قراراتُ الأمم المتحدة.. بين الهيمنة الأمريكية والمال السعوديّ المدنَّس
قراراتُ الأمم المتحدة.. بين الهيمنة الأمريكية والمال السعوديّ المدنَّس
قراءةٌ في انتهاكات السعوديّة لحقوق أطفال اليمن على ضوء القانون الدولي الإنساني
منذُ فجرِ التاريخ والحرب حَدَثٌ لازَمَ البشريةَ في جميع العصور والأزمنة المتعاقبة، فقد حدثت حروبٌ طاحنةٌ قاست ويلاتها البشريةُ على مر الأعوام والقرون؛ ولذلك حرص الإنسان منذ القدم على وضع ضوابطَ عُرفية أَو مكتوبة للحروب والصراعات والنزاعات المسلحة لحق فئات معينة، كما حصل أَيَّـام الإغريق والفرس والرومان، وفي الهند والصين القديمة، وفي الدول الإسلامية والمسيحية.
شملت الضوابط العُرفية الفئاتِ المحمية النساء والأطفال والمسنين، والمقاتلين المُجَـرّدين من السلاح، والأسرى، وحظرت مهاجمة بعض الأهداف مثل دُور العبادة، ومنعت استخدام الوسائل الغادرة في القتال، لكن مع تطور وسائل القتال، لم تعد هذه التقاليد صالحةً للتطبيق، وفشلت في التوافق مع هذه الوقائع الجديدة، لذلك دعت الحاجة إلى وجود قانون دولي ينظم قواعد وأعراف الحرب، ويضمن حماية المدنيين، ونتيجةً لذلك تم إنشاء عُصبة الأمم عام 1919م، ثم منظمة الأمم المتحدة التي جاءت على أنقاضها في العام 1945م، إثرَ الحربَين العالميتين الأولى والثانية، وما خلّفتهما من قتل وتدمير وشتات وانتهاكات واسعة بحق الإنسانية.
ولكن الأمم المتحدة لم تستطعِ العملَ في المسار الذي رُسم لها -كما يقول علماء القانون الدولي-؛ بفعل الهيمنة التي تمارسها القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وخَاصَّة بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي، ودخول المجتمع الدولي مرحلة أُحادي القطبية في علاقاتها الدولية، وأصبحت هذه المنظمة أدَاة طيعة لتحقيق السياسة الخارجية الأمريكية، وقمع وتشويه وتدمير الأنظمة والشخصيات المناهضة، لها كما حصل ويحصل في اليمن والعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين وسوريا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية التي تعاني من مَيْلِ الأمم المتحدة لصالح الإمبريالية العالمية والإرهاب الدولي، خَاصَّة مع تدفع أموال المسلمين إليها –للأسف- من دول خليجية وعربية وعلى رأسها السعوديّة.
وفيما يخص الشأن اليمني على وجه الخصوص، فقد أكّـدت الشواهد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمم المتحدة شريك أَسَاسي في العدوان على اليمن، وقتل أطفالها ونسائها، سواء منْ حَيثُ شرعنة العدوان لاستخدامه القوة العسكرية والتغطية على جرائمه الفظيعة واللامتناهية، أَو من حَيثُ تبني السياسة الأمريكية والسعوديّة التي تسعى إلى إفشال المفاوضات بين المكونات السياسية اليمنية، أو تجاهلها للكارثة الإنسانية التي حلَّت باليمنيين إثر العدوان السعوديّ والأمريكي عليهم رغم التقارير التي تصدرها منظمات حقوقية وإنسانية تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية أُخرى فيما يخص الوضع الإنساني الكارثي الذي لحق باليمنيين والجرائم التي ترتكب في حقهم.
ولم تكتفِ الأممُ المتحدة عند تلك الإجراءات المشينة –فحسب- بل تعمدت قلب الحقائق وتضليل الرأي العام، في سابقة خطيرة تعبر عن كارثية هذه المنظمة على اليمن والعالم بشكل عام، حَيثُ عمدت إلى تبرئة القاتلِ وإلصاق التهمة بالضحية، من خلال القرارِ المنحط لأمين عام الأمم المتحدة بإدراج أنصار الله في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال.
