قراراتُ مجلس الأمن بشأن اليمن.. نفخٌ في الكير على الأزمة اليمنية

 

بينَ فترة وأُخرى يطلُّ علينا المبعوثُ الأممي “مارتن جريفيث” لدعوة الأطراف اليمنية لاستئناف المفاوضات، ومن قبله “بن عمر” و”ولد الشيخ”، منذ بداية الأزمة في العام 2011م ومُرورًا بالعدوان العسكريّ بتحالف سعودي أمريكي وحتى يومنا هذا، ولم تنتج لنا الأمم المتحدة ومبعوثوها ومجلس الأمن التابع لها سوى مزيدٍ من الحرب والدمار والشتات، إذ أن المشكلة تكمن في أَسَاسها بالرعاية الأممية، والقرارات الحيادية التي تصدرها بشأن الأزمة اليمنية.

لقد ظل مجلس الأمن الدولي يراقب الوضع السياسي اليمني عن كثب منذ ظهور الأزمة اليمنية في 2011م، ويتابع الأحداث والمستجدات ويناقشها، وعلى إثر ذلك أصدر عشرات القرارات والتوصيات بشأن اليمن تحت البند السابع، تصب في محاولة حَـلِّ الأزمة اليمنية، إلا أن تلك القرارات زادت الأوضاع سوءًا، وحالت بين الأطراف اليمنية وبين التقارب مع بعضها، وفي الوقت ذاته تجاهل مجلسُ الأمن تماماً تقاريرَ المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية بشأن الانتهاكات الإنسانية جراء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وظل الدورُ الأممي غائباً أمام ملايين الضحايا من المدنيين في اليمن الذين اجتاحتهم الحربُ ما بين شهيد وجريح ومحتاج ونازح ومهجَّر.

وتعكسُ تلك القراراتُ والتوصياتُ لمجلس الأمن بشأن اليمن عدمَ جديته في التعامل مع مِـلَـفِّ الأزمة اليمنية، التي ما زالت تتصاعد كلما طال أمدها، وتبين أن تلك القرارات لم تكُنْ في خدمة إحلال السلام في اليمن، بل كانت تصُبُّ في المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها من دول العدوان، حيث يواجه مجلس الأمن أزمةً حقيقيةً كبرى في اتِّخاذ قرارات صائبة وحيادية، ومن ذلك عدم تطرق ميثاق الأمم المتحدة إلى وضع آليات واضحة المعالم للبند السابع _رغم أهميته_؛ باعتبار أن البند السابع هو محور عمل مجلس الأمن والمميز له عن سائر الأجهزة الأُخرى، وجُعل الأمر متروكاً لاعتبارات السياسة الخارجية للقوى العظمى (الدول دائمة العضوية)، التي تفصّل كُـلّ قضية دولية على حسب مقاسها ومصالحها السياسية، ويظهر ذلك جلياً من خلال برامجها وأنشطتها التي أصبحت عبارةً عن آليات واضحة لتحقيق مصالح وأهداف تلك الدول، خَاصَّة الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد مارست أمريكا هيمنتها ضمن الآلية التي ينتهجها مجلس الأمن في تطبيق أهدافه، وذلك من خلال الضغط على مجلس الأمن في اتِّخاذ قرارات لصالحها، أَو تعطيل أي قرار يصدر من المجلس لا يتفق مع مصالحها، خَاصَّة بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي عام 1990م، وبروز النظام الدولي الجديد، وهو نظام قطبية أُحادية صلبة يهدف إلى التفوق على العالم والهيمنة عليه.

ولتسليط الضوءِ على الدورِ السلبي الذي ينتهجُه مجلسُ الأمن في خدمة أمريكا وحلفائها، فيما يخص الأزمة اليمنية، فسيتم في هذه الأسطر مناقشة قرار مجلس الأمن (2216) لسنة 2015م كنموذج لتلك القرارات التي تصب في صالح دول العدوان على حساب الشعب اليمني، لما يحتويه هذا القرار من بنود أربكت العملية التفاوضية بين الأطراف اليمنية، وقطعت القواسم المشتركة التي كانت تمثل أرضية متينة يمكن بناء السلام عليها وإنهاء الأزمة.

 

القرار (2216) لسنة 2015م:

يحتوى القرارُ على ديباجية وخمسٍ وعشرين مادة، تضمنت الاعتراف بشرعية عبدربه منصور هادي، ودعت جميعَ الأطراف، خَاصَّة الحوثيين (حركة أنصار الله) إلى الانسحاب من كافة المدن والمناطق التي سيطروا عليها، وتسليم السلاح، وتضمنت بنود القرار _أيضاً_ إرفاق أسماء قيادات من حركة أنصار الله وحزب المؤتمر إلى قائمة العقوبات.. وغير ذلك من البنود التي تضمنها القرار.

