعركة مع ذلك العدو، ويوماً عاماً لتعبئةٍ عامةٍ للمسلمين.
لذلك يعتبر إحياء هذا اليوم مهماً لكل هذه الاعتبارات المهمة في نفسها فعلاً، والجديرة بالاهتمام.
وكذلك للتعبير عن الموقف الحق تجاه هذه القضية، بل ومع الزمن والتطورات والمتغيرات، ومستوى الانحراف العلني الظاهر للمنافقين من أبناء الأمة، تزداد الأهمية، في مقابل جهودهم السلبية والسيئة لتمييع الموقف، وتغيير النظرة إلى ذلك العدو، والارتداد عن الثوابت القطعية من جانبهم، جانب بعض الأنظمة العربية، بعض الأنظمة في العالم الإسلامي، التي اتجهت تحت عنوان التطبيع للتحالف والتعاون مع العدو الإسرائيلي.
أول متطلبات الموقف، والصراع مع العدو الإسرائيلي، هو: الوعي، ويوم القدس هو يومٌ مهمٌ في زيادة الوعي، وفي التذكير بالحقائق الثابتة، الواضحة، التي يجب أن تبقى هي منطلقاً للموقف.
أول هذه الحقائق الثابتة، الواضحة، الصارخة: أنَّ الكيان الصهيوني الإسرائيلي، ومن ورائه اللوبي الصهيوني في العالم، هو عدوٌ للإسلام والمسلمين، ويجب أن يتخذوه عدواً، هذه حقيقةٌ واضحة، شهد بها الواقع، وهي من أوضح الحقائق، وأبينها، وأجلاها، وأقواها، شهد لها الواقع في نشأة الكيان الصهيوني، وسيرته، وفعله، وممارساته، وسياساته، من أول الحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين وإلى اليوم.
الكيان الإسرائيلي كيانٌ قام على ارتكاب الجرائم، واغتصاب الأرض، ومصادرة الحقوق، وارتكاب أبشع وأفظع الجرائم، واحتلال بلاد المسلمين في فلسطين وفي غيرها.
هذه ممارسات عدائية، ما هي العداوة، إن لم تكن جرائم القتل، والإبادة، والتهجير، والتدمير، واحتلال الأرض، وانتهاك الأعراض، وكل أشكال الاعتداءات، وكل ما يعتبر عداءً مارسه الكيان الصهيوني، ويمارسه باستمرار، كسلوكٍ مستمرٍ لا يتوقف عنه؟! شيءٌ بسيطٌ من ذلك، أو جزءٌ محدودٌ من ذلك يعتبر عداءً بما فيه الكفاية.
إضافةً إلى أن العداء للإسلام والمسلمين هو بالنسبة للعدو الإسرائيلي عقيدة، وثقافة، وفكر، وليس فقط ممارسة، هو ممارسة، لكن منبعها عقيدةٌ، وثقافةٌ، وفكرٌ، وعقدةٌ، عقدةٌ شديدةٌ جداً، هم يحملون عقدة تجاه المسلمين.
فالواقع تجلَّت فيه هذه الحقيقة على أكبر مستوى، كم شن من حروب، كم يشن من جرائم، كيف هي الممارسات العدائية بشكلٍ يوميٍ لا يتوقف، خلال كل هذه العقود من الزمن: جرائم القتل، جرائم التدمير، جرائم الاغتصاب، الانتهاك للأعراض… كل أشكال الجرائم التي يمارسها ضد المسلمين، إضافةً إلى مؤامراته الشاملة، مخططاته التي يتحرك على أساسها لاستهداف الأمة الإسلامية في جوانب كثيرة، ومجالاتٍ متعددة، سنتحدث عن البعض منها.
مع ما تجلى في الواقع بكل وضوح، وعرف به العالم أجمع، أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة منذ نزوله، منذ الصدر الأول للإسلام، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، فأول عدوٍ هو أشد عداءً، وليس مجرد عدوٍ كسائر الأعداء، هو بين الأعداء الأشد عداءً للمسلمين، والأشد حقداً على المسلمين، والأشد كرهاً للمسلمين، والأشد سعياً للنكاية بالمسلمين، هي عداوة يتحرك على أساسها في سياساته، في مخططاته، في مؤامراته، في مواقفه، يتحرك على أساسها عملياً، ليست كحال بعض المسلمين، الذي يقول هو يعاديهم، لكن يعاديهم بقلبه، ولا يريد أن يكون له منهم أي موقف.
يقول الله عنهم، يبين مدى عداوتهم، مدى حقدهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]، يعني: أنهم يودون، يحبون، ويتمنون، ويرغبون أشد الرغبة، ويعملون بناءً على ذلك، هذا يمثل بالنسبة لهم دافعاً شديداً لكل ما فيه عنتكم، لكل ما فيه ضررٌ عليكم، خطرٌ عليكم، مشقةٌ لكم، فعداؤهم هو إلى هذا المستوى: أنهم يرغبون أشد الرغبة، ويمتلكون هذا الدافع وهذا الحافز، للمؤامرة عليكم، ولفعل كل ما يستطيعون فعله، مما فيه ضررٌ عليكم، أو شرٌ لكم، أو خطرٌ عليكم، له تأثيرٌ سيءٌ عليكم.
