كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2024م
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
بمناسبة ذكرى ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر
وحـــول آخــــر التطـــورات والمستجــــدات الأسبوعيـــة
السبت 18 ربيع الأول 1446هـ 21 سبتمبر 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في العيد العاشر للإنجاز التاريخي العظيم، في الحادي والعشرين من سبتمبر، أتوجه إلى شعبنا العزيز بالمباركة والتهاني.
هذا الإنجاز الذي هو إنجازٌ لشعبنا اليمني، إنجازٌ أصيلٌ بكل ما تعنيه الكلمة، القرار فيه هو قرار شعبنا، والتحرُّك فيه هو تحرُّك شعبنا، الأهداف فيه كذلك هي أهدافٌ لشعبنا العزيز، تعود إليه، وهي آماله، وتطلعاته، وتوجهاته، وكذلك الأنشطة الثورية، والأعمال المهمة، كل ما أتى في إطار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، من أنشطة ومواقف، كانت يمنيةً أصيلة، بدون أي تأثيرٍ خارجي، ولا تدخلٍ خارجي؛ ولــذلك هذا الإنجاز هو إنجازٌ لشعبنا اليمني وهو إنجاز عظيم بكل ما تعنيه الكلمة، وترتب عليه نتائج في غاية الأهمية، وستكون- إن شاء الله- أثارها وامتداداتها المستقبلية بما يلبي كل آمال شعبنا اليمني المسلم العزيز.
عشر سنوات منذ ذلك الإنجاز التاريخي، حافظ فيها شعبنا العزيز على إنجازه، وواجه التحديات ولا يزال يواجهها، وحقق إنجازاتٍ مهمة في نفس الوقت، رغم حجم التحديات.
الاتِّجاه المعادي لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، على رأسه الأمريكي والإسرائيلي، الأمريكي الذي يعتبر الخاسر الأكبر؛ نتيجةً لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر؛ لأنه خسر سيطرته المباشرة على بلدنا، التي كانت آنذاك تحت عنوان الوصاية على بلدنا، ومعه أعوانه وأنصاره، الذين كان يجمعهم عنوان وإطار الدول العشر، وفي إطار ما يسمونه بالبند السابع، الذي أقر عملية السيطرة الأمريكية، مع تلك التحالفات الواقفة إلى جانبها، والمساندة لها؛ فالأمريكي هو على رأس الاتجاه المعادي لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر؛ لأنه خسر خسارةً كبيرة، وهو المتضرر الأول بالنظر إلى أطماعه الاستكبارية، أطماعه في السيطرة التامة على البلد، والاستغلال لثروات هذا البلد، والاستعباد لشعبنا العزيز.
وكذلك الإسرائيلي، وكان موقفه آنذاك موقفاً واضحاً، في عدائه لثورة شعبنا العزيز في الحادي والعشرين من سبتمبر، وفي قلقه منها، إلى درجة أنه اعتبرها أخطر من النووي الإيراني، وهناك تصريحات ومواقف واضحة للمجرم نتنياهو، ولجهات وشخصيات أخرى من قادة العدو الإسرائيلي، تُبيِّن انزعاجهم الشديد وقلقهم الكبير من ثورة شعبنا العزيز، الثورة التي انتصر فيها شعبنا؛ ليحقق هدفاً عظيماً مقدساً ومهماً، وهو: الحُرِّيَّة الحقيقية والاستقلال؛ ولـــذلك اتَّجه الأمريكي والإسرائيلي، ومن يواليهم، ويدعمهم، ويتعاون معهم، ويدور في فلكهم من بعض الأنظمة العربية والقوى الإقليمية، ومن عملائهم من البلد، إلى العدوان على شعبنا العزيز، على مدى كل هذه السنوات الماضية، عدواناً شاملاً استهدف كل شيء في البلد، عدواناً ارتكب فيه المعتدون أبشع الجرائم، وحاصروا شعبنا العزيز حصاراً كاملاً، ومعروف ما حصل خلال كل هذه السنوات الماضية؛ بهدف أن يستعيد الأمريكي سيطرته على بلدنا، من خلال أدواته، التي تَوَلَّت الكبر والإثم والجرم بحق شعبنا، وفي العدوان على شعبنا العزيز.
فعندما نتأمل فيما يتعلق بالآخرين، ممن لهم موقفٌ مباين، هذه هي الحقيقة الواضحة: أن على رأسهم الأمريكي والإسرائيلي، والذين تعاونوا مع الأمريكي، وتحالفوا معه، واتَّجهوا لخدمته، كل ما يفعلونه، وكل ما سعوا له على مدى هذه العشر السنوات، وكل ما بذلوه من جهد، كان في إطار محاولاتهم أن يعيدوا الأمريكي للسيطرة على البلد من جديد، كل عدوانهم، كل مؤامراتهم، كل أنشطتهم العدائية، بكل أشكالها وأنواعها، في مختلف الجبهات: على المستوى العسكري، على المستوى الاقتصادي، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، كله كان يصب في خدمة الأمريكي، في محاولة أن يستعيدوا له سيطرته على هذا البلد وعلى هذا الشعب، لم يكن لديهم أي مشروع آخر سوى مشروع الاحتلال، السيطرة، المصادرة لِحُرِّيَّة شعبنا ولاستقلال، هذا برنامجهم العملي، الذي صبُّوا فيه كل جهودهم، وكل اهتماماتهم، وبذلوا الكثير من المال والجهد والدم، وهم يحاولون تحقيقه: كيف يعود هذا البلد تحت السيطرة المباشرة للأمريكي، وكيف يخضع من جديد للاحتلال الخارجي، ويفقد شعبنا حُرِّيَّته واستقلاله، ولكنهم فشلوا، فشعبنا العزيز حافظ على هذا الإنجاز- ولو بالحد الأدنى- في هذه المحافظات ذات الكثافة السكانية، والأغلبية الشعبية، والتي تمثل العمق الاستراتيجي للبلد.
ثورة الحادي والعشرين راسخة، مهما كان حجم المؤامرات، والحروب، والاستهداف، مهما كانت الهجمة الإعلامية، بحجم ما يمتلكه الأعداء من إمكانات ضخمة، وقدرات كبيرة، وكذلك إمكانيات مادية ضخمة، وبحجم ما يمتلكونه من قدرات عسكرية وغير ذلك، كل ما فعلوه كانت نتيجته ومآلاته الفشل، هذه الثورة راسخة وثابتة، لماذا؟ لأنها– كما قلت- هي إنجازٌ للشعب، من واقع آماله، وأهدافه، وتطلعاته، وإرادته، وما ينشده، وما يريده، وما يسعى له، أول وأكبر أهدافها هو: الحُرِّيَّة والاستقلال، على أساسٍ من انتماء شعبنا العزيز للإسلام.
شعبنا اليمني هو شعبٌ مسلمٌ حُرٌّ، ومبدأ الشهادة بـ (أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله) هو مبدأٌ عظيمٌ جداً، وهو المبدأ الذي يُعَبِّر حق التعبير عن الحُرِّيَّة بمفهومها الصحيح، شعبنا يأبى أن يكون عبداً إلا لله، يأبى أن يُستعبد من أي طرف، من أي جهة، من أي قوةٍ في هذا العالم، سوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ملك العالمين، ورب العالمين، وإله الناس أجمعين؛ ولهذا يعتبر هذا الهدف المقدَّس في أول الأهداف لهذه الثورة المباركة: الحُرِّيَّة بمفهومها الصحيح، والاستقلال بمعناه الحقيقي.
