في تقريره عن المستجدات الاقتصادية.. البنك_الدولي: صنعاء تمكنت من احتواء انهيار_العملة.. واحتجاز_سفن_الوقود يعرض حياة اليمنيين للخطر
في تقريرها الخاص بالمستجدات الاقتصادية في اليمن لشهر يوليو الماضي، وثقت مجموعة البنك الدولي أبرز التطورات على الساحة اليمنية، وفي طليعتها التداعيات الخطيرة لاحتجاز سفن الوقود من قبل قوى العدوان السعودي الأمريكي، وتراجع أسعار صرف الريال في المحافظات الجنوبية، مقابل استقرار سعر صرفه في المحافظات الشمالية، بفعل الإجراءات التي اتخذتها السلطة المالية في صنعاء ممثلة بالبنك المركزي اليمني، وعلى رأسها منع تداول العملة غير القانونية التي ضختها حكومة المرتزقة في السوق المصرفية بما مقداره تريليون و720 مليار ريال.. بالإضافة إلى الأسباب التي قادت إلى تعثر صرف المرتبات لكل موظفي الدولة، وفقاً لاتفاق السويد.
وأكد التقرير أن احتجاز سفن الوقود من قبل قوات تحالف العدوان السعودي الأمريكي، أدى إلى ارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية في المحافظات الشمالية، وتعليق الكثير من الخدمات الأساسية وبرامج المساعدات الإنسانية، وتعريض حياة اليمنيين للخطر.
التقرير الشهري للمجموعة، أشار أيضاً إلى أن انعدام الوقود وارتفاع أسعاره أدى إلى توقف مشاريع المياه والتحصين والصرف الصحي والنظافة، وكذا توزيع المواد الغذائية، وتهديد قدرات الاستجابة لمواجهة جائحة “كورونا” وتقديم المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني وتردي الظروف الاقتصادية في اليمن.. لافتاً إلى جهود شركة النفط اليمنية في توزيع المشتقات النفطية المتاحة وفق آلية منظمة وصارمة، خصوصاً بعد نفاد مادة الديزل من جميع محطات بيع الوقود، والذي دفع بالشركة لتوزيع الكميات المتبقية بشكل مباشر على الجهات المستفيدة، بناء على ترتيب أولوية القطاعات الحيوية لتقليل حجم الأضرار والانقطاعات في تقديم الخدمات الأساسية، بالتزامن مع إطلاقها تحذيرات تفيد بقرب توقف نحو 400 مستشفى و5 آلاف عيادة ومركز صحي عن العمل، إذا لم يتم السماح بدخول سفن الوقود، وخصوصاً الديزل.
وبحسب التقرير الدولي فقد ظلت واردات الوقود عبر ميناء الحديدة في تراجع مضطرد خلال شهري يوليو وأغسطس، متسببةً في استمرار النقص الحاد للوقود في المحافظات الشمالية، حيث لم يُسمح خلال شهري يونيو ويوليو سوى لسفينتين بدخول ميناء الحديدة، تحملان 57.4 ألف طن متري من البنزين بما يعادل 26 في المائة فقط من الحد الأدنى لاحتياجات الاستهلاك المحلي، فيما شهدت الفترة نفسها تفريغ 45 ألف طن متري من مادة الديزل تساوي 29 بالمائة من الاحتياج الشهري الفعلي.
وتضمن التقرير الإشارة إلى عدد السفن المحتجزة لدى قوات التحالف السعودي الأمريكي، منذ الأول من أغسطس المنصرم والبالغ 17 سفينة، على الرغم من الانتهاء من عملية تفتيشها وحصولها على التصاريح من قبل آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة، حيث تعود فترة الاحتجاز لبعض السفن بعد التفتيش وحصولها على التصاريح الأممية إلى شهر مارس 2020م.
