’قلل الشيباني’ تسقط عرض بن سلمان على أَنْصَــار الله نهائياً
الحقيقة / عبدالحسين شبيب
لن يكون هناك شخص اكثر خيبة من المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ عندما يشاهد بالصور الحية عملية استعادة مواقع قلل الشيباني التي نفذها الجيش اليمني واللجان الشعبية في الأيام القليلة الماضية بما تختزنه من مشاهد صادمة وما تتضمنه من عدد كبير من القتلى في صفوف القوات السعودية ومدرعاتهم وآلياتهم التي تم تدميرها.
لماذا خيبة ولد الشيخ؟ لان الرجل كان حبوراً بعرض حمله إياه وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان عندما زار صنعاء للتحضير للجولة الأخيرة من مفاوضات الكويت. في تلك الزيارة سمح له بلقاء مع رئيس المجلس السياسي لانصار الله الأستاذ صالح الصماد الذي وبخه على طلبه لقاء السيد عبد الملك الحوثي بدعوى انه يريد إقناعه بالعرض الذي يحمله من قيادة الحرب السعودية متفاخراً بانه قادر على اقناع السيد به.
ماذا في العرض؟ قال ولد الشيخ ان السعودية مستعدة لاخلاء منطقة “قلل الشيباني” (قلل تعني تباب) وهي ارض يمنية متاخمة لمحافظة عسير تحتلها السعودية منذ العام 2011 اثناء انشغال اليمنيين بالثورة الشعبية، ولا تزال فيها منذ ذلك الوقت، مقابل ان ينسحب انصار الله من جميع المناطق الحدودية السعودية في محافظات نجران وعسير وجيزان التي اقتحموها رداً على استمرار العدوان السعودي الأميركي.
واردف ولد الشيخ يقدم رؤيته التي صاغتها له قيادة الحرب السعودية بتجزئة الحل الى مرحلتين: الأولى عسكرية وامنية توقَع في الكويت، والثانية سياسية توقَع في المملكة، وتبرع حينها ولد الشيخ باقتراح مكة المكرمة مكاناً مباركاً اتفاقية الحل السياسي. طبعاً حينها سمع المبعوث الدولي من الصماد كلاما قاسياً عن أدائه وتبنيه عروضاً اقل ما يقال فيها انها استسلامية، لذلك كان الرفض هو خلاصة ذلك اللقاء قبل ان يعود في طائرة واحدة مع الوفد الوطني اليمني من صنعاء الى مسقط في طريقهم الى الكويت.
السفير السعودي لدي اليمن سأل محمد عبد السلام: كيف تثقون بعلي عبد الله صالح وهو خاض ضدكم ست حروب
ومن دون الغوص في وقائع الجولة التفاوضية الثانية التي تكشف فيها للوفد الوطني خلاصة المناورات والالاعيب التفاوضية التي يديرها الاميركيون لشراء الوقت وتأجيج الصراعات، فقد عادت الأمور الى نقطة الصفر، ليس فقط في استئناف الغارات وقتل المدنيين من قبل طائرات تحالف العدوان، ولا في منع الوفد الوطني من العودة الى صنعاء عبر اغلاق الأجواء امام طائرة تحظى بحصانة دولية، انما تراجعت الأمور ابعد لتنسف التفاهمات الحدودية بين انصار الله والجانب السعودي والتي صمدت بضعة اشهر قبل ان ينكث السعودي بوعوده ويستأنف الغارات والقصف، فكانت النتيجة ان الجيش اليمني واللجان الشعبية ورداً على وتيرة تصاعد الاعتداءات ضد مختلف المحافظات اليمنية تجاوزوا خط الهدنة نحو مزيد من السيطرة على مواقع عسكرية سعودية حتى بات العلم اليمني يرفرف على تخوم مدينة نجران الكبيرة، بحسب المشاهد العديدة التي وزعها الاعلام الحربي. لا بل كانت المفاجأة في تمكن المجاهدين اليمنيين من استعادة مواقع قلل الشيباني بالكامل، مما اسقط من يد قيادة الحرب ذلك العرض الهزيل الذي حملوه الى ولد الشيخ بعدما استعيدت بلا أي ثمن، سوى ثمن التضحيات الجهادية لليمنيين.
مسار التقدم العسكري الذي تلقفت مجموعة الدول الراعية للعدوان رسائله، سبقه وتزامن معه خطوة الرد السياسي التي تمثلت بإعلان المجلس السياسي الأعلى لادارة اليمن وتشكيله مناصفة ومداورة بين انصار الله وحلفائهم والمؤتمر الشعبي وحلفائهم، الامر الذي شكل صدمة لمن كان ولا يزال_ وسيأتي الحديث عمن لا يزال_ يراهن على دقة اسفين في العلاقة بين انصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام. أُتبعت الصدمة سريعاً بضربة أخرى قاصمة تمثلت ببث الروح بمجلس النواب اليمني الذي التأم لمنح الشرعية الدستورية للمجلس السياسي الأعلى ثم أدى اعضاؤه اليمين امام النواب المنتخبين من الشعب، ثم جاءت أقسى ضربة مؤلمة لفريق الرياض ومشغليهم الإقليميين والدوليين بـواقعة “يوم السبت اليمني” الذي لم يشهده تاريخ هذا البلاد حيث خرج الملايين من جماهير انصار الله والمؤتمريين وحلفائهم لمنح الشرعية الشعبية لهذه المؤسسة الدستورية الجديدة.
