قراءات في خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي عن الهُـوية الإيمانية
في قراءةٍ حول خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي عن الهُـوية الإيمانية: الخاصُّ لدى الشعوبِ وتجريفُ العولمة الأمريكية
أنس القاضي
كلمةُ السيّد قائدِ الثورة الأخيرة كانت عميقةً تجاوزت الوعظَ الدينيَّ المعهودَ في خطب الجمعة، واقتربت من التحليل السيسيولوجي لمسألة أنماط الثقافات والملامح الخَاصَّة في هُويات الشَعوب وما تمثله هذه الطرزُ الثقافيةُ من قوةٍ دافعةٍ في حركة الحاضر وصيانته، وما لها من قوة إلزامية نحو الفرد والمجتمع كموجهٍ للسلوك الإنساني وناظم له اكتسبته؛ بفعلِ تراكم تاريخي طويل، وقد تكون هذه العاداتُ ونماذج السلوك والتقاليد والتعاليم التي لها هذه الإلزامية سلبيةً أَو إيجابيةً.
في مواجهةِ هذا التنوع والتعدّد الثقافي والفريد والخاص في حياة الشعوب، تأتي هجمةُ العولمة الغربية لمحو كُـلّ ما هو خاص ومتفرّد لدى الشعوب وطبعه بالطابع الكوني (أمركة العالم)، فما وصلته الولايات المتحدة والفلسفة اللبرالية الحاكمة فيها هو “نهاية التاريخ” كما يُتحدّث منظروهم، وهو معيارُ التقدّم الإنساني كما يفترضون، وهذا الأمرُ غيرُ صحيحٍ، فهناك تناقُضٌ في الغرب بين التقدّم العلمي التكنيكي الجاري وبين التقدّم الأخلاقي والتطوّر الإنساني، وعلى سبيلِ المثال فإنَّ الشذوذَ الجنسيَّ واستساغة مشاهدة المصارعات الدموية الرجالية والنسائية ومقاطع اغتصاب الأطفال وقتلهم كما كان عليه البرنامج الإجرامي الشهير “الأرنب السيء”، مختلف هذه السلوكيات الشاذة، هي نتيجة تقهقرٍ أخلاقيٍّ وتدنس النفس، فالإنسانُ الغربيُّ وبشكل أدق الرأسمالي المترف بعد أن أشبع كُـلَّ احتياجاته الطبيعية بطريقة حيوانية، تتخلّق لديه احتياجاتٌ شاذةٌ فيسعى لإشباعها، إذ يجهلُ كنهَ الوجود وسؤال الوجود ومسؤولية المال الذي يملكه ودوره في الحياة.
الحديثُ عن ضرورة المقاومة الثقافية للعولمة لطالما طُرحت من قبل مختلف التيارات الفكرية، سواءً القومية أَو الاشتراكية أَو التيارات الإسلامية الإخوانية السلفية، وفيما هذه الأخيرة كانت تضعُ أمام المجتمع مهمةَ العودة إلى القرن الأول للهجرة لصيانته من المد الثقافي التغريبي، وهوَ أمرٌ غير مُمكن واقعياً، فإن المميّزَ في كلمة خطاب السيّد وهو يدعو إلى مواجهة المدِّ الثقافي التغريبي ومواجهته، هو طرح مسألة تجاوزه إلى ما هو أرقى منه وأكثر استجابة لاحتياجات شعبنا؛ من أجل التقدم وبناء نموذج، وهي الفكرةُ التي طرحتها في خطاب المراكز الصيفية فالمؤكّـد أن الغَربَ لا يُعطي لمجتمعاتنا المعارف العلمية والتقانة الحديثة الذي يملكها والتي تؤهل شعوبَنا للنهوض والمنافسة، إنما يُسوّق له القيمَ الاستهلاكيةَ وكلَّ ما يُمثّل قشوراً للحضارة الغربية ومخلفات لها، في سعيٍ غربي عبر هذه الأساليب المعنوية في السيطرة على الأمزجة والتصورات والتطلعات لسائر المجتمعات؛ تمهيداً لعملية الهيمنة الملموسة الاحتلال والسيطرة المباشرة سياسياً واقتصادياً إن لم يكن عسكريًّا، وقد ركّز قائدُ الثورة على النموذج الشرقي وخَاصَّة الصيني، مبيناً كيف يقاومُ الصينيون هذه التأثيرات الأمريكية بالاستناد إلى ثقافتهم الخَاصَّة، (تعاليم الكنفوشية والبوذية الإنسانيتين).
