في الذكرى العشرين لإطلاق أول صاروخ فلسطيني على الکيان الإسرائيلي: نظرة على ترسانة صواريخ المقاومة في غزة منذ البداية إلی اليوم
يصادف يوم 26 أكتوبر 2021 الذكرى العشرين لإطلاق أول صاروخ أطلقته فصائل المقاومة في قطاع غزة علی الأراضي المحتلة.
قبل عقدين من الزمان في عام 2001، في وقت لم يتم فيه بعد إخلاء قطاع غزة بعد من قبل المحتلين الصهاينة، أطلقت فصائل المقاومة في هذه المنطقة أول صاروخ قصير المدى صممه المقاتلون الفلسطينيون على مستوطنة سديروت بالقرب من غزة.
أُطلق على هذا الصاروخ الصغير المصنوع يدويًا، والذي كان بداية الطريق اللامع والمشرق للمهندسين والمصممين الفلسطينيين في مجال الإنتاج المحلي للأسلحة الصاروخية، اسم “قسام”، تكريماً لأول قائد للحركة المناهضة للصهيونية في فلسطين، أي عز الدين القسام، الذي استشهد عام 1935 على يد الجيش البريطاني.
كان صاروخ القسام، رغم صغر حجمه ومداه القليل، وافتقاره للرأس المتفجر الكبير، نقطة تحول في الكفاح والنضال من أجل تحرير فلسطين.
قبل تصميم هذا السلاح وإنتاجه، كان على شعب فلسطين المضطهد أن يخوض الحرب مع الکيان الإسرائيلي بأيد خالية، ومن خلال رمي الحجارة، أو الأسلحة الفردية في نهاية المطاف.
لكن تشكيل القوة الصاروخية المحلية وبداية استهداف المستوطنات الإسرائيلية، قد غيّر تدريجياً معادلات المعركة، وأدى في عام 2004 إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.
كيف انتقلت المقاومة الفلسطينية من صاروخ قسام إلى الصواريخ الباليستية الثقيلة؟
ربما حتى المقاتلون والمهندسون الفلسطينيون الأوائل في قطاع غزة، الذين صمموا واستخدموا صاروخ القسام بأبسط المعدات وباستخدام خردة المعادن والوقود السكري في عام 2001، لم يعتقدوا بأن مدى صواريخهم الباليستية سيغطي يومًا ما كامل الأراضي المحتلة، من حيفا شمالاً إلى ميناء ايلات جنوباً.
لكن مقاومة غزة، واعتمادًا على قوة إيمان محاربيها وشجاعتهم الفريدة من نوعها، وتضحية بعض العلماء الفلسطينيين الذين فضلوا العودة إلی الوطن علی العیش بالرخاء خارج فلسطين، وبالطبع الدعم الثابت من جمهورية إيران الإسلامية باعتبارها أكبر داعم للشعب الفلسطيني المضطهد، أوصلت بعد عقدين من الزمن القدرة العسكرية لوحداتها العسكرية لدرجة أن إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف من ترسانتها أجبر الکيان الصهيوني على التراجع، والمطالبة بوقف إطلاق النار بعد 12 يومًا فقط من معركة سيف القدس.
من أشهر علماء ومصممي القوة الصاروخية لمقاومة غزة، هو الأستاذ البروفيسور الشهيد جمال الزبدة، حاصل على شهادة الدكتوراه في الميكانيك من إحدى جامعات الولايات المتحدة، والذي قرر العودة إلى غزة في عام 1994 للتدريس في الكلية الإسلامية في هذه المنطقة.
لعب الدكتور جمال الزبدة، بمعرفته وخبرته العالية في مجال الميكانيكا والسوائل والدفع الصاروخي، دورًا رئيسيًا في تطوير برنامج صواريخ المقاومة الفلسطينية، وتحويل صواريخ القسام يدوية الصنع والمبتكرة إلى صواريخ مثل بدر 3 وعياش 250، التي أصبحت كابوس الصهاينة والسبب الرئيسي للمطالبة بوقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي في المعركة التي انطلقت في هذا الربيع.
في اليوم الثاني من عملية “سيف القدس”، التي بدأت بعد اعتداءات الکيان الصهيوني على الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى، ومن ثم الردود الصاروخية الحاسمة من المقاومة الفلسطينية، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية موقعاً تحت الأرض اعتقدوا أنه المكان الذي كان يقيم فيه الدكتور الزبدة مع عدد من مهندسي المقاومة، بأكثر من 20 قنبلة موجهة، مما أدى إلى استشهاد الدكتور الزبدة ورفاقه ومنهم نجله، وعدد من قادة کتيبة غزة في كتائب القسام ومن بينهم “باسم عيسى”.
