في ذكرى شهيد القرآن الكريم… وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (1).. بقلم/ علي عبد الرحمن الموشكي
Share
معرفةُ القيادة القرآنية شيءٌ ضروري ومهم وأَسَاسي لتعزيز التولي الصادق الذي لا يعتريه أي نقص، يقول الشهيد القائد -رضوان الله عليه-: (إذا رسخ في نفوسنا عظمة علم من أعلام الإسلام المتكاملين والكاملين، حتى لو كان مُجَـرّد اسم يتردّد على ألسنتنا لكن قد يأتي من يجعل هذا الاسمُ فاعلاً ومؤثراً)، يقول تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أنت مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (سورة الرعد:٧)، في منهجية الله وفي سننه الإلهية يوجد هنالك على مر العصور وَالعقود الله يصطفى الرسل والأنبياء والهداة لإعادة الأُمَّــة إلى المنهجية الإلهية وكل الرسل يدعون الناس إلى منهجية الله وإقامة دين الله والتحذير من عذاب الله والترغيب بما أعد الله للذين يؤمنون بالله في الدنيا والآخرة، وجميعهم كان يتبعهم المستضعفون ويواجههم الظالمون الكافرون الذي قد استحوذ عليهم الشيطان، وكل نبي أَو رسول أَو عبد صالح بشّر بنبي بعده؛ لأَنَّ الله أمرهم بذلك، يقول الله تعالى (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحمد فَلَـمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)، وهكذا اقتضت السنهُ الإلهية في امتداد الولاية الإلهية.
ومسألةُ الأعلام مهمة في مواجهة الباطل؛ لأَنَّ الولي والعلم مرتبط ارتباطا قويا بالله ويستطيع هداية الأُمَّــة وتنويرها وإخراجها من الظلمات إلى النور، فاليهود عندما بشّرهم نبي الله عيسى (عليه السلام)، برسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، كانوا يعرفون مكان وجوده، ولذا سكنوا في شبه الجزيرة العربية، وكانوا يترقبون موعدَ ظهور النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن الله حفظ نبيه ورعاه وعلمه حتى باسمه كان مذكوراً عندهم (اسمه أحمد)، حتى لا يعرفه اليهود ويستهدفوه، فالعداوةُ موجودةٌ بوجود (إبليس) الذي يحرف الناس عن خط الله ومنهجية الله.
وَفي مسألة الاصطفاء الإلهي جرت السنة الإلهية أن يصطفيَ الله رسولا أَو نبيا أَو عَلَمَ هدى، يكون منزهاً وصادقاً ومن خِيرة خلقه، في مرحلة تكون الأُمَّــة تائهةً ضائعة يستشري فيها الظلم والبغي ويكون الظلم في أعلى ذروته، والفساد منتشر، ويكون الناس قد خرجوا عن خط الهداية، حينئذٍ تقتضي الرحمة الإلهية بعلم هدى يعيد الأُمَّــة إلى منهجية الله ويقيم عليهم الحجّـة ويرشدهم ويوجههم وينذرهم من عذاب الله؛ رأفةً بهم، لاستقامتهم على خط الله كي تستقيم الحياة، وتكون الأُمَّــة محطَّ رعاية وتأييد الله، ويتحقّق على أيديهم قهرُ الظالمين وكسرُ شوكتهم، كما هو حاصلٌ اليوم بفضل الله من صمود تجاوز الست السنوات، وانتصارات عظيمة في كافة الميادين، وصناعات عسكرية، ورعاية إلهية كبيرة جِـدًّا، من أمن وأمان، وحفظ للكرامة وصيانة للأعراض، وعزة من عزة الله، وأصبحنا رقماً لا يُستهانُ به أمام كُـلّ دول الاستكبار.
الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، أعلن ولاية الإمام علي (عليه السلام) استجابةً لأوامر الله قال تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، فما على المؤمنين الصادقين إلَّا التولي لخلاصهم في الدنيا لتتحقّق لهم استقامة الحياة والآخرة الفوز برضون الله.
عندما نأتي إلى شخص كالشهيد القائد (رضوان الله تعالى عليه) علَم الهدى، القرآن الناطق، الذي اعتنى الله به واصطفاه من أسرة عِلمٍ وعملها الأَسَاسي هداية الناس إلى منهجية الله وإحياء معالم الأنبياء والصالحين وتشد الناس إلى الله.
