قنبلة سعودية موقوتة.. ما هو التهديد المشترك لليمن وسلطنة عُمان في المهرة؟
الحقيقة/علي-ضافر
الاحتلال السعودي في المهرة يكشف الأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجية للعدوان على اليمن بشكل عام، بعيداً عن كل الشعارات الزائفة التي رفعها التحالف في بداية “عاصفة الحزم”.
منذ نصف قرن (1967 – 2017)، ظلَّت محافظة المهرة في حالة من الأمن والاستقرار الدائمين، بعيداً من الصراع، رغم التحولات والتقلبات السياسية والجيوسياسية التي مر بها اليمن، وما تخللها من صدامات وحروب، لكن المحافظة المسالمة والهادئة في أقصى شرق اليمن، انتقلت فجأة إلى قلب الصراع، منذ أن وَطِئتها قوات الاحتلال السعودي في العام 2017م. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف النظام السعودي عن إرسال القوات العسكرية السعودية إلى المهرة وحشدها فيها، والسيطرة على أبرز مواقعها الاستراتيجية، رغم حالة الرفض الشعبي من قبل سكّانها.
في جديد المعلومات، أفادت مصادر محلية بأنَّ “النظام السعودي يواصل تعزيزاته العسكرية إلى المحافظة الواقعة على الحدود الغربية لسلطنة عُمان، إذ أرسل خلال الأسبوع المنصرم عدداً من المدرعات والشاحنات العسكرية من محافظة حضرموت إلى مطار الغيضة”، بعد أن حوَّله إلى قاعدة عسكرية، إلى جانب فرض الهيمنة والاستيلاء على منفذي “شحن” و”صرفيت” البريين، وميناء “نشطون”، واستحداث عشرات الثكنات العسكرية.
وفي سبيل تحقيق أجندته وأهدافه الجيوسياسية، يسعى النظام السعودي بالترغيب تارة، والترهيب تارة أخرى، لاستمالة عددٍ من المشايخ، بل بات يفرض التعيينات، وينصّب ويعزل من يريد، باسم ما يُسمّى “حكومة الشرعية” المقيمة في الرياض، التي باتت مطيّة لتنفيذ مخططات الاحتلال.
لا تتواجد السعودية وحدها في المهرة، فثمة قوات مشتركة بريطانية – أميركية في مطار الغيضة، وفق ما كشفه جهاز الأمن والمخابرات التابع لصنعاء في شباط/فبراير من العام الجاري، ولهم مهامهم وأجندتهم ومصالحهم الخاصة، ولكن الدور السعودي مكشوف، وهو دور لا يقتصر على فرض الحضور والانتشار العسكري بشكل تكتيكي وظرفي، فثمة أنشطة أخرى أخطر بكثير يمارسها الطرف السعودي لفرض هيمنة استراتيجية على المحافظة.
ما يعزّز هذه الفرضية التي باتت في حكم المسلمات أنَّ القوات السعودية المحتلّة بعد أشهر من تغيير أسماء عدد من المدارس، وربط شبكات ومحطات الاتصال اليمنية بالمملكة السعودية، عمدت مؤخراً، بحسب مصادر محلية، إلى “فتح مراكز وهابية في منطقتي حصوين والغيضة الساحليتين، والسيطرة على المساجد والخطاب الديني، لتعزيز الكراهية والتكفير، وهذا لا يهدد المهرة واليمن فحسب، بل يشكّل تهديداً استراتيجياً أيضاً لسلطنة عمان، ذلك أنَّ قرابة 75% من سكّانها ينتمون إلى المذهب الإباضي، وهم في نظر الوهابية “كفار”، ما يعني أن تغلغل الوهابية على حدود السلطنة يعد قنبلة موقوتة، وإن كان البعض يرى أنَّ السعودية لن تجرؤ على تنفيذ أي عمل عدائي أو تحرّش بحدود عُمان، بدافع الخوف من بريطانيا، بحكم الاتفاقيات الأمنية بين عُمان وبريطانيا، ولكن ليس هناك ما يضمن استخدام السعوديين الوهابيين الجدد والمحتملين مستقبلاً ضد السلطنة. وسبق للسعودية تاريخياً أن دعمت بالمال والسلاح حركة التمرّد ضد السلطان تيمور بن سعيد في ظفار الواقعة على الساحل الجنوبي للسلطنة.
