قناة دولية :كيف قرأت صنعاء إعلان التحالف وقف عملياته العسكرية؟
بعد ساعات من انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الفضيحة في الرياض، أعرب المجلس السياسي الأعلى عن “أسفه الشديد إزاء عدم الاستجابة الواضحة والصريحة لمبادرة الجمهورية اليمنية”.
كمن يصافح ظلّه، بدت السّعودية في ما أسمته مؤتمر “مشاورات الرياض” تشاور نفسها، مع علمها المسبق بأن لا نتيجة ولا طائل من هذا المؤتمر الاستعراضي، وأنَّ أكثر من 90% ممن شاركوا فيه بلا وزن، لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى العسكري، كما لا قرار لهم، لا في الحرب ولا في السلم، فيما مكونات صنعاء، وفي مقدمتهم “أنصار الله”، الذين يمثلون 80% من سكّان اليمن، غائبون عن المؤتمر لأسباب سنوضحها لاحقاً.
ومع ذلك، مضت السعودية في عقد مؤتمر شكلي؛ كل المؤتمرين فيه هم مجرد مصفقين يمثلون توجهاً سياسياً يتبنى طروحات دول التحالف ويخدمونها سياسياً، كما عسكرياً، في مقابل المال.
قبيل انعقاد المؤتمر، أعلن التحالف وقف عملياته العسكرية في اليمن طيلة شهر رمضان، ابتداء من السادسة من صباح يوم الأربعاء 29 مارس/آذار 2022 (أي قبل نهاية مهلة صنعاء بـ6 ساعات)، “استجابة لدعوة مجلس التعاون الخليجي، ودعماً للجهود والمساعي الداعمة للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام لإنهاء الأزمة اليمنية وتحقيق الأمن والاستقرار لليمن الشقيق”، من دون الإشارة إلى ملفّ الحصار الذي تعتبره صنعاء أولوية، والذي تتمسك بضرورة رفعه أولاً قبل أيّ نقاش.
كان البعض يتوقعون أن يعلن تحالف العدوان السعودي موقفاً ما يخفف وطأة الأزمة الإنسانية التي أنتجها الحصار الشامل الذي فرضه، والذي سبَّب كارثة إنسانية هي الأسوأ في العالم، لكن ذلك لم يحصل أبداً، وكان المؤتمر مخيباً للآمال، لكونه تجاهل مبادرة الرئيس مهدي المشاط، ولم يتجاوب معها.
والأكثر سوءاً من ذلك، أن أمين عام مجلس التعاون الخليجي عادل الخجرف بدا كما لو أنه ناطق رسمي باسم الرياض، وطرح مقاربات تنسف أي فرصة نحو السلام حين أورد في أول بنود المؤتمر خلال الجلسة الافتتاحية أن “حل الأزمة اليمنية ونقلها من حالة الحرب وتداعياته إلى حالة السلم وتحدياته (يأتي) وفقاً للمرجعيات الثلاث المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216″، وربط النجاح بهذه “الصنميات السياسية”، كما لو أنها قرآن منزل، وهي في الأصل موضع خلاف مزمن بين أطراف الحرب خلال كل الجولات التفاوضية، من الكويت إلى السويد، لأسباب عدة نلخصها بالتالي:
– أولاً: لم تكن حركة “أنصار الله” طرفاً في المبادرة الخليجية، بل كانت من أبرز الرافضين لها، وعدَّتها في حينها مؤامرة خارجية وتدخلاً في شؤون اليمن، لكونها صادرت مطالب الثوار في العام 2011، وقسمت الكعكة السياسية على أقطاب النظام الذي ثار الشعب ضده، ثم إنها مزمنة ومنتهية الصلاحية، ولم تعد صالحة للاستخدام السياسي، بالنظر إلى ما حصل من تحولات سياسية وجيوسياسية داخلية وخارجية.
– ثانياً: مخرجات الحوار الوطني. صحيح أنّ “أنصار الله” وحلفاءهم كانوا شركاء في المؤتمر، لكنَّ مخرجاته كانت لمرحلة زمنية معينة، وكانت تعالج إشكالات معينة (قضية صعدة وقضية الجنوب والعدالة الانتقالية والحكم الرشيد…)، لكن بعد اندلاع العدوان، بتنا أمام متغيرات جديدة وأطراف جديدة، وبالتالي اليمن، وقضايا متشعبة أفرزتها الحرب (إعادة إعمار، وجبر ضرر، ورفع حصار، وإنهاء حرب، وسحب القوات الأجنبية، وحوار جديد، وفترة انتقالية جديدة…)، وبتنا بحاجة إلى مخرجات جديدة تعالج المشكلة أولاً بين اليمن ودول العدوان، وتالياً قضية اليمن برمته، الذي انتُهكت سيادته وقُتل أبناؤه واحتُلت أراضيه، وبتنا أمام ملفات متشعّبة، ولم تعد مخرجات الحوار صالحة للحل.