ويظهر المنطقُ السلبي للقرار من خلال الأسطر الأولى في الديباجة، حيث نصت في مطلعها أن القرار جاء بمقترح من دول مجلس التعاون الخليجي، وبرسالة من الرئيس الفارّ عبدربه منصور هادي (المنتهية ولايته) يبلّغ فيها مجلسَ الأمن أنه قد طلب من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية تقديمَ الدعم على الفور، بكل الوسائل والتدابير اللازمة، بما فيها التدخل العسكريّ؛ لحماية اليمن وشعبه من استمرار عدوان الحوثيين (حركة أنصار الله) كما يصف القرار.

ولن نناقشَ في هذه الأسطر صحةَ طلب هادي، أَو شرعيته في الرئاسة بعد تقديم استقالته وانتهاء فترة ولايته، أَو صلاحيته أصلاً في اتِّخاذ مثل تلك القرارات والبلد محكومة بالتوافق بموجب المبادرة الخليجية، أَو قضية عزلة ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى بموجب الدستور اليمني والقوانين النافذة، أَو شرعية القرار في مجلس الأمن بالرجوع إلى القوانين الدولية.. لن نناقش ذلك كله، لكننا سنناقش من زاوية حياديته لصالح دول العدوان، وتأثيره السلبي على مسار المفاوضات اليمنية، حيث تحول القرار إلى حجر عثرة أمام اتّفاق اليمنيين وتصافحهم، ويمكن إيجاز ذلك بالنقاط الآتية:

تضمنت بنودُ القرار منح الشرعية لعبدربه منصور هادي وحكومة المرتزِقة في الرياض، وألزم الأطراف الوطنية الانسحاب من المدن، وتسليم سلاحهم، وهو الأمر الذي جعل الوفد المفاوض للمرتزِقة يعرقل التسوية السياسية باشتراطه تنفيذ القرار قبل بدء المفاوضات، إذ أن المفاوضات قبل تطبيق القرار يؤدي إلى إسقاط الشرعية _ضمناً_ التي منحها لهم ذلك القرار.

تسبب القرار في تأجيج الصراع بين اليمنيين، إذ أن الأطراف اتفقت على تسوية سياسية في اتّفاق السلم والشراكة، وكان على مجلس الأمن الزام الأطراف بتنفيذ الاتّفاقات الموقعة، لا البحث عن اتّفاقات جديدة لم تأتِ بعدُ، وإضافةً إلى ذلك فإن القرارَ شرعن العدوانَ على اليمن الذي تسبَّب في انهيار المسار السياسي بشكل كامل.

بدلاً عن البحث عن مخرج سياسي بين الأطراف اليمنية في جولات المفاوضات، تركزت نقاشات الأطراف المتفاوضة حول القرار، ما بين مُطالِبٍ بتنفيذ القرار، وساعٍ إلى إسقاط العمل به، ما أَدَّى إلى التصلب في مواقف المتفاوضين، وإضافة إلى ذلك، فإن القرار غير واقعي ولا منطقي، فكيف يمكنُ لطرف وطني أن يأمَن أَو أن يسلم مواقعه العسكريّة وأسلحته لطرف خصم ومرتهن للخارج.

عمل القرار على إطالة أمَد العدوان العسكريّ، وحال دون الوصول إلى اتّفاق مشترك بين اليمنيين خلال المفاوضات، حيث تبين من خلال الدراسة أن هناك أطرافاً خارجيةً معينة _كأمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات والمرتزِقة اليمنيين_ لها المصلحة في إطالة أمد العدوان، وتسعى جاهدة إلى ذلك، مما يشكل خطراً حتى على حكومة المرتزِقة نفسها، وقد ظهر ذلك في تشكيل جماعات مسلحة داخل إطار المناطق اليمنية المحتلّة بعيدًا عن توجيهات حكومة المرتزِقة كالحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة وداعش والنخب الإماراتية.. وغيرها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القرار عاد بالمتفاوضين إلى مرحلة ما قبل اتّفاق السلم والشراكة نهاية العام 2014م، وهذه العودة تمثل _بحسب مختصين_ عائقاً أمام أي توافق بين الأطراف اليمنية لتسوية الأزمة، إذ يعد مبدأ القبول بالوضع الراهن مبدأ واقعياً يسرع في عملية إنهاء الأزمة، وأما الإصرار على الانطلاق من الوضع الذي كان سائداً قبل تغير موازين القوى، فإنه ينطوي على تعقيدات كثيرة.