وشيءٌ واضح أن شعبنا العزيز- في ظل هذا التوجه، في إطار هذه الثورة المباركة- يحقق هذا الهدف، ويعيش واقعياً في هذا الهدف، على مدى هذه العشر السنوات تميَّز شعبنا اليمني العزيز بين مختلف الشعوب بحُرِّيَّته واستقلاله، وكان هذا واضحاً في توجهاته الحُرَّة، ومواقفه الحُرَّة، لم يكن حاله كحال معظم الدول العربية، التي يخنع حكامها للإرادة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية، على مستوى التوجهات، والسياسات، والمواقف، والقرارات… وغير ذلك، وهذه حالة واضحة، وزاد من وضوحها ما حصل في فلسطين على قطاع غزة، تجلَّى كم هي حالة الارتهان والخنوع لدى معظم الدول العربية، بالنسبة للأنظمة والحكام، الذين كانوا خاضعين تماماً للإرادة الأمريكية، والتوجهات الأمريكية، والأوامر الأمريكية، ولم يتحركوا في إطار المسؤولية الإسلامية، والتاريخية، والإنسانية، والقومية، لمناصرة الشعب الفلسطيني، وكذلك في كثيرٍ من الأمور تجلَّى الوضع بالنسبة لحال كثيرٍ من الأنظمة؛ وبالتالي الحالة التي تعيشها شعوبها؛ نتيجةً للسيطرة على القرار السياسي فيها، فالواقع يشهد بشكلٍ واضح.
أيضاً في واقع شعبنا وبلدنا، ما قبل الحادي والعشرين وما بعده حالة واضحة، عندما كان السفير الأمريكي قبل الحادي والعشرين من سبتمبر، قبل عشر سنوات، في صنعاء، هو من يمتلك أكبر نفوذ فيما يتعلق بالجانب الرسمي، في مختلف المؤسسات الرسمية، هو صاحب القرار الأول، هو النافذ الأول، هو الذي يُملي على الجميع ما يشاء ويريد، يفرض عليهم ما يريده، في كل المجالات: في المجال التعليمي، في المجال الأمني، في المجال العسكري، في المجال الاقتصادي… في كل المجالات، وما بعد ذلك، حيث فقد سيطرته نهائياً، وفي نهاية المطاف هرب من البلد، ومعه المارينز، الذين كانوا في قاعدة في صنعاء، في جوار السفارة الأمريكية آنذاك، قاعدة لهم، سيطروا عليها، وأصبحوا يتحكمون من قلب العاصمة صنعاء على القرار الرسمي والسياسي في البلد، ما بعد ذلك اختلف الوضع تماماً، فقد الأمريكي سيطرته، نفوذه، تأثيره…إلخ. بقي يشتغل فقط عبر خلايا، في كل آونة تُكتشف فيها خلية وتفتضح، ويتلاشى تأثيره الخفي شيئاً فشيئاً.
ثم كذلك في حال الذين ارتهنوا للعمالة والخيانة، وخضعوا لتحالف العدوان من أبناء البلد، كيف هو واقعهم، يختلفون تماماً عمَّا عليه أبناء البلد، في توجههم الحُرّ، والعزيز، والمستقل، أولئك لا يمتلكون قراراً، ولا يمتلكون إرادة، ويخنعون ويخضعون بشكلٍ كامل للإملاءات الأمريكية، على الأنظمة الإقليمية الموالية له، التي هي على رأس تحالف العدوان، وهي تأمرهم بما تريد، وتفرض عليهم ما تشاء، وتدفع بهم في أي اتجاهٍ تريده، وتتحكم بهم تحت التحكم الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني، وهذه حالة واضحة.
والفرق بين الحالين، كما هو الفرق بين الليل والنهار، الحالة واضحة ومختلفة تماماً، فشعبنا العزيز في إطار هذا التوجه، وفي إطار هذه الثورة المباركة ينعم بالحُرِّيَّة والاستقلال، ويتَّخذ الموقف الذي تُمليه عليه إرادته، وإيمانه، وانتماؤه للإيمان، ومسؤوليته الإيمانية، والدينية، والإنسانية، يقرر ما يشاء هو انطلاقاً من ذلك، يتحرَّك كيفما يشاء هو، في إطار المواقف التي يريدها هو، ولا تملى عليه لا من الأمريكي، ولا من الإسرائيلي، ولا من عملائهم، وينعم بالحُرِّيَّة، والاستقلال، والعزَّة، والكرامة.
وأيضا كان من الأهداف المهمة لهذه الثورة المباركة هو: الحفاظ على الهوية الإيمانية لشعبنا العزيز، والتي هي الموروث العظيم له، شعبنا العزيز الذي نال وسام الشرف الكبير جداً، في قول رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، وهو شرفٌ عظيم، وشهادةٌ من رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، على مدى الانتماء الإيماني لهذا الشعب العزيز، وكان شعبنا فعلاً من صدر الإسلام في موقف آبائه وأجداده الأنصار والفاتحين، ومن بعد ذلك على امتداد التاريخ وإلى اليوم، يسجِّل حضوره المميز، والتزامه المميز، في انتمائه الأصيل للإيمان، وهذه مسألة واضحة.
وشعبنا العزيز مستهدف، كما هو مستهدفٌ في حُرِّيَّته واستقلاله، هو مستهدفٌ أيضاً في هويته الإيمانية؛ لأنَّها من أهم ما يحفظ لشعبنا العزيز حُرِّيَّته واستقلاله، فالأعداء هم يستهدفون أمتنا بشكلٍ عام، الصهيونية العالمية واليهود، وأذرعتهم (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا)، ومن يدور في فلكهم، يستهدفون كل المسلمين، وكل المجتمعات البشرية، في الهوية الفطرية الإنسانية، الأخلاقية، القيمية، واستهداف في ظل هذا الاستهداف بشكلٍ مُرَكَّز وأكثر من أي شيءٍ آخر للمسلمين، وينال شعبنا العزيز حصته من هذا الاستهداف، هو مستهدفٌ من ضمن شعوب أمتنا المستهدفة في هويتها الإيمانية.
والاستهداف الأمريكي والإسرائيلي واليهودي للهوية الإيمانية لشعوبنا، ولشعبنا العزيز في المقدمة، هي مسألة واضحة، هي مسألة واضحة، يتحركون في كل المجالات:
- على المستوى الثقافي والفكري.
- وعلى مستوى الضرب للقيم والأخلاق.
- وعلى مستوى السيطرة على الرأي والتوجه، والسيطرة على كل شيء، والتغيير لكل شيء، حتى لأبسط العادات والتقاليد.
هناك استهداف ممنهج ومنظم في إطار ما يسمى بالحرب الناعمة، وكذلك الحرب الصُلبة هي تهدف أيضاً هذا الجانب، وتعتبر أيضاً مما يعتمد عليها في أن تحقق ما يفيد هذا الجانب، وأن تصنع له الأرضية الملائمة.
شعبنا العزيز كان يعاني من الاستهداف في هويته الإيمانية من خلال مسارين، يعمل عليهم الأعداء:
مسار التمييع، الذي يفقد الشعب اليمني، وكل شعوب الأمة، انتمائه الإيماني، وثباته على الأخلاق والقيم الإيمانية، وهذا الاستهداف هو لكل أبناء الأمة كما قلنا، ومن ضمن ذلك شعبنا العزيز، هو مستهدف في الأخلاق والقيم، استهداف رهيب جداً، استهداف للتمييع، للإفساد اللاأخلاقي، وهذا شيءٌ واضحٌ فيما يتعلق بالتوجه الأمريكي والإسرائيلي، بات واضحاً بشكلٍ غير مسبوق، وصلوا إلى درجةٍ رهيبةٍ وشنيعةٍ من انعدام الحياء، ومن الوقاحة، ومن الفضيحة، عندما أصبح التبني لجريمة الشذوذ من جهتهم شيئاً معلناً وواضحاً، له سياسات، وبرامج، وأنشطة، وترتبط به إجراءات كثيرة، النشر للفساد بكل أشكاله: النشر المخدرات، النشر لكل ما يساعد على انتشار الفساد: سياسات، وسائل، أساليب، كلها تخدم وتروِّج للفساد، تخدمه وتروِّج له. فالاستهداف هو قضية حقيقية، ليست مجرد دعاية على الأعداء، مسألة واضحة من جانب الأعداء، وهم يعملون عليها.
فثورة الحادي والعشرين من سبتمبر كان من ضمن أهدافها: الحفاظ على الهوية الإيمانية للشعب العزيز؛ لأنَّها موروثه الذي يعتز به، هي شرف، وفخر، واعتزاز لشعبنا العزيز، الحديث النبوي الشريف: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ)) هو وسام شرفٍ عظيم حظي به شعبنا، وهو مسؤولية تتوارثها الأجيال في الحفاظ على هذا الانتماء، والثبات عليه، في مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، وما يتبع ذلك على مستوى الالتزام العملي.
