فوق أطلال الدمار تقف غزة شامخة رغم جراحها

تحت سماء مشبعة بالدخان، وفوق أطلال الدمار الذي خلفه العدوان الهمجي الصهيو-أمريكي، تقف غزة شامخة رغم جراحها. تصوم وهي جريحة، وتصلي وهي محاصرة، وتعيش رغم أنف القصف والموت. إنها قصص إنسانية تتناثر في كل زاوية من زوايا المدينة المثابرة، التي باتت مصنفة بالمنكوبة بكل المعايير.

للأسابيع والأيام التي لا تُحصى، يواصل سكان غزة حياتهم تحت نيران الطائرات الإسرائيلية، التي لا تميز بين منزل ومسجد، أو سوق ومشفى، أو طفل وامرأة، أو شاب وشيخ. ومع ذلك، لا تزال نسمات الحياة، الحالمة بالحرية، تتسلل من بين الأنقاض، يحدوها الأمل والإصرار على المقاومة، ورغبة في الثبات على الحق في أرضهم وسيادتهم.

غزة تحت القصف

تبدأ الغارات مع أولى ساعات الفجر، حين يستيقظ الصائمون على وقع الانفجارات قبل أن يرفع أذان الفجر، فيدركون أن يوماً آخر من الصبر والمقاومة قد بدأ. في لحظات، تتحول الأحياء إلى سحب من الغبار، تتهاوى المباني كأوراق خريف مهترئة، وتغدو الشوارع التي كانت تعج بالحياة حقولاً من الركام والدمار.

وفي الأسواق، حيث اعتاد الناس التبضع استعداداً للإفطار، باتت الطوابير تتزايد أمام المخابز القليلة التي لم تدمرها الغارات. الأمهات ينتظرن دورهن للحصول على كيس طحين أو بضعة أرغفة، وأطفالهن يراقبون السماء، يحاولون التنبؤ بمسار الطائرات، بعدما باتت الغارات جزءاً من تفاصيل يومهم الرمضاني.

في هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة بغزة أن 130 شهيدا و263 جريحاً وصلوا مستشفيات قطاع غزة خلال 48 ساعة الماضية. وأوضحت الصحة في بيان اليوم السبت، أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس/ آذار الجاري بلغت 634 شهيد، و1,172 إصابة. وأشارت إلى ارتفاع حصيلة حرب الإبادة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 49747 شهيداً و 113213 جريحاً. وذكرت أنه لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع الطواقم الوصول إليهم.

الإفطار على ضوء القذائف

على موائد الإفطار، لا تجتمع العائلات كاملة، فهناك غائبون خطفتهم الصواريخ، وهناك جرحى يرقدون في المشافي، وهناك أسر نزحت إلى مدارس وكالة الغوث، تبحث عن مأوى يقيها قسوة القصف. ورغم كل ذلك، تمتد الأيدي إلى الطعام، تُرفع الأدعية، وتغمر القلوب يقينٌ بأن هذا الألم لن يدوم.

المياه شحيحة، الكهرباء مقطوعة، والبيوت بلا نوافذ، لكن في زوايا المدينة هناك أملٌ عنيد. يتجسد في ضحكات الأطفال الذين يصنعون لعبهم من بقايا الدمار، وفي شجاعة الأمهات اللواتي يربّين الأيتام بقلوب من فولاذ، وفي صمود الآباء الذين يعيدون بناء حياتهم بعد كل قصف وكأنه قدر مكتوب.

وداخل المستشفيات المنهكة، يكافح الأطباء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الأسرّة ممتلئة، والأدوية نفدت، وأصوات الأنين تمتزج بنداءات الأطباء الذين يعملون بلا كلل. المسعفون يتنقلون بين الأحياء المدمرة، يرفعون الأنقاض بأيديهم العارية بحثاً عن ناجين، بينما يتوافد الجرحى على المشافي في مشهد يعكس فداحة المأساة.

ورغم كل هذا الخراب، تظل غزة صامدة. ليست مجرد مدينة تحت القصف، بل هي قصة مقاومة، ملحمة من الصبر، ودليل حيّ على أن الإيمان بالحياة أقوى من آلة الحرب. بين الركام، يولد الأطفال، يُرفع الأذان، تُقام الصلاة، وتُكتب قصة جديدة في سجل مدينة لم تعرف الانكسار يوماً.

ففي كل زاوية من تلك الأرض المعذبة، يتردد صدى الأمل والإصرار، ليخبرنا أن غزة لا تزال هنا، تروي حكايها للمستقبل، معبرة عن قوة لا تنكسر. إنما هي قصة إنسانية محورها الكرامة والعزم، تدعو العالم للتذكر والاستيقاظ قبل فوات الأوان.

أبناء غزة في دروب الآلام

يعيش أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة حرب متعددة الأبعاد، يعيشون حيث يحتل العدو الإسرائيلي المركز الأول في مصنفات مرتكبي جرائم الحرب والإبادة. والأشد من ذلك، مأساة العيش مع جشع التجار ومحتكرين الأسواق، الذين أضفوا على المعاناة معارك يومية جديدة وغير منصفة.

منذ الثاني من مارس الجاري، انقلبت مشهد الأسواق في غزة رأساً على عقب، بعد أن أغلق العدو الإسرائيلي جميع المعابر. المواطن أسامة عامر، الذي يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، يصف الوضع بأنه “يتجلى في اختفاء البضائع وارتفاع الأسعار بشكل مخيف”، حيث رُفعت تكلفة المواد الأساسية أكثر من 300%، مما أعاد الفلسطينيين إلى زمن المجاعة.

