“فورين بوليسي”: كيف يمكن إنهاء حرب جنون الارتياب التي تشنها السعودية؟
قالت صحيفة فورين بوليسي انه حان الوقت للمواطنين الاميركيين ان يتعلموا ويعلموا ان الحرب في اليمن تعنيهم تماما، لأنّه الى جانب ان السّعوديّة أقنعتهم بالانضمام إليها، ثمّة حرب أخرى بدأت بها الولايات المتّحدة، وليس لديها نية لإنهائها في أي وقت قريب.
وتشير الصحيفة الى أنه “كيف تضمن الولايات المتّحدة عدم تداخل الحرب الأولى، أي الّتي اختارتها المملكة العربيّة السّعوديّة، مع الثّانية؟ قد تكون الإجابة هي اتّباع النّصيحة الّتي أسداها الملك عبد العزيز، المعروف بإبن سعود، عندما كان على فراش الموت عام 1953، ويُفترض أنه قال: “لا تدعوا اليمن يتّحد [أبداً]”. اليمن هي المشكلة التي ربما لن يتم حلها إلا بعد تفكيكها”.
وتقول “فورين بوليسي”: لطالما كان جنون الارتياب أساس صنع السّياسات السّعوديّة بشأن اليمن. فقد كانت المملكة تعاني من جنون الشك إزاء اليمنيّين أنفسهم؛ والآن، ترتاب من الإيرانيّين. فالحوثيّون اليمنيون يتلقون “التأييد الإيراني” أو”الدّعم الإيراني” أو “التأثير الإيراني” بمظاهر متعددة. وأنا شخصيّاً أُفضّل مصطلح “التأثير الإيراني” لوصف الوضع.
وتضيف: من الواضح أن الحوثيين يشكلون خطراً مباشراً على “الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً (والمتحالفة مع السعودية)”، ولكن هناك سبب وجيه للشك في [إمكانية] تشكيل هؤلاء الحوثيين خطراً مباشراً على الرياض، خارج نطاق جنون الارتياب السعودي.
ومع ذلك، يبدو أنه مقابل تحمّل السعودية لتقارب واشنطن النووي مع طهران، طلبت الرياض الدعم الأمريكي في القتال الذي تخوضه قوات التحالف التي تقودها السعودية لإعادة إرساء حكم هادي في صنعاء. (ويفضّل هادي حالياً القدر الأكبر من الأمن الذي يحظى به في جناحه في أحد فنادق الرياض). وهناك عامل إضافي يحوّل النتيجة إلى 2-1 لصالح الرياض وهو أن: واشنطن تريد مشاركة السعودية وختم موافقتها على الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة جماعة “داعش” في سوريا والعراق.
يمكن أيضاً وصف موقف واشنطن الرسمي تجاه اليمن بالخوف، وذلك إن لم يكن فعلياً بجنون الارتياب. فسفوح التلال الصخرية في اليمن تشكل مناطق تدريب لـ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، الأمر الذي ساعد على التحضير لمحاولة تفجير طائرة الركاب التابعة لشركة الطيران “نورث ويست” [“نورث ويست ايرلاينز”] عام 2009 عبر تخبئة المتفجرات في “الثياب الداخلية” للمفجّر، والتحضير لعملية القتل في الهجوم الذي وقع على مقر صحيفة “شارلي إبدو” في باريس عام 2015. ويشكّل وقوع حادث إرهابي في الولايات المتحدة، يحمل طابعاً يمنياً، احتمالاً واقعياً؛ وفي هذا الصدد يستعد المسؤولون الأمريكيون الذين يعلمون هذا الأمر إلى الذهاب بعيداً جداً لتفادي تحقق هذا الاحتمال. فهم يشعرون أن هجوماً ناجحاً على سفينة بحرية أمريكية، يشبه التفجير الانتحاري الذي شلّ المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في ميناء عدن عام 2000، سيكون بنفس القدر من السوء تقريباً.
