في معركة الوعي…… الدورات الصيفية الجبهة الأمامية
عبد الإله عبد القادر الجنيد
ما ابتُليت الأمةُ بمثل ما ابتُليت بعلماء السوء الذين اشتروا الحياةَ الدنيا بالآخرة، ورهنوا أنفسَهم للشيطان والسلطان بعَرَضٍ قليلٍ زائلٍ، ذلك أنهم الامتدادُ الطبيعيُّ للإسلام المزوَّر، فأغرقوا الأمةَ في الصراعات البينية، وتسبَّبوا في توسيع فجوة الخلافات التي يعمد أعداءُ الأمة إلى تغذيتِها لتفريقها، وذَهابِ ريحِها، وباءتْ بالفشل وتجرَّعتِ الهزائمَ في مواجهة اليهود والنصارى (أعداء الأمة الحقيقيِّينَ) الذين حذَّرنا اللهُ سبحانه وتعالى منهم في كتابه الكريم، وهُم قوى الكفر والطاغوت والهيمنة والاستكبار والطغيان، المتمثلةُ اليومَ بالغرب الكافر بقيادة الشيطان الأكبر الأمريكيِّ، والصهيونية العالمية المتربِّصين بأمتنا الإسلامية، المحتلين لمقدسات الأمة المغتصَبين لأرض فلسطين والقدس والمسجد الأقصى الشريف؛ أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومَسْرَى رسول الله وخاتم أنبيائه -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار-، والناهبين لثرواتها بغير حقٍّ.
إنَّ دين الإسلام -الذي اختصَّ اللهُ به خيرَ أمةٍ أُخرِجَت للناس وآخِرَها بمنهجه القرآني الإلهيِّ القويم الحكيم، فلا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، وأورثه أولياءَه القادةَ إلى سبيله، وجعلهم قرناءَه يهدون ويُرشدون الأمةَ به- لهو، أعظمُ نعمةٍ أنعم اللهُ بها على أمتنا؛ إذ أكرمَنا بدينه وكتابه ونبيِّه وأوليائه تشريفًا لنا على سائر الأمم، وجعلنا الأئمةَ الوارثين، واستخلفَنا في الأرض.
فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية التي اكْتَسَبَها الموقعُ الجغرافيُّ للوطن العربي الكائن في قلب العالم، المتحكِّمُ بأهم المضائق والممرات المائية التي تصل الشرقَ بالغرب، وهي من أعظم النِّعَمِ التي منَّ اللهُ بها على أمتنا الإسلامية، ناهيك عن الثروات الهائلة التي استودعها اللهُ في باطن أرضها.
فلمَّا لم تشكرِ الأمةُ اللهَ وتحفظ هذه النِّعَمَ بإقامة دين الله والعمل بمقتضى توجيهات الله ورسوله، كانت عاقبةُ تفريطِها خذلانَ اللهِ لها استحقاقًا، فضرب اللهُ عليها الذلةَ والمسكنةَ، وباءتْ بغضبٍ من الله، فسلَّط عليها أعداءَها الذين كان اللهُ قد ضرب عليهم الذلةَ والمسكنةَ من قَبْلُ. هنالك أضحت فريسةً سهلةً لليهود والنصارى، وبلدانُها وثرواتُها ومقدساتُها مطمعًا لأعدى أعدائها اليهود، الذين ما انفكُّوا يقعدون لها كلَّ مرصدٍ، ويكيدون كيدَهم، ويمكرون مكرَهم لإبعادها عن دينها وقرآنها وإسلامها المحمديِّ الأصيل، باستخدام أدواتٍ رخيصةٍ من أهل النفاق والطُّلَقاء الذين توافقوا مع اليهود في أهوائِهم وأهدافِ مشروعهم التدميريِّ لدين الله؛ بدءًا بالانقلاب على مبدأ الولاء لأولياء الله -الذين أمرنا اللهُ في القرآن العظيم بموالاتِهم لما فيه خيرُنا وعزُّنا ونصرُنا-، ومن ثمَّ استهداف الإمام عليٍّ -عليه السلام- بالحرب والعداء والإبعاد والنفي إلى خارج المدينة، وفرض الإقامة الجبرية عليه؛ كي لا يكون عائقًا يحول دون تمرير وإنفاذ مخططاتهم التآمرية، باعتباره أنموذجَ الإسلام المحمديِّ الأصيل والامتدادَ الطبيعيَّ للرسالة، والقيادةَ الربانيةَ القرآنيةَ بعد رسول الله، الضامنةَ والحاميةَ لدين الله من التبديل والتحريف، وحمايةَ الأمة من الانحراف عن المسار الحق؛ حتى لا تنزلق الأمةُ إلى الهاوية التي هي عليها اليومَ من الضعف والمذلة والهوان والانبطاح والرضوخ والخضوع لأعدائها.
