قرار الفصل
بقلم: صفاء فايع
لم نسمع ذات يوم أن من يعمل عمل سوي أو يتخذ قرار صائب يجب عليه أن يبرره لكي يخرج من دائرة الاتهام، كأن يبرر المحسن إلى جاره إحسانه، ويبرر الصادق صدقه، وتبرر من تحتشم احتشامها، وهكذا، لكن عندما يتعلق الأمر بكلية الإعلام جامعة صنعاء ويصل إلى من يُسيِّسُونه ويُحوِّرَونه بما يخدمهم فربما يرون أنه يجب ذلك.
قرار فصل دوام طلاب كلية الإعلام عن دوام الطالبات ليس بالقرار السيِّئ أو المشين الذي يؤدي إلى ما رأيناه من استياء من قبل البعض، وهو كذلك ليس بالكارثة التي يصل أمرها إلى رؤوسٍ في الدولة وتتحدث عنها الشخصيات البارزة مبدية تذمرها واستياءها، وما لاحظناه حقيقةً من كل هذه الضجة يدعو لوضع عشرات من علامات الاستفهام ووضع جواب بعد كل علامة.
شهدنا عند نزول القرار (في الأيام الأولى منه) تأييدًا كبيرًا وارتياحًا من قِبَل الطلاب والطالبات بالذات وهم الشريحة المعنية بالأمر دون غيرهم؛ لما في ذلك من إيجابيات قد يكون أهمها عدد أيام الدوام القليلة التي تخفف عليهم ثمن المواصلات وخاصة في ظل الوضع الصعب الذي يعيشه الجميع، كما أنها تتيح لمن لديه التزامات وأعمال أخرى أن يوافق بين التزاماته وأعماله وبين دراسته وخاصة من لديه أو لديها أطفال ومسؤوليات.
لم يكن استياء العدو ومرتزقته وتحريك إعلامه مستغربًا البته، ولم يكن قلبهم الحقائق جديدًا بذكرهم أن مليشيا الحوثي هم من فرضوا قرار الفصل في كلية الإعلام إلزامًا وكأنه أتى بحد السيف! على الرغم أن هذه الفكرة مطروحة فعلًا لكل الكليات منذ مدة لكن كلية الإعلام هي من كانت السباقة بتنفيذها.
المستغرب في الأمر هو استياء شريحة من المحسوبين على هذا الخط والاتجاه والذي رؤيته قرآنية واضحة لم تخالف المصلحة العامة ذات مرة، بحجة أن هذه الأعمال تقود إلى الدعشنة وأنه إفراط في التشدد ضاربين كل إيجابيات هذا القرار عرض الحائط، أما البعض فحسب قولهم إن حراس الفضيلة يريدون بذلك التقرب فقط من صُنّاع القرار ومن بيدهم الأمر لكسب مصالح شخصية وإبراز أنفسهم.
فرصة التحاق عدد أكبر وخاصة من الطالبات بكلية الإعلام هي نقطة إيجابية لمن ينتمون لأسر متشددة وخاصة تلك التي ما زالت نظرتها قاصرة وضيقة وعتيقة لما هو هذا المجال وما هي أهميته وماذا يعني أن تكون ابنتهم ذات مسؤولية تنقل الواقع وتستشعر معاناة وطنها وتتكلم باحتياجات أبناء شعبها وتكون عينَ حقيقةٍ ولسانَ توعيةٍ وتثقيف، ولا أظن ذلك كله أتى إلا بسبب فئة قليلة من المتخلفين عقليًا ونفسيًا الذين انضموا إلى كلية الإعلام على أساس أنها كلية فنون سيتخرجون منها مهرجين ذوي محتويات فارغة ولن أقول ممثلين لأن الممثل يوصل رسالةً أيضـًا وقد يكون من إيجابيات هذا القرار اختفاؤهم .
ما كان استياء الطلاب والطالبات كما لاحظنا إلا لأمرين لا ثالث لهما، الأول: أن الكلية ذات مبنى متهالك وإمكانيات ضعيفة، تفتقر لأبسط الأدوات والاحتياجات التي يحتاجونها للتطبيق العملي وأن المنهج تقليدي نظري لا يواكب عصر التكنلوجيا التي تلبي طموحاتهم لسوق العمل بعد التخرج، كما أنهم لم يلمسوا تفاعلًا من الكلية أو جِدِّية منها في حل كثير من السلبيات التي تواجههم وخاصة فيما يتعلق بنظام الامتحانات وآليته الجديدة التي نتج عنها الكثير من الإشكاليات.