والحفاظ على هذه الهوية هو حالة ظاهرة جداً في ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، كما هو حالة قائمة في واقع شعبنا، من خلال محافظته الإيمانية، والتزام الإيماني، وتمسُّكه بمبادئ الدين وأخلاقه وقيمه، كذلك هو حالة واضحة على مستوى الأنشطة التثقيفية، والتعليمية، والتوجيهية… ومختلف الأنشطة، وعلى مستوى السياسات، وعلى مستوى المسئوليات، وعلى مستوى المواقف والتوجهات، وهذا شيءٌ يتميز به شعبنا بوضوح، ويظهر لكل المتابعين لما يجري في بلدنا، أنه يتم فيه ترسيخ هذا الانتماء الإيماني، والحفاظ عليه، والتصدي لحالة الاستهداف المعادي، من قبل أعداء الإسلام للهوية الإيمانية لشعبنا العزيز.
ومن المعالم الواضحة للحفاظ على الهوية الإيمانية لشعبنا العزيز، هو: ترسيخ التمسُّك بالقرآن الكريم، وفرض الالتزام به، وهي حالة قائمة لدى شعبنا العزيز، شعبنا يتمسك بمسألة الالتزام بالقرآن، والاتِّباع للقرآن، والاهتداء بالقرآن الكريم، وأن يكون مرجعيةً تحكم كل شيء في هذا البلد، تحكم القوانين، الأنظمة، التوجهات، المواقف، تحكم الواقع الرسمي والشعبي، هذا من أهم المعالم الإيمانية: الرجوع إلى القرآن الكريم، والالتزام بحاكميته على ما عداه، هذه مسألة من أهم ما في الإيمان، ومن أهم معالم الإيمان وتجلياته: التمحور حول القرآن الكريم، والتمسك بحاكميته في كل الأمور، وبمرجعيته في كل الأمور.
وكذلك التمحور حول رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ترسيخ الاتِّباع والتعظيم لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وترسيخ الاقتداء والتأسي برسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهذه مسألة بارزة جداً في واقع شعبنا العزيز؛ لأن مسألة التمحور حول القرآن والرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” هي معالم كبرى وأساسية في الانتماء الإيماني، وهذه مسألة واضحة جداً، هناك نشاط واضح وكبير جداً في البلد، يتعلق بهذه المسألة: الشد إلى رسول الله، ترسيخ التعظيم لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ترسيخ مفهوم الاتِّباع، والاقتداء، والتأسي، والتمسك برسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، تعظيم له، تعظيم لدوره في حمل الرسالة الإلهية، وهذه مسألة واضحة، وهي في ازدياد مستمر، حجم الأنشطة التثقيفية، التعليمية، التوجيهية المرتبطة بهذا العنوان واسعٌ وكبيرٌ جداً وواضح.
في هذا السياق نفسه يأتي الاهتمام المتميز في كل عام بذكر المولد النبوي الشريف، ويكون ذلك موسماً مستمراً على مدى أسابيع، يعني: جزءاً كبيراً من شهر صفر، وجزءاً كبيراً من شهر ربيع، وقد يمتد إلى نهاية ربيع الاهتمام بهذا الموضوع، فيما يتعلق بالأنشطة التثقيفية، والتوجيهية، والتعليمية، والإعلامية، وفيما يتعلق أيضا بالاهتمام بجوانب متعددة ذات صلة بهذا الموضوع، من ضمن ذلك: الفعاليات المتعددة والمتنوعة، بما فيها الفعالية الكبرى، التي أقامها شعبنا العزيز في الثاني عشر من شهر ربيع، ويقيمها في كل عام بهذا التوقيت: الثاني عشر من شهر ربيع.
في هذا العام كان الحضور الشعبي الواسع جداً بما لا مثيل له في كل العالم، كما هو أيضاً في العام الماضي، ولكنَّه في هذا العام حتى على مستوى بلدنا كان الحضور أكثر من أي عامٍ مضى، كانت الحشود العظمى التي توافدت إلى الساحات، لإقامة ذكرى مولد رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، حشوداً كبيرةً جداً، مليونيةً بكل ما تعنيه الكلمة، ولا نعلم عن أي مناسبة اجتمع فيها أي شعب في أي بلد، بمثل هذا الحضور الكبير جداً، لإحياء ذكرى المولد النبوي كما في بلدنا، بالرغم من كل محاولات الأعداء لصد شعبنا العزيز عن إحياء هذه المناسبة المباركة والمقدسة؛ إلَّا أن شعبنا العزيز بوعيه وانتمائه الإيماني، وفي سياق ترسيخه لهويته الإيمانية، وحفاظه عليها، وثباته عليها، أحيا هذه المناسبة بشكلٍ عظيمٍ جداً، تجلَّى فيه كم هي محبته، وكم هو إعزازه وتعظيمه لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وإيمانه بالنعمة الإلهية الكبرى لرسول الله محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، والرسالة الإلهية. هذا أيضاً مما تجلى فيه الانتماء الإيماني، والتمسك بالهوية الإيمانية.
من المعالم الكبرى أيضاً في الهوية الإيمانية لشعبنا العزيز، هو: إحياؤه للجهاد في سبيل الله تعالى، وهذا من أهم المميزات للهوية الإيمانية، بل إن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أكَّد في آياتٍ كثيرة في القرآن الكريم أن مما يثبت مصداقية الانتماء الإيماني هو الجهاد في سبيل الله، وشعبنا العزيز رفع آية الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واتَّجه هذا التوجه برغبةٍ كبيرة، وتوجُّهٍ واسعٍ جداً في أوساط شعبنا العزيز، وتبيَّن ذلك بشكلٍ واضح في كل السنوات الماضية، في موقف شعبنا الواضح، والصريح، والقوي، والثابت، لنصرة الشعب الفلسطيني، وتمسكه بهذا الموقف بالرغم من كل الأحداث، والتحديات، والمخاطر، والمؤامرات من جانب الأعداء.
البعض من الشعوب والبلدان يكفيها أي مشكلة، أو قضية، لتصرفها عن الاهتمام بهذا الموضوع، لكن شعبنا العزيز بالرغم من كل ما حصل عليه، من مؤامرات، من جرائم رهيبة جداً من قبل تحالف العدوان، من حصارٍ شديد؛ إلَّا أن تمسكه بهذه القضية المهمة المحورية لنصرة الشعب الفلسطيني بقي موقفه ثابتاً، لم يتزحزح عنه أبداً ولا قيد أنملة، خلال كل السنوات الماضية كان حاضراً في الساحات، وكان صوته عالياً، وموقفه واضحاً، وعندما أتت هذه المرحلة، وحدث ما حدث من العدوان الإسرائيلي الهمجي الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني، العدوان على قطاع غزة، وجريمة الإبادة الجماعية، انطلق شعبنا العزيز، انطلق بلدنا رسمياً وشعبياً في إطار موقفٍ واضح للجهاد في سبيل الله تعالى، ونصرة الشعب الفلسطيني في كل المجالات: الموقف السياسي، الموقف الإعلامي، الموقف العسكري، التبرعات، الأنشطة الشعبية الواسعة، الحضور المليوني في الساحات بشكلٍ مستمر، لا يكاد يتوقف اسبوعياً، إلَّا في الحالات النادرة، في إطار مناسبات ترتبط أيضاً بالموقف المناصر للشعب الفلسطيني والمؤيد لمجاهديه.