وما كان لليهود والنصارى احتلالُ فلسطين أو أيِّ بلدٍ من بلدان الأمة الإسلامية، واستضعافُ حُكَّامها وشعوبها، وإحكامُ السيطرة والهيمنة والتحكُّم بمقدراتها، ونهبُ ثرواتها، والاستفرادُ بأبناء الشعب الفلسطينيِّ، واستهدافُهم بحرب إبادةٍ جماعيةٍ من خلال القتل والتنكيل والتدمير، وإطباقُ حصارٍ خانقٍ عليهم؛ للتخلُّص منهم وتهجير من تبقَّى من أرضهم إلى بلدانٍ شتى؛ لتصفية القضية الفلسطينية، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، في ظل تواطؤ الحكام العرب والمسلمين، وصمت الشعوب، وتماهي علماء السوء الذين رهنوا أنفسَهم لسلاطين الجور والظلم والفساد؛ لولا ذلك الانحرافُ الذي تمكَّن من فرض مشروعه، وتقديم نسخةٍ مزيفةٍ للإسلام بقياداتٍ مزيفةٍ، كان نتاجُها واقعٌ مريرٌ ومأساويٌّ، ظلَّت الأمةُ لقرونٍ تدفع أثمانًا باهظةً وتضحياتٍ جسيمةً، وفي مقدِّمتها تضحياتُ أعلام الهدى للحفاظ على النسخة الأصلية للإسلام المحمديِّ الأصيل، فاستُشهد الإمام عليٌّ والحسنُ والحسينُ وزيدٌ وأئمةٌ كثيرون من بعدهم، ثم وصولًا إلى الشهيد القائد المؤسس السيد حسين بن بدر الدين الحوثي -سلام الله عليهم أجمعين-، ذلك القائد الربانيُّ العظيم الذي أدرك الخللَ الكبيرَ الذي تعيشه الأمةُ، فانطلق بالأمة بالمسيرة القرآنية طَوْقَ نجاةِ الأمةِ، وحمل الرايةَ بعد استشهاده السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله وأبقاه-، وقدَّمتِ المسيرةُ القرآنيةُ قوافلَ الشهداء قرابينَ لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
بيد أن المسيرةَ القرآنيةَ -رغم التضحيات الكبيرة- كانت تنتقل بالأمة من نصرٍ إلى نصرٍ أكبرَ وأعظمَ، ومن مواجهة العملاء إلى مواجهة الأعداء الأصليين، وأضحى اليمنُ اليومَ في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الشيطان الأكبر والصهيونية العالمية في معركة الجهاد المقدس والفتح الموعود.
وها نحن اليومَ نرى بأم أعيننا كيف أن الامتدادَ الطبيعيَّ للإسلام المحمديِّ الأصيل بقيادة السيد عبد الملك -رضوان الله عليه- يتقدَّم الصفوف في دعمٍ وإسناد المستضعفين وإعلان الجهاد في سبيل الله نصرةً لغزَّةَ، استشعارًا للمسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية في ظل صمتٍ وتخاذلِ العالم الإسلاميِّ، رغم العدوان الصهيوأمريكيِّ على بلادنا، والتضحيات التي يقدِّمها الشعب اليمنيُّ، إلا أن ذلك لن يثني اليمنَ عن القيام بواجبه جهادًا في سبيل الله.
ناهيك عن معركةِ الوعي المحتدمةِ في الجبهة الأمامية -التي يستهدف بها العدوُّ الصهيوأمريكيُّ أطفالَنا وشبابَنا، وهُم أجيالُنا القادمةُ الذين سيحملون رايةَ الدين والقرآن ومسيرةَ الجهاد في سبيل الله مستقبلاً- تجلَّت حكمةُ القيادة الربانية بإقامة الدورات الصيفية؛ لأهميتها البالغة في حماية وتعزيز مفاهيم الوعي القرآني، كونها الجبهةَ الأماميةَ لمعركة الوعي.
ولذلك ينبغي على المؤمنين المجاهدين الدفعُ بأبنائهم للالتحاق بالمراكز الصيفية؛ لملء أوقات فراغهم بالتعليم، وصناعة أجيالٍ عصيَّةٍ على الانكسار أمام الأعداء، وتحصينهم بالثقافة القرآنية من الحروب التي يستهدفهم بها الأعداءُ.
وإنما يستهدفون الدوراتِ الصيفيةَ بحربٍ إعلاميةٍ لا هوادةَ فيها، إلا لِجَدْوَائِيَّتِها وفاعليتها في إفشال مخططاتهم القذرة للنيل من أجيالِنا، أملِ الأمةِ ومستقبلِها.
*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*