يقول عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، يعني: مشاعرهم متأججة بالعداء الشديد لكم، ليست حالة العداء لديهم في مستوى فقط أن تكون مجرد دافعٍ عاديٍ كأي دافع، دافعٍ شديد؛ لأن مشاعرهم متأججة، يستعر في أنفسهم الحقد عليكم، الكره لكم، البغض لكم، العداء الشديد لكم، إلى درجة أن يعضوا عليكم الأنامل في خلواتهم واجتماعاتهم السرية، فمشاعرهم متأججة بالحقد الشديد جداً عليكم.
في سياق ما يذكره القرآن الكريم عنهم، عن عدائهم، عن مؤامراتهم، عن أساليبهم التي يستهدفون بها المسلمين، ويقدمهم على أنهم أعداء، يؤكد ويقول “جلَّ شأنه” موضحاً لنا: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء: من الآية45]، هو الذي قال لنا أنهم أعداء، أعداءٌ لنا، هو الذي أخبرنا بعداوتهم لنا، وكيف يتحركون على أساسها بكل الأساليب والوسائل للإضرار بنا، وهو يقول لنا ذلك عن علمٍ بمن هو العدو، وكيف عداؤه، وما يشكله في عدائه من خطورةٍ علينا كأمةٍ إسلامية.
وبناءً على ذلك، بقدر ما أخبرنا عنهم، وهذا كثيرٌ جداً في القرآن الكريم، أنهم أعداء، وكيف يعادوننا، وماذا يعملون في إطار عدائهم لنا، وكيف يتحركون في المجالات الواسعة، هذا على أساس أن نتخذهم أعداء، كما قال عن الشيطان: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: من الآية6]، وهذا هو الشيء الطبيعي في الواقع البشري، والشيء الفطري: أن الإنسان يتخذ عدوه عدواً، يعادي من يعاديه، من يتحرك ضده، من يسعى إلى النيل منه، من يعمل بالمكيدة له، من يحاربه، من يعتدي عليه، من يستهدفه، الشيء الطبيعي للإنسان بفطرته أن تكون ردة الفعل أن يعادي عدوه.
فهم عدو، وأن نتخذهم أعداء: أن نتحرك عملياً، من خلال وعينا بما ذكره الله عنهم، وما شهد به الواقع، مما قد عرفه العالم أجمع، وأن يكون ذلك حافزاً لنا على التحرك، دافعاً لنا على التحرك، وأن نستشعر المسؤولية أمام الله تجاه أنفسنا كأمةٍ إسلامية، كشعوبٍ مسلمة، كبلدانٍ مسلمة، أن ندرك أننا نحن المعنيون أولاً في مواجهة ذلك العدو، الذي يعادينا، يحقد علينا، يتآمر علينا، يستهدفنا، يحاربنا بكل أشكال المحاربة، وأنه في حالة عملٍ دؤوبٍ مكثفٍ كله عدائي، يتوجه نحونا نحن كمسلمين، هذا من المفترض- إذا بقيت فطرتنا سليمة- أن يستفزنا، وأن يحفِّزنا، وأن يكون دافعاً لنا إلى التحرك، ثم أن نستشعر المسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى” تجاه ذلك، في أن نتحرك كما ينبغي.
لا يكفي أن نقر بأنه عدو، كما هو حال الكثير، يقول: [فعلاً عدو]، وانتهى الأمر، البعض لا يتجه حتى على مستوى أن يزداد وعياً تجاه ذلك العدو، تجاه مؤامراته، تجاه مخططاته، تجاه أساليبه لاستهداف الأمة؛ ليعرف بالتالي ما يجب أن نفعل، وكيف نتحرك في التصدي لمؤامرات ذلك العدو في مختلف المجالات.
ثم إلى جانب ذلك، هناك العمل الكبير الذي يتزايد من جانب بعض الأنظمة العميلة المنافقة، وبعض الحكومات المنحرفة، المنافقة، التي تريد هي تقول، وتريد أن تقنع المسلمين، وتقنع شعوب هذه الأمة، وتقنع شعوبها: بأنَّ العدو الإسرائيلي ليس بعدو؛ إنما هو حليف، إنما هو صديق، إنما هو من يجب أن تقف الأمة معه، وأن تتعاون معه، وأن تتحالف معه، ضد من يعاديه، ضد من يتصدى له، ضد من يقف بوجهه، ضد من يسعى لإعاقة مؤامراته ومخططاته.
هذا هو بالتحديد ما يتحرك فيه النظام الإماراتي، والنظام السعودي، ومعهما بعض الأنظمة، ومعهما آل خليفة من البحرين… وبعض الأنظمة، يتجهون بشكلٍ علني، يسخِّرون كل وسائلهم الإعلامية: القنوات، الصحافة، الكُتَّاب… وكل جيشهم الإعلامي، جعلوا هذه المهمة مهمةً رئيسيةً له، كعمل أساسي يشتغل عليه.
