في ذكرى يومها العالمي.. القدس توحدنا
لم تمر الامة الاسلامية منذ قرون بظروف صعبة كما هي الظروف التي تمر بها الان، حيث الحروب والصراعات والنزاعات العبثية، تستنزف قواها وتبعثر طاقاتها وتدمر حاضرها وتنسف مستقبلها، دون ان تلوح في الافق بوادر لانفراجة في هذه الغمة التي اطبقت على الامة.
في كل الحروب والصراعات والنزاعات التي تعصف بالمسلمين اليوم، القاتل والمقتول مسلم، القاتل والمقتول يُكبر، والدم المراق هو دم مسلم حرام، حللته الاحقاد الطائفية والتعصبات العرقية، بتحريض واضح المعالم من اعداء الامة، فدخل المسلمون مرحلة جاهلية جديدة عمياء خرساء صماء.
خلال اقل من عقد قُتل وذُبح وسُبي وشُرد الملايين من المسلمين على يد المسلمين، وتحولت شعوب من المسلمين الى مشردين ولاجئين على يد المسلمين، بلاد إسلامية اصبحت بلادا فاشلة على يد المسلمين، ثروات وخيرات المسلمين سُرقت على يد المسلمين لصالح اعداء الامة من الصهاينة والمستكبرين، عشرات الالاف من ابناء الشعوب الإسلامية تحولوا الى متسكعين وشحاذين في طرقات ومدن الدول الاخرى على يد المسلمين، تشوه الإسلام على يد المسلمين، واضحى المسلمون اضحوكة على يد المسلمين.
اختلطت على المسلمين الحقائق مع الاوهام في ظل الفوضى التي تضرب ربوعهم، تحول الصديق الى عدو، والعدو الى صديق، والعصابات التكفيرية الى ناطق رسمي باسم الإسلام، والعصابات الإرهابية الى ثوار، وحركات المقاومة الى ميليشيا طائفية، والقتال ضد الصهيونية الى مغامرة، وقتل المسلم للمسلم اصبح انتصارا للإسلام، وتحولت الطائفية البغيضة الى دين، واصبح جُل المسلمين مرتدين ومشركين يجب قتلهم واستئصال شأفتهم، وتحول ابناء الوطن من المسيحيين وباقي اتباع الديانات الاخرى الى كفرة يجب سبيهم واستعبادهم، فاذا باميركا تصبح منقذة العرب والمسلمين و”اسرائيل” حليفتهم.
في ظل هذه العتمة العقلية والخواء الفكري والتصحر الديني والجفاف الإنساني، ضاع ابناء خير امة اخرجت للناس في متاهات لا تخوم لها، فلا اثر لطريق ولا علامة على مسير، فقد غطى غبار الفرقة والجهل والتعصب والحقد على كل اثر، فتفرقوا وتاهوا وتاهت معهم احلامهم.
في خضم هذا التيه الكبير كان لابد من منار، يسترشد به التائهون بعد أن اختلفوا في كل شيء حتى على ابسط مبادىء دينهم، منار يرونه بعيونهم ويكون من الصعب حتى على جهلتهم أن ينكروه او يختلفوا عليه وعلى وجوده، فلم تكن سوى القدس المنار، القدس التي تحتضن قبلة المسلمين الاولى، فهي الوحيدة التي بامكانها أن تستصرخ ما تبقى من قيم وحدوية دُثرت في اعماق من تفرقوا عن دين من حُمل على البُراق.
رجل من بلاد فارس وقبل 38 عاما استشرف وبدراية العارف اهمية القدس في لم شمل المسلمين، بعد أن تفرقوا طرائق قددا، وربط هذا المكان المقدس المغتصب بيوم مقدس من ايام شهر مقدس، فكان يوم القدس العالمي، والرجل العارف لم يكن سوى الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه، الرجل الذي عرف داء وعلاج المسلمين حتى قبل أن تضطرم نيران الفتن في ديارهم.
اعداء هذه الامة من الصهاينة والمستكبرين استشعروا خطورة ما طرحه الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه، على مخططاتهم في الابقاء على المسلمين متفرقين متصارعين، فتكالبوا على القدس بهدف مسحها من وجدان الإنسان المسلم عبر تهويدها ومسح هويتها، ليبقى تائها في صحراء الضعف، لا طريق ولا دليل.
الخطى المتسارعة للمستكبرين والصهاينة واذنابهم من المنبطحين من العرب والمسلمين، على طريق دفع القضية الفلسطينية الى الظل واخراجها من دائرة اهتمام المسلمين، من خلال اختلاق قضايا وهمية كالصراع السني الشيعي او الايراني العربي، وكذلك الخطى المتسارعة للصهيانة وحماتهم الغربيين وعلى راسهم اميركا، لتهويد القدس واصرارهم على هدم الاقصى، كلها محاولات من اجل النيل من المعلم الاخير الذي يمكن أن يسترشد المسلمون به طريق الوحدة.
لما تحولت مسيرات يوم القدس العالمي الى دليل للقدس، والقدس دليل للوحدة، ولما كان الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه هو صاحب يوم القدس، ولما كانت الجمهورية الإسلامية في ايران هي من تبنت هذا اليوم ونصرته، صب التحالف الصهيواميركي العربي الرجعي جام غضبه وحقده على القدس ويوم القدس والامام الخميني والجمهورية الإسلامية في ايران، فلا يجتمع الصهاينة مع المستكبرين وعلى راسهم اميركا ولا مع الرجعية العربية في اي مكان في العالم، الا وان كان محور هذا الاجتماع هو كيفية النيل من القدس ومن دعا الى يوم القدس ومن تبنى هذا اليوم، ويمكن من خلال ذلك فهم المجازر التي ترتكب في حق المسلمين الذين يشاركون في مسيرة يوم القدس في بعض البلدان وخاصة في افريقيا، كما يمكن فهم سياسة الحظر التام لهذه المسيرة في بعض الدول العربية، كما يمكن فهم التعتيم الكامل على هذا اليوم اعلاميا وسياسيا في العديد من الدول صاحبة الحكومات المنبطحة.
* ماجد حاتمي ـ شفقنا