قاتل نائم يتربص بالمدنيين اليمنيين :تزايد الخسائر الإنسانية من الألغام والقنابل العنقودية.
في العصر الحديث، من الآثار المدمرة للحروب الكبرى ترك عدد كبير من الأراضي الملوثة بالألغام، ما يتسبب في المزيد من الضحايا ويترك أضرارًا لفترة طويلة بعد انتهاء الصراعات. وفي السنوات الأخيرة، كانت اليمن دولة شهدت واحدة من أكثر الإحصائيات المتعلقة بانفجار الألغام والقنابل غير المنفجرة التي خلفتها 7 سنوات من عدوان التحالف العسكري بقيادة السعودية. وفي هذا الصدد، أعلنت قناة المسيرة اليمنية، قبل عدة أيام، عن مقتل ثلاثة مدنيين في منطقة “بني حسن” الواقعة في مدينة عبس بمحافظة حجة جراء انفجار عبوات ناسفة غير منفجرة خلفها عدوان التحالف السعودي.
استمرار سقوط ضحايا خلال فترة وقف اطلاق النار
بعد سبع سنوات من الصراع الدموي، أدى تمديد اتفاقيات وقف إطلاق النار التي استمرت شهرين للمرة الثالثة إلى تقليل حدة النزاعات. ومع ذلك، استمرت الحوادث المتعلقة بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، حيث قُتل خلال الفترة الماضية 49 مدنيا، من بينهم ثمانية أطفال على الأقل. وفي الأشهر الثلاثة التي سبقت وقف إطلاق النار، أدى انفجار ألغام وذخائر غير منفجرة إلى مقتل 56 مدنياً.
ومنذ أن بدأت المملكة العربية السعودية وشركاؤها الدوليون عدوانهم على اليمن في مارس 2015، تظهر تقارير من منظمات دولية مختلفة أن المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، كانوا الضحايا الرئيسيين للحرب، ووفقًا لتحليل جديد أجرته منظمة إنقاذ الطفولة، فإن الألغام والذخائر غير المنفجرة كانت المسؤولة عن مقتل أكثر من 75٪ من ضحايا الحرب من الأطفال.
وحسب تقرير منظمة أنقذوا الأطفال، فإن الألغام والذخائر غير المنفجرة كانت أكبر قاتلة للأطفال في اليمن منذ إعلان وقف إطلاق النار في أبريل / نيسان الماضي، ما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 42 طفلاً بين أبريل ونهاية يونيو الماضي. إن الزيادة في الوفيات الناجمة عن هذه الأسلحة هي نتيجة هجرة العائلات إلى مناطق لم تكن مأهولة من قبل بالحرب. وقد أدى الشعور بالأمن النسبي إلى زيادة تنقل المدنيين وخاصة النازحين في المناطق الموبوءة بالألغام.
لا تزال المخلفات المتفجرة تشكل تهديدًا مستمرًا للمدنيين في جميع أنحاء البلاد، حتى بعد انتهاء النزاعات، وخاصة الأطفال، فهم أكثر عرضة للذخيرة والألغام الأرضية غير المنفجرة بسبب قلة وعيهم وفضولهم الشديد، وفي هذا الصدد، قالت راما حنسراج، مديرة منظمة إنقاذ الطفل في اليمن: “على الرغم من أن النزاعات كانت أقل في الأشهر الماضية، إلا أن مخلفات المتفجرات تقتل المدنيين كل يوم وتشكل الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة تهديدًا كبيرًا لجميع اليمنيين وخاصة الأطفال”. واضافت: “إن الأطفال فضوليون بطبيعتهم – يريدون استكشاف عالمهم والتعرف عليه. وعندما يرون شيئًا لامعًا أو مثيرًا للاهتمام، لا يسعهم إلا لمسه. ويلتقطون الشيء غير المألوف، معتقدين أنه لعبة، فقط ليجدوا أنه قنبلة عنقودية غير منفجرة وهذا هو سبب مقتل أو إصابة العديد من الأطفال جراء الانفجار”.