هذا الموقف المتميز هو في إطار الجهاد في سبيل الله وبمنطلقٍ إيماني، شعبنا العزيز لم يترك هذا الموقف، ولم يتخل عنه لأي سببٍ آخر، لا خشيةً من أمريكا، ومن بريطانيا، ومن الدول الغربية، ومن الذين يتحالفون معها من الدول والأنظمة الإقليمية، ولم يؤثِّر عليه أيضاً الضغوط الاقتصادية وحتى الإنسانية، حتى على مستوى ما يأتي من الشيء القليل تحت العنوان الإنساني لشعبنا العزيز، الذي هو متضررٌ جداً، ومنكوب بالعدوان على مدى عشر سنوات، ولا لأي اعتبار آخر، الأعداء أعلنوا حربهم المعلنة والعدوانية ضد شعبنا العزيز، إسناداً منهم للعدو الإسرائيلي، هددوا وأرعدوا وأبرقوا، فعلوا كل ما بوسعهم، ولا يزالون يتآمرون لما هو أكثر مما قد فعلوه، ولكن شعبنا لم يتراجع أبداً، لماذا؟ لأنَّ انطلاقته في موقفه هي انطلاقةٌ إيمانية، من منطلق انتمائه الإيماني، وشعوره بالمسؤولية الدينية، وحرصه على الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأثر هذا الانتماء الإيماني في روحيته، وفي أخلاقه، وفي قيمه، فلم يكن حاله كحال الذين استساغوا أن يتفرجوا على الشعب الفلسطيني؛ بينما يمارس العدو الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية ضده يومياً، لم يستسغ شعبنا أن يكون في موقف المتفرج.
هذا الموقف الواضح لشعبنا العزيز، في حمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، هو أيضاً من معالم حفاظه على هويته الإيمانية، وتمسُّكه بها، وهو من النتائج المهمة جداً لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
ماذا لو بقيت السيطرة الأمريكية على البلد كما كانت قبل الحادي والعشرين من سبتمبر، وهي فيما كانت عليه من أنشطة هدَّامة، وتخريبية، ومفسدة، وسيئة، تهدف إلى تعزيز السيطرة الأمريكية على كل شيءٍ في البلد، والتحكم بكل شيءٍ في البلد: التحكم بالجانب التوجيهي، والتعليمي، والتثقيفي، السعي لإفساد الشعب اليمني؛ وكذلك أيضاً التحكم على المستوى السياسي، على المستوى العسكري، السعي للتدهور بالبلد في كل شيء، والوصول به إلى الانهيار، والبلد- فعلاً- كان على حافة الانهيار على كل المستويات؟
لو بقيت تلك السيطرة الأمريكية؛ لكان وضع بلدنا على مدى هذه العشر السنوات مختلفاً تماماً عمَّا هو عليه، لا فيما يتعلَّق بالهوية الإيمانية ومعالمها الكبيرة، على مستوى القيم، والأخلاق، والمبادئ، والمواقف، والمسؤوليات، والسياسات، والتوجهات، ومن ضمن ذلك: فيما يتعلَّق بهذه الأمور، فيما يتعلَّق بترسيخ الاتِّباع للقرآن، والاهتداء بالقرآن الكريم، والتمحور حول القرآن الكريم، والرسول الأكرم “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وكذلك في المناسبات الدينية، الأعداء يحاربونها تحت كل العناوين، من الاتِّجاه التكفيري يحاربونها، ومن اتِّجاه التمييع والإفساد كذلك يحاربونها.
لكان حال بلدنا- لو استمرت تلك السيطرة الأمريكية- لا يختلف عن حال كثيرٍ من البلدان، التي نراها فيما هي عليه، لم يعد لقضايا الأمة الكبرى لديها أي وزن، ولا أي أهمية، ولا قيمة، ولا اعتبار، يمكن أن يتجمع فيها مئات الآلاف لرقصة، أو لمجون، أو لخلاعة… أو لأي شيءٍ تافه، دون أن يجتمع المئات- وليس مئات الآلاف- المئات أو العشرات لقضية بمثل قضية فلسطين، ومظلومية الشعب الفلسطيني… أو أي قضية من قضايا الأمة المهمة والكبرى، لغابت المعالم الإيمانية في كل جانب، في كل شيء، في كل مجال، فعلاً لو استمرت السيطرة الأمريكية، والأمريكي كان يعمل ضمن برنامج واسع؛ لتغيير المناهج الدراسية، والتحكم بالتثقيف والتعليم بما يخدم أمريكا وإسرائيل، كل البرنامج الأمريكي في كل المجالات، كل ما فيه هو لخدمة أمريكا وإسرائيل، يضرب في الشعوب العربية الشعور بالمسؤولية الدينية، والاعتزاز بالانتماء الإيماني والإسلامي، يدجِّن الأمة للأمريكيين والإسرائيليين ويخضعها، ولكانت حالة التطبيع هي الحالة السائدة على الموقف الرسمي؛ لارتباطه مع الآخرين بالأمريكي والإسرائيلي، ما الذي كان سيفرق به، أو سيكون في واقعه مختلفاً عمَّا عليه تلك الأنظمة، التي اتَّجهت تحت عنوان التطبيع للروابط والولاء مع إسرائيل، ولم تغير موقفها، ولم تتراجع عن اتجاهها المنحرف السيء، الذي هو خيانة للإسلام والمسلمين، حتى بالرغم مما قد حصل ويحصل في فلسطين في هذه المرحلة، وعلى مدى اثنا عشر شهراً؟!
أيضاً من الأهداف المهمة للحادي والعشرين من سبتمبر، هو: إعادة بناء مؤسسات الدولة على أساسٍ صحيح، على أساسٍ من انتماء شعبنا، ومن هذه الأهداف من: الحرية، والاستقلال، والهوية الإيمانية، والتوجه الذي فيه خدمة شعبنا العزيز، وقد بدأ العمل في ذلك بدءاً ببناء القدرات العسكرية والأمنية، وهذا شيءٌ واضح، وشعبنا العزيز يلمس الفارق الكبير فيما يتعلق ببناء القدرات العسكرية والأمنية لخدمة شعبنا، بناءً أصيلاً، قدرات عسكرية اتجاهها اتِّجاه أصيل، لخدمة هذا الشعب، وللتحرك في إطار مسؤولياته الدينية، التي هي موروثه العظيم، بحكم انتمائه الإيماني، قدرات عسكرية تدافع عن شعبنا العزيز، وهي تتحرك في الإطار الذي هو منسجمٌ مع انتمائه الإيماني والديني.
هذه القدرات العسكرية، التي تبنى في إطار هذه الثورة المباركة، وصلت الآن إلى مستوى عظيم، ومهم، وكبير، وواضح، سواءً على مستوى التصنيع الحربي، أو على مستوى الأداء القتالي، والتكتيك العسكري، وأسهمت التحديات الكبرى التي واجهها شعبنا العزيز في هذا البناء من جانب، مع الروحية والثقافة القرآنية، والتوجه الإيماني والحُرّ لشعبنا العزيز، لأن يكون مستوى البناء إلى هذه الدرجة، التي بات شعبنا العزيز يمتلك فيها تِرسانةً حربيةً متطورة، لا تمتلكها الكثير من الدول:
- القوة الصاروخية هي عنوانٌ لهذا البناء المتطوِّر، الفعَّال والمهم، وذراعٌ عسكريةٌ ضاربةٌ لصالح شعبنا العزيز في مواجهة أعدائه، وأعداء أمتنا.
- كذلك على مستوى الطيران المسيَّر.
- والقوة البحرية.
- وتشكيل وتطوير القوة البرية، وإنتاج متطلباتها، في كل المتطلبات العسكرية ذات الأهمية والضرورة للاستخدام العسكري.
- التصنيع العسكري بات اليوم في مستوى متقدَّم، ومستوى ممتاز جداً فيما تمتلكه القوات المسلحة في البلد.
