قراءة في خطاب النصر!
حيان نيوف
بعد ثلاثة أيام من وقف العدوان “الإسرائيلي” على لبنان بموحب الاتفاق الذي اعلن عنه بعد مفاوضات ماراتونية طويلة وشاقة تأثرت بشكل رئيسي بالواقع الميداني والبطولات التي كان يسطرها مجاهدو المقاومة الأبطال على أرض الميدان، ألقى الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خطابه في هذه المناسبة، معلناً النصر الكبير لحزب الله ولبنان في هذه المواجهة مع العدو الصهيوني.
تميّز خطاب الأمين العام بالحكمة البالغة والواقعية الشديدة والتعابير الرصينة والدقيقة، وهو ما يعكس حالة الاطمئنان والرضا التي يشعر بها حزب الله كنتيجة منطقية للتضحيات الكبيرة التي قدمها والنتائج العظيمة التي أحرزها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
من إسناد غزة إلى الحرب المفتوحة:
بدأ الأمين العام خطابه بالحديث عن مواقف المقاومة – حزب الله منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى في 8/أكتوبر 2023، حيث ذكّر سماحته بأن خيار المقاومة منذ البداية كان إسناد غزة بدوافع وطنية وقومية وإسلامية وإنسانية، وبأن الحزب لم يكن يريد حرباً مفتوحة مع العدو لكنه كان مستعداً لها في حال قرر العدو الصهيوني الذهاب إليها، والحقيقة أن الإسناد وتحديداً على الجبهة اللبنانية أعطى نتائج مهمة للغاية، ومكن المقاومة الفلسطينية في غزة من الصمود لأشهر طويلة بفعل تشتيت قوات العدو وفرقه العسكرية وألويته واضطراره لتخصيص جزء كبير منها للتحشيد على الحدود الشمالية، ولاحقاً لذلك كان من أهم نتائج الإسناد تهجير المستوطنين من شمال فلسطين المحتلة بمقابل التهجير القسري للفلسطينيين في القطاع.
ثم تحدث سماحته عن انتقال العدو “الإسرائيلي” إلى مرحلة العدوان المفتوح والحرب الشاملة على لبنان، والتي بدأها بالعمل الأمني من خلال تفجيرات البيجر واغتيال قادة كبار في المقاومة، ثم اغتيال الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) ، واستهداف منظومة التحكم والسيطرة، ليسارع بعد ذلك نتنياهو إلى طرح سقف أهدافه الجديدة والتي حددها بإبادة حزب الله وإعادة سكان الشمال، وبناء شرق أوسط جديد، والشيخ نعيم يريد بذلك أن يشير إلى النوايا الخبيثة لنتنياهو الذي انتقل للهجوم البري على لبنان.
وعليه، فإن حزب الله بات ملزماً بالدخول في المعركة بكل أدواته ووفق الخطط المسبقة التي وضعها الشهيد القائد السيد حسن نصر الله بعد أن أعاد تنظيم بنيته وبناء منظومة التحكم والسيطرة والخروج من حالة الإرباك والانتقال من الإسناد إلى الإيلام إلى الحرب المفتوحة، وبدلاً من أن ينجح نتنياهو في تحقيق أهدافه كما كان يظن، وجد العدو “الإسرائيلي” نفسه في موقع الدفاع، حيث تقصف جبهته الداخلية وصولاً لـ”تل أبيب”، وأعداد المهجرين ارتفعت من 70 ألفاً إلى مئات الآلاف وشرقه الأوسط الجديد بقي حبيس أوهامه وظنونه، وكما بين سماحته فإن العدو وصل إلى مرحلة انسداد الأفق إلى جانب العجز الميداني وتشتت الجبهة الداخلية وفشل محاولاته بالقتل والتهجير، وكذلك فشل محاولاته لبث الفتنة الداخلية في لبنان، وهو ما اضطره أخيراً للقبول بوقف إطلاق النار والتنازل عن أهدافه أمام قوة وعظمة حزب الله الذي فرضت عليه الحرب ولم يكن يريدها، لكنه حقق فيها انتصاراً كبيراً.
عوامل النصر وصوره
تحدث سماحته عن سبب تأخيره لخطاب النصر مدة ثلاثة أيام، فقال، إنه تعمّد ذلك لئلا يكون خطابه تعبوياً، بل أن يكون انعكاساً لواقع البيئة الحاضنة التي سارعت مع لحظات وقف إطلاق النار الأولى إلى العودة إلى قراها و منازلها حتى لو كانت مهدمة، وهؤلاء هم أنفسهم من راحوا يتحدثون عن النصر الكبير ويحتفلون به بكل ثقة وعزة و شموخ متفاخرين بما قدموه من شهداء وأبناء وبيوت وأرزاق على طريق تحقيق هذا النصر، وفداءً لسيد هذا النصر الشهيد الأقدس حسن نصر الله رضوان الله عليه.