تطرّق السيّدُ إلى التجربة العراقية في جزئية اغتيال العلماء من قبل أمريكا التي تدّعي العطاء التقدمي للإنسانية، تُمثّل هذه التجربة شاهداً تاريخياً بين تناقض دعوات الغرب وواقعه، فالغزوُ الأمريكيُّ على العراق الذي جاء؛ من أجلِ منحه “الديمقراطية والحريّة وحقوق الإنسان” كما كانوا يدعون، جاء لهدم كُـلِّ المكتسبات التقدّمية في العراق من علوم ومعارف وقاعدة إنتاج صناعية متطورة، ولم يُعطه من الوعود إلّا قشرةَ الديمقراطية المتمثّلة في العملية الانتخابية ووفق دستور “بريمر” الذي صاغه الحاكمُ العسكريُّ الأمريكيُّ بشكل محاصصة طائفية وعرقية، تتفجرُ مخرجاتُه اليومَ في الشارع العراقي.
الجديرُ بالذكر أن الصينَ الذي ذكرها السيّدُ في كلمته، لها حساسية ثقافية ليس فقط مع الغرب الأمريكي والأوربي، بل حتى مع الشرق الذي تنتمي إليه، حتى مع انتمائها للمعسكر الاشتراكي، وللماركسية كمنهج نظري تسترشدُ به من بعد انتصار الثورة الماوية في خمسينيات القرن الماضي، إلّا أنها منذُ البداية أظهرت تمايزاً عن التجربة السوفياتية ورفضت أن تُحسب كتجربة اشتراكية تابعة للاتّحاد السوفياتي، وتحدّثت عن ما اسمته بناء “التجربة الاشتراكية في ضوء الخصائص الوطنية الصينية”، وهذا التعميمُ كان آنذاك يُعتبر من وجهة نظر السوفيات ارتداداً عن الأممية.
في رحاب خطاب السيد القائد.. الإيمان يمان
إكرام المحاقري
من ينظر إلى واقع الأمة الإسلامية من خلال المنطق القرآني سيفقه أن وضعها الإيماني أصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط بما تضمنته آيات القرآن الكريم، ولعل واقع الآمة الإسلامية اليوم لهو نتيجة البعد عن الله وعن القرآن والانحياز لما خطه علماء السوء المحسوبين على الدين.
في خطاب السيد القائد : عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، تحدث فيه عن مضمون الهوية الإيمانية وخطورة الانحراف ومن أين يأتي النصر ومن قبله التوفيق والثبات، ولأننا أصبحنا بعيدين عن توجيهات الله تعالى في القرآن الكريم أصبح الدين بالنسبة لنا غريباً، وأصبح كل ما نسمعه من حكم وآيات شيئاً جديداً مقارنة بما ترسخ في قلوبنا من ثقافات مغلوطة ركيكة قدمت لنا الدين مجرد أسم والقرآن مجرد نقش لاغير، وهذا ما حذر منه الإمام علي عليه السلام عندما قال: (سوف يأتي زمن لا يؤخذ من الدين إلا إسمه ومن القرآن إلا نقشه)..
وبالعودة إلى خطاب السيد القائد فلنا أن نقتبس من بعض ما أرشد ووضح لنا ولعله يكون لنا مصباح نور للعودة إلى الله ودينه الحنيف، بداية مع عنوان المحاضرة والتي احتوت على عظمة اليمنيين بقول الرسول محمد فيهم: (الإيمان يمان)، وأشار بأن الله تعالى وعد الذين يتصفون بصفة الإيمان بالنصر والتوفيق: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا).
وأكد السيد القائد أن صدق الانتماء الإيماني هو أن يكون التزام عملياً وليس مجرد مسميات ومعلومات، فهذه الأساليب قد أودت بالمؤمنين آلى السقوط في هاوية الحرب الثقافية التي شنتها القوى الشيطانية على المؤمنين من آجل تجريدهم عن مبادئهم وحرفهم عن هويتهم وأخلاق الدين، فالحرب الثقافية هي نفسها الحرب الناعمة والخشنة والباردة التي استهدفت الشباب، وقدمت لهم ثقافات مغلوطة بعيدة كل البعد عن هوية الإسلام وعزته وثقافته الأزلية العظيمة التي تخرج من مدرستها جميع الأنبياء والأولياء ورجال الرجال الصادقين في زمننا المعاصر.
كما بيّن السيد القائد واقع الاعداء بانهم يسعون لتجريدنا من هويتنا الإيمانية كي يضمنوا السيطرة التامة علينا، وهذا ماشهدناه في أكثر البلدان العربية التي تمكنت أمريكا من فكرهم وأعقبت ذلك سيطرة على أراضيهم ومقدراتهم وقرارهم خاصة بحق القضية المركزية (فلسطين) ولم تكن لهم غير مواقف ضعيفة لا تمت للإسلام باي صلة.
كذلك وبعد سلب الهوية الإيمانية من المجتمعات المسلمة أصبحت أمريكا اليوم هي المسيطرة عسكريا وثقافيا وباسم الدين، حيث قدم بشكل هزيل مجرد لحى طويلة وأثواب قصيرة وهيئة إرهابية ومناشير وسكاكين وكل ماهو عنف وظلم يتهمون به الإسلام والمسلمين.. والغريب في الأمر ان هناك من المسلمين من يصدق ذلك ويعلن سخطه وكفره وانحلاله عن دين الإسلام؟!! وذلك نتيجة الجهل لمضمون الدين الذي غيب عن المجتمعات المسلمة بشكل كامل.
وأيضا دعا السيد لتحصين النفس بالثقافة القرآنية التي تعتبر الجدار العازل ما بين خط الله وخط الشيطان، حيث وهذه الثقافة هي التي صنعت المستحيلات في اليمن وفضحت القوة الوهمية لمن يسمون أنفسهم دول استكبار عالمية، وأودت بفخر الصناعة الأمريكة وغيرها من الصناعات العالمية الحديثة والمتطورة تحت الأقدام الحافية للمقاتلين اليمنيين.
بغض النظر عن الفشل العسكري والسياسي الكبير الذي وصلت اليه دول العهر منذ العام 2015م وحتى اليوم نتيجة للهزائم المتتالية التي المت بهم في جميع الجبهات العسكرية والسياسية وغيرها.. فما وصل اليه الشعب اليمني اليوم ليس الا بفضل الله وبفضل تمسكه بالأخلاق وبهويته الإيمانية اليمانية التي هي في أصل القرآن الكريم، فالعدو الذي فشل عسكريا سيفشل ثقافيا إذا ما تمسكنا بهويتنا الإيمانية، وقد حاول عدة محاولات فاشلة استهداف الشباب في اليمن بالحرب الناعمة!! لكنهم سيفشلون إذا ما تمسك الشباب بهويتهم وأصالتهم وحضارتهم وعراقة انتمائهم لليمن.
محاضرة المرحلة (الإيمان يمان)
زيد البعوه
الإيمان يمان ـ الجامع الكبير بصنعاء ـ السيد القائد ـ الهوية الإيمانية ـ الانتماء الإيماني
عناوين عظيمة لا يرقى الى عظمتها شيء ومنظومة من المبادئ والقيم السامية موروث ثقافي وفكري وأخلاقي يرتبط بالإسلام بشكل مباشر ربط وتأصيل وتذكير واستمرار وتأكيد صادق وثابت على المضي قدماً وفق ما وجهنا اليه الله في كتابه ووفق ما دعا اليه الرسول محمد صلوات الله عليه وآله كل هذا واكثر تضمنته محاضرة المرحلة التي القاها السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله في الجامع الكبير بصنعاء تحت عنوان الإيمان يمان
في منعطف زمني هو الأهم وتزامناً مع دوامة من الأحداث والصراع المتعدد والشامل وفي الوقت الذي يتجه في الأعداء لمسخ هويتنا وقيمنا ومبادئنا وتجريدنا من عناصر ومقومات القوة التي نتمتع بها وفي مقدمتها الإيمان تحت مسمى الحداثة والعصرية والحضارة بهدف القضاء علينا لنهم يدركون جيداً انه من الصعب عليهم التغلب علينا الا بعد ان نصبح بلا مناعة ايمانية ادرك السيد القائد حفظه الله ذلك وقرر ان يدشن معركة جديدة من الصراع مع العداء في الجانب الفكري والثقافي والتربوي والقيمي فاختار العنوان المناسب والمكان المناسب والموضوع المناسب
