فلسطين2 اليمني.. كاسر التفوق الغربي
بقدر ما أظهر صاروخ فلسطين2 تفوق العقل اليمني، بقدر ما كشف عن ثغرات أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي والإسرائيلي في مضمار سباق التفوق بالقدرة والتسلح بالجرأة.
فلسطين 2 صاروخ اليمن الذي وضعه قائد الثورة في جعبة الأمن العربي، وموضعَه عنوانا ًللمرحلة الخامسة من الإسناد، يتقدم عناوين الإعلام ويتصدر الأخبار بشكل يومي في الآونة الأخيرة، البيانات الرسمية تفصل أكثر عن العمليات العسكرية.
الفعل ثم القول
اعتاد اليمنيون تأجيل حديثهم إلى بعد الفعل، هذه اللازمة رافقت معظم العمليات العسكرية النوعية سواء التي تكشف عن امتلاك أسلحة نوعية مكتسبة أو عن إنجازات ميدانية محقّقة، الأمر ذاته صبغ صيرورة تطور القدرات العسكرية المتنوعة كأدوات معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، فلسطين2 لم يُعلَن عنه إلا بعد إطلاقه، ولم تكشف القوات المسلحة عن امتلاك تقنية فرط الصوتي إلا عقب تفعيلها ضمن عمليات الإسناد اليمنية حيث اصبح عنواناً للمرحلة الخامسة.
فلسطين2 كاشف ثغرات الدفاعات الصهيونية
أكثر من مجرد إسناد عسكري مثل الصاروخُ اليمنيُ قفزة هائلة وبكل المقاييس العسكرية عالمياً، صٌنفت غير عادية في الصناعات العسكرية، وبهذا القدر من السرعة في اكتساب القدرة وتفعيلها مقارنة ببقية الدول المقتدرة صناعياً، كشف الصاروخ اليمنية كذلك عن نقاط ضعف المنظومة الدفاعية الأقوى والأحدث عالمياً التي يحتمي بها ويعيش تحتها كيان العدو الإٍسرائيلي، في هذا السياق يُسهب الإعلام العبري في الحديث عن مزايا فرط الصوتي اليمني، تغرق الصحف والمواقع الإخبارية بالتحليلات العسكرية في محاولة للإحاطة بالإنجاز وعلى ضوء المشاهد المعروضة لعمليات الإطلاق اليمنية تستضيف القنوات العبرية عشرات الخبراء والمحللين والضباط القُدامي والمتقاعدين.
يتحدث الكثير من منظور الخبرة ويقدم البعض شهادته من زاوية الاختصاص والمتابعة، ويبدو لافتاً أن البعض يُخضع المشاهد للتحليل البصري، بينما يتحدثُ الجميع عن كل شيء متعلق بالصاروخ من أبسط قطعة إلى أكبر جزء؛ عن وقوده وحجمه، عن وزنه وسرعته، ثم عن رأسه المراوغ الكاسر لمسار التوجيه المسبق، ونقاط الوصول المتوقعة التي يسلكها عادةً الصاروخ البالستي العادي.
ويصل الحديث إلى طريقة أنطلاقه من لحظة إقلاعه مروراً بتحليقه خارج الغلاف الجوي وليس انتهاءً بوصوله الى هدفه داخل أراضي فلسطين المحتلة، بينما يُستثمر هذا الزخم التحليلاتي المعلوماتي الكبير عن طريق استضافة خبير استراتيجي للحديث عن صعود القوة المفاجئ وعما يُسمّونه الخطر القادم من الشرق، وتَخلص النقاشات العلمية والتحليلات السياسية والعسكرية الى إجماع الكل على ضرورة تحديث دفاعاتهم الجوية ليس وفق المعايير العالمية بل وفق مواصفات الصاروخ اليمني وبما يحاكي قدراته ويضمن سد ثغرات المنظومة الدفاعية التي يكشف عنها الصاروخ اليمني الفريد.
على هذا النحو المتواضع يعيد اليمن تعريف القوة وضبط القدرة، إلى درجة نعجز – نحن الإعلاميين – عن مواكبة الإنجاز اليمني سواء في شقه الفني التصنيعي أو على صعيد “الزلازل” السياسية والتداعيات الاستراتيجية التي يُحدثها.
