قصف وحصار ميناء الحديدة.. 6 سنوات من التضييق الأمريكي
مضت 6 سنوات على الاستهداف المشين لميناء الحديدة من قبل قوى العدوان الأمريكي السعوديّ، والذي جاء ضمن مسلسل استهداف شامل لكل مقومات الحياة في بلادنا؛ بهَدفِ إجبار اليمنيين على الركوع والاستسلام المبكر.
وبالتوازي مع هذه الذكرى، لا تزال ملامح الاستهداف قائمة وإن خفت وتيرتها بشكل أكبر، نتيجة بلوغ القوات المسلحة (الجيش واللجان الشعبيّة) مرحلة متقدمة في التطور العسكري، وامتلاكها أسلحة تجعل العدوان يفكر أكثر من مرة من ارتكاب أي حماقة تستهدف أي منشآت حيوية هامة في بلادنا؛ لأَنَّ الرد سيكون حتمياً لا محالة.
ويشكل الحصار المفروض على بلادنا من قبل سفن البحرية الأمريكية أبرز الإشكاليات التي تواجه حركة الملاحة البحرية ووصول السفن إلى ميناء الحديدة، ولا سيما سفن المشتقات النفطية، في انتهاك واضح للمواثيق الأممية والدولية، لكن وعلى الرغم من كُـلّ ذلك فَـإنَّ صنعاء تؤكّـد مراراً وتكراراً جاهزية الميناء لاستقبال سفن بضائع الحاويات على الرغم من العراقيل والمطبات التي يضعها العدوان أمام حركة الاستيراد.
واستغلت مؤسّسة موانئ البحر الأحمر مناسبة الذكرى السادسة لاستهداف ميناء الحديدة لتؤكّـد في بيان لها، أمس الثلاثاء، جاهزية الميناء لاستقبال سفن بضائع الحاويات مع منح كافة الامتيَازات والتسهيلات للمستوردين، موضحة أن رسوم وأجور وخدمات وتسهيلات المؤسّسة أقل من الناحية السعرية بين كافة الموانئ اليمني.
وأشَارَت المؤسّسة إلى أن تمادي العدوان الأمريكي السعوديّ في احتجازه ناقلات النفط، لأكثر من عام، أَدَّى إلى تردٍّ في مستوى خدمات ومقومات الحياة في مختلف المحافظات، مؤكّـدة أن ذلك يأتي في ظل صمت دولي وتواطؤ فاضح وانتهاك للقوانين الدولية، محملة الأمم المتحدة ومبعوثيها والمنظمات ذات الصلة المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة تجاه ما يتعرض له المدنيون وعدم تحَرّكهم العاجل لإيقاف قرصنة سفن المواد الغذائية والاغاثية والمشتقات النفطية.
ومع بداية العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا تعرض ميناء الحديدة للاستهداف المباشر بالطيران المعادي، حَيثُ تم استهداف الرافعات الجسرية لمناولة الحاويات والهناجر ومزلق صيانة السفن واستهدف الزوارق واللنشات التابعة لمؤسّسة موانئ البحر الأحمر، بما في ذلك الزورق التابع للأمم المتحدة، كما استهدف العدوان أَيْـضاً السفن التجارية التي تحمل المواد الغذائية للشعب.
وتكرّر هذا الاعتداء على الميناء سنة 2018، حين تم استهداف البوابة الشرقية لميناء الحديدة المخصصة لدخول وخروج شاحنات نقل الغذاء والدواء من الميناء إلى محافظات ومناطق الجمهورية، وَأصاب الصاروخ وبشكل مباشر مكتب الزراعة في الميناء، مما تسبب بأضرار في المباني.
واللافت أن الاستهداف للميناء جاء بالتزامن مع زيارة المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي الذي كان يزور الحديدة آنذاك، وتحذيره في تصريح صحفي من مغبة استهداف الميناء، مما يدل على أن الاستهداف كان متعمداً، وهو تحدٍّ للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأنهم لا يكترثون لمسألة المعاناة الإنسانية وغيرها التي يمكن أن تعصف باليمن جراء هذه الاستهداف.
بوابة لتجويع اليمنيين
وتعمد العدوان الأمريكي السعوديّ تعطيل ميناء الحديدة، واستهدفه بشكل مباشر خلال السنوات الماضية؛ بهَدفِ تجويع وتركيع اليمنيين؛ باعتبَار الميناء هو الشريان الرئيس لدخول البضائع والسلع عن طريق البحر إلى المناطق الحرة، وبالتالي فَـإنَّ حصار الميناء وعدم السماح بدخول الوقود والسلع والأدوية وغيرها عبره، يؤدي إلى التضييق وخنق ملايين اليمنيين، الذين يجدون صعوبة في الحصول على كُـلّ هذه السلع نتيجة الحصار.