إضافةً إلى اتجاههم إلى تغيير المناهج الدراسية عندهم، طبعاً لم تكن مناهج عدائية لإسرائيل نهائياً، ولكن لم يكفهم ذلك؛ إنما أرادوا أن تكون مناهج ترسِّخ النظرة المغلوطة، الغبية، المتنكِّرة للحقيقة تجاه العدو الإسرائيلي، فأن يكون منهجاً يربي أجيالهم على الولاء للعدو الإسرائيلي، على النظرة إليه- كما يقولون هم- كحليفٍ وكصديق، على القابلية بالعدو الإسرائيلي، والقابلية بالتحالف معه، والتعاون معه، ضد أبناء الأمة، ضد الشعب الفلسطيني، ضد المجاهدين في فلسطين، ضد أحرار الأمة، الذين يرى فيهم العدو الإسرائيلي المشكلة والعائق أمام نجاح مؤامراته ومخططاته.
في ظل هذا العمل من جانبهم، يجب ترسيخ الحقيقة القرآنية التي يشهد لها الواقع: أنهم أعداء، وفضح المنافقين، الذين يوالون ذلك العدو، الذي حرَّم الله الولاء له، أكَّد على أنه عدو، وحرَّم الولاء له، وقال “جلَّ شأنه”: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، جعل الولاء له نفاقاً، يعتبر من النفاق، بيَّن خطورة الولاء لهم.
اتخذ المطبِّعون والموالون للعدو الإسرائيلي عنوان السلام كعنوان للتطبيع مع الإسرائيلي، للتحالف معه، للتعاون معه، وهو عنوانٌ مخادع، عنوانٌ مخادع؛ إنما أرادوا أن يجعلوا منه وسيلةً للتحالف مع العدو الإسرائيلي في العداء للأمة، فأي سلامٍ هذا؟!
ولذلك تتجلى عداوتهم للأمة أكثر، بقدر ما يقتربون من الإسرائيلي أكثر، فهم كلما أظهروا ولاءهم، وتحالفاتهم، وتعاونهم معه تحت عنوان التطبيع؛ كلما ازدادوا حقداً، عداءً، نشاطاً عدائياً وسلبياً ضد أمتهم، وضد الأحرار من أبناء هذه الأمة، وحتى ضد الشعب الفلسطيني، الذي يسيئون إليه كثيراً في إعلامهم، ويحاولون أن يقدِّموا صورةً سلبيةً عن المجاهدين من أبنائه.
هذه الحالة تجاه الواقع العربي بالنسبة لبعض الأنظمة العميلة، الخائنة، التي انتهجت نهج العمالة والخيانة، وتتنكر للحقائق القرآنية، هي ارتدادٌ عن الثوابت المعروفة، ارتدادٌ عمَّا كانوا حتى هم يقرُّون به، ويعترفون به؛ لأنهم كانوا يقرُّون، ويظهرون، ويعترفون في المراحل الماضية، أيام كانت علاقاتهم مع الكيان الإسرائيلي والعدو الإسرائيلي علاقاتٍ سرية، أيام كان تنسيقهم معه تنسيقاً سرياً، كانوا في العلن، في الظاهر يظهرون الاعتراف بأنه عدو لهذه الأمة، وبأنه في الموقف الباطل، وأنه يجب مساندة الشعب الفلسطيني، وأنه يجب الوقوف بوجه مؤامرات العدو الإسرائيلي، ثم في الأخير تنكَّروا للحقائق الثابتة، وتنكَّروا للثوابت، التي هي من الثوابت المبدئية لهذه الأمة، وأصبحوا يتنكَّرون حتى للأقصى، وللمقدسات، وللشعب الفلسطيني، وللمجاهدين الذين يعادونهم، فكل ما اقتربوا من الإسرائيلي أكثر؛ كلما كانوا أكثر عداءً ومحاربةً لشعب فلسطين، وللمجاهدين في فلسطين، ولأبناء أمتهم.
مع ذلك، مع كل ما يفعلونه للتودد إلى الإسرائيلي، والتحالف مع الإسرائيلي، والتعاون معه، كل هذا تحت عنوان التطبيع، الذي يعني: الولاء، يعني: التحالف، يعني: التعاون، يعني: التنسيق العلني، يعني: تبنِّي المواقف بشكلٍ علني مع الإسرائيلي ضد الأمة، وضد شعب فلسطين، وضد المجاهدين في فلسطين، مع ارتكابهم هذا المحرَّم- من أكبر المحرَّمات الولاء للعدو الإسرائيلي- فذلك لن يجديهم شيئاً، ليس في مصلحتهم، هم من يخسرون من وراء ذلك، هذا لا يغير من الواقع شيئاً، العدو الإسرائيلي سيعتبرهم أعداء، وإن أظهر أنه تعامل معهم على النحو الإعلامي في بعض الشيء كأصدقاء، أو كحلفاء، لكنه في واقع الأمر لا يحبهم، لا يودهم، لا يقابل ولاءهم بولاءٍ حقيقي، بعلاقةٍ صادقة، سيبقى متآمراً عليهم.
كل ما فعلوه بعلاقاتهم مع العدو الإسرائيلي، بتحالفاتهم، بتطبيعهم معه، كل الذي فعلوه أنهم مكَّنوه من أنفسهم ليضلهم أكثر، وليفسدهم أكثر، وليستغلهم أكثر، هذه الحقائق التي أكَّد عليها القرآن الكريم، ويثبتها الواقع: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119].