وألمح التقرير إلى الانخفاض الواضح في واردات دقيق القمح والحبوب عبر جميع الموانئ اليمنية منذ بداية العام، ما يدعو إلى زيادة الاهتمام ومراقبة عدم تراجع مستويات حجم الغذاء المستورد، خصوصاً في ظل استنفاد حكومة المرتزقة لتسهيلات الودائع السعودية، وكذا إعلان الأمم المتحدة عن تقليص العمليات الإنسانية في اليمن.
ورصد التقرير تضخماً طفيفاً في مستوى أسعار الغذاء في المحافظات الجنوبية بلغ 1.3 في المائة على أساس شهري و13 بالمائة منذ بداية العام الحالي 2020م، إلا أن أسعار الخبز وعدد من السلع الغذائية الأخرى شهدت ارتفاعاً غير مبرر خلال شهر يوليو، فيما شهدت المحافظات الشمالية ارتفاعاً أقل في تكلفة سلة الحد الأدنى من الغذاء، بالرغم من أزمة انعدام الوقود الحادة والتي يمكن أن ترفع من أسعار الغذاء عبر الانقطاعات في سلاسل إمدادات الغذاء وارتفاع تكاليف النقل.
ووفقاً للتحليل الجزئي لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل الجديد للأمن الغذائي في اليمن لشهر يوليو، لا يزال وضع الأمن الغذائي مثيراً للقلق، إذ يعاني 25 بالمائة من السكان في 133 مديرية بالمحافظات الجنوبية، الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان ومرتزقته المحليين، مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بسبب استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية وتقليص المساعدات الإنسانية وتزايد حدة الصراع في تلك المحافظات.
ويتوقع تحليل التصنيف المرحلي المتكامل الجديد ارتفاع عدد السكان الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة وما فوق) في 133 مديرية جنوبية خاضعة للتحليل سيرتفع إلى 3.2 مليون شخص خلال يوليو – ديسمبر ما يعادل 40 بالمائة من سكان تلك المناطق، حتى وإن تم الحفاظ على مستويات عالية من المساعدات الغذائية الإنسانية.
وتطرقت مجموعة البنك الدولي، في تقريرها، إلى أسباب فشل عملية صرف المرتبات لكل موظفي الجهاز الإداري للدولة، جراء امتناع حكومة المرتزقة عن الوفاء بالتزاماتها بتحويل فارق العجز إلى حساب مبادرة المرتبات في البنك المركزي بالحديدة في الأشهر الأخيرة من عام 2019م.
وأوضحت أنه تم تخصيص عوائد رسوم الضرائب والجمارك المفروضة على الاستيراد التجاري للوقود عبر موانئ الحديدة في حساب لدى فرع البنك المركزي في الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لما نصت عليه اتفاقية ستوكهولم، على أن يتم استخدام الموارد المجمعة مضافاً إليها تحويلات مالية من بنك عدن، من أجل صرف الرواتب لجميع موظفي القطاع العام في أنحاء اليمن ابتداء من شهر نوفمبر 2019م، إلا أن العملية واجهت الكثير من التأخير، خصوصاً أن حكومة هادي امتنعت عن دفع ما عليها من التزامات مالية لتغذية حساب المرتبات، مما دفع بالسلطات في صنعاء للسحب من الموارد المجمعة في بنك الحديدة لصرف راتب نصف شهر لجميع موظفي القطاع العام في أواخر شهر يوليو.
وتحدث تقرير مجموعة البنك الدولي عن التداعيات الخطيرة لتراجع قيمة الريال اليمني في المحافظات الجنوبية على الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، نظراً لاعتماد اليمن بشكل أساسي على استيراد المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى.. موضحاً أن أسعار صرف الريال أمام الدولار في المحافظات الجنوبية تراوحت خلال شهر يوليو الماضي بين 745 و757 ريالاً للدولار الواحد مقارنة بنحو 700 إلى 750 ريالاً خلال شهر يونيو، بينما شهدت أسعار صرف الريال في المحافظات الشمالية استقراراً كبيراً منذ بداية العام 2020م عند 595 إلى 600 ريال للدولار الواحد.