من بين المسمورة والمنقورة ومن بين اركان واعمدة وجدران الجامع الكبير بصنعاء بما يحمله هذا الجامع من عظمة وقداسة في نفوس اليمنيين وما يحمله من اهمية في تاريخ الإسلام ومن اعماق مضامين الحديث النبوي الصحيح والمتواتر الإيمان يمان والحكمة يمانية القى السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي محاضرة (كلمة) لجمع من المؤمنين تقدمهم العلماء والمثقفين ولكن هذه المحاضرة تختلف عن غيرها من حيث التوقيت ومن حيث المرحلة ومن حيث المضمون ومن حيث المواضيع التي تناولها السيد وأكبر دليل على اهميتها انها تحورت حول الحديث النبوي الذي قاله الرسول محمد صلوات الله عليه وآله عن اهل اليمن( الإيمان يمان ) اضف الى ذلك انها جائت في الجامع الكبير الذي اسسه الإمام علي عليه السلام بتوجيهات من رسول الله صلوات الله عليه وآله
عنوان المحاضرة (الإيمان يمان) وهو وسام شرف عظيم قلدنا اياه الصادق الأمين وشهادة نبوية على صدق ايمان اليمنيين ولم يحدها بزمان بل جعلها مفتوحة الى يوم الدين حين قال رسول الله صلى الله عليه واله ان الإيمان يمان في ذلك العصر قال ذلك ليس من باب المدح والثناء والإطراء بل شهادة محمدية صدرت من اكمل مخلوق عرفته البشرية ولم يكتفي بذلك فقط بل قال الإيمان يمان والحكمة يمانية ومعروف ان الأيمان هو صفة عظيمة وسامية لا يتصف بها الا من امتلأ قلبه بالإيمان وشهدت على صدقه المواقف والاعمال وحين اردف الرسول هذه الشهادة بقوله والحكمة يمانية فهذه حقيقة تجسدت في اليمنيين قولا وعملاً فالإيمان الحقيقي يمنح صاحبه الحكمة بإرادة من الله
اما المواضيع التي اشتملت عليها المحاضرة والتي هي مترابطة مع بعضها ومن افضل وأورع ما فيها انها ربطت بين الماضي والحاضر وحتوت على ادلة وبراهين ومقارنات بطريقة ايمانية حقيقية من الواقع الذي نعيشه اليوم في عالمنا المعاصر وبما ان عنوانها الإيمان يمان فقد اولى السيد القائد الموضوع جل الاهتمام واحاط به من مختلف الجوانب حين تحدث عن اهمية الانتماء الإيماني وعن الهوية الإيمانية ليس فقط للشعب اليمني المسلم بل للأمة الإسلامية بشكل عام ولكن لأن الشعب اليمني اليوم يعيش ظروفا استثنائية نتيجة العدوان الامريكي السعودي والحصار الاقتصادي والحرب الشاملة كان لا بد من التذكير بخطورة المرحلة والتأكيد على ضرورة تعزيز عوام تقوية الانتماء الإيماني وتأصيل الهوية الإيمانية التي تمثل العمود الفقري لعناصر القوة في مواجهة اعداء الله واعداء الاسلام
ولأن المرحلة خطيرة بالفعل والمخططات والمشاريع التي يعمل العدوان على تنفيذها والتي هي تستهدف الشعب اليمني الصامد بشكل مباشر من اجل انهاكه واضعافه بطرق واساليب خبيثة ومتعددة فان محاضرة السيد القائد اتت في الزمان المناسب ودقت على الوتر الحساس كعلاج وتحصين من أي اختراق او ثغرة قد يستغلها الأعداء للوصول الى اهدافهم الخبيثة ولن الخطر قائم والمشروع المعادي في طور التنفيذ فقد قرر السيد القائد ان يقود المعركة بنفسة للتصدي للحرب الناعمة والرياح الباردة والتشكيك والتضليل والزيف والباطل وكلما يتعلق بمنظومة الفساد والإفساد التي يحركها ويمولها الأعداء فكانت محاضرة الإيمان يمان بمثابة الطلقة الأولى التي وجهها الى صدر مشروع العدوان الإفسادي والنور القرآني لإضائة جوانح المجتمع اليمني المستهدف حتى لا تخترقه عتمة ظلام الباطل معرفة واهمية وعظمة الإيمان عند الله وفي واقع الحياة كأهم عنصر واقوى عامل من عوامل العزة والقوة والكرامة والتحلي بالهوية الإيمانية والتشبث بكل قوة بالانتماء الإيماني كسلاح هو الأقوى من كل الأسلحة العسكرية في هذا العالم تحصين من الأختراق ومناعة من الضعف والانزلاق وسيف بتار يحطم ويفشل كل مشاريع العداء الهدامة هكذا كانت ولا تزال وستبقى محاضرة السيد عبد الملك ( الإيمان يمان ).
