كلامٌ للتاريخ: كيف أصبح اليمن لاعباً مؤثراً على الصعيدين الإقليمي والدولي؟
عندما بدأت الحرب على اليمن، تغيرت كل الحسابات. وضعت الدول مصالحها أمام تحدياتٍ جديدة، أبرزتها ورقة العدوان السعودي الأمريكي على اليمن. ظن البعض، أن الشعب اليمني الذي عاش سنوات عمره رهن خيارات الرياض وحكامها، سيخضع من جديد نتيجة العدوان.
لكن المفاجأة جاءت اليوم وبعد 20 شهراً من العدوان، ليُصبح اليمن بقواته الشعبية المكونة من أنصار الله والجيش، قوةً قادرةً على التأثير في معادلات الصراع الإقليمي، بل الدولي. فكيف يمكن تبيين ذلك؟ وما هي الدلالات التي يجب الوقوف عندها؟
العدوان على اليمن: مرحلة إكتساب القوة الذاتية
صحيحٌ أن الشعب اليمني قدَّم تضحياتٍ كبيرة نتيجة عدوان آل سعود، تجاوزت كل ما يمكن وصفه بجرائم الحرب، لكنه في المقابل لم يرضخ. بل إن الحرب التي شنَّها آل سعود على الشعب اليمني، كانت نتيجتها كما نشهد اليوم، تحقيق الشعب اليمني لقدرةٍ ذاتية وقوةٍ وطنية على الصعيدين السياسي والعسكري. وهو ما يُعتبر بحسب الخبراء، بداية الطريق لبناء دولةٍ قوية.
وهنا نقول أن النتائج يجب أن تُقيَّم بحسب همجية العدوان وأهدافه. فالعدوان الذي كانت ترتفع وتيرة همجيته بحسب صلابة اليمنيين وارتفاع مقاومتهم، أثمر عدداً من النتائج التالية:
– دخلت السعودية بحسب الجميع (الحلفاء والخصوم والأعداء)، تاريخ الإجرام الدولي. وسقط مع ذلك وجه آل سعود المُزيف، ليتبيَّن وجههم الحقيقي. لنقول أن الشعب اليمني ساهم في فضح سلوك الصهيونية العربية التي يُديرها آل سعود. وهو ما عاد بالكثير من النتائج الإستراتيجية للأمة الإسلامية والعربية.
– أثبت اليمنيون نتيجة قدرتهم على الثبات، ونجاحهم في منع تحقيق العدوان لأهدافه، أن كل الأحلاف التي يمكن أن تنشأ، ولو أخذت أي طابعٍ عربيٍ أو إسلامي، هي ليست إلا أحلاف ظرفية خلفياتها سياسية. مما كسر معادلة الفتنة المذهبية أو القومية على الصعيدين المحلي أو الإقليمي. حيث كانت أحد أهداف العدوان، تعزيز الصراعات القومية (عربي – فارسي) والصراعات المذهبية (سني شيعي).
– دخل اليمنيون معادلات الصراع الإقليمي لعددٍ من الأسباب، أهمها مجاورتهم لمضيق باب المندب الإستراتيجي، بعد أن أصبحوا يُتقنون ومن خلال مساعدة الأفرقاء الإقليميين لهم وفي مقدمتهم إيران وحزب الله، باتوا يتقنون اللعب بالأوراق التفاوضية، وتأمين توازنها بحسب نتائج الميدان. حتى بات يُخاطبهم وزير الخارجية الأمريكية كطرفٍ يُحسَب له الحساب.
– أدى أداء الشعب اليمني على الصعيد العسكري، لتعزيز قدرات محور المقاومة، بعد أن بات اليمن جزءاً من المحور الذي تقوده طهران. وهو ما أكسب اليمن قوة إضافية انعكست أيضاً على قوة محور المقاومة.
أمريكا تفشل في تحديد الأولويات: بين هوس المصالح وخطأ الرهان على الحلفاء
ربحت أمريكا الكثير من خلال حربها على اليمن. ولعل الإشارة الى ما ربحته يجعلنا نُسلط الضوء على عقلية واشنطن الحقيقية بشكلٍ عملي. وهنا موجزٌ لأهم ما ربحت:
– أرباحاً هائلة من خلال بيعها لصفقات السلاح للدول الخليجية لا سيما الرياض. فيما لم يكن بعيداً الهدف الأمريكي المُتعمد وهو إفلاس السعودية.
– تأمين سوق عملٍ كبير لمستشاريها العسكريين، زبائنه أمراء الخليج الفارسي وفي مقدمتهم السعودية. حيث أدار الحرب عددٌ من الأمراء الخليجيين المبتدئين ودخل المال بازار القرارات مما شكَّل فشلاً ذريعاً في نتائج الحرب العسكرية. كلُّ ذلك والحليف السعودي يُنفق للمستشارين من أموال الشعب السعودي.
– تمكَّنت واشنطن من تأمين اهتزاز سوق النفط، وهو ما جاء لصالحها حيث أكسب الدولار قوةً أكبر، وجعل الدول في المنطقة تدخل في حربٍ إقتصادية سببها انهيار أسعار النفط.
