كتب العميد العسكري شارل أبي نادر : ماذا لو تطوّر الوضع في المواجهة بين السعودية وبين أبناء اليمن ليصبح هؤلاء غير مقتنعين بالدفاع عن بلادهم وردّ العدوان فقط وقرروا الانتقال إلى الهجوم داخل المملكة؟
كتب شارل أبي نادر | ماذا لو تطوّر الوضع في المواجهة بين #السعودية وبين أبناء #اليمن، ليصبح هؤلاء غير مقتنعين بالدفاع عن بلادهم وردّ العدوان فقط، وقرروا الانتقال إلى الهجوم داخل المملكة؟
متى تخرج السعودية من مستنقع الإنكار القاتل؟
تعيش الرياض حالة إنكار وضياع، فالميدان داخل اليمن، والذي حاولت الإمساك به والسيطرة عليه، أُقفل بوجهها بشكل محكم.
في الوقت الذي كانت تبحث فيه السعودية عن حل سحري يُبعد عنها الخسارة المحتمة في مأرب، جاءت عملية توازن الردع الثامنة من خلال استهداف عمقها الاستراتيجي بأربع عشرة مسيّرة يمنية من أنواع صماد-3 وصماد-2 وقاصف-2ك، توزعت بين قاعدة الملك خالد وشركة أرامكو في الرياض، ومطار الملك عبد الله في جدة ومطار أبها في الجنوب، لتضعها أمام استحقاق آخر، لا يقل أهمية وخطورة عمّا تعانيه من فشل أصاب مسار عدوانها المستمر على اليمن منذ ما يقارب سبعة أعوام، فهل تختار البقاء في مستنقع الضياع واللاتوازن في حرب غريبة، أرادتها خاطفة أو نزهة قصيرة، لتجد نفسها تعيش في دوامة قاتلة، قد تمتد لأجيال طويلة لو بقيت تعيش حالة الإنكار وعدم الاعتراف بالفشل وبالهزيمة وباتخاذ القرار الخاطئ؟
في مأرب بشكل خاص، وفي كامل الجغرافيا التي أرادتها مسرحاً لحربها على اليمن بشكل عام، تعيش الرياض حالة إنكار وضياع، فالميدان داخل اليمن، والذي حاولت الإمساك به والسيطرة عليه، أُقفل بوجهها بشكل محكم، وطبيعة الانتشار والجاهزية لوحدات الجيش واللجان الشعبية تثبت بما لا يقبل الجدل أن الأمر انتهى، وأن أكثر ما يمكن أن تكسبه في الحرب، هو فقط إطالة الوقت قليلاً، وربما أيضاً إسقاط عدد أكبر من الشهداء اليمنيين بين المدنيين أو المقاتلين، وإحداث مروحة أوسع من التدمير، وذلك ليس بفضل قدراتها أو قدرات المرتزقة والمرتهنين لها، بل فقط بفضل القصف الجوي غير المسبوق الذي تنفذه قاذفاتها المدعومة مباشرة من الأميركيين – وبشكل لا يمكن لأحد أن ينكره أو ينفيه أو يخفيه – رغم الادعاءات الكاذبة بوقف السلاح الأميركي الهجومي لها، إلا إذا اعتبروا أن قاذفات أف-16 وأف-15 وربما أيضاً أف-35، مع صواريخها الموجهة من مئات الكيلومترات ومع النماذج المتطورة من قنابلها الذكية، هي أسلحة دفاعية وليست هجومية.
أيضاً، في علاقتها مع الأميركيين، تعيش الرياض حالة إنكار بسبب ما تمارسه معها واشنطن من ابتزاز مالي ومعنوي على المكشوف، من خلال ما تخلقه الإدارة الأميركية من فرص ذهبية لتوقيع المزيد من عقود التسليح الضخمة معها بمليارات الدولارات. يتكلمون اليوم عن صفقة ضخمة لعشرات البطاريات من منظومة الدفاع الجوي الأميركية “ثاد” الأغلى عالمياً، تُضاف إلى صفقة مماثلة سبقتها من الصواريخ جو- جو (إيه أي أم 120 سي) وطوافات القتال القانصة، والمؤسف أن ذلك يترافق مع حملة مغطاة بغشاء من الخداع بعنوان معارضة “وهمية” من الكونغرس لهذه الصفقات، والتي تعود لتسلك بسهولة في النهاية في وقتها المطلوب، ولتدخل هذه المنظومات أيضاً في دائرة الفشل في منع وصول الصواريخ والمسيّرات اليمنية إلى إلعمق السعودي حيث المنشآت الحيوية والمطارات الحساسة.