لقد أثبتت أحداثُ العدوان على اليمن أن السعوديّة استهدفت المدنيين في اليمن والأطفال خُصُوصاً، بصورة مباشرة ومتعمدة، وأصبح الاعتداء عليهم يشكل عنصراً من عناصر العدوان واستراتيجيتها لديها، حَيثُ أَدَّت أشكالُ العنف المختلفة التي مارستها آلة الحرب السعوديّة إلى تزايد عدد الضحايا بين السكان المدنيين والأطفال على وجه الخصوص، إذ إن تقارير دولية تشيرُ إلى استشهادِ أكثرَ من رُبع مليون يمني من المدنيين بشكل مباشر أَو غير مباشر، أغلبهم من الأطفال والنساء، أما الأطفال الذين استهدفهم طيران العدوان بشكل مباشر فقد بلغوا (7272) بين شهيد وجريح، و27 مولوداً من أصل 1000 مولود يتوفون سنوياً؛ بسَببِ الآثار العدوانية للسعوديّة، بينما (20) مليون شخص بحاجة إلى مساعدة غذائية، أي ما يعادل 80 % من إجمالي عدد السكان، والأطفال هم أكثر هذه الأرقام تضرراً، وأغلبهم في المرحلة الحادة، وإضافة إلى أن العدوان السعوديّ فتك بأرواح الأطفال بشكل مباشر، فقد أثَّر أَيْـضاً تأثيراً غير مباشر عليهم، فالعدوان شوّه حتى بالأجنَّة في بطون أُمهاتهم، وقلَّل -إلى حَــدٍّ كبير- من النمو الطبيعي للأطفال؛ نتيجةً لاستخدامه الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًّا، وانعدام التعليم الجيد والرعاية الصحية الكافية وإتلاف المحاصيل وتدمير الطرق وضياع الموارد وتحطيم القدرات الاقتصادية وانقطاع المرتبات وإغلاق الموانئ والمطارات ومنع دخول السلع الضرورية والأدوية والمشتقات النفطية، وتدمير منازل المواطنين والمنشئات العامة والخَاصَّة، وفقدان الأمان والاطمئنان والثقة بالنفس لما يتعرضون له من الخوف والرعب.
تلك الجرائم والانتهاكات الجسيمة جعلت العديد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة (الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي) توجّـه نداءات عاجلة –أكثر من مرة-؛ لتخفيف معاناة اليمنيين مما وصفوه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. كما أكّـد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن المجاعة التي تلوح في أفق اليمن قد تكون الأسوأ في تاريخ العالم الحديث، حَيثُ قد تعرض حياة ما يقدر بنحو مليونين من النساء الحوامل والمرضعات اللواتي يعانين من سوء التغذية لخطر الموت، وهناك الكثير من المنظمات الأممية والدولية والإقليمية والمحلية التي بُح صوتها وهي تناشد الأمم والمتحدة والعالم بالالتفاف إلى مظلومية اليمنيين، لكن العالم الذي اتخذ سياسة النفاق لا يتجاوب إلا على قدر ما يجني من المصالح، أما الأمين العام للأمم المتحدة فلم نسمع منه إلا القلق المتواصل، الذي اتضح –أخيراً- أن قلقه ليس على أطفال اليمن، بل خوفاً من السوط الأمريكي، وطمعاً بالريالات السعوديّة.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لا يتم إدراج السعوديّة ضمن القائمة السوداء لمنتهكي جرائم الأطفال رغم كُـلّ تلك الانتهاكات؟!!.
ولتوضيح الموضوع أكثر، سوف نستعرض في هذه الأسطر حقوق الأطفال في ضوء القانون الدولي الإنساني، ليتضح بذلك حجم الانتهاكات السعوديّة الصارخة لحقوق الأطفال في اليمن، ومدى كذب ونفاق الأمم المتحدة، وتعاطيها مع الملف الإنساني اليمني من خلال الهيمنة الأمريكية والأموال السعوديّة المتدفقة إليها، ومن أبرز تلك الحقوق ما يأتي:
أولاً: حمايةُ الأطفال من آثار الأعمال العدائية: