فلسطين : معضلة الردع: إسرائيل تطلب الهدوء : فلْنجرّب «ما دون الحرب»! ..الأقصى هدفاً لاقتحامات غير مسبوقة | نتنياهو يلجم متطرّفي حكومته:عن موت وحياة لا نهائيَّين: «عراقيب النقب» تواصل كفاحها
معضلة الردع: إسرائيل تطلب الهدوء : فلْنجرّب «ما دون الحرب»!
..الأقصى هدفاً لاقتحامات غير مسبوقة | نتنياهو يلجم متطرّفي حكومته:
عن موت وحياة لا نهائيَّين: «عراقيب النقب» تواصل كفاحها
معضلة الردع: إسرائيل تطلب الهدوء
على وقع التصعيد الذي شهدته الأراضي الفلسطينية خلال الأيام الماضية، سواء في الضفة الغربية أو على حدود قطاع غزة، لا تزال حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، تحاول، بكلّ الوسائل، تجنّب كل ما تراه معكّراً لـ«صفو» السيناريو المشغول عليه أميركياً نحو إنجاز اتفاق التطبيع مع السعودية، والذي بات أكيداً أنه يحتل صدارة اهتمامات إدارة جو بايدن الراهنة. وتجلّى ذلك واضحاً في الضغوط الأميركية على حكومة نتنياهو، خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، حين قال له إن «منع التصعيد العنيف ضد الفلسطينيين يساعد الإدارة على تعزيز الاتصالات مع الرياض».
الأقصى هدفاً لاقتحامات غير مسبوقة | نتنياهو يلجم متطرّفي حكومته: الأولوية حفظ الهدوء
رام الله | على وقع التصعيد الذي شهدته الأراضي الفلسطينية خلال الأيام الماضية، سواء في الضفة الغربية أو على حدود قطاع غزة، لا تزال حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، تحاول، بكلّ الوسائل، تجنّب كل ما تراه معكّراً لـ«صفو» السيناريو المشغول عليه أميركياً نحو إنجاز اتفاق التطبيع مع السعودية، والذي بات أكيداً أنه يحتل صدارة اهتمامات إدارة جو بايدن الراهنة. وتجلّى ذلك واضحاً في الضغوط الأميركية على حكومة نتنياهو، خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، حين قال له إن «منع التصعيد العنيف ضد الفلسطينيين يساعد الإدارة على تعزيز الاتصالات مع الرياض».
على هذه الخلفية، وفي سياق محاولة كبح التصعيد الذي شهدته المناطق الحدودية مع غزة، يسعى نتنياهو إلى تحييد الأصوات الداعية إلى عدم الاستجابة لمطالب الفصائل الفلسطينية في القطاع، والردّ «بقوة» على عمليات «الشباب الثائر»، وهو ما أظهره استبعاد وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، من حضور جلسة المشاورات الأمنية التي عُقدت أول من أمس، مع رؤساء وقادة الأجهزة الأمنية. وبالفعل، خرج الاجتماع الأمني بتوصية للحكومة بتقديم تسهيلات لغزة خلال الفترة المقبلة، تلبية لمطالب فصائل المقاومة هناك، بعدما رأت دوائر الأمن الإسرائيلية أن حركة «حماس» تدفع الأمور إلى التصعيد ومستعدّة للمضي قدماً في ذلك. وتدور التسهيلات التي تنوي إسرائيل تقديمها خلال الفترة المقبلة، والتي جاء إقرارها عقب تدخّلات إقليمية ساهمت في تهدئة التصعيد على حدود القطاع، من بينها تدخل قطر ومصر والأمم المتحدة، حول زيادة حصة العمال الفلسطينيين الذين يُسمح بدخولهم إلى الأراضي المحتلة، وتخفيف شروط إدخال البضائع إلى غزة، بالإضافة إلى زيادة قطر المساعدات المالية التي يجري تحويلها إلى حكومة «حماس»، الأمر الذي أكّده السفير القطري، محمد العمادي، الأسبوع الماضي، بإعلانه «التوصل إلى تفاهمات سمحت بإعادة فتح معبر بيت حانون أمام العمال الفلسطينيين».
وفي الاتجاه نفسه، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن حكومة نتنياهو تدير محادثات مع قطر لإدخال أموال إضافية إلى غزة، كما تدرس زيادة عدد العمال المسموح لهم بالعمل في الداخل المحتل، بالإضافة إلى تليين سياسة إدخال البضائع إلى القطاع. أما في الضفة الغربية، فكشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية عن إضافة مئات ملايين الشواكل إلى موازنة السلطة الفلسطينية، بهدف تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة، وتعزيز قوة سلطة رام الله، أملاً في مساعدتها على اجتثاث الخلايا العسكرية التابعة للمقاومة.