السعودية تسلَّلت إلى المهرة بحجة “مكافحة التهريب” و”إعادة الإعمار”، رغم أن المحافظة لم تشهد حرباً على الإطلاق. ولو كان الأمر مرتبطاً بالإعمار، فإن عدن التي دمر التحالف فيها عشرات المنازل والمؤسسات والمنشآت في العام 2015م أولى بالإعمار، فالمسألة إذاً مرتبطة بـ”إعمار” من نوع آخر، هو إعمار قواعد عسكرية، وإعمار الحلم السعودي التاريخي المتمثل بمد أنبوب نفط من المملكة إلى ميناء “نشطون” في المهرة، وصولاً إلى بحر العرب، ليكون خطاً لتصدير النفط، واختصاراً للمسافات المتباعدة التي تسلكها الصادرات النفطية السعودية، وتخفيفاً لكلفة الشحن، وبديلاً للمرور عبر مضيق هرمز، إضافة إلى أن السعودية تسعى لأن يكون لها موطئ قدم على البحار المفتوحة، كبحر العرب.
الاحتلال السعودي في المهرة يكشف الأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجية للعدوان على اليمن بشكل عام، بعيداً عن كل الشعارات الزائفة التي رفعها التحالف في بداية “عاصفة الحزم”، من قبيل “إعادة الشرعية” و”حماية الملاحة” و”حماية الأمن القومي العربي”، فالمهرة الواقعة أقصى شمال اليمن على حدود سلطنة عُمان، لم يشفع لها بعدها الجغرافي، وبعدها عن الصراع والنزاع والحرب، من النزعة التوسعية لرباعية العدوان، وفي واجهتها السعودية.
تكتسب المهرة أهمّيتها الجيوسياسية والاستراتيجية من كونها ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة، كما أنها تمثل البوابة الشرقية لليمن، من خلال منافذها البرية (شحن – صرفيت) على حدود عمان، وميناء “نشطون” وميناء “قشن سيحوت”، وتمتدّ على أطول شريط بحري في اليمن يصل طوله إلى 560 كيلومتراً.
تلك هي المقومات الجيوسياسية التي يسيل لها لعاب النظام السعودي، والعين عليها منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد كشف الرئيس الأسبق علي ناصر محمد أن السعودية عرضت عليه توقيع اتفاق لمد أنبوب نفط عبر الأراضي اليمنية إلى بحر العرب. كما كشفت مصادر قبلية أن السعودية حاولت شراء ولائهم ومنحهم التجنيس السياسي، ووجدت اليوم في عدوانها على اليمن فرصة لتحقيق أحلامها التاريخية، ولكن ذلك لا يعني أنها نجحت، وإن وصلت إلى سكان المحافظات من البوابات الناعمة والمساعدات وإعادة الإعمار، فقد كانت السعودية قد شرعت في وضع اللبنات الأولى لمشروعها الحلم، إلا أنَّ رجال قبائل المهرة وقفوا أمامها بكل قوة، ودمّروا ما كانت قد بنته.
من المعروف تاريخياً أنَّ النظام السعودي لديه نزعة عدوانية توسّعية على حساب دول الجوار، فالنظام الذي تأسَّس في الدرعية جنوبي هضبة نجد، وتحديداً في منطقة الرياض، نتيجة عمليّة تزاوج بين الوهابية السياسية والوهابية الدينية، التهم إمارة آل الرشيد، واستحوذ على أرض الحجاز، وعلى ثلث مساحة اليمن في حرب 1934م، وعلى أجزاء وحقلي “الخفجي” و”الوفرة” من الكويت، وحقل “الشيبة” من الإمارات.
كما أنَّ المقاتلين الوهابيين وصلوا في عهد الدولة السعودية الأولى (1795م) إلى مشارف عُمان، ودخلوا واحة “البريمي”، حاملين “لواء الدعوة والتوحيد”، إذ كانوا يعتقدون أنَّ من لم يستجب للوهابية “كافر مباح دمه وماله”، ووصل المقاتلون الوهابيون كذلك إلى مدينة “زبيد” في الحديدة، وهدموا المنازل والمساجد على رؤوس سكانها، بحجة أنهم كفار، وكذلك فعلوا في العراق، حين وصلوا إلى كربلاء، وهو دليل تاريخي يكشف زيف شعارات السعودية اليوم ومزاعمها بمواجهة “النفوذ الإيراني” في اليمن، ويؤكد حقيقة النزعة التاريخية العدوانية والتوسّعية لنظام آل سعود، ليس على اليمن وحدها، بل على كلّ جيرانها العرب. وبحكم تلك النزعة، قضم النظام السعودي مساحات شاسعة من دول الجوار، وبات اليوم يتربّع على عرش مملكة تبلغ مساحتها 2,150,000 كم²، وتفوق مساحة اليمن بأربع مرات.