وإلى حين اندلاع الحرب مع الحوثيين في العام الماضي، كانت عمليات “القوات الخاصة الأمريكية” تجري خارج “قاعدة العند الجوية” شمال عدن، وتحاول تطبيق استراتيجية “فعالة بل مؤقتة” [لعبة “ضرب الجذران”] ضد الجهاديين، محققةً بذلك نجاحات أكثر أهمية بين الحين والآخر، مثل مقتل أنور العولقي، الواعظ المتحمس (والمواطن الأمريكي)، بواسطة صاروخ “هيلفاير” عام 2011. والآن، تجري العمليات الأمريكية من جيبوتي، على الجانب الآخر من البحر الأحمر، في أفريقيا. وكما في السابق، تُشكل الطائرات بدون طيار جزءاً أساسياً من الجهد المبذول. كذلك، تتواجد العشرات من قوات العمليات الخاصة الأمريكية، الشبه سرّيّة على الأرض.
هناك فرق حاسم بين المصالح السعودية والأمريكية الذي يصبح واضحاً بسرعة. ففي حين أن الدعم الإيراني للثوار الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة وعلى جزء كبير مما كان يسمى يوماً شمال اليمن (أو بصورة أكثر رسمية، الجمهورية العربية اليمنية) هو الذي يهيمن على تفكير الرياض، إلا أن مخاوف واشنطن تُركّز على الجنوب، أي الأرض التي كانت تُعرف يوماً بـ”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” (لم تُشكَّل الدولة الحديثة التي يُطلق عليها اسم اليمن سوى عندما توحد هذان البلدان في عام 1992).
إن الحربين المنفصلتين اللّتين تخوضهما كل من واشنطن والرياض مرتبطتان بطريقة ليست واضحة بالضرورة بالنسبة للمتتبعين من الخارج. فـ “القوات الجوية الملكية السعودية” و “القوات الجوية الأمريكية” تتشاركان المجال الجوي في اليمن، كما أن مساحتي معركتيهما متجاورتان حتّى أنهما تتداخلان. فقبل القصف المريع الذي وقع على تجمع الجنازة في صنعاء في 8 تشرين الأول/أكتوبر، وأودى بحياة أكثر من 140 شخصاً وأدى إلى جرح المئات، كان القلق الأمريكي من المخططات السعودية يعني مستويات مخفّضة من التعاون. فتم الحد من التزويد بالوقود في الأجواء، وهذا يعني أن طائرات “إف-15” السعودية لن تستطيع أن تحوم في الأجواء اليمنية، مترقبة ظهور الأهداف. وتم تخفيف التعاون في ما يخص “الاستهداف” – وتعني هذه الكلمة التقنية الفضولية ما هو حجم القنبلة الذي يجب إسقاطها، ومن أي ارتفاع، ومن أي اتجاه، وحتى في أي وقت من النهار، وذلك للحد من “الأضرار الجانبية”، أو بشكل أدق، لتقليص عدد القتلى المدنيين. وكان السعوديون يقومون بالفعل باستهداف العيادات والمدارس، وقد بدأ تبريرهم، المتمثل بأن الحوثيين يُنشئون المقرات والمخازن العسكرية فيها أو بالقرب منها، يصبح أقل إقناعاً.
لقد كان قصف الجنازة قبل أسبوعين كارثة إنسانية ومحنة تكتيكية كبيرة لاستراتيجية الحرب المضادة للحوثيين ككل. وحتى لو كان الهدف أحد السياسيين اليمنيين المتحالفين مع الحوثيين، فإن قصف مثل هذا التجمع كان منافياً لأخلاقيات الجيش الأمريكي. ولم يعترف السعوديون سوى بتورط “طائرة تابعة للائتلاف”، وهي صيغة تشير إلى الواقع المؤسف بأنها كانت طائرات “إف-15” زوّدتها الولايات المتحدة، وتحمل ذخائر أمريكية الصنع. ونتيجة ذلك، أطلقت مراكز السلطة في واشنطن – أي البيت الأبيض والكونغرس ووسائل الإعلام – صرخات مرعبة. وأُلقي اللوم على العملاء المناهضين للحوثيين الذين يعانون من فرط الحماس، وعلى واقع أن الموافقة على إصابة الهدف جاءت من عناصر على مستوى منخفض في التسلسل القيادي العسكري.