لماذا البدء ببناء القدرات العسكرية والأمنية؟ شعبنا العزيز يدرك ما عاناه منذ أن تحرَّك في إطار ثورته هذه وما قبل ذلك، الأعداء هم يفرضون سيطرتهم على بلدان أمتنا حتى بالقوة العسكرية، إذا فشلوا من السيطرة سياسياً، وفشلوا من السيطرة عبر الوسائل الأخرى، يتَّجهون على الفور ومن دون أي تحرُّج إلى السيطرة عبر الجانب العسكري، السيطرة العسكرية المباشرة، وكم هي حروب الأمريكي على شعوب العالم، للسيطرة عسكرياً، ما إن يواجه حالةً في بلدٍ مُعيَّن (حالة تحرر) ثم يفشل في احتوائها، أو في السيطرة عليها عبر الأساليب الأخرى: سياسياً، واقتصادياً… وغير ذلك، إلَّا ويتجه عسكرياً، إذا كان بوسعه ذلك، ولم يكن أمامه عائق دون أي تردد، أو يشكِّل تحالفات- كما هي العادة في تعامله مع معظم حالات التحرر في العالم- يشكِّل تحالفات معينة، ويتحرك من خلالها للغزو العسكري، وتوجيه الضربات العسكرية المدمِّرة للشعوب، ويرتكب في ظل ذلك أبشع جرائم الإبادة دون تحرج، هذا حصل في كثيرٍ من البلدان، ليس فقط في عالمنا الإسلامي، وبلداننا العربية، بل وحتى في بلدان أخرى، وهذا شيء معروف، ما فعله الأمريكي في فيتنام وفي دول أخرى شيءٌ معروف.
ولذلك بدون بناء للقدرات العسكرية، وتطوير للقدرات العسكرية، وامتلاك القوة العسكرية والأمنية الرادعة للعدو، فأيّ بناء آخر لن يكون له حماية، لو اتَّجهنا من البداية- مثلاً- للبناء الاقتصادي، دون قدرات عسكرية، ولا قدرات أمنية؛ حينها يأتي العدو للتحرك عسكرياً ويدمِّر كل شيء، كل ما كان قد بني اقتصادياً.
ونحن نلاحظ ما فعله العدو في استهداف كل المنشآت الاقتصادية، وكل المصالح الاقتصادية، بالرغم من تواضعها، بالرغم من الإمكانات المحدودة، الجانب الخدمي كذلك اتَّجه العدو لتدمير كل ما هو موجود، بالرغم من أنه لا يزال في مستوى بسيط جداً، لم يكن في مستوى احتياجات شعبنا، حجم ما يحتاجه شعبنا العزيز، وما يفتقر إليه، فما هو موجود من الخدمات، وكان شيئاً محدوداً، وما هو موجود على المستوى الاقتصادي، اتَّجه الأعداء لتدميره، كان من أبرز ما ركَّز عليه تحالف العدوان، بإشرافٍ أمريكي، هو: تدمير المنشآت الخدمية، والمنشآت الاقتصادية بشكلٍ كبير، بالرغم من أنها- كما قلنا- كانت لا تزال محدودة، وشيئاً بسيطاً، مقارنةً بما يحتاج إليه شعبنا العزيز.
فالبناء للقدرات العسكرية والأمنية، إلى أن نصل إلى مستوى الحماية لأي مكتسبات، ولأي بنية اقتصادية… وغير ذلك، أمرٌ ضروريٌ في المقدِّمة، وحتى قبل ذلك: للحفاظ على بلدنا من الاحتلال.
الأعداء سعوا وتحرَّكوا في عدوانهم، منذ أعلنوا حربهم على بلدنا لاحتلال بلدنا، وأرادوا أن يحتلوه بكله، وكانت عناوين حملاتهم العسكرية، وهجماتهم العدوانية واضحة، في أنهم يريدون السيطرة على كل البلد، والاحتلال له عسكرياً من جديد، في مقابل سعي الأعداء الذي اتَّجهوا فيه بكل جهدٍ وقوة، وبذلوا من أجله الكثير في مساعيهم لإعادة احتلال البلد بكله عسكرياً، كان لابدَّ من الاهتمام ببناء القدرات العسكرية والأمنية.
شعبنا العزيز تحرَّك لصدهم، ولمواجهتهم، ولمنعهم من احتلال كل البلد، ونجح في الحفاظ على العمق الاستراتيجي لهذا البلد، ولو أنَّ العدو نجح في بعض المناطق والمحافظات في السيطرة العسكرية عليها، والاحتلال لها؛ لكنَّه فشل في تحقيق أهدافه بالسيطرة الكاملة على البلد، ولا يزال أيضاً معرَّضاً للفشل فيما قد تمكَّن من الاحتلال له، في نهاية المطاف لابدَّ أن يطرد منه، ولابدَّ أن يوقف احتلاله، لكن هذا كله يتطلب أن يكون في مقدِّمة الأولويات: البناء للقدرات العسكرية والأمنية، هذا ما يحفظ البلد من الاحتلال، هذا ما يحافظ على الهدف الأول، الذي هو: الحُرِّيَّة والاستقلال، والحفاظ على البلد من الاحتلال الأجنبي، وكذلك أيضاً يحمي بقية المكتسبات الأخرى، عندما نتَّجه للبناء الاقتصادي في ظل قوةٍ عسكريةٍ رادعة تحمي ما في البلد؛ حينها تحافظ على أي مكتسبات، وكذلك في بقية المجالات: على مستوى البنية الخدمية… وغيرها، عندما نمتلك في هذا البلد قوة ردع، تردع الأعداء، وتحفظ ما بني في هذا البلد، يكون لكل جهد ثمرة، ويكون محفوظاً من تدمير الأعداء، ومن سيطرتهم أيضاً؛ لأنك إمَّا أن تبني فيسيطر الأعداء على ما بنيت، أو أن يدمِّروا ما بنيت، فهو ضرورة لحماية البلد، وضرورةٌ أيضاً لاستكمال دحر العدوان، وتطهير ما قد احتله الأعداء من البلاد، وحمايةٌ لأي مكتسبات.
الفارق أيضاً فيما يتعلَّق ببناء القدرات العسكرية والأمنية واضح، فيما قبل وما بعد، في المراحل الماضية كان الأمريكي يسعى لأن يكون مسيطراً على القدرات العسكرية، وأن يجعلها تحت سقفٍ محدود، سقف لا تشكِّل أي خطرٍ عليه، ولا أي عائقٍ أمامه، وأن يغيِّر العقيدة العسكرية لتكون في خدمته، ومن بعد ذلك واضح، وواضح الفارق أيضاً ما بين القدرات العسكرية التي هي في خدمة هذا البلد في الإطار الرسمي، وفي إطار هذه الثورة المباركة، وما بين التشكيلات العسكرية من المرتزقة، التي بناها الأعداء بعقيدة عسكرية لخدمتهم، وتمكينهم من احتلال البلد، والسيطرة عليه، والعداء للشعب اليمني، حالة مختلفة، الفارق بينها وبين الحالة الصحيحة الرسمية في البلد، التي في إطار الثورة الشعبية، وفي الإطار الرسمي في صنعاء، الفارق هو- ما بينها وبين تلك التشكيلات- هو الفارق ما بين الليل والنهار.
هناك تشكيلات بناها تحالف العدوان، مهمتها الرئيسية: تمكين الأعداء من احتلال البلد، والسيطرة عليه، وعلى رأسهم الأمريكي، تشكيلات بيد السعودي، وتشكيلات بيد الإماراتي، تهدف إلى تمكين أولئك من احتلال البلد تحت السيطرة الأمريكية، والإشراف الأمريكي، ومعاداة أبناء البلد تحت مختلف العناوين: العنصرية، والطائفية المذهبية، وحتى المناطقية، وهناك فرق كبير ما بين هذا وذاك.
مع هذا هناك أيضاً سعيٌ في بقية المجالات، وإن كانت الأولوية إلى حدٍ ما هي لبناء القدرات العسكرية، لكن هناك اهتمام أيضاً بالتماسك في بقية المجالات، ونأتي للإشارة عن بعض منه إن شاء الله.