ونورد مجموعة من العناوين والمواضيع التي وردت في الصحافة العبرية لليومين الأخيرين في سياق تأكيد الأوساط الصهيونية فشل منظومة دفاعهم الجوية بأنواعها:
– الصاروخ الباليستي الذي أطلقه “الحوثيون” كبير وثقيل وسريع، ويحتاج إلى صاروخ اعتراضي مشابه.
– الهجمات الأخيرة لليمنيين كشفت ثغرات أمنية خطيرة في أنظمة الدفاع الجوية “الإسرائيلية”
– الصاروخ الذي أطلق جاء عبر مسار لا يمكن تشخيصه أو أن الرأس الحربي على الصاروخ يغيّر من مساره وسرعته ما لا يسمح باعتراضه.
– ثغرة في الدفاع الإسرائيلي ما أدت للفشل في اعتراض الصاروخ اليمني.
– ضعف في نظام الدفاع الجوي أو زيادة تعقيد الصواريخ المهاجِمة.
– فشل الدفاعات الجوية الصهيونية في اعتراض الصاروخ الباليستي اليمني.
– إطلاق صواريخ اعتراضية إلى الطبقة العليا من الغلاف الجوي لكنها أخطأت الهدف خارج حدود فلسطين المحتلة.
– إطلاق صواريخ اعتراضية أخرى نحو الطبقة السفلية من الغلاف الجوي فشل أيضاً في اعتراض الصاروخ اليمني.
– التأخر في مواجهة التهديد القادم من الشرق.
– الصواريخ الباليستية من اليمن تمكنت من التغلب على منظومة صواريخ “حيتس”.
“ثاد” الأمريكي شريك الإخفاق
وتجدر الإشارة هنا إلى أمر بالغ الأهمية يكاد يُنسى وسط زخم العمليات اليمنية المتلاحقة وهو أن الصاروخ اليمني (فلسطين 2) لم يتفوّق على منظومة حيتس “درّة تاج الصناعات الدفاعية الإسرائيلية” بطبقاتها المتعددة وبقية المنظومات الاعتراضية الإسرائيلية وحسب، بل وحتى منظومة ثاد الأمريكية التي استجلبها العدو ونصبها منتصف أكتوبر الماضي إثر عملية الوعد الصادق الإيرانية الثانية، ما يعني أن جميع العمليات الصاروخية التي نفّذها اليمنيون منذ ذلك التاريخ شاركت منظومة ثاد الأمريكية في التصدي لها، وكل إخفاق سجلته المنظومات الإسرائيلية شاركت فيه كذلك ثاد الأمريكية، وهو أمر بالغ الأهمية وفق الحسابات الاستراتيجية.
الصهيونية قوية ولكن
في سلم صعود القوة يعتزم العقل اليمني الذهاب بعيداً، أبعد مما تصوره الغرب، تماماً حيث أوصت الأوساط الغربية أنه لا يجب الاستهانة بقدرات اليمنيين التقنية، وهي أكثر مما يظنه البعض. جاء في تقرير الصحيفة التي نقلت عن خبراء ومختصين أن الطائرات وصواريخ من أسمتهم بالحوثيين تمكنت من التحايل على أنظمة الدفاع الجوي التي كانت “إسرائيل” تتباهى بها ذات يوم وتعيد ظهور معضلة الكيان الدائمة: كيف تهزم عدواً مسلحاً بمخزون من الأسلحة أرخص نسبياً وواسعة نسبياً.
وأعادت الصحيفة على لسان مسؤول “إسرائيلي” أن اليمنيين أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية مما يراه الكثيرون، ولا ينبغي التقليل من شأنهم. وقبلها كانت صحيفة وول ستريت جورنال أكدت أن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ وحلفاءَها فشلوا في ردعِ اليمنيين عن عملياتهم الإسناديةِ لغزة، وجاء في تقريرِ الصحيفةِ الذي عنونته بــ (عدوُ “إسرائيلَ” في اليمن يُثبتُ أنه من الصعب على الولايات المتحدةِ ردعُه) أن اليمنيين لم يتراجعوا عن هجماتهم على الشحن “العالمي” و”إسرائيل”، على الرغم من الحملة الأمريكية لإيقافِهم.