فوالده العالم الرباني السيد العلامة فقيه القرآن بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، هو الذي عُرف بين الجميع بعلمه وتقواه وخشيته من الله واستشعاره للمسؤولية وَجرأته في قول الحق، وبأنه لا يخشى في الله لومة لائم، ينطبق عليه قولُ الله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِـمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
ولأن موضوعَ قيادة الأُمَّــة قضية تختص بالله، يقول الشهيد القائد (القضيةُ هي بيد الله – كما قلنا أكثر من مرة – أن موضوع إقامة دين الله، موضوع قيادة الأُمَّــة، وتربيتها لتكون على مستوى عالٍ في النهوض بمسؤوليتها، إنها قضية تختص بالله)؛ لأَنَّ الله جل وعلا يختارُهم بعناية ويرعاهم ويربّيهم ويجعلهم مطهَّرين منزهين من الزلل أَو الميل أَو الانحرافِ، يقول الشهيد القائد (من يضعهم الله أعلاماً لأمته.. إنما يضعُهم كاملين (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)، هو الذي يختار وليس نحن من نختار، هو الذي إذَا آمنا بهذا المبدأ – مبدأ الكمال فارتبطنا بالله الكامل الكمال المطلق وارتبطنا برسوله الذي اصطفاه وأختاره فأصبح كاملاً وارتبطنا على وفق هذا النهج الكامل – فالله سبحانه وتعالى هو الذي سيقدم لنا الكامل بدءاً من علي (عليه السلام)).
فالشهيد القائد السيد حسين -رضوان الله عليه – جديرٌ ومؤهلٌ بأن يؤتيه اللهُ ما آتاه من العلم والحكمة والبصيرة والوعي والقدرة على القيادة كثمرةٍ لما كان يحمله في عمق روحه الطاهرة من مؤهلات العظمة والقيادة، فإحسانه وشجاعته ومروءته وكرمه ورحمته بالناس وثقته القوية بالله واستشعاره للمسؤولية وإخلاصه ووفاؤه كلها مؤهلات الكمال ومميزات برزت واضحةً في حياته وَتحَرّكاته وهذه سنة إلهية ثابتة أن يختار الله من عباده أعلاماً للهدى يمنحهم العلم والحكمة والبصيرة ويترافق مع ذلك التأهيلُ للبشرية وبناء أمة واعية محصنة من كُـلّ الثقافات الباطلة، ويتربون على أيديهم نماذج قرآنية راقية جِـدًّا، يكونون مصابيح للمجتمع.
ومن أهم العواملِ والمؤثرات، التربية الإيمانية، التي حظي بها في كنف والده العالم الرباني (رحمة الله عليه)، والموهبة، كان موهوباً يتمتعُ بذكاء كبير وحس مرهف وهمة عالية، ونظرة ثاقبة، وبصيرة نافذة، وحكمة بالغه، مع عمق في التفكير، وبراعة في التدبير، وتأنٍّ واستبصار في الأخذ والترك والحكم على الأشياء واتِّخاذ المواقف، مما جعله شخصية مرموقة بين أقرانه بحكم تفوقه الواضح، مما جعل والده وأساتذتَه وكل من يعرفه يتوسَّمون في الخير الكبير، والاطلاع الواسع، من خلال التأمل والتدبر للقرآن الكريم، واتِّخاذه المرجع والفصل، وربطه بالواقع، والاستنارة ببصائره في كُـلّ شؤون الحياة، والقرب من الواقع ومعايشة المجتمع، فقد كان اجتماعياً بشكل كبير، وكان مجلسه يغص بالناس كُـلّ يوم حتى من قبل أن يبدأ المحاضرات والدروس الموجودة اليوم، مما مكّنه من معرفة هموم الناس وتلمس أوضاعهم عن قرب، والسعي لحل مشاكلهم والتخفيف من معاناتهم، وهذا جانب مهم ومؤثر في صقل الشخصية وبناء الذات.
وأيضاً الوعيُ السياسي، فمن خلال القرآن كان على قدر كبير من الوعي بالواقع ومخطّطات أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وأساليبهم الماكرة في القضاء على الدين، وقد انطلق في العملية السياسية، وخاض غمارَها بوعي وبصيرة وحنكة مع إيمان وتقوى، فكان هو المؤسّس الحقيقي لحزب الحق وصياغة أهدافه وتصميم شعاره، بمعية الدكتور الشهيد أحمد عبد الرحمن شرف الدين (رحمة الله عليهما)، وكان له الدور الأبرز في النهوض بذلك المشروع الذي كان يعلق عليه آمالاً كبيرة في صنع واقع جديد يستطيع من خلاله نشر الدين الصحيح والعقيدة الحقة، وكبح جماح الباطل، وإيقاظ الناس من سباتهم، والسعي لتحريرهم من الاضطهاد الذي تمارسه قوى الطاغوت ضد المستضعفين.
الكرم والأخلاق والتواضع والإحسان والشجاعة والإقدام هي ما أهلت الشهيد القائد وجعلته محطَّ الرعاية الإلهية، ويحظى بالتوفيق والتسديد ومن ثم الاختيارِ الرباني للقيام بالدور المنوط به وبأمثاله من أعلام الهدى، الذين جعلهم اللهُ عند كُـلّ فتنة يكاد بها الإسلام؛ لكي يعلنوا الحق وينوروه، ولينفوا عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما جاء ذلك في الأخبار الصحيحة عن النبي الأكرم (صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ)، وهذا ما تجلى بحمد الله في هذه المسيرة المباركة والتي نأمل من الله تعالى أن تعُمَّ أنوارُها أرجاءَ المعمورة.