يقول هذا للمحبين، للذين تغيَّرت حتى مشاعرهم، فحملت المحبة للعدو، للإسرائيلي، لليهود الصهاينة، لليهود بشكلٍ عام كأعداء لهذه الأمة، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ}، أنتم غيَّرتم أفكاركم تجاههم، غيَّرتم مواقفكم تجاههم، وحملتم في قلوبكم حتى مشاعر المحبة لهم، بالرغم من كل ذلك لَا يُحِبُّونَكُم، ليس لكم عندهم أي قيمة، نظرتهم إليكم إلى أنكم أغبياء، وأنكم تافهون، وأنكم سيئون، وأنه لا قيمة لكم عندهم؛ إنما فقط ليستغلوكم، فأنتم تمكِّنونهم من أنفسكم ليضلوكم أكثر، ليضلوكم في عقيدتكم، في ثقافتكم، في فكركم، في سياستكم، في مواقفكم… في كل شؤون حياتكم، وليفسدوكم، ليفسدوا أخلاقكم، ليفسدوا حياتكم، ليفسدوا كل واقعكم، وهذا الذي يحدث.
أنتم تقدمون لهم هذا العون على أنفسكم أولاً، قبل أن يكون على أمتكم، وضد أمتكم، أنتم أعنتموهم على أنفسكم، وهذه حالة خسارة، خسارة رهيبة جداً، والواقع يشهد.
الآن في الإمارات في فترة وجيزة، أصبح حتى الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن أنَّ المافيا الإسرائيلية جعلت من الإمارات أهم قاعدة لها، وأهم وكر لها، وتتحدث أيضاً عن الأنشطة الإجرامية، والسلبية، والمفسدة، التي يتحرك بها الإسرائيليون، والمافيا الإسرائيلية، ومن يرتبط بالإسرائيليين في داخل الإمارات.
سيتجلى بعد فترة ما وصل إليه الحال لدى النظام السعودي، والنظام الإماراتي، وآل خليفة، الذين يمنحون الصهاينة حتى الجنسيات، يعطونهم فرصة أن يتجنَّسوا، يعطونهم ما لا يعطون حتى لشعوبهم، يتوددون إليهم بأكثر مما يتوددون حتى لشعوبهم، يفعلون لهم ما لا يفعلونه لغيرهم من أبناء الأمة، مع كل ذلك سيخسرون في نهاية المطاف.
الحقيقة الثانية من الحقائق التي أكَّد عليها القرآن الكريم، ويشهد لها الواقع: أنَّ العدو الإسرائيلي كيانٌ فاسدٌ مفسد، وقائمٌ في تكوينه، وممارساته، وأهدافه، وسيرته، وسلوكه على الفساد، والإفساد في الأرض، وليس كياناً طبيعياً كأيِّ كيانٍ بشري، يمكن التعايش معه، والتأقلم معه، والتفاهم معه؛ وبالتالي التعايش في علاقات طبيعية معه، هو كيانٌ قائمٌ على الفساد، فاسدٌ في أصل تكوينه، في أصل نشأته، في أصل كل خطة زرعه في المنطقة قامت على هذا الأساس؛ ليؤدي دوراً إفسادياً وتخريبياً، وهو بحسب الثقافة، العقيدة، الفكر، التوجه، السياسات، الأهداف، الخطط، كلها قائمةٌ على أساس الفساد والإفساد في الأرض، كلها تخريبية، كلها سيئة.
وهذه الحقيقة أكَّد عليها القرآن الكريم، في قول الله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}[الإسراء: من الآية4]، قام وضعهم بكله على هذا الأساس: ليفسدوا في الأرض.
قال عنهم أيضاً: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: من الآية64]، وفسادهم ليس فساداً هيناً، ولا بسيطاً، هو أخطر فساد، هو أكثر الفساد شراً وضرراً، ضرره بالغٌ جداً، ويشمل كل مجالات الحياة، إفسادٌ للحياة بكل ما فيها.
سعيهم للإفساد في كل المجالات هو- بحد ذاته- عملٌ شيطانيٌ عدائي، عدائي واستهدافيٌ للأمة، ثم إنه يبين طبيعة الصراع معهم أنه يشمل كل المجالات؛ لأنهم يتجهون بضلالهم وفسادهم إلى كل المجالات: على المستوى السياسي، والثقافي، والفكري، يشنون حرباً تضليليةً واسعة، سخَّروا لها الإمكانات الهائلة، حرَّكوا فيها كثيراً من عملائهم، ممن هم من العرب، وممن هم من المسلمين، لكن أقلامهم، وكتاباتهم، ومواقفهم، وتحركهم على المستوى الثقافي، أو الفكري، أو الإعلامي، هو لخدمة اليهود، هو ليضلوا الأمة، ليغيِّروا مفاهيمها الصحيحة، رؤيتها الصحيحة، ليحل بدلاً منها المفاهيم الخاطئة، الضالة، التي تضيع الأمة، تتيه بالأمة، تفقد الأمة الرشد الفكري، النظرة الصائبة، الفرقان بين الأمور، بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، بين الحكمة والحماقة، هم يشتغلون في هذا المجال شغلاً واسعاً، امتد شغلهم في هذا الاتجاه، امتدت أعمالهم، أنشطتهم، في المجالات الإعلامية على نحوٍ واسع، في شبكة الإنترنت على نحوٍ واسع جداً، في مواقع التواصل الاجتماعي، في المناهج الدراسية، عملهم واسعٌ في ذلك إلى حدٍ كبير، واشتغلوا عليه لفترةٍ طويلة.