ثالثاً: القرار 2216 الذي وُظِّف كشماعة لفرض الحصار الجائر على اليمن، رغم أنّ مضامينه لا تبرر الحصار، وهو مشكلة، وليس حلاً، حتى إنَّ الذين صاغوه لم يعودوا مقتنعين به، كما أنَّ جزءاً ممن فُرضت عليهم عقوبات بموجبه باتوا من الأجنحة التي تقاتل في خندق التحالف (علي عبد الله صالح وابنه أحمد)، وبات اليمن بحاجة إلى قرار دولي جديد يرفع الحصار وينهي الحرب.
النقطة الثانية هي أن الخجرف حين قرأ البيان السعودي دعا إلى تطبيق اتفاق الرياض، وهو اتفاق يخصّ جناحين في الحرب، يقاتلان مع التحالف ويتقاتلان فيما بينهما، ولا علاقة لصنعاء بذلك، ثم إنَّ الرياض لا تزال، من خلال البيان، تتمسك بالدمى وتصفها بالشرعية والدستورية.
وقد ظهر ذلك جلياً في واحد من بنود المؤتمر بأنَّ التحالف سيدعم المؤسسات الدستورية للدولة، إلا إذا كانت الرياض تقصد صنعاء، فلا دولة إلا في صنعاء. أمام المحافظات المحتلة، فهي في حالة من الفوضى في ظل أزمة غياب الدولة، والعجز عن إعادة هادي إلى عدن بسبب الوضع الأمني الهش، ولأن الموالين للإمارات هم المسيطرون على المحافظات الجنوبية.
السبب الثالث هو أنَّ المؤتمر برعاية سعودية، وفي عاصمتها السياسية، والسعودية طرف أساسي في الحرب، وليس وسيطاً ولا حمامة سلام، وهذا ما دفع صنعاء إلى الامتناع عن الحضور والمشاركة، كما أنَّ المشكلة لم تعد “يمنية – يمنية”، كما تصورها دول العدوان، بل إن المشكلة بين اليمن ودول العدوان، وفي مقدمتها السعودية، وبالتالي لا بدّ من أن يكون الحوار مباشرة بين صنعاء والرياض. وقبل ذلك، لا بد من رفع الحصار كخطة أساسية تتمسك بها صنعاء قبل الدخول في أي نقاش.
السبب الرابع هو أنَّ الرياض تجاهلت مبادرة صنعاء. وفي حقيقة الأمر، هي أحوج إليها من صنعاء نفسها، والسيد عبد الملك اعتبرها فرصة ذهبية للرياض، ورأى أنها ستندم، إن فوتت الفرصة، مع من معها تحت مظلة التحالف العدواني، وأنّ اليمن لا يمكن أن يسكت عن الحصار أو أن يقبل ببقائه، بمعنى أن لا معنى لوقف إطلاق النار من دون رفع الحصار، وهذا ما أكده المجلس السياسي الأعلى في بيان التعقيب على “مشاورات الرياض”.
صنعاء: لا سلام من دون رفع الحصار
بعد ساعات من انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الفضيحة في الرياض، أعرب المجلس السياسي الأعلى عن “أسفه الشديد إزاء عدم الاستجابة الواضحة والصريحة لمبادرة الجمهورية اليمنية… التي مثلت فرصة ذهبية للجميع في تحقيق سلام جاد ودائم”، وقال: “لا سلام من دون رفع الحصار عن كاهل الشعب اليمني واحترام سيادة واستقلال اليمن”، محتفظاً بحقة الكامل في اتخاذ ما يراه مناسباً من الخطوات السياسية والعسكرية، في تلويح واضح بعودة عمليات كسر الحصار، على غرار ما حصل خلال الأيام الماضية في منشآت “أرامكو” في جدة ونجران وجيزان وغيرها.
وفي تصورنا، في حال استمر التحالف بالتمسك بمقاربات القديمة، وظلَّ يتجاهل الحصار، فسنكون على موعد مع عمليات قاسية جداً ستقصم ظهر السعودية، وربما لن تقتصر على الداخل السعودي، بل ستمتدّ إلى البحر الأحمر، والتوقيت ليس في مصلحة الرياض، ما لم تعدل سلوكها العدواني، وترفع الحصار، وتحترم السيادة وحقّ الجوار.
ويبقى أمامها فرصة أخيرة لإنجاح جهود التواصل عبر سلطنة عمان لتعزيز فرص السلام. وما لم يحصل ذلك، فإنَّ العام الحالي سيكون عام المفاجآت. وقد أعلن الرئيس المشاط ذلك صراحة في مقابلته التلفزيونية الأخيرة.
ختاماً، يبقى رفع الحصار عن المطارات والموانئ المحك والاختبار الحقيقي، وأيّ مقاربات لا تراعي الملف الإنساني كأولوية ملحة تظلّ بلا قيمة ولا معنى لها. اليمنيون في هذه الحالة معنيون بمواجهة الحصار، باعتباره عملاً عسكرياً، بعمل عسكري مقابل، من خلال إعادة عمليات كسر الحصار إلى الواجهة، كحقّ طبيعيّ ومشروع، إلى أن تنضج الظروف المؤاتية للسلام في أجواء هادئة بعيداً عن أي ضغوط عسكرية أو إنسانية، وبعيداً عن الحروب بكل أشكالها العسكرية والاقتصادية.
كاتب يمني
الميادين