أُسقط بيد المعتدين فاستنجدوا بالسفير الأميركي وبمجموعة الدول المعروفة التي أصدرت بيانات استنكارية للخطوات التي قامت بها القوى الوطنية اليمنية. لكن قبل اكتمال الخطوات الدستورية وقبل مغادرة الوفد الوطني الكويت كان هناك لقاء بين وفد انصار الله مع مجموعة السفراء المعروفين وبينهم السفير السعودي لدى اليمن محمد سعيد آل جابر. قال الأخير مخاطبا محمد عبد السلام بحماوة اندهاشية واستنكارية واضحة (كمن اكتشف أحجية تقنع الطرف المقابل): كيف تثقون بعلي عبد الله صالح (مع حفظ الألقاب) وهو خاض ضدكم ست حروب؟ اجابه عبد السلام: هذه كانت مرحلة من تاريخ اليمن تشارك فيها اطراف كثر ضدنا، والرئيس صالح اليوم يقف معنا في خندق واحد في مواجهة العدوان، وهو فتح لنا مخازن القناصة التابعة للجيش الامر الذي انعكس إيجابا في الجبهة، ثم اننا ندعو الى تشكيل حكومة توافق وشراكة وطنية، والأولى ان نبدأ بالتشارك مع بعضنا البعض ونحن في وفد واحد قبل ان ندعو الآخرين الى هذه الشراكة فنقدم نموذجاً في جهوزيتنا واستعدادنا.
يقول الحاضرون انه اسقط بيد السفير السعودي وغادر الوفد الوطني الى مسقط وعادت معه الغارات والاعتداءات لتتوسع بشكل هستيري. لكن ما هي الأفكار المطروحة الان في سياق المرحلة الجديدة من الحرب ضد الشعب اليمني؟ إضافة الى الحرب الاقتصادية المفتوحة على اليمنيين، تفيد المعلومات المتقاطعة صحتها مع اكثر من مصدر ان هناك اجتماعات تعقد في مملكة الحرب لتدارس الخيارات ورفعها الى محمد بن سلمان الذي كان يراهن على ان يعود ولد الشيخ بموافقة يمنية على عرضه لسحب البساط من تحت اقدام منافسه محمد بن نايف عراب التفاهمات الحدودية مع انصار الله. وبين الخيارات التي رفعت له من الفريق الأمني _ السياسي المشترك السعودي _ اليمني هو الدفع نحو الانفصال، لكن ليس بالضرورة في دولتين، انما في أكثر من دولة، مثل ان يكون الجنوب دولتين، واحدة للحضارمة اذا اصروا وأخرى لمن يتبقى من الجنوب السابق، وإقليم سبأ المقترح الذي يضم محافظات تعز ومأرب والجوف، وان يكون لكل دولة عملة جديدة اذا أرادوا وتكون مفصولة عن الريال الحالي، ثم يعزل “الزيود” في إقليم واحد (أزال) شحيح الموارد المالية والطبيعية ومحاصر عبر عزله عن العالم جواً وبراً وبحراً،
هناك مخطط تتم تدارسه يقضي بتاجيج حرب مذهبية ومناطقية تستهدف البيئة الزيدية الحاضنة لانصار الله والمؤتمر الشعبي
من خلال تنظيم عملية عسكرية للسيطرة على محافظة الحديدة واقصائهم عن البحر الأحمر بعدما عُزلوا عن بحر العرب وخليج عدن. وبالتالي _وفق مصادر متقاطعة_ فان هذا التقسيم المذهبي والجغرافي (الذي يمكن ان يستدرج الجنوبيين الى الحرب)، يسمح بتاجيج حرب مذهبية ومناطقية يتم حصرها في بقعة استنزاف واحدة تستهدف البيئة الزيدية الحاضنة لانصار الله والمؤتمر الشعبي بما يؤدي الى انهاكهم والاجهاز عليهم بالحرب والحصار، وبالنهاية تعطيل مشروع إقامة دولة يقودها هذا الثنائي او احدهما، مع لوازم التحضير التي تستدعي الهاشمية والصفوية وكل المصطلحات التي يستخدمها فريق الرياض ضد خصومه. طبعا بين الحضور في احد الاجتماعات كان عز الدين الاصبحي ومعمر الارياني، والسفير السعودي آل جابر الذي اقترح ضرورة استشارة البريطانيين والتنسيق معهم بسبب خبرة هؤلاء بشؤون المنطقة وناسها خصوصا في استثارة الغرائز المذهبية وكيفية خلق تصدعات عامودية في المجتمع اليمني. ويأتي في هذا السياق الاجتماع الذي عقد في الرياض برعاية وزارة الشؤون والاوقاف السعودية وضم علماء دين من التجمع اليمني للإصلاح وبعض السلفيين وقاعديين محسوبين على فريق العدوان، وكان ابرز ما جرى حذف احد بنود الميثاق والذي يعرف بالمادة ثلاثين والتي كانت تنص على محبة اهل بيت رسول الله عليهم السلام، لصالح تأجيج البنود الاقصائية والتكفيرية.