الله قال لنا عنهم: {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، يريدون في كل مساعيهم، في كل سياساتهم، في كل أعمالهم، في كل أنشطتهم، في كل مخططاتهم، يريدون لكم من خلالها وبها وبواسطتها (أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)، إرادتهم ليست مجرد إرادة كامنة، لا يترجمها عمل، ولا تترجمها خطط، هي إرادة اتجهت عملياً على أساسها الكثير من الأنشطة في كل المجالات، لتضليل وإضلال هذه الأمة، لإضلالها.
على المستوى الأخلاقي: حربهم شرسة وواسعة لإفساد أخلاق المجتمع، لنشر الفحشاء، لنشر المنكر، لنشر الفساد الأخلاقي، وكلِّ ما يساعد عليه، وكلِّ ما يوصل إليه، وكلِّ ما يساهم فيه، وكلِّ ما يجرُّ إليه، هم يشتغلون شغل الشيطان، يلحظون المصائد، الشبكات، المصائد التي يصيدون بها الناس، كل وسائل الإغراء، كل وسائل الإفساد النفسي، وفق خطوات، وفق أساليب واسعة، وسخَّروا في هذا العصر الإمكانات والوسائل الهائلة على المستوى الإعلامي، وعلى مستوى السياسات، التي تحكم الناس، وتؤثِّر عليهم حتى في زيهم، في سلوكهم، في طبيعة علاقاتهم، وشغلهم في هذا المجال شغلٌ واسع، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
على المستوى الاقتصادي: أفسدوا اقتصاد الأمة، وأوصلوا الأمة في الجانب الاقتصادي أوصلوها إلى الحضيض، الله قال عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: من الآية105]، لا يريدون لنا أي خيرٍ من الله، لا في الدين، ولا في الدنيا، هم الذين نشروا الربا، حتى أصبح جزءاً أساسياً ورئيسياً من السياسات الاقتصادية في كل العالم الإسلامي، في كل بلدان المسلمين، هم الذين اتجهوا لإبعاد الأمة بأساليبهم، بأساليبهم الخبيثة والماكرة، إلى أن تترك الإنتاج الداخلي، وأن تتحول إلى سوقٍ استهلاكية لمنتجات أعدائها، وتصب كل ثرواتها وإمكاناتها إلى جيوب أعدائها، عطَّلوا الإنتاج الداخلي لدى الأمة الإسلامية، وأفقدوها أن تتحرك اقتصادياً بدافعٍ إيمانيٍ وعقائدي؛ لتكون أمةً قويةً، تنهض بمسؤولياتها، تقف بوجه أعدائها، تفي بالتزاماتها الإيمانية والدينية، وأوصلوا الأمة إلى ما وصلت إليه، حتى أصبحت النظرة في الجانب الاقتصادي لدى الكثير من أبناء المسلمين: أنه يستحيل أن ينهضوا اقتصادياً، أن يحققوا الاكتفاء الذاتي، أن ينتجوا إنتاجاً بجودةٍ عالية… إلى غير ذلك.
على المستوى الاجتماعي: يسعون إلى تفكيك الأسرة، وعنوان المرأة هو عنوان رئيسي بالنسبة لهم؛ لفصل الأسرة وتفكيك الأسرة من الداخل، فصل المرأة عن الأسرة، الاتجاه بها لتكون كياناً مستقلاً، منفصلاً، له مطالبه، له توجهاته لوحده، وهذا تضليل رهيب جداً؛ لأن الواقع البشري قائم على أساس التكوين الأسري.
هدفهم من التضليل والإفساد: الإضعاف للمسلمين، أن يفقدوا هذه الأمة كل عناصر القوة المعنوية والمادية، أن يسيطروا عليها سيطرةً شاملة، سيطرةً على أفكارها، وتفكيرها، وثقافتها، وتوجهاتها، وسيطرةً على الأرض، والإنسان، والثروة، والمقدرات، سيطرةً شاملة، أن يسيطروا على كل شيء، وأن يكون الإنسان المسلم بلا وعي، بلا رشد، بلا فهم، بلا حكمة، بلا رؤية صائبة، بلا فهمٍ صحيح، بلا أخلاق، بلا قيم، أن يفرِّغوه من كل المحتوى الإنساني، حتى على مستوى فطرته، أن يدنِّسوا فطرته، أن يبعدوه حتى عن القيم الفطرية، عن العزة، والإباء، والتحرر الحقيقي، حرَّفوا حتى المفاهيم، حتى مفهوم الحرية، قدَّموا له مضموناً يعبِّر عن الفساد، والقذارة، والدناءة، والرجس، والانحطاط، والفحشاء، فشوَّهوه.