في خِطابِ الهُوية الإيمـانية: لا قبولَ باستقلال منقوص
بندر الهتار
انتصارُ اليمن وهزيمةُ تحالف العدوان، حقيقةٌ لا شكَّ فيها، وقناعةٌ مترسخةٌ تعبر عنها التصريحات الغربية بالتأكيد على الحلِّ السياسيّ واستحالة الحسم العسكريّ، تنسحب هذه القناعةُ أَيْـضاً إلى السعودية والإمارات.
هذا يعني بكلِّ وضوح أن اليمنَ قد ضمن التحرّرَ من الهيمنة العسكريّة، وبالتالي السياسيّة والاقتصادية للمحور الذي تقوده واشنطن، وليست إلّا مسألة وقت، وبالنظر إلى ما سُخّر لاحتلال كُـلِّ اليمن من قوة عسكريّة ومالية وسياسيّة وإعلامية، فإن فشلَ هذا الرهان أشبه ما يكون بالمعجزة، ولا مبالغةَ في الوصف، وهنا يحسب للسيد عبدالملك الحوثي أنه قائدُ الانتصار، غير أن هذا القائدَ وفي الوقت يعتقد الناسُ أن أوانَ قطف الثمرة قد حان، يظهر في كلمة مفصلية ليعلن بأنَّ اليمنَ لن يقبلَ باستقلال منقوص، وبأن المعركةَ لا تزال مستمرّةً، ولا تقل قداسةً عن السنوات الخمس الماضية، إنها حربُ الحفاظ على الهُوية الإيْمَـانية..
يُدرك السيّدُ القائدُ ومن تجارب الماضي أن نجاحَ الشعوب في الاستقلال من الهيمنة العسكريّة قد يُخضعها لهيمنة فكرية أسوأ من العسكريّة نفسِها؛ لأَنَّها تجعلُ الشعوبَ -بسبب انعدامِ الوعي- متبلدةً وعاجزةً عن فعل أيِّ شيء وكأنها لا ترى أمامها ساحةَ حرب حتى تستعدّ لخوض غمارها، وهذا يُسهل عمليةَ ترويضها والتحكّم بمصيرها، وذلك بالضبط ما حصل عقب حروب الاستقلال التي خاضتها الشعوبُ العربية خلال القرن الماضي، حيث انتقلت البلدانُ من حقبة استعمارية إلى أُخرى أخطر وأفتك، لكلفتها الزهيدة على أعدائنا، وثمنها الباهظ الذي دفعناه ولا نزال.
من الملاحظِ في حروبِ العقود الماضية، أن العربَ في أفضل حالاتهم قد اقتصرت استراتيجيتهم على كيفية مواجهة الآلة العسكريّة، ولم يتجاوزوها إلى مواجهةِ الحرب الفكرية والحفاظ على هُـوِيَّتهم، وقبل أن ينهزموا عسكريًّا كانوا قد هُزموا معنوياً ونفسياً؛ بسبَبِ البعد عن هذه الهُوية، ليُخضعوا بذلك أنفسهم لأسوأ هيمنةٍ على مرِّ التاريخ، من مفارقاتها المُذِلة أن يتدخل سفراءُ واشنطن في رسم سياسة وتوجّـه دولهم وشعوبهم.