ولم تتخط الأخبار فظاعة الإبادة الجماعية التفجيرية التي رافقت الجنازة، إلا عندما رد الحوثيون بشن هجومين صاروخيين، أو ربما ثلاثة، على المدمرة “يو إس إس ميسون” في البحر الأحمر شمال باب المندب، دون تحقيق أي نجاح. وردّت الولايات المتحدة بشن هجمات بصواريخ “هاربون”، التي سحقت منشآت الرادارات الساحلية التابعة للحوثيين، لكنها لم تسبب أي ضرر جانبي.
[وقبل بضعة أيام، أعلنت قيادة قوات التحالف العربي بدء] وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام، من أجل إعطاء فرصة للمساعي الدبلوماسية الموكلة إلى مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد من موريتانيا. وكون اليمن تعتمد كثيراً على استيراد الغذاء، فإنها على أعتاب أزمة إنسانية. وربما لا يجب التوقع من الحوثيين ومؤيديهم أن يلقوا أسلحتهم. وسبق أن انهارت قرارات وقف إطلاق النار بعد أن كشفت المملكة العربية السعودية انتهاكات مزعومة فأعادت شن الغارات الجوية. ونظريّاً، يمكن تجديد هذا الوقف لإطلاق النار؛ لكن يبقى السؤال فيما إذا كان سيتجدد فعلاً.
يجب أن تقوم الاستراتيجية الأمريكية على الحفاظ على وقف إطلاق النار، الذي يمكن دمجه في اتفاق لتقاسم السلطة في الشمال. وفعليّاً، يسيطر هادي، رجل واشنطن والمملكة العربية السعودية، على معظم الأراضي اليمنية من جناحه في فندق في الرياض. وللأسف، إن تلك الأرض هي الجزء الفارغ من اليمن، وربما يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين شخص فقط. ويسيطر “تحالف الحوثي – صالح” على جزء من الأرض أصغر بكثير من ذلك الذي يهيمن عليه هادي، إلا أنه من الممكن الدفاع عن الجزء الجبلي عسكرياً. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل هذه الأرض موطناً لأكثر من عشرين مليون شخص، وهو الجزء الأكبر من سكان البلاد.
وبالعودة إلى أُمنية إبن سعود على فراش موته؛ فيما يتعلق بتقسيم اليمن، لا بد من أن يكون هناك منطقاً واضحاً لجميع الأطراف. فالجنوب يريد هذا التقسيم، وقد يفضّله هادي أيضاً. كما يُقال إن السلطة الأجنبية المحلية الحاسمة في الجنوب، أي دولة الإمارات، تعتقد أن هذا هو الخيار الأفضل. وبسبب انشغال إيران بالتدخل في أماكن أخرى، قد لا تعارض طهران هذا التقسيم. وقد يعتمد الأمر على إمكانية إقناع المملكة العربية السعودية، وبشكل خاص وزير دفاعها وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بحكمة الكلمات التي تفوّه بها جده على فراش موته.
وإذا استبعدنا وقوع عمليات فظيعة أخرى في اليمن قد تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين أو وقوع هجوم إرهابي في الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تكون جهود واشنطن محدودة على مدى الأشهر القليلة المقبلة مع حدوث عملية الانتقال السياسي [في أعقاب انتخابات الرئاسة الأمريكية]. ولكن مشكلة اليمن، أو دولتيْ اليمن، ستكون في انتظار الرئيس الأمريكي القادم.