هدفهم ضرب الروح المعنوية.
هدفهم أن تخسر الأمة حتى تأييد الله، حتى معونة الله، حتى النصر من الله.
هدفهم أن يحوِّلوا هذه الأمة إلى أن تبوء بغضبٍ من الله “سبحانه وتعالى”، وأن تتخلى عن قيمها الدينية، ومبادئها الدينية، وأخلاقها الدينية، والتزاماتها الدينية، ومسؤولياتها الإيمانية الدينية؛ حتى يغضب الله عليها، ولا تحظى بنصرٍ من الله، ولا بمعونةٍ من الله؛ لأنهم يدركون أنَّ هذه هي الطريقة التي يمكنهم من خلالها أن يسيطروا على الأمة.
فالأمة إذا رجعت إلى مبادئها بشكلٍ نقيٍ وصحيح، إذا رجعت إلى قيمها، إذا تحركت على أساس هدي ربها، إذا اقتدت برسولها، إذا تحرَّكت على أساسٍ صحيح، وفق توجيهات الله وتعليماته؛ ستحظى من الله بالنصر والمعونة، وستتحصن من كل تأثيراتهم، ومن حالات الاختراق التي يستهدفونها بها؛ وبالتالي ستنتصر؛ لأن واقعهم كعدو قائم على الإفساد، وقائم على التخريب والتضليل، هو في أصله واقعٌ ضعيف، واقعٌ ضعيف، محتومٌ زواله.
من أكبر عناصر ونقاط الضعف التي يعانون منها: أنَّ زوالهم محتوم، فمثلما أخبر الله عن دورهم الإفسادي التخريبي، أخبر عن حتمية زوالهم، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء: من الآية7]، هو “سبحانه وتعالى” القائل: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء: من الآية8].
ضرهم على الأمة، وشرهم الكبير عليها، عندما تبقى في وضعية الاستسلام، في وضعية التنصل عن المسؤولية، أو عندما تتجه بالولاء لهم، والطاعة لهم، إذا تمكَّنوا من تطويع الأمة، وتمكَّنوا من تحويلها إلى أمةٍ مواليةٍ لأعدائها، تواليهم وهم أعداء لها، هنا شرهم الكبير، وضرهم الكبير، وخطرهم الكبير على الأمة؛ أمَّا عندما تتجه الأمة على أساسٍ صحيح، فهي ستحظى بمعونة الله “سبحانه وتعالى”، ويكتب الله لها النصر، ويكتب لها التأييد.
من الحقائق المهمة هي هذه الحقيقة: أنهم عدوٌ مهما بلغ ضرره، مهما بلغ شره، مهما كانت تأثيراته في الواقع، مهما حظي بنفوذ، واستغل هذه الحالة من الفراغ الثقافي والفكري، وانعدام حالة التحصين، لدى البعض من أبناء الأمة، الذين فقدوا منعتهم الإيمانية، حصانتهم الفكرية والثقافية، واخترقوا من جانب العدو واستغلهم، لكنه مع ذلك عدوٌ خاسر، عدوٌ محتوم الزوال، لا يبقى له هذا الكيان القائم، المفسد، المخرِّب، الظالم، المضل، ويخسر معه كل الذين تورطوا في الولاء له، كل الذين اتجهوا على أساس طاعته، كل الذين أطاعوه، سواءً أطاعوه في أن يقفوا معه، أو أطاعوه في أن يتنصلوا عن مسؤولياتهم والتزاماتهم الإيمانية والدينية، في الموقف ضده، كل الذين أطاعوه، كل الذين تنصلوا عن مسؤولياتهم، سيخسروا.
الله “سبحانه وتعالى” قدَّم وعداً مهماً في القرآن الكريم، هو قوله “جلَّ شأنه”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}، وهذا يأتي في سياق الحديث عن حرمة الولاء للأعداء، اليهود ومن معهم من النصارى، الذين بعضهم أولياء بعض، عن حرمة الموالاة لهم، عن حرمة التوجه والمسارعة فيهم، ثم يأتي هذا النص المبارك، هذه الآية المباركة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54].
هذه الآية المباركة تبيِّن أن الله “سبحانه وتعالى” سوف يأتي بقومٍ يحملون هذه المواصفات الواضحة، المهمة، العظيمة، في ظل حالة الارتداد عن الدين، عن المبادئ الدينية، عن القيم الدينية الأصيلة، عن المواقف التي أرشد الله إليها، عن المسؤوليات التي هي جزءٌ أساسيٌ من هذا الدين، من تعليماته، من شريعته، من مبادئه، من آيات الله فيه، من تعليمات الله فيه، من يرتد عنها ويتنصل عنها، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ}، لهم هذه المواصفات العظيمة، التي أولها: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، لهم هذه العلاقة العظيمة المقدسة المميزة مع الله “سبحانه وتعالى”.
في الوقت الذي يتجه البعض من أبناء الأمة لمحبة أولئك الأعداء، الأشرار، المفسدين، السيئين، الأرجس في خلق الله، فيما هم عليه من إجرام، وسلوك، وتضليل، محبةً من طرفٍ واحد، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، يتميز هؤلاء القوم الذين وعد الله بهم أنهم يحظون هم بمحبة الله “سبحانه وتعالى”، وأنهم يحبونه أيضاً، وهذا وسام شرفٍ كبير، يبين ما هم عليه من مواصفات إيمانية عالية.