أما الأمر الثاني: فهو تهويل الموضوع وشيطنتهم وكأنه وُجِد ما يُشين لاتِّخاذ هذا القرار، وطبعًا أَخذ الموضوع من زاوية ضيقة هكذا وبشكل مُسيء ومشكك لا يأتي إلا من أشخاص درسوا الوضع جيدًا وأمسكوا العصا من منتصفها للوصول إلى غايات يريدونها هم، كان آخرها تحريك بعض الطلاب لعمل حملة إضراب عن الدوام حتى تحقيق مطالبهم المشروعة كما يقولون! بالرغم من أن قرار الفصل لا علاقة له بهذه المطالب وأنه واضح وجلي خلط الأمور ومن هو الذي استفاد من الوضع وتكلم إعلامه الكاذب بأن هناك إضراب شامل وعام من الفئتين ومطالبات بإلغاء قرار الفصل التعسفي الذي فرضته مليشيا الحوثي بحسب وصفهم!
عجبًا سمعنا من شخصيات غير مُطَّلِعة على الوضع مهاجمات شرسة وغبية كان الغرض منها ربما المشاركة كباقي الشعب في إبداء الرأي وإظهار الرجاحة والفهم بأن هناك أمور سيِّئة حدثت داخل الكلية بدون أي وجه حق أو حتى دليل وكان يجب أن يُحاسبوا عليها، وشهادةً لله أقولها هنا كطالبة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء من أسرة محافظة ملتزمة وغيري الكثير من الطالبات لم نجد ما يخالف عادات وتقاليد اليمنيِّين أو ما يعاكس هويتنا الإيمانية وما زالت هي الضابط الرسمي لكل التعاملات في الكلية كما باقي الكليات، فالطلاب يدرسون في جهة والطالبات في الجهة الأخرى ومنفصلين في أماكن الاستراحة، ومُصَلَّى الطالبات منفصل، ومكتب الملتقى أيضًا، وحتى على مستوى التكاليف الجماعية والتعامل باحترام والتزام موجود من قبل الجميع، ومن يشكك في ذلك أو يضع استدلاله على أهمية القرار بهذا المنطق فهو متخلف ويحتاج مخه إلى إعادة ضبط المصنع ومن حق طلاب الإعلام وطالباته أن يدافعوا عن أنفسهم ويظهروا استياءهم مِمَّنْ يشكك في أخلاقهم.
في الأخير “من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه” أي من كان يريد التعلم وعقله الذي وضعه الله بمنتصف رأسه يعمل بشكل صحيح فإن كل هذه الأمور جميعها لن تعيقه ولن يبدي لها أي اهتمام؛ لأن هدفه مرسوم واتجاهه واضح ومن المؤكد أنه يعلم أننا أصبحنا في زمن” الترندات” وربما ما حصل من ضجةٍ تجعله مُصِرًّا أكثر لمواصلة طريقه نحو التغيير وليصنع من نفسه إعلاميًا راقيًا وليس بوقًا أو مرتزقًا ، ومن لم يكن كذلك فإنَّ قرارًا كهذا في أي أمر يصادفه سيجعله ينام على رأي ويصحو برأي آخر.
الاستشهاد الذي ذكرته سابقًا لا يعني الطلاب والطالبات فقط، وإنما يعني بشكل أكبر المقترحين للقرار ومن سعوا إلى تحقيقه ليعلموا أن النية تسبق العمل، وأن الأثر هو ما يدوم بعد العمل، فإن كان المقصود هو عدم الانحدار إلى الاختلاط الفوضوي فإن أثر القرار سيكون إيجابيًا للوصول إلى الانفصال التام في كل شيء، واختفاء العاهات من الطلاب والطالبات الذين يسعون إلى تشويه هذا الصرح والملتحقين به، أما إن كان الغرض هو السعي لمكاسب شخصية كما يُقَال فإن الأثر سيكون سلبيًا، وستصبح حجة الفئة التي تم ذكرها سابقًا أنهم أصبحوا في بيئة مستقلة ومن حقهم أخذ حريتهم الكاملة كيفما كانت، ويصبح الوضع بعدها مأساويًا ليس سلبيًا فقط، وهذا ما لا يتمناه أحد.