ومع أن اتّفاق السويد الذي رعته الأمم المتحدة سنة 2018 ينص على ضرورة تدفق المواد الغذائية والإغاثية والمشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة، إلا أن هذا كان واحداً من ضمن العراقيل والخروق المُستمرّة لقوى العدوان والمرتزِقة، والذين لم يطبقوا أي بند من الاتّفاق، مُستمرّين في وضع العراقيل والمطبات أمام الميناء بغية تحقيق ما عجزوا عنه في الجانب العسكري.
وتسيطر قوى العدوان والمرتزِقة على الموانئ والجزر اليمنية على امتداد المياه الإقليمية اليمنية، وعلى ساحل البحر الأحمر، وهو ما يعطيهم القدرة على وضع العراقيل أمام حركة السفن، أَو منح التصاريح لعبورها إلى الميناء، وهذا يشكل أَيْـضاً أحد الأساليب المجحفة من قبل قوى العدوان على اليمنيين.
ووصل العدوان إلى أبعد من ذلك، فلجأ إلى استهداف ميناء الصليف أكثر من مرة، وهو الميناء القريب من ميناء الحديدة، ونتيجة لهذا الاستهداف فقد غدا دوره محدوداً جِـدًّا، ولهذا فَـإنَّ أي تفكير أحمق لقوى العدوان باستهداف حاويات ومرافق ميناء الحديدة سيمثل استكمالاً متعمداً لمسلسل خنق اليمن.
وفي ظل هذه العواصف، لم تقف حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء مكبلة اليدين عاجزة، فقد عملت ممثلة في مؤسّسة موانئ البحر الأحمر على جعل ميناء الحديدة “رئة كبرى” لمعظم واردات البلاد، باذلة كُـلّ ما تستطيع لجعل الحركة الملاحية في الميناء مُستمرّة، حتى وإن كانت بشكل محدود وقليل جِـدًّا، وحتى إن كانت خَاصَّة لسفن وحاويات خَاصَّة بالأمم المتحدة، وهي رسالة هامة للعالم، بأن الميناء لم يُغلق بعدُ، وأنه الأنسب والأفضل لاستقبال السلع المستوردة، كونه الأقرب لأكبر كثافة سكانية في اليمن.
مساومة قذرة
وخلال أكثر من عام، انتهجت قوى العدوان الأمريكي السعوديّ سياسة “ربط الجانب الإنساني بالملفات السياسية والعسكرية”، لكن القيادة الثورية والسياسية الحكيمة ظلت متمسكة بمبدأ عدم المساومة بالجانب الإنساني وربطه بأي ملف.
ونتيجة لذلك، فقد لجأت قوى العدوان إلى منع وصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، ونتج عن ذلك معاناة للكثير من اليمنيين في الحصول على الوقود، غير أن هذه السياسة العدوانية لم تفلح نظراً للصمود اليمني الأُسطوري، ومقاومة كُـلّ الأساليب القذرة للعدوان التي تمس معيشتهم في الصميم.
ولأن قوى العدوان لم تحقّق انتصاراً من خلال الاستهداف والحصار، فقد فتحت جبهة الساحل الغربي، ودفعت بمرتزِقة بكل قوة؛ بهَدفِ الوصول إلى مدينة الحديدة والسيطرة عليها وعلى الميناء، لكن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة وقفوا لهم بالمرصاد، وأفشلوا كُـلّ خططهم، في معارك بطولية سيسجلها التاريخ في أنصع صفحاته.
واستبق العدوان والمرتزِقة هذه المعركة بالحملات الإعلامية التضليلية التي كانت تزعم بأن الميناء يتم عن طريقه تهريب الأسلحة والصواريخ الإيرانية إلى صنعاء، وأن إيراداته يستخدمها “الحوثيون” في تمويل عملياتهم العسكرية، وهي دعاية لا تزال لصيقة بالأمريكيين إلى يومنا هذا.
ولمحاولة تجنيب ميناء الحديدة كُـلّ تبعات القصف والحصار، قدمت القيادة الثورية والسياسية العديد من المبادرات والتنازلات في هذا الجانب، ومنها عدم الممانعة من أن تشرف الأمم المتحدة على إيرادات ميناء الحديدة، بحيث أن إيرادات الميناء هي للمستشفيات والرواتب وأبناء المدينة، غير أن كُـلّ هذه التنازلات لم تتلقفها قوى العدوان بجدية، وظلت ترمي بها عرض الحائط إلى يومنا هذا، مُستمرّة في مسلسل خنق الشعب اليمني، لعل ذلك يجدي نفعاً في تقديم تنازلات في الجبهات العسكرية، لكن العدوان لم يحصد سوى الهزيمة والخسران.
صحيفة المسيرة