يقول عنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، عندما نرى الذين اتجهوا في الولاء لإسرائيل، للعدو الإسرائيلي، والولاء لأمريكا، كيف شدتهم على المؤمنين، كيف سوؤهم، وحقدهم، وشرهم، على أبناء أمتهم، كيف جرأتهم، ووقاحتهم، وإساءاتهم ضدهم، في الوقت الذي يبدون أمام الإسرائيلي أذلاء بكل ما تعنيه الكلمة، أمام الأمريكي أذلاء بكل ما تعنيه الكلمة.
أمَّا هؤلاء يقول عنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، تتجلى عزتهم على الكافرين في قوة موقفهم، في صراحة موقفهم، في وضوح موقفهم، في قوة موقفهم، في تحركهم العملي الصادق، ليسوا ممن لا يجرؤ حتى أن يقول كلمة، كلمة قد يتصور أن فيها شيءٌ من الاستفزاز- البعض ولو بنسبة واحد بالمائة- من الاستفزاز للعدو الإسرائيلي، أو الأمريكي، فهو لا يجرؤ أن يقول حتى كلمة، لا يجرؤ على أن يعبِّر عن براءته من الأعداء، لا يجرؤ على أن يكون واضحاً في موقفه منهم، هؤلاء أعزة، (أعزة) بكل ما تعنيه هذه العبارة، في موقفهم، في عباراتهم، في كلامهم، تتجلى عزتهم بشكلٍ عملي، كموقفٍ صادقٍ، جادٍ، قويٍ، وتحركٍ فاعل في كل المجالات، وفي كل ما يستطيعون.
{أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، لا يتنصلون عن هذه الفريضة المقدسة العظيمة؛ لأنهم يثقون بالله، يثقون بوعده الصادق بالنصر، يتوكلون عليه، ولديهم الدافع الإيماني، الحافز الإيماني للاستجابة العملية، فيتحركون في كل المجالات، استجابةً لله، من أجل الله، يمتلكون الدافع الإيماني العظيم، ويتحركون وفق الطريقة التي رسمها الله “سبحانه وتعالى” لهم.
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، مهما كان حجم اللوم، ومهما كانت طبيعة اللوم، في هذا الزمن تتلقى اللوم من كل الذين وقفوا في الصف الإسرائيلي، بشكلٍ إعلامي، بشكلٍ سياسي، حتى بفتاوى دينية تتوجه ضدك؛ لأنك وقفت الموقف الحق، فتجد أحياناً في بعض المواقف كيف يصدر الموقف حتى من بعض الجهات، التي تقدِّم نفسها كجهات دينية منسجماً بشكلٍ تام، ومتطابقاً بشكلٍ تام، وأحياناً متزامناً في نفس اليوم مع الموقف الإسرائيلي، هؤلاء لا يبالون بلوم اللائمين، مهما كانت الماكينة الإعلامية، والضخ الإعلامي، والتهويل الإعلامي، الذي يتوجه بالاستهداف لهم، والإساءة إليهم، والتشويه لهم، مهما كانت الحملات التحريضية ضدهم، مهما تنوعت الإساءات الموجهة نحوهم، للومهم على موقفهم، للتشكيك في موقفهم، للإساءة إليهم في موقفهم، فهم ثابتون؛ لأنهم ينطلقون من منطلقٍ إيماني، وعلى بصيرةٍ من أمرهم وبينةٍ من ربهم، ورشدٍ، واعتمادٍ على هدى الله “سبحانه وتعالى”، وجلاءٍ في الأمور، واستنادٍ إلى الوقائع التي هي ثابتةٌ في الواقع، ملأت سمع الدنيا وبصرها، فهم ثابتون لا يتراجعون.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ}، شرفٌ عظيم، {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، لذلك سيأتي من يتحرك، إنما لينال الإنسان الشرف، لأن يكون ممن يسعى لأن يكون ممن يتحركون ويقفون الموقف المشرف، الذي عبَّر عنه بأرقى تعبير: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ}، أن يحظى الإنسان بهذا الشرف الكبير؛ حتى لا يتقلد العار، لا عار الذين بادروا فأطاعوا العدو الإسرائيلي، فتحركوا في صفه ضد أبناء أمتهم، ولا عار المتخاذلين، الذين أطاعوه في أن يقعدوا، في أن يتنصلوا عن المسؤولية، في أن يكون لهم الدور السلبي تجاه من يتحرك.
هنا ندرك أهمية التحرك، قيمة التحرك، أنه يمثل المنطلق الإيماني، المبدأ القرآني، التوجه الصحيح، على مستوى الفطرة، على مستوى الانتماء الإيماني، على مستوى الصدق مع الله “سبحانه وتعالى”، أنه جزءٌ من التزامنا الإيماني، وأنه ضرورة، ضرورةٌ تدفع عن الأمة سخط الله، وشر أعدائها.
