قراءة في دعوات التصالح بين أنصار الله والإخوان المسلمين؟
عين الحقيقة / يوحنا صديق
ناشط وكاتب لبناني
منذ بدء العدوان الأمريكي السعودي على اليمن وأنصار الله ﻻ يكلون عن إطلاق دعوات التسامح والحوار مع المكونات السياسية التي أيدت العدوان وساندته، إلا أن تلك الدعوات كانت تقابل بالرفض التام من قبل تلك المكونات وتحديدا من قبل “الإخوان المسلمين” أو ما يعرف بالتجمع اليمني للإصلاح.
إلا أنه ومنذ حوالي شهر كشف محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية اليمنية العليا عن تواصل مع شخصيات إصلاحية، إذ قال في منشور بصفحته على فيسبوك: “للإصلاح سنقول ﻻ تثريب، فقط استمروا بالتواصل كما يفعل العليين”.
رسالة الاطمئنان والتحفيز التي بعثها رئيس الثورية العليا أتت أكلها، فما هي إلا أيام حتى دعا القيادي بحزب الإصلاح الإخواني عضو مجلس النواب محمد ناصر الحزمي حزبه وحزب المؤتمر وأنصار الله إلى عقد مصالحة لإنهاء ما وصفها بالحرب في اليمن.
وقال الحزمي في منشور بصفحته على موقع فيسبوك: “أقول بأعلى صوتي يا أهل اليمن كفى والصلح خير”
وأضاف “يا مؤتمر و يا إصلاح و يا حوثة و يا مكونات سياسية أنهوا الشوط الأول من القتال وعاد باقي شيء نحافظ عليه لأن الشوط الثاني الذي يُعد له لن يترك لكم الانتقال للشوط الإضافي كي تراهنوا عليه”.
واعتبر الحزمي من يعترض على دعوته بأنه مستفيد من الحرب وقال “لا يعارض هذا النداء إلا متمصلح من الحرب أو حاقد لا يخشى الله”.
دعوة القيادي الإخواني ﻻ قت اهتمام رئيس اللجنة الثورية وترحيبه، فبعد ساعات كتب منشورا بصفحته على فيسبوك قال فيه:
ننظر بإيجابية إلى الإدراك المتزايد لمن هم مع العدوان من خلال دعواتهم للتصالح وموقفنا واضح من أول يوم أن الحوار هو الحل وليس مساندة دول العدوان الأمريكي السعودي وحلفائه”
ثم عززها بمنشور آخر بعد يومين قال فيه:
“نرحب بالتصريحات الإيجابية التي صدرت من بعض الأخوة من قيادات حزب الإصلاح بالدعوة للحوار والتفاهم والشراكة حفاظا على استقرار اليمن ووحدته ووقفا لنزيف الدم اليمني في حروب يريدها الخارج لمصالحه”.
أصداء..
حظيت الدعوات المتبادلة برضا الكثير من اليمنيين الذين عبروا في وسائل التواصل الاجتماعي عن أملهم في أن تمثل بداية خطى جادة لوقف العدوان على اليمن وسحب البساط من تحت دول العدوان التي ما تزال تعزف على وتر إعادة الشرعية إلى اليمن بتفويض قوى سياسية يمنية.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي إشادات بحكمة أنصار الله على الرغم من كون الحزمي – صاحب الدعوة – من أكثر من نشطوا في معسكرات تدريب المجاميع الموالية لتحالف العدوان عبر إلقاء المحاضرات التي تحرض على القتال على أسس طائفية.
عودة الإخوان..
رأى سياسيون في استجابة الحزمي وإطلاقه دعوة لوقف الحرب مؤشرا على صحوة ضمير وإن أتت متأخرة إلا أنها أفضل من عدم مجيئها، وتدل على مراجعة قيادات إخوانية لحساباتها من العدوان على اليمن، كما أنها نقطة تحول شجاعة محسوبة للحزمي، حيث يعد أول من تجرأ على المجاهرة بها دونا عن زملائه الذين يخشون أن يتعرضوا للمعاقبة من قبل النظامين السعودي والإماراتي إن هم أقدموا على إرضاء ضمائرهم والدعوة لوقف الحرب، خاصة وهم مقيمون في فنادق الرياض، ولم يرتبوا بعد إجراءات فرارهم منها والعودة إلى اليمن.
انقسام إخوان اليمن..