ولعل الخطورة في القرار تكمن في إلزامه جميعَ الدول، وخَاصَّة الإقليمية، تطبيق القرار للعمل في صالح الأجندات الأمريكية، وحماية مصالحها ومصالح حلفائها، كما أن القرار سمح بالتدخل بالشؤون اليمنية وانتهاك السيادة الوطنية بحسب البنود (14-17) من القرار، في ما يخص تفتيش السفن الجارية وتقييد الواردات من السلع الضرورية، مما تسبب بأزمة اقتصادية وإنسانية كارثية على اليمن.

وبهذا يرى مراقبون أن مجلس الأمن يلعب دوراً مشبهوهاً في اليمن، ظهر واضحاً بعد فشل كُـلّ المفاوضات اليمنية خلال السنوات الماضية التي عقدت في الكويت، وجنيف، وستوكهولم، رغم تقارب الأجندات التفاوضية، وتوافق كثير منها، وذلك يؤكّـد على أن مجلس الأمن لا يسعى إلى الدفع بالتسوية السياسية إلا بما يخدم الأجندات الأمريكية والدول دائمة العضوية فيه، وتمرير المشاريع المشبوهة لها في المنطقة، كما أن إطالة أمد الحرب يدل على أن مجلس الأمن يفتعل صراعات جديدة، ويفرض سياسات وأيديولوجيا قوى خارجية لتقويض السلم الاجتماعي والتحكم بموقعه الاستراتيجية واليمن ليست إلا جزءٌ لا يتجزأ من مؤامرة الغرب في تمزيق الشرق الأوسط الإسلامي وإثارة الفوضى الخلاقة فيه.

 

ختاماً:

لا يجبُ أن نراهنَ على الأمم المتحدة ومجلس الأمن أَو المجتمع الدولي في الوصول إلى حَـلٍّ شاملٍ للأزمة اليمنية، فقد ظهر دورُهم المشبوهُ في كثيرٍ من دول العالم منذ تأسيس الأمم المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، كما لا يجبُ أن نتهمَ الخارجَ بشكل كلي في عرقلة المفاوضات اليمنية، فالتدخلات الخارجية ما كان لها دورٌ لولا وجود بيئة سياسية داخلية هشة ورخوة، مثلت مدخلاً لتغلغل المفاعيل الخارجية وتأثيرها، فمن طلب العدوان ووقف في صف العدوّ، وجعل أبناء اليمن وقوداً لحماية المشروع السعودي الأمريكي السعودي هم يمنيون، وربما هم مَن أكلوا خيرات الشعب قرون من الزمن باسم حمايته والذود عنه، وأقسموا الأيمانَ على ذلك. ومع ذلك فالحلُّ لن يكونَ إلا يمنياً وبمبادرة من اليمنيين، كمثل مبادرة الشهيد الرئيس صالح الصمَّـاد في 2017م، ومبادرة الرئيس مهدي المشَّـاط في 2019م، أَو ما مقترح الحل الشامل لإنهاء الحرب والحصار الذي أعلنت عنه القيادة السياسية في مطلع الشهر الحالي، حتى وإن لم يتقبلها المرتزِقة بإيجابية لافتقادهم الصلاحية في ذلك، فسيأتي اليوم الذي يطالبون هم بذلك، أَو يدخلوا في إطار العفو العام، حين يصبحون بلا وطن بعد أن أصبحوا بلا قرار.

وحتى تكونَ هناك حلولٌ عمليةٌ لحل الأزمة من الداخل، والوصول إلى مرحلة بناء السلام في اليمن، يتطلبُ تفعيلُ المكونات المجتمعية، حيث أن عملية بناء السلام هي عملية متعددة الأبعاد، سواء من حيث الأطراف التي تنخرط فيها، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، والمنظمات النسائية، والمجموعات السياسية، وحركات الشباب، والجماعات الدينية، والمنظمات المهنية، والنقابات العمالية، ورجال القبائل وغيرهم. أَو من حيث الميادين التي تعمل فيها، كمجالات العدل، وإصلاح القطاع الأمني، وإرساء أُسُسٍ عملية التنمية.. وغيرها من الميادين التي تفرض واقع كُـلّ حالة بحسب الحاجة إليها، مع مواصَلة المسارِ العسكريّ للجيش واللجان الشعبيّة في دك حصون الغزاة والمرتزِقة حتى تطهيرِ الوطن منهم، واسترجاع حقه في السيادة والاستقلال.

 

المسيرة/ محمد أحمد الشرفي

قد يعجبك ايضا