(في جنب الله) المبادرة في كل الأعمال الصالحة
(في جنب الله) المبادرة في كل الأعمال الصالحة
نحن نعرف في الدنيا هذه النار، أليس كذلك؟ ونحن نعرف أنه لو لم تكن جهنم إلا كهذه النار لكانت كفاية وفوق الكفاية، ولرحمة الله الواسعة بعباده هكذا ينطلق: أن يكون ما يخوفهم به مما جنسه معروف لديهم في الدنيا، خوفنا بالعذاب ثم خوفنا من حالات الندم والحسرة، أليس الإنسان في حياته تحصل له مواقف يتندم؟ يتحسر؟ هل ترى نفسك أنت أثناء الندم وأثناء التحسر كيف تكون؟
يذكرنا أيضاً بأنه: سيحصل هناك ندم شديد، وحسرة شديدة، والتحسر أو الحسرة والندم هي في حد ذاتها عذاب، عذاب نفسي شديد، بل أصبح العذاب النفسي – كما يقولون – من أكثر ما يستخدم في التعذيب في السجون، التعذيب النفسي غير التعذيب الجسدي، تعذيب نفسيتك بأي طريقة.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} (الزمر: من الآية56) أي: ومن قبل أن تصل إلى {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية56) أليس هذا تعبيراً عن التحسر عندما يرى نفسه إلى أين وصل به الحال أصبح من أهل جهنم، وجهنم أمامه يراها؟ هذا الشيء المخيف: أن جهنم تبرز يوم القيامة أمام الناس ويسمعون تغيظها ويسمعون زفيرها، وهو منتظر أن يساق إلى جهنم هو في حالة من العذاب، عذاب التحسر {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ} على ما قصرت {فِي جَنْبِ اللَّهِ} في طاعته، لاحظوا هنا لم يقولوا: [في أوامر الله] أنا قصرت فيما له علاقة بالله، فيما كان يمكن أن أحصل من خلاله على رضى الله، وما كان يمكن أن يقي نفسي من هذه النار التي أشاهدها.
لم يكونوا في يوم القيامة: ممن يعمل في هذه الدنيا على أن يتعامل مع الله فيما يتعلق بالواجب فقط، والواجب من منظار ضيق، الذي لا مناص من القيام به على أقل مستوى.
يود أنه تمكن وهو في الدنيا أن يعمل أي عمل فيه رضى لله، لم يعد لديهم مقاصاة قصي [سأعمل فقط تلك الأوامر الخاصة إذا لم يعد هناك مجال].
رأى شدة الحسرة والندامة التي هو فيها، ورأى العذاب عذاب جهنم أمامه، هل الإنسان هناك يظهر بمظهر من يكون حدياً جداً، وقصيا في أعمال الطاعات؟ لا. [ليتني عملت كل ما يمكن أن أعمله في جنب الله وفي طاعته وفي رضاه لأسلم من هذه].
هذه الحالة هي التي تحصل عند كثير من الناس هنا في الدنيا عند بعض من العلماء، عند بعض من المتعلمين، عند بعض من المتدينين يبحث عن الحد الأدنى من الواجب بعد أن يقولوا قد أصبح واجباً، ويذهب ليسأل هذا: هل فعلاً هذا قد وجب؟
اذهب اسأل عالما من الناس عن الإنفاق في سبيل الله سيقول لك: [هذه آيات منسوخة بآيات الزكاة] أليس كذلك؟ الآن اذهب اسأل. لكن انظر ماذا يقول الناس هنا المتحسرون والمتندمون، تنَدّم أنه لم يعمل كل ما كان بإمكانه أن يعمل مما فيه لله رضى في هذه الدنيا، واجب مندوب مستحب كيف ما كان، لا يقاصي؛ لأن جهنم فعلاً – إن الإنسان يفكر في أن يقي نفسه منها – هي مما تفكر أن تقي نفسك بأي شيء، ليس شيئاً بسيطاً وهيناً تكون “مقاصي جداً فيما يقيك منها” “هذا قدو يلزمنا يا سيدي فلان يا سيدنا فلان” قد هو يلزم، قد هو واجب علينا، أو عاد معنا مخرج أو معنا كذا؟”
أنت انظر أن أمامك جهنم. أوليست جهنم بالشكل الذي يجعلك تنطلق أنت لتعمل كلما يمكن أن تعمله مما فيه نجاة نفسك منها؟ “أليس الواحد يأتي يفتح الشنطة ويخرج فلوسا إذا قدصار في مشاجرة ويريدوا أن يسجنوه؟ يعطي رشوة لهذا ورشوة لهذا، هل هو يقاصي؟ لم يعد يقاصي. هات عشرة ألف – إذا أردت وهم با يخرجونك. قال: تفضلوا. وفي البيت عندما يقولون – وهو بيشتري له – مثلاً – بمائتي ريال لحما: لماذا لا تزد بمائتين؟ سيقول: ليس بأربع مائة كل يوم، هذا كثير! أليس هنا قد يقاصي؟ لكن في حالة السجن: عشرة ألف وسيخرجونك، قال: تفضلوا. أليس يرأى بأنها سهلة؟ لن يقول – أبداً – هل تريد تسعة ألف وخمس مائة أولا، هل أحد (سيراجل) هكذا: تسعة آلاف وخمسمائة لن أ زيد ريالا واحدا؟ قد يقول (أمانة ما رضيوا) إلا باثنى عشر ألف ريال ستقول: تفضل. لاأحد بيقاصي”
جهنم ليست مما (تقاصي)، فالإنسان لا ينطلق في وقاية نفسه من جهنم من منطلق (المقاصاة). ليكن سؤالك للعلماء: هل في هذا لله رضى؟ هذا هو الصحيح. هل إذا أنفقت في مجال كذا هل فيه لله رضى؟ من الذي سيقول لك: لا؟ هذا هو السؤال الصحيح. (هل قدو يلزمني؟ هل قدو واجب عليّ، هل.. هل… إلى آخره؟)
تختلف أنظار العلماء في هذه، والذي يقول لك: لا. قد يتحدث معك من وجهة نظره، قد لا ينفعك يوم القيامة هو. قد يكون الأمر ليس كما قال ذلك الشخص، تكون في الواقع ملزماً، إنما أنت الذي تبحث عن مخارج وحيل. انطلق في سؤالك للعلماء – إذا كنت ترى بأن جهنم شديدة، وأنها تستدعي منك أن تبحث عن ما فيه نجاة لنفسك – فقل: هل هذا العمل فيه وقاية من النار؟ هل هذا العمل فيه لله رضى؟ وستجد الجواب واحداً. وهذا هو الصحيح، سترى الإجابة واحدة.
[الدرس الحادي عشر – معرفة الله – وعده ووعيده]
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}