من قسام 1 إلى عياش 250
تغيرت استراتيجية المقاومة في غزة لمواجهة الکيان الصهيوني، بعد انسحاب جيش الکيان عام 2004.
ركزت المقاومة في البداية على الإنتاج الضخم لصاروخ قسام 1، لإطلاق أعداد كبيرة منه على مستوطنة سديروت التي تبعد 4 كيلومترات عن غزة، لكنها زادت تدريجيًا مدى النماذج التالية من هذا الصاروخ أيضًا، فوصل إلى 12 و 20 كيلومترًا، وهو ما كان كافياً لمهاجمة المناطق الجنوبية من عسقلان.
خلال الحرب التي استمرت 22 يومًا في عام 2008، أطلقت فصائل المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي ما مجموعه 2048 صاروخًا من صواريخ قسام على المستوطنات الإسرائيلية، لكن هذا العدد لم يكن كافياً ومرضياً مقارنةً بالهجمات الوحشية لسلاح الجو الإسرائيلي.
لكن تدريجيًا، في السنوات التي سبقت معركة عام 2012، بدأت المقاومة في تطوير المزيد من الصواريخ ذات المدی الأطول والرؤوس الحربية، مثل S40 و S55.
لكن في معركة عام 2012، حدث أول تغيير جاد في التوازن الصاروخي بين المقاومة والکيان الصهيوني، حيث تعرض الجيش الإسرائيلي لإطلاق أكثر من 1500 صاروخ بعد 8 أيام من القتال فقط، وأوقف الصراع على الفور من خلال المفاوضات.
شهد هذا العام أول إطلاق صاروخي من قبل مقاومة غزة نحو جنوب العاصمة الصهيونية تل أبيب بصاروخين، وهو إجراء لم يتخذه حتى حزب الله في حرب الـ 33 يوماً(حسب معادلة ضبط بيروت للنفس أمام تل أبيب).
المسؤولون الصهاينة زعموا أن إيران تبرعت بصواريخها من طراز “فجر 5” لحماس بمدى 75 كيلومترا، لكن فصائل المقاومة عرضت صواريخ M75 و J80، وأعلنت أنهم استخدموا هذه الأسلحة لمهاجمة تل أبيب.
وفي السنوات اللاحقة، بين حرب الـ 51 يومًا الكبرى في 2014 إلی عملية سيف القدس في ربيع هذا العام، استخدمت المقاومة صواريخ ثقيلة بعيدة المدى قادرة على الإطلاق بالمئات يوميًا، وذلك للوصول إلی القدرة على مهاجمة المنشآت الحساسة للکيان الصهيوني بدقة. وفيما يلي نقدم أهم الأمثلة على هذه الصواريخ وضرباتها الناجحة:
– أول إطلاق رسمي لصاروخ خيبر أو M302 بمدى 160 كم من قبل حرکة الجهاد الإسلامي، وإصابة الصاروخ شمالي تل أبيب على بعد 141 كيلومترًا من قطاع غزة.
– الإطلاق الناجح لصواريخ بدر 3 بدقة على محطة كهرباء عسقلان وخزانات النفط فيها، خلال معركة سيف القدس هذا العام.
– الهجوم على أنبوب النفط الممتد من ميناء أشدود إلى إيلات بصواريخ A-120، والذي عرضته وسائل إعلام المقاومة في قاذفات تتکون من ثماني وحدات.
– هجوم عنيف بأكثر من 100 صاروخ على مدينة تل أبيب في الأيام الأخيرة من معركة سيف القدس، مما أدى إلى هروب أكثر من 3 ملايين شخص في شمال الکيان الإسرائيلي إلی الملاجئ.
– هجوم بطائرة شهاب المسيرة الانتحارية على مصنع كيماويات إسرائيلي بالقرب من قطاع غزة.
– الكشف عن صاروخ عياش 250 الباليستي التكتيكي والدقيق، والهجوم بصاروخ واحد منه على مطار ميناء إيلات جنوبي الکيان الإسرائيلي وعلى مسافة 213 كم، واجتيازه لجميع أنظمة الدفاع التي يمتلکها الکيان مثل باتريوت والقبة الحديدية.