من الأهداف الأساسية لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، هو: الشراكة الوطنية، وترسيخ الهوية الجامعة، والسعي للمِّ الشمل في بلدنا، وإطفاء نيران الفتن. من أهم ما يسعى له الأعداء: تمزيق النسيج الاجتماعي لبلدنا، والتفرقة بين أبناء الشعب اليمني تحت كل العناوين، وهم واضحون في ذلك. الاتجاه الأمريكي، والإسرائيلي، وعملاؤهم من الأنظمة الإقليمية، التي تحرَّكت معهم تحت عنوان التحالف، تحالف العدوان على بلدنا، ومن هو معهم من عملائهم في البلد، اتجاههم هو: تمزيق النسيج الاجتماعي للشعب اليمني، وزرع الفرقة بين أبناء هذا الشعب تحت العناوين العنصرية، إثارة كراهية، وبغضاء، وعداوة، بالعناوين العنصرية، وأيضاً بالعناوين المذهبية والطائفية، وتحت عناوين سياسية، وتحت عناوين مناطقية، وكل إعلامهم هو يصب في هذا الاتجاه، برامجهم، أنشطتهم، تصريحاتهم، مواقفهم، كلها مملوءة حقداً، وكراهيةً، وزرعاً للفرقة، وبغضاً، وتتجه وتصبّ في هذا الاتجاه: لزرع الفرقة بين أبناء شعبنا العزيز، وتمزيق نسيجه الاجتماعي، والسعي للاستئثار بكل شيءٍ في البلد لخدمة مَنْ؟ لخدمة الأمريكي والإسرائيلي، وأدواته الإقليمية التي تسعى لخدمته وتمكينه من السيطرة على أمتنا، وهذه مسألة واضحة.
ولـــذلك ما يقابل ذلك في اتجاه ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، هو: السعي لترسيخ الهوية الجامعة للشعب اليمني، وهي الهوية الإيمانية الجامعة، وعلى المستوى الرسمي ترسيخ مبدأ الشراكة الوطنية، ونبذ الإقصاء، والتصدي لحالات الإقصاء، وكذلك السعي للمِّ الشمل بين أبناء شعبنا العزيز، وإطفاء نيران الفتن؛ لأنَّ الأعداء يشتغلون على إثارة الفتن في داخل شعبنا تحت كل العناوين، وتغذية كل المشاكل، حتى المشاكل الاجتماعية، حتى أي خلاف مهما كان بسيطاً يسعون لتغذيته، ويسعون إلى أن تكون حالة الفتن، وحالة الشرذمة والبعثرة هي الحالة السائدة في أوساط بلدنا، مشاريعهم كلها، مشاريع الأمريكي، والإسرائيلي، وأدواتهم الإقليمية، وعملاؤهم من أبناء البلد، هي كلها مشاريع للبعثرة والتجزئة في كل شيء، يكون القاسم الوحيد المشترك هو معاداة من يعادي أمريكا وإسرائيل.
من الأهداف المهمة لثورة الحادية العشرين من سبتمبر هي: السعي للبناء الحضاري على أسسٍ إسلاميةٍ قرآنية، والسعي للبناء المعرفي الذي يحقق ذلك، وهذا جانبٌ مهمٌ جداً، ونحن في هذا الاتجاه نمتلك الرؤية، والمفاهيم، والتوجه، ونمتلك الحافز؛ لأننا في حالة صراع، صراع شامل بيننا وبين أعداء أمتنا، وهذا أيضاً من الحوافز المهمة للبناء الحضاري؛ لأننا نحتاج إلى بناء كل المقدرات، التي لابدَّ منها كمتطلبات أساسية في هذا الصراع: نحتاج إلى أن نسعى للإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي؛ باعتبار ذلك ضرورة لنهضة أي بلد نهضةً حقيقية، وضرورة للأمن القومي، في مواجهة الحصار، والاختراق، والابتزاز، والاستغلال، ولدينا أيضاً المفهوم الإسلامي للبناء الحضاري، المتميز عمَّا عليه الغرب، الذين يسعون للسيطرة على الشعوب والبلدان، ونهب ثرواتها، واستغلالها، ويسعون لنشر الفساد في الأرض، وتدمير القيم الأخلاقية وغير ذلك.
طبعاً فيما يتعلَّق بهذا الجانب، وله علاقة بإعادة بناء مؤسسات الدولة، علاقة بطبيعة المحتوى التثقيفي والتعليمي، الذي يقدَّم للمجتمع، وغير ذلك، وبرامج العمل كذلك، والتوجه للبناء الاقتصادي في هذا الإطار نفسه، بالرغم- مثلاً- من كل الظروف الصعبة في البلد، فهذا التوجه لشعبنا العزيز له أهميته الكبرى فيما هو عليه من التماسك، فيما هو عليه للتوجه للإنتاج والبناء في كل المجالات، هذه مسألة في غاية الأهمية، وهناك استهداف من جهة الأعداء لهذا، هم لا يريدون أن يكون توجه شعبنا العزيز توجهاً بنَّاءً، يريدونه أن يكون شعباً يائساً، أن يكون شعباً لا يمتلك لا الرؤية ولا الإرادة، ولا أن يتحرك عملياً للبناء في مختلف المجالات، في إطار العنوان الحضاري الإسلامي؛ ولــذلك حتى على مستوى الجانب الاقتصادي، مع الاستهداف، مع الحصار، مع التدمير، مع كل أشكال الاستهداف، هم يتَّجهون أيضاً للمحاربة لأي نشاط عملي يساعد شعبنا على التوجه للبناء والإنتاج، وهذه مسألة واضحة ومعروفة، مع كل ذلك هناك توجه جيد، ومهم، ومثمر، يعني: حتى على المستوى الزراعي مثلاً، توجُّه شعبنا العزيز أثمر، مع أنه لا يزال على مستوى محدود، وفي نطاق محدود، ولكنه مثمر، وله نتيجته، وله أثره، لدرجة أنَّ بلدنا حقق فائضاً للتصدير في عددٍ من المحاصيل الزراعية، من الفواكه والخضروات، وهو محارب، وهو محاصر، وهو مستهدف، وهو يعاني المعاناة الكبيرة، لكنه اتَّجه للإنتاج في مختلف المجالات، وهذه مسألة مهمة جداً.
وعلى كلٍّ، لو بقيت السيطرة الأمريكية على البلد، فهو كان يتَّجه للانهيار في كل المجالات، وضمن تَوَجُّه، وسياسات، وخطط، يشرف عليها الأمريكي، على المستوى الاقتصادي- كما قلنا في كل الكلمات في مثل هذه المناسبة في الأعوام الماضية- كان البلد يتَّجه للانهيار الاقتصادي، بالرغم من أنه لم يكن عليه حصار، ولا حرب عسكرية خارجية، وكانت كل الموارد الاقتصادية لا تزال على أساس أنها تحت سيطرة السلطة آنذاك، المنشآت والإمكانات النفطية والغازية، والمنافذ البرية والبحرية بكلها، مع ما كان يعلن عنه من هبات وقروض تقدَّم للسلطة آنذاك، ومع كل ذلك لم يكن يظهر لها أي أثر، وكانت الجرع تأتي كسياسة، وخطة، ورؤية، يعامل بها الشعب، من دون أن يكون هناك ما يبررها أبداً، حالة تختلف عن الحالة الراهنة، التي يواجه فيها شعبنا العدوان والحصار على مدى عشر سنوات، هذا فيما يتعلق بهذا الجانب.
في إطار هذا السياق، نرى شعبنا العزيز في هذه المرحلة، وأمام هذه التحديات، وفيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية في الموقف المشرِّف، الذي يبيِّض الوجه أمام الله، وأمام رسوله، وأمام الإنسانية جمعاء، الموقف المتميز، الذي يتَّجه فيه لفعل ما يستطيع في كل المجالات.
فيما يتعلق بمستجدات الأسبوع المنصرم، فيما يتعلَّق بفلسطين وغزة: الإجرام الصهيوني مستمر على مدى اثني عشر شهراً، ومنذ بداية عدوانه الهمجي على قطاع غزة وهو يرتكب الإبادة الجماعية في كل يوم، ما يقارب الـ (الثلاثة آلاف وستمائة وثلاثين مجزرة)، كلها جرائم إبادة جماعية، إضافةً إلى الجريمة الفظيعة في التجويع والحرمان من الأدوية، والسعي لإبادة الكوادر الطبية، وتدمير المنشآت الطبية بشكلٍ كامل، مع التعذيب للأسرى إلى درجة أن يستشهد العديد منهم، وفي كل فترة يتم الإعلان عن شهداء جدد؛ نتيجة للتعذيب للأسرى في السجون تعذيباً فظيعاً.