وكي لا يكون هناك لبسٌ في حقيقة الهُوية الإيْمَـانية، فقد عمل السيّدُ عبدالملك على الفصل بينها وبين تلك الهُوية الشكلية التي شُوّهت من قبل من يدّعون التمسّكَ بها، وهذا ظهر في الحركات التفكيرية، أَو في أولئك الذين أغمضوا أعينَهم عن رؤية علوم الحياة وظلّوا قروناً من الزمن يتصارعون حولَ مسائل الطهارة والوضوء وأغرقوا الناسَ في رُكامٍ من كتب الخلاف والجدال العقيم، ليؤكّـد السيّدُ أن الهُويةَ الحقيقيةَ تلتزم القيم الدينية التي رسمها اللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، وهذه القيمُ تُوجب العملَ في مسار التطوير العلمي والتقني بمختلف المجالات الحضارية لتحقيق نهضة متسارعة تلحق بركب من سبقونا في هذا المجال، وألا تبقى الشعوبُ مُجَـرّدَ أُمَّــةٍ متلقيةٍ لأفكار الغرب، فأولئك لا يُصدّرون سوى أوبئتهم ونفاياتهم، وفي الوقتِ نفسه يحتكرون العلمَ والقدرات، بل ويعملون على أن ينتزعوا من دولنا الجزءَ اليسيرَ من ذلك.
من المفارقاتِ التي لفت إليها السيّدُ القائد، هو حديثُه عن النموذج الصيني، فالصينُ كما هو معلوم قد نالت استقلالَها في الحقبة ذاتها التي نالت بها معظمُ الدول العربية استقلالَها، لكنّها وبعكس العرب تمثل اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتنافس لتصبح القوة الأولى عسكريًّا واقتصادياً؛ ولذلك أسبابه الكثيرة، أهمُّها اعتزازُ الصينيين بهُـوِيَّتهم، وأقرب ما يُدلل على ذلك، هو موقفُهم الصلب لمنع اختراق مجتمعهم حين لجأوا إلى ابتكارِ وسائل للتواصل الاجتماعي بديلة عن الوسائل الأمريكية.
لتعزيز ذلك، يُمكن الاستدلالُ بجزءٍ مما كتبَه قبلَ بضعة أشهر في مجلة نيوزويك الأمريكية “نيوت غينغرش” وهو رئيسٌ سابقٌ للكونغرس الأمريكي، حيثُ يقول: “يجبُ أن نغيّرَ وجهة نظرنا عن الصين، يجب أن نقبلَ أن الصينيين لديهم التزام عميق أن يكونوا صينيين وليس أن يكونوا غربيين”، ويضيف: “هم ليسوا مهتمين بالانفتاح على الطريقة الأمريكية، ولا بمسار سياسيّ بعيداً عن نظامهم الحالي”، ويقول غينغرش أَيْـضاً: إن الأمريكيين اعتقدوا -مخطئين- أن استقبالَ عشرات الآلاف من الطلبة الصينيين في الجامعات الأمريكية سينقلُ “عدوى الحرية” لأولئك الطلاب.
بالنظرِ إلى النموذج الصيني، فإن أكثرَ ما عزّز قدرتهم على الالتزام بهُـوِيَّتهم هو الوعي بتلك الهُوية، بدءاً من النخب وانتهاء بعامة الناس؛ لذلك كان خطابُ السيّد عبدالملك أمامَ جمع من العلماء والمسؤولين وبعض النخب الفكرية والسياسيّة والإعلامية والشخصيات الاجتماعية؛ كي يضعَهم أمامَ مسؤولية العمل بمختلف الوسائل لتعزيز الهُوية الإيْمَـانية للشعب اليمني، كمنطلقٍ نحوَ نهضة حقيقية يمكن أن تشكل نموذجاً يُحتذى به في العالم الإسلامي ككل.
في أبعادِ الخطاب، لا يقتصر حديثُ السيّد عبدالملك على اليمن فحسب، فالمطلوبُ هو تعزيزُ الهُوية الإيْمَـانية في مختلف الأقطار الإسلامية؛ لأَنَّ ذلك مرتبطٌ بتقدّمها ومصيرها ومستقبلها؛ باعتبارها تواجه أكبر التحديات على الإطلاق، ومن الصدف الحسنة أن تتزامنَ كلمةُ السيّد القائد مع انطلاق قمة كوالالمبور التي تناقشُ قضايا العالم الإسلامي، وفيما لو نجحت هذه القمةُ في الدفع نحو حلحلة جزئية لبعض المشاكل، فإنها ستكون خطوةً في مسار الألف ميل، لكن لنا أن نتساءلَ، ماذا لو استندت هذه الدولُ على ترسيخ الهُوية الإيْمَـانية كقاعدة سميكة لإنجاح مسارها في التحرّر من هيمنة أعدائها؟!.