من جانب آخر وجد سياسيون أن دعوة القيادي الإخواني كفيلة بأن تقسم القيادات الإخوانية اليمنية في الخارج والأعضاء في الداخل إلى فريقين، الأول مع وقف العدوان ويتزعمه الحزمي (المقيم في قطر) والثاني مع بقائه ويتزعمه رئيس الحزب محمد اليدومي (المقيم فى الرياض) الذي طالما رد على دعوات المصالحة التي يطلقها أنصار الله والمؤتمر بالرفض والإصرار على مواصلة العدوان على اليمن، والذي كان خاطب دول التحالف باكيا في كلمة متلفزة بالقول: “إن علينا وعليكم قطع رأس الأفعى، فإن لم نفعل ولم تفعلوا فإن الكرة قد تعود علينا وعليكم بما هو أدهى وأمـر، ولن ننسى لكم وقفتكم ولن ننسى لكم تضحياتكم، وثقوا أننا لسنا لؤماء حتى ننسى دعمكم ونحن على ثقة أنكم لن تتركونا في منتصف الطريق”.
كلام اليدومي أتى بعد مرور ما يقارب الستة أشهر من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، فيما دعوة الحزمي جاءت بعد مرور قرابة سنتين وخمسة أشهر من العدوان.
مخاوف الإخوان..
للقارئ أن يعرف سريعا – بتأمل الفارق الزمني بين كلام القياديين الإخوانيين “مدى إدراك إخوان اليمن لإحساس الملك السعودي وولي عهده بالعجز عن تحقيق حلمهما بالقضاء على أنصار الله رغم مئات مليارات الدولارات التي خسرتها السعودية جراء العدوان، وما يولده ذلك فيهما من مشاعر نقمة تجاه القيادات الإخوانية اليمنية التي يريان أنها لم تكن عند مستوى الحدث على الصعيد الميداني العسكري.
إذ لم يعد أمرا غامضا شعور قيادات الإصلاح بالهلع الشديد من أن يصدر قرار الاستغناء السعودي عنهم باعتبارهم عمالة وافدة غير شرعية أو ﻻ حاجة لها، فهم يرتعدون ليل نهار حين يفكرون باللحظة التي يتركهم النظام السعودي يواجهون مصيرا مجهولا.
مخاوف إخوان اليمن المتصاعدة مؤخرا نجمت أيضا من يقينهم باستحالة عودتهم إلى اليمن حينها، فالمحافظات الشمالية تنظر إليهم كمجرمين قتلة، والمحافظات الجنوبية تراهم شرا مستطيرا، خاصة أن النظام الإماراتي المحتل لمحافظات جنوبية هامة له موقف حازم تجاههم يرفضهم كإخوان مسلمين، رغم كل مغازلاتهم له ثم الاستجداءات التي بلغت حد التوسل.
البعد الإماراتي..
تجدر الإشارة والإشادة في هذا الصدد إلى وبالذكاء السياسي لأنصار الله الذي عبر عنه انتقاد محمد علي الحوثي رئيس الثورية اليمنية – هذا الأسبوع – محاولات الإخوان المسلمين “حزب الإصلاح” لاستجداء الرضا الإماراتي، والذي جاء عبر تغريديتين له على تويتر قال فيهما: “لا شريك سيقبل بكم يا إخوان اليمن (حزب الاصلاح)، ولا مقيم، فلا أسوأ ممن باع وطنه، ولأن المرتزق في نظر الغازي لا يمكن أن يكون شريكا، فلا داعي لمطالبة الغزاة الإماراتيين أو غيرهم بذلك”.
لقد اعتبر البعض أن هاتين التغريدتين ﻻ تعنيا حزب الإصلاح الإخواني فقط، بل والمؤتمر أيضا على غرار المثل العربي “إياك أعني وافهمي يا جارة”.
خلاصة..
خلاصة الأمر أن ما يجري هو مؤشرات لعدة أمور من بينها:
– انقسام الإخوان المسلمين بين وقف العدوان أو استمراريته، وأن اجندتهم انقسمت ايضا بشكل حاد بين الرياض والدوحة، وأنهم باتوا يمدون خطوط الرجعة مع أنصار الله، وأن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من التصريحات الإيجابية من قيادات إخوانية على غرار تصريح الحزمي.
– ثبات مواقف أنصار الله السياسية في قضايا التصالح والحوار والشراكة في مقابل تذبذب مواقف الأطراف الأخرى، وأن الطرف الأساسي المتحكم في القرار اليمني الوطني والميدان بثبات أيضا هو أنصار الله، وأنهم المكون الوحيد الذي لم يشهد أي انقسام داخله ﻻ قبل العدوان و ﻻ بعده، وكلها تؤكد بما ﻻ يدع مجالا للشك أن أنصار الله هم طوق النجاة للوصول إلى بر الأمان ليس لحزب المؤتمر أو للإخوان فقط وإنما لليمن الموحد وللشعب اليمني المظلوم بكامله.