جرائم العدو المستمرة في مقابلها مسؤولية كبرى على أمتنا الإسلامية، وكما قلنا في كل الكلمات: لا التجاهل يجدي، بل له عواقبه السيئة، ولا التنصل عن المسؤولية كذلك يفيد، فله عواقبه السيئة، وسيأتي في مستقبل الأيام ما يبيِّن ويكشف ويجلِّي كم كانت الخطورة الكبيرة لهذا التنصل عن المسؤولية، ولهذا التجاهل من كثيرٍ من البلدان، التي رأت نفسها في موقف المتفرِّج، وتجاهلت، أو تنصَّلت عن مسؤوليتها تجاه معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني، ومظلوميته الكبيرة، وتجاه مسؤوليتها الدينية تجاه ذلك، ستأتي الأيام بما يكون عبرةً ودرساً كبيراً، للذين تنصَّلوا عن مسؤولياتهم وتجاهلوا، وللمتربصين كما وعد الله في القرآن الكريم.
فيما يتعلَّق أيضاً بجرائم العدو الإسرائيلي خلال الأسبوع المنصرم في لبنان، الجريمة البشعة، الوحشية، الفظيعة، باستهدافه الجماعي للناس، من خلال أجهزة البايجر، وبطاريات ووسائل مشابهة، كانت مفخخة، وحاول العدو الإسرائيلي من خلالها أن ينفِّذ جريمة إبادةٍ جماعيةٍ شاملة للآلاف من اللبنانيين، وبالفعل جُرِح الآلاف من أبناء الشعب اللبناني.
الوسائل التي هي وسائل الاستخدام المدني، وأجهزة عادية يستخدمها الناس، وتستخدمها فئات ذات أعمال إنسانية، كالأطباء، والممرضين، وكذلك في الجامعات، وتستخدم أيضاً في الصيدليات، وفي المطاعم… وفي غيرها من الاستخدامات المدنية، هذه الوسيلة للاستخدام العام، كوسيلة مدنية يستخدمها الناس، يفخخها العدو الإسرائيلي؛ بهدف قتل أكبر عددٍ من الناس، وبكل وقاحة، بكل جرأة، بكل عدوانية، بكل همجيةٍ ووحشية، ومن دون أي اعتبار لا لقوانين دولية، ولا لحقوق، ولا لأي قيم، ولا لأي أخلاق، كما يفعل في غزة من جرائم الإبادة الجماعية المتوحشة، التي يستهدف بها الجميع: أطفالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، يستهدفهم بقنابل تزن طناً، يستهدف بها خيمةً قماشيةً فيها نازحون معظمهم من الأطفال والنساء.
هذا التوجه العدواني للعدو الإسرائيلي الوحشي، الهمجي، الاجرامي، يدلل كل يوم، ومع كل جريمة: أنه عدوٌ ليس هناك أي حل معه إلَّا الخلاص منه، وأنه يشكِّل خطورةً حقيقيةً على المجتمعات البشرية، فهو عدوٌ مجرمٌ، متوحشٌ، ليس لديه أي اعتبار لا لقيم، ولا لأخلاق… ولا لأي شيء.
ولــذلك من مسؤولية شعوبنا، وهي المتضررة قبل غيرها، الشعوب العربية، والبلدان العربية، وهي المستهدفة أيضاً بالدرجة الأولى من الكيان الإسرائيلي الصهيوني الاجرامي منذ يومه الأول، منذ أتى به الأعداء لاحتلال فلسطين، وأرادوا به أن يكون رأس حربةٍ لهم؛ لاستهداف شعوبنا وأمتنا، هناك في المقابل مسؤولية علينا جميعاً لمواجهة ذلك العدو، بما يمثله من خطورةٍ حقيقية علينا كعرب وكمسلمين، بل يمثل خطورة على المجتمعات البشرية بكلها، لكنه علينا في المقدِّمة، وأكثر من غيرنا، وقبل غيرنا، ونحن كشعوب عربية مسلمة مستهدفة بالدرجة الأولى، والهدف الرئيسي من المجيء بالكيان الصهيوني، العدواني، الإجرامي: ليكون رأس حربةٍ للقوى المستكبرة في العالم، وللصهيونية، وذراعاً معادياً يبطش الأعداء من خلاله بأمتنا؛ ولــذلك علينا مسؤولية أن نتحرك لمواجهته، وإلَّا فهو يشكِّل خطورة، هو بهذا المستوى من الوحشية، والعدوانية، والإجرام، والحقد، والاستباحة للحياة البشرية، وتجاه أي شعب.
لا يتصور بلدٌ عربيٌ معين، أو شعبٌ عربيٌ هنا أو هناك، أنَّ الإسرائيلي تجاهه يحمل مشاعر مختلفة، عن تلك المشاعر العدوانية، الوحشية، الإجرامية، المستبيحة لكل شيء، التي حملها الإسرائيلي ضد الفلسطيني، وضد اللبناني، هي ما يحمله العدو الإسرائيلي تجاه كل شعوب أمتنا، تجاه كل الشعوب في هذه المنطقة، هي نفس الحالة، نفس المشاعر، نفس التوجهات، نفس الثقافة والرؤية والفكر، الذي يستبيح به كل شيء، مع الاحتقار، مع الحقد، مع الطمع، مع العدوانية، هذه حالة تعبِّر عما عليه العدو الإسرائيلي، على مستوى فكره، ثقافته، التي يربي عليها حتى الأطفال منذ صغرهم، منذ نعومة أظفارهم، يربيهم على الحقد، والاستباحة لكل العرب ولكل المسلمين، ويربيهم على الكراهية، يعلِّمهم ويربيهم على هذا الأساس، وعلى الوحشية، وعلى الإجرام، وهذا شيءٌ يقوم بتربيتهم عليه منذ طفولتهم، ويتحرَّكون على أساسه.
كذلك جريمته التي استهدف فيها بعض الإخوة المجاهدين القادة والأفراد من حزب الله، في الضاحية الجنوبية بالأمس، وأيضاً استهدف معهم المدنيين، واستهدف أمن الضاحية الجنوبية، في خطوة هي تصعيد من جانب، وعدوان إجرامي ووحشي كذلك.
استهداف العدو الإسرائيلي لحزب الله بهذا المستوى من الاستهداف، واستهدافه أيضاً للشعب اللبناني، هو في إطار عدوانه على هذه الأمة، وفي إطار سعيه للإبادة الجماعية، ما يريده من ذلك: حسم المعركة لصالحه في قطاع غزة.
دور حزب الله، ودور جبهة الإسناد في لبنان، لإسناد الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء في قطاع غزة، هو دورٌ عظيمٌ، وكبيرٌ، ومهمٌ، ومؤثر؛ ولــذلك لم يستطع العدو الإسرائيلي تجاهل هذا الدور وهذا التأثير، وهو ينكِّل بالعدو الإسرائيلي في كل يوم، في شمال فلسطين المحتلة، وهو أيضاً أسهم في طرد مئات الآلاف وعشرات الآلاف من المغتصبين المستوطنين، في المغتصبات التي يسميها العدو بـ [المستوطنات] في شمال فلسطين، وجعل من عناوين عدوانه على لبنان، واستهدافه لحزب الله، جعل من الأهداف التي أعلنها لذلك: أن يمكِّن أولئك المغتصبين من العودة إلى المغتصبات التي فروا منها؛ نتيجةً لعمليات حزب الله المساندة للشعب الفلسطيني، ولمجاهديه الأعزاء في قطاع غزة.
حزب الله هو صامدٌ وثابتٌ في موقفه، وفي مساندته للشعب الفلسطيني، ولقطاع غزة، والمجاهدين في قطاع غزة، ومهما كان حجم الاستهداف والعدوان الإسرائيلي؛ فهذا لن يثني حزب الله، ولن يفرض عليه أن يتراجع عن موقفه، وهذا شيءٌ واضحٌ ومعلن في خطابات وكلمات سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله “حفظه الله”، وفي مواقف القادة، وفي مواقف المجاهدين جميعاً في حزب الله، وشيءٌ واضحٌ وثابت في موقف الحاضنة اللبنانية، والمجتمع اللبناني المساند لحزب الله، والمتمسِّك بهذا الموقف، والمدرك للخطر الإسرائيلي، وأنَّ العدو الإسرائيلي لو تمكَّن من حسم معركته في قطاع غزة؛ فهو على كل حال يشكِّل خطراً على لبنان، وعلى الشعب اللبناني، وخطره واضح، وسابقته في ذلك واضحة في عدوانه على لبنان، وفي احتلاله لأجزاء كبيرة من لبنان، في كل المراحل الماضية، ولم يطرد منها ويدحر إلَّا بالجهاد والمقاومة، هذه مسألة واضحة، فدور حزب الله الفاعل، والمؤثِّر، والعظيم، والمهم، سيستمر مهما كان العدوان الإسرائيلي. وحزب الله قوة متماسكة، وبنيته بنيةٌ متماسكة، وجمهوره جمهورٌ قويٌ، مجاهدٌ، متماسكٌ، ومضحٍ؛ ولذلك ليست هذه المواجهة بجديدة على حزب الله، ولا على قادته، ولا على أفراده المجاهدين الأعزاء، ولا على جمهوره الثابت والمتماسك والمضحي.