“في زمن ما قبل الإبادة، كنت أستطيع توفير لقمة عيشي”، يقول الأب الغزاوي (م. ر 40 عاماً)، مستعرضاً حجم الخراب. فبعد أن كانت الحياة تتسم بأجواء رمضان المباركة، تحول اليوم إلى معاناة يومية محزنة، بتأمين ما يسد رمق أطفاله من خلال مساعدات المؤسسات الإغاثية فقط.

الواقع يتجلى بوضوح مع إغلاق حاجز كرم أبو سالم، الذي يمثل الشريان الحيوي لغزة، ما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية والوقود، بل وحدا بالمكتب الإعلامي الحكومي الإعلان عن دخول القطاع “في أولى مراحل المجاعة”، في وضع يتجاوز معنى إحصائية إلى واقع مرير يعيشه حوالي مليوني إنسان فقدوا أمنهم الغذائي.

مع تفاقم أزمة المعاناة اليومية، بدأ عشرات المخابز بالإغلاق نتيجة انعدام الوقود، مما أضعف قدرة الناس على الحصول على المواد الغذائية الأساسية. وأصبح الماء النظيف حلماً بعيد المنال، مع توقف العديد من آبار المياه. العائلات الفلسطينية اليوم تعتمد على الحطب كبديل للطهي، مما يضيف عبئاً جديداً على كاهلهم.

كما حذر المكتب من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن ما لا يقل عن 80 من أصل 170 مطبخاً عاماً في القطاع قد تضطر إلى الإغلاق خلال أسبوع أو أسبوعين، مما يترك الآلاف من الفلسطينيين بلا أي مصدر للغذاء.

انهيار غذائي وشيك ينذر بحالة كارثية

في خضم هذا الوضع المؤلم، تحذر الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “أوتشا” من أن أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة مهددون بنقص حاد في الغذاء، إذا لم تُستأنف عمليات تسليم المساعدات الإنسانية، وذلك بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي في إغلاق المعابر.

وفي بيانها ، أكدت “أوتشا” عبر موقعها الإلكتروني أن المخزونات المتوفرة في القطاع تقترب من النفاد التام. وبسبب تعقيدات الوضع، اضطرت منظمات الأمم المتحدة إلى تقليص المساعدات الغذائية بشكل حاد، وتعليق توزيع الدقيق والمواد الغذائية الطازجة، مما يعني أن الكميات المقدمة من الوجبات الساخنة في المطابخ العامة قد تقل بشكل ينذر بالخطر.

محللون وخبراء اقتصاد يحذرون من أن الحالة الصعبة التي وصل إليها سكان القطاع تُعتبر كارثية، مشيرين إلى أن قطاع غزة بات تحت وطأة مجاعة حقيقية في ظل الحصار الخانق ونقص الإمدادات الغذائية. ويؤكدون بصوت مرتفع أن الحديث لم يعد يدور حول الفقر أو البطالة، بل عن انهيار غذائي كامل؛ فالناس اليوم لم تعد تطلب وجبات متكاملة، بل أصبحت تحلم بعلبة فول أو حفنة عدس!

الحصار ليس جديداً، ولكن الواقع اليوم يشتد ضيقا. وإذا استمر إغلاق المعابر ومنع إدخال المواد الغذائية، فإننا نسير بسرعة نحو مجاعة تهدد حياة مئات الآلاف من سكان القطاع. أسعار الخضروات وصلت إلى حافة اللامعقول، حيث يباع كيلو الخيار بـ14 “شيكل”، بينما يُحرم معظم الغزيين من أي نوع من اللحوم. هذه الأسعار تتجاوز قدرة المواطن الغزي، الذي أصبح الكثير منهم بلا أي مصدر دخل منذ بداية العدوان. غزة اليوم تواجه خطراً يهدد وجودها ذاته. إذا لم يتحرك العالم الإسلامي لاتخاذ موقف حازم، سنشهد كارثة إنسانية غير مسبوقة.

في الثاني من مارس الجاري، أغلق العدو الإسرائيلي المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، في انقلاب واضح على اتفاق وقف إطلاق النار مع دعم أمريكي، يرتكب العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة، تسببت في استشهاد وإصابة أكثر من 161 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.

رئيس أركان معركة الفصل الأخير

استأنف العدو الإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي، عدوانه ضد المدنيين الآمنين في منازلهم ومخيمات قطاع غزة، مستخدماً نحو 100 طائرة حربية ألقت آلاف الأطنان من القنابل فوق رؤوس السكان في وقت السحور. أسفر هذا الهجوم عن استشهاد نحو 170 مدنياً وإصابة أكثر من 300 آخرين في لحظاته الأولى. مؤكدا أن القطاع سيشهد “جحيماً” كما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

في المقابل، حملت حركة حماس المجرم “رئيس وزراء” العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذا العدوان. يأتي هذا التصعيد بعد شهرين من وقف إطلاق النار، وسط مخاوف متزايدة من تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع بسبب الحصار المستمر وقطع الإمدادات الطبية والغذائية.

ومع استمرار الدعم الأمريكي وصمت المجتمع الدولي، وخذلان عربي مخزي، يبقى الواقع المأساوي في غزة يتفاقم. ولكن وسط كل هذه السياسات القمعية، تظل إرادة الشعب الفلسطيني صامدة، مبرهنة على أن الحق دائماً ما يسود. إن التاريخ يشهد بأن الشعب الفلسطيني سيواصل مقاومته وجهاده لاستعادة حقوقه.

وإلى جانب صمود الشعب الفلسطيني برز الموقف اليمني الصلب المساند للشعب الفلسطيني، والذي أتى انطلاقا من المبادئ الدينية والأخلاقية، لأنه لا بد من موقف عملي حازم يردع العربدة الصهيونية، وكما قال السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بأنه لا يكفي أن تكون على حق، بل لا بد من الجهاد من أجل إحقاق الحق.

موقع أنصار الله

قد يعجبك ايضا