اللافت في الموضوع لناحية الإنكار السعودي أيضاً، أن مروحة الاستهداف الأخيرة في عملية توازن الردع الثامنة، تؤكد بما لا يقبل الشك أبداً عدم الاعتراف السعودي بأنه أصبح للقوة الجوية المسيّرة اليمنية قدرة واضحة على التحكم في العمق السعودي بشكل كامل؛ فبين الرياض وجدة وأبها ومحيطها، مثلث بضلع يتجاوز 800 كلم بين الوسط الشرقي والبحر الأحمر والجنوب السعودي، ظهر بالأمس كأنه مسرح مفتوح للمسيّرات اليمنية من دون أي إمكانية لردعها أو عرقلتها أو منعها من تحقيق أهدافها، فبدا الأمر كأنه حين يقرر اليمنيون تنفيذ عملية استهداف صاروخي أو مسيّر داخل المملكة، لا قدرة ولا فعالية لأي منظومة دفاع جوي على منعهم، وكأنه لا وجود لهذه الأسلحة بتاتاً.
هذا الإنكار السعودي أيضاً، لم ينحصر فقط في الموضوع الميداني أو في الموضوع المتعلق بفشل قدرتها الدفاعية ضد المسيّرات والصواريخ اليمينة، ولم ينحصر أيضاً بالابتزاز الأميركي للرياض، بل وصل إلى إنكار الوضع السياسي المرتبط بالعلاقة غير المتوازنة أو المتوترة مع حلفائها في التحالف، مع الإمارات أولاً، والمرتبط ثانياً بعلاقتها مع المرتهنين لها من أبناء اليمن ومسؤوليه السابقين، وما حصل ويحصل من تنازع وتقاتل في المناطق الجنوبية أو الجنوبية الشرقية اليمنية، بين وحدات أو مجموعات هادي والإصلاح والانتقالي الجنوبي والمتشدّدين (والذين لطالما شكلوا فريقاً أو طرفاً أساسياً كانت تحرّكه الرياض أمنياً وعسكرياً)، يضعها في دائرة فقدان السيطرة على إدارة هذا التحالف، وليأتي الانسحاب الغامض لوحدات التحالف من الحديدة ومحيطها لمسافة تجاوزت 90 كلم على الشريط الساحلي الغربي، من دون أن يكون للرياض أي علم أو قرار أو إلمام بحيثيات هذا الانسحاب وأهدافه، ليزيد من دائرة التأكيد، حول إنكارها لفقدانها هذه السيطرة.
فإلى متى تبقى السعودية مستمرة في حالة الإنكار هذه؟ وهل يمكنها الاستمرار في سياسة العدوان الظالم على اليمن من جهة، رافضة كل فرص التسويات والحلول السياسية السلمية العادلة؟ وفي الوقت نفسه، إلى متى هي قادرة على المتابعة في سياسة عدم التقدير الصحيح لما آلت إليه أوضاعها المالية والسياسية والمعنوية من جرّاء هذا العدوان؟ وهل يمكنها بعد مرور الوقت أكثر فأكثر في هذا الاستنزاف الذي يصيبها، أن تضمن خروجها الآمن فيما لو استفاقت على وضعها، من دون تبعات داخلية على هيكلية الحكم لديها؟ وماذا لو تطوّر الوضع في المواجهة والصراع بينها وبين أبناء اليمن، ليصبح هؤلاء غير مقتنعين بالدفاع عن بلادهم وردّ العدوان فقط ، وقرروا الانتقال إلى الهجوم داخل المملكة، ولديهم القدرة طبعاً، استناداً إلى قراءة مسار الميدان والمواجهة الحالي، بهدف استعادة بعض المحافظات الجنوبية في السعودية، والتي يقولون تاريخياً إنها أراض يمنية تم احتلالها من قبل آل سعود؟
عميد متقاعد في الجيش اللبناني