بينما على المقلب الآخر كان نتنياهو مضطراً للكذب والتضليل في محاولة منه لإقناع الجمهور “الإسرائيلي” بإنجازاته الوهمية الكاذبة، بينما لم يجرؤ مستوطنو الشمال على العودة إلى مستوطناتهم على الرغم من وقف إطلاق النار.
” انظروا إلى صورة عودة الناس عندنا وصورة عدم عودة النازحين عندهم، انظروا إلى البهجة والفرحة والسعادة التي لا يمكن وصفها في مقابل البكاء والإحباط والجو المأساوي الموجود عند العدو الإسرائيلي، الهزيمة تُحيط من كلّ جانب بهذا العدو”.
استناداً لهذه المقارنة و لجميع عوامل النصر، وصوره التي لا يمكن حصرها، اختار الشيخ نعيم قاسم أن يعلن النصر في هذا التوقيت واصفاً إياه بالنصر الكبير:
“لذا قررت أن أعلن كنتيجة لمعركة أولي البأس بشكل رسمي وواضح أنّنا أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في تموز 2006 بسبب طول المدّة، وشراسة المعركة، والتضحيات الكبيرة، وأيضًا كان هناك جحافل من الأعداء مع كل الدعم الأمريكي والغربي، ومع ذلك استطاع المقاومون أن يقفوا سدًا منيعًا وأن يحققوا هذا الإنجاز”.
مضمون الاتفاق:
أوضح سماحته أن الاتفاق ليس معاهدة جرى التوقيع عليها، وأنه لم يخرج عن سقف القرار 1701، بل إنه تضمن برنامج إجراءات تنفيذية له، متعلقة بجنوب نهر الليطاني، وهو يلزم الجيش “الإسرائيلي” بالخروج من الأماكن التي احتلها، ويدخل الجيش اللبناني إلى كل الجنوب.
وأكد سماحته على دور الجيش اللبناني وأهمية انتشاره، وعلى التنسيق عالي المستوى معه، واصفاً عناصره بالأبناء، ومهمته بالمقدسة، والشيخ قاسم يوضح بذلك لمن تسول له نفسه ويظن أنه يستطيع خلق فتنة بين الجيش المقاومة بأن هذا الباب مسدود بالمطلق، ومن جانب آخر يمكن القول إن كلام الأمين العام يثبت معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وكذلك يؤكد على دستورية الحزب واحترامه للدستور والمؤسسات اللبنانية كما كان على الدوام.
كلمة شكر لشركاء النصر:
كان لافتاً حرص سماحة الأمين العام على أن يكون شكره خصيصاً لمن يستحقه بعيداً عن مجاملة أي طرف، فهذا الانتصار الكبير والعظيم يستحق أن يرفع رايته كل من كان شريكاً به بالفعل أو بالقول، أو بكليهما، ومحرم على أعداء المقاومة وعلى المنافقين والمحرضين والمتخاذلين أياً كانوا، ولا يحق للمتلونين أن يركبوا موجة النصر.
من هذا المنطلق وبعد الشكر لله تعالى، وجه سماحته شكره للمجاهدين المرابطين الأطهار، وللشهداء الأبرار، وللجرحى المقدسين، لعوائل الشهداء والجرحى والمقاومين على خط النار، للرجال والنساء والأطفال، نعتز بكم يا أهلنا في الجنوب الأبي والبقاع الوفي وضاحية العز وبيروت قبلة الأحرار وجبل الشموخ وشمال النصر. للسياسي والمفاوض المقاوم الرئيس نبيه بري، ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لحركة أمل شقيقة حزب الله، وللجمهورية الإسلامية الإيرانية وقائدها الإمام الخامنئي و الشعب الإيراني، لليمن قيادة وشعباً، للعراق وشعبه وحشده، لسورية قيادة وشعباً.
هؤلاء شركاء النصر وأهله إلى جانب المقاومة الإسلامية – حزب الله.
خلاصة المشهد:
بعد أن أكد سماحته أن قضية فلسطين ستبقى القضية المركزية والمحورية للمقاومة، ولمحور المقاومة، حدد ملامح خطة الحزب في المرحلة القادمة بخمس نقاط طمأن من خلالها الداخل اللبناني وجمهور المقاومة إلى أن الحزب لن يترك دوره السياسي كما ظن خصومه في الداخل والخارج، بل إنه سيكون أكثر مشاركة والتفاتاً للقيام بالدور المنوط به وأكثر في الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، وشملت تلك النقاط الخمس: إعادة الإعمار، وانتخاب رئيس للجمهورية، والنهضة الحقيقية على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والتعاون مع القوى السياسية في لبنان. وأخيراً، العمل على الوحدة الوطنية وحفظ السلم الأهلي وتعزيز قدرة لبنان وقوته في وجه العدو “الإسرائيلي” إلى جانب الجيش اللبناني.