قبل ثلاث سنوات حررت البوكمال، وأصبح بعدها لا قيامة لداعش، من هناك كانت مقدمة ازالة ما تبقى من التنطيم الإرهابي، واعلان النصر النهائي على “داعش” في سوريا بعد العراق.
في تلك المعركة الجيش السوري والحلفاء في محور المقاومة، أثبتوا قدرة فائقة على الثبات بوجه الهندسة الأميركية لانتشار الارهابيين في المدينة وأطرافها، فكان أهل الأرض أقدر في التقدم والحسم، بالرغم من كل الدعم الأمريكي ومن الكيان الإسرائيلي، فر قادة داعش مذعورين، واجبرت الولايات المتحدة الامريكية على سحب ورقتها مهزومة، واغلق الجيش السوري والحلفاء بأيديهم، الممر الذي فتحه الأمريكي بين العراق وسوريا، ويبدأ عصر التيه الأمريكي مع الإرهابيين في الصحراء السورية والعراقية. قبل ثلاث سنوات اعلن الجيش السوري وحلفاؤه في يوم الأحد 19 تشرين الثاني 2017 تحرير مدينة البوكمال في ريف دير الزور من تنظيم داعش بالكامل وأعلنت غرفة عمليات حلفاء سوريا آنذاك عن هروب والي البوكمال في داعش المعروف بـ”أبو حسن العراقي” من المدينة إلى الضفة الشرقية للفرات، إضافة إلى هروب المسؤول البارز في داعش “صدام الجمل” وآخر يدعى “أبو سمية الأنصاري” من البوكمال. في ذكرى معركة البوكمال، لا بد ان نسترجع تلك الأيام، حيث معركة الشرق السوري لها خصوصيتها، فهناك في اقصى الجغرافية، عدة قوى تتمركز وتحاول السيطرة على النقاط الاستراتيجية التي تخلق تحول في سير المعارك، ومنها مدينة البوكمال، بالإضافة الى تقدم متواصل عبر عدة جبهات من قبل الجيش السوري والحلفاء، ومن تلك القوى القوات الامريكية وقسد، وفي هذه المعركة تحديداً كانت واشنطن تحاول ان تفرض امر الواقع على المدينة والسيطرة عليها، وهذا الامر سرع من تقدم الجيش السوري والحلفاء، بالطبع محاولات الولايات المتحدة الامريكية لم تكن في زمن معركة البوكمال بل كان ذلك قبل مدة زمنية واستمر حتى اقتراب الجيش من المدينة، ابرز تلك المحاولات، وما يدلل على تكتيك أمريكا بفرض الامر الواقع في تلك المنطقة، عندما حاولت القوات الامريكية اختطاف المدينة بعد زج القوات الخاصة الامريكية من قاعدة التنف بمشاركة ما يسمى بجيش سوريا الجديد، ومحاولة تحريرها من داعش، حيث تقدمت القوات الامريكية في حينها مع ما يسمى بمغاوير الثورة، الا ان الجيش السوري قطع عليهم الطريق، بالتزامن مع استمرار تقدمه باتجاه المدينة، ليأتي بعدها دور ما تسمى بقسد، التي اعلن القيادي فيها بتاريخ 9-11-2017 ان مسلحي قسد يتجهون نحو البوكمال بدعم امريكي علني، ما اكد للجميع في حينه، ان واشنطن مستمرة في مخططها لمنع وصول الجيش السوري الى الحدود السورية العراقية والسيطرة على البوكمال مفتاح تلك الحدود، وعندها كان لا بد من التحرك السريع للجيش والحلفاء بقطع الطريق امام قسد، في سباق مع الزمن، شاهدنا غبار ذلك السباق عندما كنا فريق قناة العالم في تغطية المعارك، وبنفس الوقت الذي بدأت قسد تحركها كان هناك تحرك لإرهابيي داعش الذين اعدوا كل ما يملكون من إرهاب لمهاجمة الجيش السوري، لوقف تقدمه ريثما تصل قسد والقوات الامريكية، عندها وزع بيان للجيش السوري يعلن فيه تحرير المدينة، هذه عبقرية التكتيك العسكري الذي حول مسار الحرب، يومها كنا غرب مدينة القائم