ومع اقتراب موسم الأمطار، يزداد الوضع سوءًا. حيث تسببت بداية الفيضانات والأنهار الموسمية في تدفق الألغام المدفونة في الأراضي الضحلة إلى مناطق آمنة. وفي الأسابيع القليلة الماضية، سمعنا العديد من التقارير عن قتل أو تشويه بالغين وأطفال أثناء قيامهم بمهام يومية مثل جلب المياه أو العمل في الحقول أو رعاية ماشيتهم. لا يوجد مكان آمن للأطفال في اليمن، حتى عندما هدأ النزاع نسبيًا وسوف يطاردهم الإرث المرير للحرب لسنوات قادمة. وفي هذا الصدد، حذر محسن صديقي، مدير منظمة أوكسفام في اليمن، في فبراير 2022، من الخطر المتزايد للألغام الأرضية على أرواح المدنيين وقال: “الألغام مروعة. إنهم لا يفرقون بين المدنيين والمقاتلين. يُقتل الأطفال أثناء رعاية حيواناتهم، وحتى جمع الحطب يمكن أن يكون مميتًا. أنا قلق بشكل خاص بشأن المواقع غير المسجلة التي تم تعدينها”.
القنابل العنقودية الغربية تقتل مدنيين يمنيين
منذ وقت ليس ببعيد، أعلن العميد “علي صفرة”، رئيس المركز التنفيذي لإزالة الألغام في اليمن (YEMAC)، في أبريل من هذا العام أن التحالف بقيادة السعودية ألقى أكثر من 3 ملايين قنبلة عنقودية في اليمن منذ بداية الحرب. ومنذ مارس الماضي، قُتل 255 شخصًا، بينهم 84 طفلًا، بسبب انفجار ألغام وقنابل عنقودية في اليمن.
وأشار رئيس المركز التنفيذي لإزالة الألغام في اليمن إلى أن القنابل العنقودية التي أسقطتها الطائرات المعتدية منتشرة في مناطق مدنية، وقال: “هذه المشكلة زادت من عدد الضحايا ونحن نحمل الأمم المتحدة مسؤولية استمرار الخسائر الناجمة عن الألغام والقنابل العنقودية التي خلفها العدوان في اليمن”.
والقنابل العنقودية هي نوع من القنابل التي تنثر عددًا كبيرًا من الذخائر الصغيرة في منطقة الانفجار لتنفجر على فترات بعد التفجير الأول. والغرض الرئيسي من استخدام الذخائر العنقودية التي تم تطويرها خلال الحرب العالمية الثانية هو زيادة نصف قطر القنبلة ومنع التقدم العسكري. وفي القنبلة العادية، يتم تدمير المنطقة القريبة من مكان الانفجار فقط، لكن الذخائر العنقودية تؤثر على منطقة أوسع من خلال نثر عدد كبير من القنابل الصغيرة.
ووفقًا لاتفاقية الذخائر العنقودية (CCM)، فإن أي استخدام لهذا السلاح محظور بسبب عواقب استخدام هذه الأنواع من القنابل على المدنيين والأضرار الجسيمة التي تسببها. وفي وقت سابق قال مسؤول يمني: “المشكلة الأساسية أن القنابل العنقودية لم تنجح في الانفجار عند رميها، والأمم المتحدة لا تزودنا بالمواد والأدوات اللازمة لكشف مواقع هذه القنابل وتدميرها”. ومعظم القنابل العنقودية التي أطلقها التحالف السعودي على مناطق مدنية في اليمن أثناء الحرب تم بيعها من قبل دول غربية للإمارات والسعودية، لكن هذه الدول لم تتحمل قط مسؤولية المشاركة في قتل مدنيين يمنيين ولم تدفع تعويضات عن مثل هذه الجرائم.
وبينما ظهر الدليل الأول على استخدام القنابل العنقودية البريطانية الصنع في اليمن في مايو / أيار 2016، بعد شهور من الإنكار، اعترفت حكومة المملكة المتحدة أخيرًا أن التحالف السعودي استخدم قنابل عنقودية بريطانية الصنع. وتم تصميم هذه القنابل، وتحديداً قنابل BL-755، ليتم إطلاقها من طائرة مقاتلة بريطانية، تم بيع عدد كبير منها إلى المملكة العربية السعودية. لقد مهد السعوديون والإماراتيون، اللذان لم ينضما إلى أي من الاتفاقيات الدولية الخاصة بعدم استخدام وإنتاج الألغام الأرضية (اتفاقية أوتاوا 1997) والقنابل العنقودية (2008)، الطريق بترك كميات غير معروفة وكبيرة جدًا من الألغام الأرضية. وهذه الذخائر المحظورة في اليمن، جعلت الشعب اليمني يواصل العيش في معاناة ورعب من تداعيات الحرب لسنوات.
المصدر : موقع الوقت التحليلي