وأضافت أنه رغم مئاتِ الضرباتِ التي شنتها الولاياتُ المتحدة وحلفاؤها على اليمن ونشرِ أسطولٍ بحريٍ أميركي في البحر الأحمر، يستمر اليمنيون في فرض حصارِهم البحري وإطلاقِ الصواريخِ على كيان العدو الإسرائيلي.
أما صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية فتناولت العملية في تقارير متعددة، خلاصتها أن الردع الصهيوني تآكل، وأن طول الحرب يكشف ثغرات في القوة العسكرية الإسرائيلية. الصحيفة أشارت إلى التفوق اليمني على التكنولوجيا الأمريكية والإسرائيلية، متساءلة: كيف تمكن صاروخ “حوثي” من الإفلات من الرادارات الإسرائيلية والأمريكية عالية التقنية؟
واعتبرت “جيروزاليم بوست” أن القوات اليمنية تمكنت من تهديد العدو رغم أن دفاعاته الجوية متعددة الطبقات ناجحة وتعمل بشكل جيد حد وصفها، غير أن اليمنيين يطورون قدراتهم وأسلحتهم باستمرار.
أما صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية فأشارت إلى أن القوات اليمنية باتت تشكل تهديدا استراتيجياً، لافتة إلى وجوب التعاون الدولي لإزالة التهديد اليمني الذي يستهدف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، في تأكيد جديد على فشل الجهود الأمريكية والغربية في حماية ملاحة العدو.
الصحيفة شككت بقدرات العدو، معتبرة أن الاستراتيجية الإسرائيلية باتت موضع تساؤل مع توسع الحرب بعد العملية اليمنية النوعية، مشيرة إلى خشية “تل أبيب” من تآكل الردع، مع فشل سياستها في ردع اليمنيين.
صحيفة هآرتس أيضاً أكدت أن الصاروخ اليمني الذي سقط قرب “تل أبيب” يكشف عن عيوب مقلقة في أنظمة الدفاع الإسرائيلية ويثير المخاوف.
فيما اعتبرت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن الصاروخ اليمني أعاد الإسرائيليين إلى السابع من أكتوبر من جديد، حيث استيقظ 2.3 مليون مستوطن وهربوا إلى الملاجئ.
وقال ما يدعى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن القوات اليمنية تمكنت من تطوير قدراتها الصاروخية والوصول إلى وسط “إسرائيل”، لافتا إلى أن هذه الحقيقة تزيد من التهديد اليمني للعدو.
من جانبه، أشار موقع آكسيوس الأمريكي إلى أن الصاروخ اليمني الذي ضرب عمق العدو هو الصاروخ الأطول مدى الذي ضرب الكيان الغاصب على الإطلاق.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أكدت أن الهجوم اليمني على”تل أبيب” يؤكد أن القوات اليمنية لا تتراجع عن مواقفها، مشددة أن على “تل أبيب” التعايش مع الهجمات اليمنية، بينما يتولى قادة البحرية الأميركية في المنطقة الدفاع ضد هجماتهم.
معضلة الصهيونية
مشكلة الصهيونية اليوم ليست في ضعف المنظومة الدفاعية وأنظمة الكشف المسبق الأحدث في العالم، بل في طبيعة خصمهم الاستثنائي ذي الفكر الاستباقي، التي أحد مظاهرها اليوم يتجلى في تفوق أنظمة الهجوم اليمني وتنامي قدرات صنعاء العسكرية وتعاظمها خارج أذرع الهيمنة الغربية، محصنة بأسيجة الوعي المتعالية يوماً إثر آخر بما يجبر العدو على الاعتراف بالهزيمة المسبقة في حال قرر المواجهة أو الإقرار بقوة مستقلة صاعدة لا يسعه معها إلا التعامل بندية.
المصدر : موقع أنصارالله