هذا نموذج من مقترحات المواجهة وثمة مقترح آخر لا يزال يراهن على شق صف التحالف الاستراتيجي بين انصار الله والمؤتمر الشعبي، وبدأوا العمل عليه من خلال تسويق مقولات على شكل ان الرئيس السابق علي عبد الله صالح “شيطان وجني يعرف كيف يقتنص الفرص”، وانه “يحضر لعملية سحب البساط من تحت اقدام انصار الله بطريقة ناعمة ويحفر لهم حفرة كبيرة سيوقعهم فيها من خلال موافقته على التحالف معهم والتشارك مناصفة في إدارة الدولة” و”انه رفض ان يتولى احد من المؤتمريين رئاسة المجلس الأعلى في الولاية الأولى، وأصر ان يكون من انصار الله، وانه خلال الستة اشهر المقبلة من رئاسة صالح الصماد سيتم تحميل انصار الله مسؤولية التدهور الاقتصادي ليأتي بعدها وقت ليس ببعيد يظهر فيه الرئيس السابق كمنقذ حيث تكون فيه الحكومة قد تشكلت برئاسة شخصية مؤتمرية ثم يتولى مؤتمري رئاسة المجلس السياسي الأعلى مع رئاسة مؤتمرية ايضاً لمجلس النواب، وبذلك يستفيق اليمنيون على يوم لا وجود فيه لانصار الله في سدة السلطة”.
ويذهب الخبثاء في نشر الروايات ابعد من ذلك الى التسويق لمقولة ان “عفاش ينسق خطواته مع الاميركيين وبمعية الاماراتيين”، ومن اجل تعزيز الشكوك يستحضرون خبر زيارة وفد المؤتمر المشارك في مفاوضات الكويت الى الامارات ولقاء نجل صالح احمد علي، ثم بدء صالح استخدام مصطلح “الشقيقة الكبرى” (مرات كثيرة في حديث واحد اثناء ترؤسه اللجنة العامة للمؤتمر) وابداؤه استعداده للتحاور والتصالح مع السعودية، ثم قوله في خطاباته الأخيرة سنفعل كذا وكذا وكذا، وكأنه اصبح الامر الناهي…الخ. هذا الدس الذي يقوم به المتضررون من توثيق عرى التحالف بين انصار الله والمؤتمر والذي توج بالحشد الجماهيري غير المسبوق، يجد قابلية لدى البعض لكي يزرع الهواجس عندهم ويغزي نزعات بعض المؤتمريين وهم قلة والممانعون لما حصل.
لكن مصدراً يمنياً رفيعاً على صلة بمركز صنع القرار السياسي والثوري يسخر من هذه الخزعبلات، ويؤكد ان المتضررين سيبذلون قصارى جهدهم للتشويش على الإنجازات الوطنية، وسنسمع الكثير من هذه التخيلات، ويجزم المصدر بان ” الرئيس السابق لم يعد جنياً وغادر نظرية الرقص على رؤوس الافاعي، وهو شكل قناعات صادقة بضرورة المضي في تحالفاته مع انصار الله وبقية الحلفاء، وهو من اشد المتحمسين لما حصل وسيحصل من خطوات تنسيقية لأن مصير الوطن على المحك، وتجربة العدوان وما دمره تستدعي التصرف بطريقة مختلفة وعلى قطيعة مع الماضي، وهو _ أي الرئيس السابق_ ومن خلال تعزيز علاقاته الشخصية مع صالح الصماد ومالك الفيشي وبقية القادة العسكريين الذي يمتدح دائما بأسهم وخبرتهم وحزمهم في مواجهة العدوان وفتنته، يتصرف على انه بات شريكاً لهم في المصير، لان أي ابتعاد عنهم سيكون بمثابة عملية انتحار لا يقوم بها شخص ذكي مثل صالح”. على أي حال يختم المصدر اليمني الرفيع انه وبعد عام ونصف من العدوان والاخفاق في تحقيق أهدافه ومع الموجة الجديدة من التصعيد وإزاء مشاهد الهزيمة السعودية المذلة في الحدود وامام إصرار الشعب بقواه الوطنية على ممارسة جميع حقوقه في الدفاع عن نفسه وبلده ومضيه في تشكيل مؤسساته الدستورية، وصناعة قراره المستقل بعيدا عن أي وصاية خارجية، لا يستطيع الرئيس صالح وحزبه وانصار الله وحلفاؤهم الا ان يكونوا صفاً واحداً وفي خندق واحد، وبينهم ثقة عالية تجعلهم يطرحون كل الهواجس والفرضيات على طاولة النقاش والتمحيص، ويرموا وراءهم كل الترهات والتفاهات التحليلية، وصلى الله وسلم كما يختم اليمنيون حديثهم عادة، ختم المصدر الرفيع.