العراقية، وكان بين القوات الشهيد القائد قاسم سليماني يتابع سير المعركة بنفسه، الجيش لم يكن قد دخل المدينة بعد، بل كنا على مشارف البوكمال، وتحديدا في أطرافها الشرقية، اما قوات الحشد الشعبي كانت في قرية سويح شرق البوكمال، حينئذ كانت راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة لا تهدأ، ومواقع داعش تحت الصبائب النارية للجيش السوري وحلفائه، وعند اكتمال الخطة العسكرية القاضية باقتحام المدينة من الشرق والغرب والجنوب وترك المعبر النهري في شمال المدينة، منفذا لداعش للفرار،هنا فرض الجيش السوري الامر الواقع ودخل المدينة، واجبر الأمريكي على التراجع مع قسد لما بعد نهر الفرات، ومن الذكريات ان الشهيد قاسم سليماني لم يغادر مسرح العمليات، بل كان بلباسه المتواضع وابتسامته الهادئة، ينشر الطمأنينة بإيمان خالص بين المقاتلين، والملفت للنظر يومها، انه كان يتجول بين الجنود بدون حراسة، ولم يمتنع عن مصافحة احد، وكان يستمع للجنود بالرغم من ارتفاع أصوات راجمات الصواريخ، ومن المفارقة ان طائرات الاستطلاع الامريكية لم تغادر الأجواء، وحاولت التشويش على الاتصالات، لمنع وتأخير تقدم القوات البرية، الا ان ذلك لم يأثر في سير المعركة التي شكلت تحدي حقيقي خسر فيه الأمريكي وقسد وداعش بنفس الوقت. كانت معركة البوكمال شاقة، وأثبتت بشكل قاطع مرحلة جديدة من التنسيق العالي بين الحلفاء، سحقت إرادة الأمريكي، واطلقت رسائل عديدة، لتنهار بعدها المجموعات التكفيرية وتتقطع اوصالها، بعد أشهر من المعارك المنسقة على طول الجبهة والممتدة من ريف حلب ودمشق وحتى حماة وحمص، حتى البوكمال والتي كانت على مر التاريخ بوابة سوريا الى العراق والمشرق، وظلت في مدى أيام الحرب الهدف الاستراتيجي لكل من دعم الإرهابيين، وهذا ما فرضه موقعه الاستراتيجي، ما جعل الصراع بشأنها يمتد الى المسرح الإقليمي والدولي، ولم يلتزم ببروتوكولات الحرب والكباش السياسي، وهذا ما جعل من الأمريكي وإرهابيه كجراد منتشر في الصحراء على غير هدى. إن هذا الانتصار ترافق مع ظهور اعلامي للقائد الشهيد قاسم سليماني، لكن السؤال ان الشهيد السعيد، شارك بمعظم المعارك مع الجيش السوري، من معارك ريف حلب الجنوبي في عام 2015، مروراً بمعارك تحرير حلب، وانتهاءً بمعارك البادية السورية وصولاً إلى مدينة دير الزور، الا ان معركة البوكمال والظهور الإعلامي للحاج قاسم القائد الشهيد، كان يحمل دلالات كبرى، ورسائل سياسية نارية، يثبّت ان هذه المعركة كانت بين المحور والولايات المتحدة بشكل مباشر، وأن وجود المستشارين الإيرانيين في سوريا هو وجود شرعي، بعكس القوات الأجنبية التي دخلت خلسة بدون تنسيق مع الدولة السورية، والتي تعتبر قوات احتلال، بالإضافة الى الإعلان عن الدعم المطلق لسوريا في مواجهة الإرهاب، والمشاركة بمعارك التحرير، وبالذات في الشرق السوري، الذي تتواجد فيه القوات الامريكية. منذ ثلاث سنوات، نستذكر رجالا حصدوا النصر، واستحضروا التاريخ خارج الورق، وادخلوه عصرهم، وما عداهم بقي على هامش الذكرى، في مثل هذه الأيام أيها السادة، حقق التوازن في المنطقة، وأسست لنهاية التكفيريين من داعش وداعميهم، كما سيكون النصر قادما في ادلب، التي تتحضر ليوم قادم.