قد يكون مستغرباً الحديثُ عن إعادة الدول الإسلامية إلى الهُوية التي فقدتها بحكم هيمنة الاستعمار، لكننا أمامَ مرحلةٍ مفصلية نلحظُ فيها صراعَ القوى الكبرى على عرش سيادة العالم، وكيف بدأ الغربُ ينظر بتوجّس إلى صعود الصين كقوة بديلة عن أمريكا، وهنا يحقُّ للعالم الإسلامي أن يستفيدَ من هذه الصراعات لتأهيل نفسه للوصول إلى المقعد المتقدّم، وهذا أمرٌ ممكن وأسبابه متوافرة.
لماذا نحتاجُ لإعلان الهُوية الإيْمَـانية اليمنية في هذه المرحلة؟
عبدالفتاح حيدرة ـ
حديثُ السيّد القائد عن الأخلاقِ والقيمِ كتعبير سلوكي في جميع مناحي الحياة عن الهُوية الإيْمَـانية اليمنية، ينطلقُ من زاوية التمايز على منظومات الدول والشعوب والجيوش والمجتمعات والأفراد الذين بلا أخلاق وبلا قيم، إنه التناقضُ الذي جاء به الدينُ الإسلامي والرسالة السماوية لسيدنا محمد بن عبدالله -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم- الذي يقولُ في حديث شريف: (إنما بُعثت لأتمّم مكارمَ الأخلاق) وفي حديثٍ آخرَ: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلّا موضع لبنة من زاوية، فجعلَ الناسَ يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
يتضحُ من قراءة الحديثين حضورُ الآخر والاعتراف بالتكاملية البشرية، فلم يقل: جئت بالأخلاق أَو بمكارمها، ولكنه قال: جئت (لأتمّم) مكارمَ الأخلاق، وهذا اعترافٌ بالسابقين، وتأكيدٌ على دورِ الآخر في بناء منظومة الأخلاق، وفي الحديث الثاني اعتبر نفسَه مُجَـرّدَ جزء في سياق منظومة كبيرة، ولم يؤكّـد على دوره دون أدوار الآخرين.
من هنا نجدُ أن الاقتداءَ به -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم-، ليس في جلباب نقصّره أَو لحية نطلقها أَو ما شابه ذلك من مظاهر تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولكن في سلوكياته وأخلاقه، فنحنُ الآن أحوجُ ما نكون لثقافة الاعتراف بالآخر، والتأكيد على أن البشرَ متكاملون، وأنه لا أحد قادر ولو كان نبياً أن يُقدّم شيئاً بمفرده، فالآخرُ الذي أكّـد على دوره كنبي، أولى بمن هم دون النبي عقلاً ومنزلةً أن يؤكّـدوا على وجوده، فهم أحوجُ للتكامل من النبي.
البعضُ يعاني ليلَ نهار من نقصٍ أخلاقيٍّ وقيميٍّ ولا يقدر أن يواجه الطواغيت بكلمة، فماذا يفعل؟!، يجلسُ كعجوز قاسية القلب يكفر هذا ويستبعد ذاك من رحمة الله، ويسفه هذا ويهمش ذاك، ويلعن هذا، ويكذب على ذاك وبدلاً عن المواجهة الصريحة مع الطاغوت الذي قلب حياته جحيماً، يقومُ بتفريغ غضبه في خلق الله باسم الدين ويوزعهم على أقسام الجحيم، هؤلاء الجبناءُ الذين يتغطّون بالغطاء الديني، هم أخطرُ أدوات لتفتيت الأخلاق والقيم الدينية والإيْمَـانية الصحيحة.
الخلاصةُ هي إن لم نتسلّحَ بالولاء الإيْمَـاني لهُـوِيَّتنا اليمنية الإيْمَـانية فكلُّ معاركنا خاسرةٌ، إنه عصرُ الهُويات المؤمنة التي لن تقبلَ بأيِّ خروجٍ عن قوانينها، ومهما حاولنا فلا نَصْرَ بعد اليوم إلّا بالانصياع للهُوية اليمنية الإيْمَـانية ولا نقبل أحداً إلّا بأخلاق وقيم وأعراف وتقاليد الهُوية اليمنية الإيْمَـانية.