حزب الله هو في مواجهة منذ عقود من الزمن مع العدو الإسرائيلي، ومواجهة شديدة وساخنة، وحزب الله يقدِّم على مدى هذه العقود من الزمن تضحيات كبيرة بهذا المستوى: تضحيات بقادة، وتضحيات بكوادر كبيرة في عمله الجهادي، وتضحيات أيضاً من مجاهديه الأعزاء، ولكنه مع كل ذلك، وفي كل تلك الفترات، ومع كل تلك المحطات من المواجهة والتصعيد، بقي متماسكاً، وثابتاً، ومتنامياً في قدراته العسكرية، وأيضاً في بنيته التنظيمية، متماسكاً، ومتنامياً، ومتطوراً في أدائه وفعله وتأثيره.
كذلك هو حال الإخوة المجاهدين في فلسطين، كذلك منذ المراحل الماضية، وفي كل محطات التصعيد، واجهوا مثل هذه الحالة من الاستهداف، التي يقدِّمون فيها تضحيات كبيرة من القادة، وأيضاً شهداء من القادة والأفراد والكوادر، من مختلف المجاهدين في مواقعهم في الأداء والمسؤوليات الجهادية، ومع ذلك كانوا متماسكين، وتنامت قدراتهم، وكثر عديدهم، وتطوَّرت أيضاً البنية التنظيمية لهم، وهذا شيءٌ واضحٌ في فلسطين، وفي لبنان.
مهما كانت جرائم العدو وحشية ودنيئة؛ فهو لن يحقق أهدافه، لا في فلسطين، ولا في لبنان، ولا في بقية جبهات الإسناد، والمعركة واحدة، معركة حزب الله في لبنان، ومعركة كتائب القسام، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وسرايا القدس… وبقية الفصائل المجاهدة، المعركة واحدة في مواجهة عدوٍ واحد، هو العدو الإسرائيلي وشركاؤه، ومن يدعمه ويقف معه.
في كل المراحل الماضية واجهت قوى الجهاد والمقاومة في فلسطين ولبنان تحديات كبيرة، ولكنها تجاوزتها بمعونة الله تعالى وبتأييده؛ لأنها تنطلق من منطلقٍ إيماني، تعتمد على الله تعالى، وتثق به، وتتوكل عليه، ولديها إيمان بقضيتها العادلة، وتنطلق ببصيرةٍ ووعيٍ عالٍ، وتدرك أيضاً ضرورة هذا الخيار، مهما قُدِّم فيه من التضحيات، فالخيارات الأخرى هي خيارات الخسارة؛ أمَّا هذا الخيار وإن قُدِّم فيه الشهداء؛ فهم شهداء فازوا بالشهادة، ومهما كانت التضحيات فلها نتيجتها، ولها أثرها، ولها ثمرتها، وهي ملموسةٌ فيما يعانيه العدو، ويتكبده العدو من الخسائر، ويؤثِّر على وضعه، فالعدو لو حظي بالاستقرار الكامل، ولم يكن هناك جهاد ولا مقاومة؛ لكانت الوضعية خطيرة جداً، ولكان مستقبله مستقبلاً مأمولاً بالنسبة له، لكن في هذا المستوى من الجهاد، والتضحية، والثبات، وهذا الفعل الجهادي والمقاوم المستمر، بالرغم من كل ما يمتلكه العدو، لكنَّه يؤثِّر بشكلٍ واضح على العدو، وعلى آماله حتى تجاه المستقبل.
والحقيقة المهمة التي يؤمن بها الإخوة المجاهدون في لبنان، وفي فلسطين، ويؤمن بها كل المجاهدين من أبناء أمتنا، هي تلك الحقيقة التي أكَّد عليها الله في القرآن الكريم، بحتمية زوال العدو الإسرائيلي، وأنَّه ليس سوى كيانٍ مؤقت، سيزول حتماً، ولابدَّ من زواله، هذا وعد الله تعالى، وهذا مقتضى عدله، ومقتضى حكمته، ومقتضى رحمته بعباده، فالعدو الإسرائيلي بما هو عليه من وحشية، وإجرام، وإفساد، وطغيان، وخطر على المجتمع البشري، لا يمكنه أبداً أن يبقى مستمراً بتلك الحالة، وهي حالة عدوانية، إجرامية، وحشية، مفسدة، غير قابلة للبقاء أبداً، وهذه مسألة مهمة.
فيما يتعلق بموقفنا في جبهة الإسناد في يمن الإيمان والحكمة والجهاد، فهو موقفٌ ثابتٌ راسخٌ، نسعى فيه أيضاً- كما قلنا كثيراً وكثيراً- لما هو أعظم وأكبر في نصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف مع إخوتنا من أبناء أمتنا، مع حزب الله في لبنان أيضاً، وكل الأحرار من أبناء أمتنا.
كانت عملية القصف الصاروخي إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو الإسرائيلي بـ [تل أبيب] في الأسبوع الماضي عمليةً كبيرةً، مؤثِّرة، مزلزلةً للعدو، اخترق فيها القصف الصاروخي كل منظوماته في الحماية، وكل ما يمتلك حرَّاسه ومساندوه، كذلك تعتبر إنجازاً مهماً- بتوفيق الله تعالى- في سياق العمل على توفير متطلبات الموقف، بما يساعد على الدعم أكثر للإخوة في فلسطين، وفي قطاع غزة، ولمتطلبات المرحلة الخامسة؛ ولــذلك هذا النوع من العمليات متكررٌ ومستمرٌ بإذن الله تعالى، ونسعى- كما قلنا- لما هو أعظم.
كـذلك عمليات إسقاط طائرة الاستطلاع الحربي الأمريكي [MQ9]، التي قد تم إسقاط عشرٍ منها في هذه المرحلة، هذا أيضاً هو إنجازٌ مهمٌ جداً في سياق المواجهة مع الأعداء.
فيما يتعلق بالأنشطة الشعبية هي مستمرة، وأيضاً الأنشطة المتعلِّقة بالتعبئة، والتي هي من أهم الأنشطة، من أهمها، هي مستمرة، وكانت هناك عروض ضخمة في هذا اليوم للتعبئة، تستمر العروض في الأيام القادمة إن شاء الله، وأصبح عدد الملتحقين بالتدريب في التعبئة قريباً من (النصف مليون متدرب)، وهناك أيضاً من تدربوا سابقاً في إطار التشكيل العسكري والقوات المسلحة بمئات الآلاف، وهناك أيضاً من الملتحقين بالتعبئة، ممن سيلتحقون بالتدريب العدد الكبير أيضاً.
الخروج الأسبوعي المليوني سيتواصل، وكان في الأسبوع الماضي في إطار مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف بذلك الزخم الهائل جداً، أنشطة ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر مستمرة هذا الأسبوع، وفي إطار أيضاً النصرة للشعب الفلسطيني، فنحن وجَّهنا كل الفعاليات وكل المناسبات لتكون في هذا الاتِّجاه المناصر للشعب الفلسطيني، وتختم- إن شاء الله- في آخر الأسبوع، في يوم الجمعة، بالخروج المليوني الواسع والكبير.
نَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِهِ، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجَ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَلِكُلِّ المُجَاهِدِين فِي كُلِّ جَبَهَاتِ الإِسْنَاد.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