كل ما أشرنا له، يدخل في عالم المال والأعمال. هذه هي عقلية الحكم الأمريكية. لكن مقامرة واشنطن، بدم الشعب اليمني، أدخلت أمريكا وسياستها في نفقٍ مظلم، ستدفع السياسة الأمريكية ثمنه باهظاً.
كيف أصبح اليمن مصدر تهديدٍ للسياسة الأمريكية؟
هنا نُشير للتالي بإختصار:
أولاً: أصبح باب المندب الإستراتيجي بيد محور المقاومة. وهو ما يجعل أحد أهم المضائق الإستراتيجية الأربعة في العالم بيد أعداء أمريكا. مما يجعل هذه النتيجة بتكلفتها على واشنطن، على الصُعُد العسكرية والسياسية والإقتصادية، تساوي بحد ذاتها أرباح واشنطن التي أشرنا لها أعلاه.
ثانياً: أصبح اليمن لاعباً مؤثراً في الصراع العربي الإسرائيلي. فإنضمامه الى محور المقاومة، سيجعله معنياً في أي مجرياتٍ قد يفرضها صراع المحور مع تل أبيب. بل إن إمساك اليمن بورقة باب المندب، أو قدرته على التأثير عليها كأدنى حد، يُهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وينسف نتائج السلام الإسرائيلي مع مصر تحديداً والتي عززت قدرة تل ابيب في السيطرة على البحر الأحمر. وهو ما ستتبيَّن نتائجه قريباً.
ثالثاً: أسقط اليمن استراتيجية إعتماد أمريكا على الحلفاء، في توقيتٍ ذكيٍ ومدروس. حيث لن تستطيع أمريكا الإهتمام فعلياً بأي ملفٍ خارجي، قبل عدة أشهر.
وهو ما يتزامن مع الإنتخابات وتأمين وصول الرئيس الجديد. مما يمنع أي خطوة أمريكية حالية. فيما ستتراكم الظروف الحالية لنتائج أفضل ولصالح اليمن وأعداء أمريكا.
رابعاً: باتت أمريكا أمام مشهد دوليٍ جديد. إيران مرتاحة على الصعيدين الإقليمي والدولي وتُدير محور المقاومة من منطلق القوة. عادت روسيا الى قلب المعادلة العالمية ونسفت كل نتائج انهيار الإتحاد السوفياتي وباتت روسيا وإيران في واجهة إدارة الصراع في المنطقة.
سوريا خرجت من الحرب أقوى وهو ما زاد من قوة محور المقاومة، لتُضاف هذه النتيجة الى سابقاتها. الدول العربية وتحديداً الخليجية في مرحلة التقشُّف، وغرقها في شؤونها الداخلية يمنعها من تأمين مصالحها السياسية بشكل واضح.
أوروبا تعيش حالةً من القلق على المصير والمصالح وبعيدة عن التأثير في السياسات الفعلية للمنطقة.
أما الصين فتعيش حالةً من التقدم في منطقة الهادئ في ظل حرب استفزازٍ مع واشنطن تخطت في أدواتها الحرب الباردة.
هذه النتائج الأربعة تكفي، لتبيين مدى التراجع الذي بات سمة السياسة الأمريكية اليوم.
خلاصة نتائج ودلالات
يمكن القول وبإيجاز أن المنطقة والعالم في مرحلة مفصلية. فيما باتت واشنطن تُفكر في العديد من التحديات. فالحكم في السعودية يعيش حالة من الإضراب. وهو ما يبدو أنه سيسقط، فيما قد ينتج عنه حكماً جديداً على الطريقة الأمريكية العربية الأكثر علنية في التعاطي مع الكيان الإسرائيلي والأكثر انفتاحاً على الصعيد الداخلي. وهو ما يعني أن واشنطن لن تنشغل فقط في ترتيب أوراقها السياسية في المنطقة بعد انتخاب الرئيس، بل ستنشغل في ترتيب بيوت حلفائها الداخلية.
وهو ما يجعلها مُضطرة للذهاب نحو وقف إطلاق النار في اليمن. فيما ستنتقل الى استراتيجية التفتيت الداخلي، أي محاولة إيجاد مشكلاتٍ داخلية في اليمن عبر الجماعات التكفيرية التي ما تزال ورقةً شبه مخفية، وخصوصاً القاعدة. وهو الأمر الذي يحتاج لجهودٍ يمنية حثيثة سيكون اليمنيون بمستوى تنفيذها.
لنقول أن أمريكا اليوم باتت مُرغمة بالسعي لوقف العدوان على اليمن. في حين سيخرج اليمن أقوى وعلى قدر التحديات المُقبلة. في ظل منطقةٍ مليئةٍ بالتحديات التي لم تعد لصالح واشنطن، فيما يُعتبر اليمن أحد ملفاتها. لنقول أن اليمن بات ومنذ اليوم، لاعباً مؤثراً في الصراع الإقليمي والدولي. وهو على قدر هذه التحديات. كلُّ ذلك بفضل حماقة آل سعود والمُخطط الأمريكي.