وعزا التقرير استقرار أسعار الصرف في المحافظات الشمالية إلى الإجراءات المتخذة من البنك المركزي في صنعاء، وعلى رأسها منع تداول العملة غير القانونية التي تعمدت حكومة المرتزقة ضخها عبر طباعة أكثر من تريليون و720 مليار ريال من الفئات النقدية المختلفة، ما تسبب في حدوث تضخم غير مسبوق في السوق المصرفية، ارتفع معه الطلب على العملات الأجنبية في المحافظات الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان ومرتزقته المحليين، حيث انعكس قرار البنك المركزي بمنع تداول هذه الفئات النقدية غير القانونية، بالحد من التضخم، وبالتالي انخفاض الطلب على العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي قاد إلى احتفاظ الريال اليمني بقيمته دون حاجز الـ 600 ريال.
ومن ضمن الإجراءات التي أوردها التقرير مؤكداً إسهامها في الحد من انهيار سعر الريال اليمني، قيام البنك المركزي اليمني في صنعاء، بالتفتيش والنزول الميداني لتشديد الضوابط الرقابية على منشآت الصرافة وشبكات الحوالات المالية، ومنع التعاملات غير النقدية والحد من المضاربة في أسعار صرف العملات، إلى جانب حصر بيع العملات الخاصة بتمويل طلبات التجار لاستيراد المواد الغذائية والأساسية على لجنة المدفوعات، وتشديد الضوابط الرقابية على شبكات التحويلات المالية لمنع المضاربة وعدم الامتثال لتعليمات التداول للعملات والحظر على التعاملات غير النقدية، واشتراط التسويات النقدية في نفس اليوم للحوالات وبيع العملات عبر شبكات التحويل أو البنوك.
ونوه التقرير بالإعلان الصادر عن البنك المركزي في صنعاء خلال شهر أغسطس، بشأن إعادة تفعيل غرفة المقاصة للعملات الأجنبية والتسويات بين البنوك عبر البنك المركزي، وإعادة تهيئة هذه الخدمة المتوقفة منذ عام 2016م، من خلال إعادة التطوير التقني لغرفة المقاصة، وربطها آلياً مع البنوك لتمكين البنك من تسوية الشيكات والتعاملات بالعملة الأجنبية بين البنوك التجارية.
ولفت إلى استمرار اتساع فجوة سعر الصرف بين صنعاء وعدن، ليصل إلى 159 ريالاً في نهاية شهر يوليو 2020م، أي بنسبة 26.5 بالمائة مقارنة بـ 134 ريالاً في شهر يونيو، كما تواصل البنوك التجارية ومنشآت الصرافة رفع تكاليف التحويلات بالعملة المحلية من المحافظات الجنوبية إلى الشمالية، بينما لا يتطلب تحويل الأموال من المحافظات الشمالية إلى الجنوبية أي عمولات إضافية كبيرة.
وقامت مجموعة البنك الدولي بحذف التقرير، بعد ساعات من نشره على موقعها الرسمي، وهو الأمر الذي أرجعه خبراء سياسيون واقتصاديون إلى ضغوط سعودية أمريكية تعرضت لها المجموعة، نظراً لما ورد في التقرير من اعترافات بنجاح حكومة الإنقاذ في احتواء تدهور قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وتحقيق حالة من الاستقرار في السوق المصرفية، بالإضافة إلى ما أكده التقرير من تفاقم معاناة ملايين المواطنين في المحافظات الشمالية الواقعة ضمن سلطة المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، بسبب الحصار الذي تفرضه قوى العدوان ومنع دخول سفن النفط إلى ميناء الحديدة، وما ترتب على ذلك من آثار وانعكاسات كارثية طالت كافة مناحي الحياة في هذه المحافظات.