أمَّا الخيارات الأخرى، خيارات التنصل عن المسؤولية، الجمود، القعود، أو الاستسلام، أو الطاعة للعدو، كلها خيرات لصالح العدو، من الواضح أنها خيارات لصالح العدو، من يرى أن على الأمة أن تسكت، أن تجمد، أن تقعد، أن تستسلم، ألَّا تقف أي موقف، ألَّا تتحرك أي تحرك ضد عدوها، ألَّا تقول ضده ولا حتى كلمة واحدة، ومن يرى أن على الأمة أن تتحالف مع العدو، وأن تقف في صفه، كلها خيارات لا تنسجم مع الإيمان، ولا مع الفطرة، ولا مع المصلحة الحقيقية للأمة.
هنا يجب أن نسعى للتحرك في كل المجالات، على كل المستويات؛ لأن المعركة مع العدو الصهيوني هي معركةٌ مفتوحة: في المجال السياسي، في المجال الإعلامي، في المجال الثقافي والفكري، في المجال الاقتصادي… في كل مجال، وأن نتحرك وأن يكون موقفنا واضحاً ضد هذا العدو في كل الاتجاهات.
وأن نهتم بالمقاطعة، المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية جزءٌ من المواجهة.
الهتافات والشعارات المعبِّرة عن العداء للعدو جزءٌ مما علينا أن نعمل، جزءٌ من الموقف، جزءٌ مهم.
التحريض، التعبئة، التحرك في كل المجالات، البناء للقوة في كل المجالات، على المستوى، والاقتصادي… وفي كل المجالات، التحرك للتصدي لمؤامرات العدو ذات الطبيعة التضليلية والإفسادية، هي أيضاً جزءٌ أساسيٌ من معركتنا مع العدو.
التحرك لتحصين الأمة من الداخل، تحصينها؛ لكي لا توالي العدو، لا تقف في صف العدو، ولا مع عملائه، ولا في صف عملائه، الذين يدجنون الأمة له، الذين يشتغلون بمؤامراته في داخل الأمة، الذين ينحرفون بالأمة في عدائها، لتعادي من يقف في وجه العدو الإسرائيلي، هذا مما يجب أن نحرص عليه، الحديث عن هذا يطول.
من المهم أن نعمل على إحياء يوم القدس العالمي، من الإيجابي أن هذا سيكون تحركاً واسعاً، عملية الإحياء في مناطق كثيرة، في بلدان كثيرة وواسعة، ليكون هناك صوتاً يعبِّر عن المسلمين، هو الصوت الذي يعبِّر بحق عن الموقف الحق، الذي يجب أن يتبناه جميع المسلمين.
أمَّا الآخرون: الساكتون، أو الذين يهتفون بالولاء للعدو، بالتحالف معه، بالوقوف في صفه، فلا ينسجم موقفهم بأي حالٍ من الأحوال مع هذا الإسلام، ولا مع الثوابت، الثوابت التي قد اعترف بها كل المسلمين، وإن تنكر البعض لها فيما بعد علناً.
من المميزات في هذه المرحلة، بحمد الله “سبحانه وتعالى”: أن النهضة التي بدأت في واقع الأمة لدى الكثير من أبنائها، سواءً في اليمن، أو في فلسطين فيما يقوم به المجاهدون هناك، أو في لبنان، في إيران، في العراق، في سوريا، في البحرين، هذه النهضة وهذا الوعي، هذا التعاون، هذا التظافر للجهود، هذا التنسيق الذي يزداد يوماً فيوماً، وصولاً إلى إعلان معادلات مهمة جداً، وتثبيت معادلات، هذا هو مسارٌ عظيمٌ، التقت عليه الأمة، والتقى عليه الأحرار من أبناء الأمة.
دور شعبنا في هذا الاتجاه، وهو يمن الإيمان والحكمة، دورٌ- إن شاء الله- ثابتٌ، ودورٌ عظيمٌ، وإسهامه كبيرٌ بإذن الله “سبحانه وتعالى”، سنبقى على هذا الأساس نتكامل مع الأحرار من كل أبناء أمتنا، نتعاون معهم، نقف معهم صفاً واحداً، ويداً واحدة، ضد العدو الإسرائيلي.
مهما كانت مساعي المطبعين والموالين للأعداء، مهما كانت أشكال حربهم، وأساليب استهدافهم لنا، لن نحيد عن هذا الموقف المبدئي، الأخلاقي، الإنساني، القضية تعنينا جميعاً كمسلمين.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج يوم الغد- إن شاء الله- في المسيرات الحافلة والواسعة، المؤمَّل- كما في الأعوام الماضية- أن يكون حضوراً واسعاً، ومميزاً، وكبيراً، يعبَّر عن أصالة شعبنا، عن انتمائه الإيماني، عن وسام الشرف الكبير الذي ناله حين قال فيه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم”: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، يعبِّر عن الموقف المناصر للإسلام، المستجيب، يكون امتداداً لموقف الأنصار، الذين نصروا رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في بدء أمر الإسلام، يوم تخاذل الكثير، ويوم عادا الكثير هذا الدين ومبادئه وقيمه.
أملي فيكم كبير بالحضور الفاعل عصر الغد إن شاء الله تعالى.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، إنه سميع الدعاء.