ولم تمنع محاولات التهدئة هذه، سلطات الاحتلال من مواصلة أجندتها التهويدية في القدس المحتلة، التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية مع انتشار المئات من جنود العدو فيها لتأمين وصول آلاف المستوطنين إلى الحرم القدسي بالتزامن مع موسم «الأعياد اليهودية» المتواصل. وسجّل اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، في ثالث أيام «عيد العرش» أمس، رقماً غير مسبوق، تخطّى الألفين في كل من الاقتحامَين الصباحي والمسائي، وسط توقعات بأن تتزايد أعداد المقتحمين إلى ما يفوق ثلاثة آلاف مستوطن اليوم. وبينما اعتدت قوات الاحتلال بصورة همجية على المرابطين في منطقة باب السلسلة المؤدية إلى الأقصى، واعتقلت 5 منهم، اجتاح البلدة القديمة سيلٌ من المستوطنين الذين اعتدوا بدورهم على المقدسيّين في طريقهم إلى حائط البراق، قبل أن يؤدي الآلاف منهم طقوساً تلمودية في احتفال ما يُعرف «بركة الكهنة». والجدير ذكره، هنا، أن «منظمات الهيكل» تتّخذ من «عيد العرش» مناسبة سنوية لزيادة أعداد المستوطنين المقتحمين، علماً أن هذا «العيد» هو أحد «أعياد الحج» الثلاثة وفق النصوص الدينية اليهودية.
تتجه الأنظار إلى القرى والجبال في الضفة، والتي من المتوقع أن تتحوّل إلى ساحة مواجهة مع بدء موسم قطاف الزيتون
أما في الضفة الغربية، فلا يزال التأهب العسكري الإسرائيلي في أعلى مستوياته، مع استمرار ورود الإنذارات من تنفيذ عمليات فدائية في الضفة والداخل المحتل، في وقت سُجّلت فيه آخر هذه العمليات في مستوطنة «عساهيل» جنوب مدينة الخليل المحتلة، ليل الأحد – الإثنين، حيث تسبّب إطلاق نار بأضرار في منازل المستوطنين، ليغلق الاحتلال إثر ذلك مداخل المستوطنة والطرق المؤدية إليها. كما سُجّلت العشرات من عمليات رشق الحجارة والعبوات الناسفة المحلية الصنع، في مقابل تواصل هجمات المستوطنين واعتداءاتهم على القرى الفلسطينية. وفيما يواصل جيش العدو اقتحاماته اليومية لمدن الضفة وبلداتها، فهو زعم تدميره، خلال الـ72 ساعة الأخيرة، أكثر من 10 مخارط لإنتاج الأسلحة في رام الله والخليل.
ويأتي هذا بينما نقلت مصادر سياسية وأمنية أن «محاولات الهجوم من إيران تتزايد» في الضفة. وفي السياق، ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية أن «إسرائيل تشعر بتزايد الدوافع الإيرانية لمحاولات الهجوم المباشر داخل فلسطين المحتلة»، مشيرة إلى أن «الدافع الإيراني تجلّى في إدخال ذخائر عالية الجودة إلى إسرائيل (أسلحة وعبوات ناسفة)، ومحاولات توجيه عمليات». وقال مسؤول أمني للصحيفة نفسها: «إننا نشهد في إسرائيل زيادة في محاولات الهجوم من إيران»، خاصة داخل الضفة، ولكن أيضاً في غزة، مشيرة إلى أن النقاش الأمني الذي دار بين كل المستويات في دولة الاحتلال حول التصعيد في ساحات الضفة وغزة ولبنان وصل إلى أن «هناك عاملاً واحداً يربط كل القطاعات وهو التورّط الإيراني الذي يقود حرب الاستنزاف هنا. وحقيقة أن تلك المحاولات لم تصل إلى العناوين الرئيسة هي نتيجة لإجراءات مضادة واسعة النطاق تؤتي ثمارها يومياً». كذلك، تشير التقديرات في إسرائيل إلى أنه يتم العمل في الضفة على توزيع الأموال والأسلحة بشكل «حر» وغير مستهدف، وأن إيران هي التي تقوم بتهريب الأسلحة عبر الأردن. وكان جيش الاحتلال وجهازا الشرطة و«الشاباك» قد أعلنوا، في 27 أيلول الماضي، اعتقال خلية تعمل لصالح إيران وتتلقّى التوجيهات من شخص مقيم في الأردن، ومهمتها اغتيال مسؤولين إسرائيليين بينهم بن غفير والحاخام اليميني يهودا غليك، الذي يُعتبر من أكبر المحرّضين على اقتحام الأقصى. وذكرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن الشخص المقيم في الأردن كان يوجّه الخلية نيابة عن مسؤولين أمنيين إيرانيين، وأن هذه الأخيرة تضم 5 أشخاص، 3 من محافظة جنين و2 من داخل الخط الأخضر، وأن الخلية كُلّفت بإحراق سيارات وممتلكات إسرائيلية والتقاط صور لمناطق حساسة في إسرائيل.
في هذا الوقت، تتجه الأنظار، خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى القرى والجبال في الضفة، والتي من المتوقع أن تتحول إلى ساحة مواجهة مع بدء الفلسطينيين موسم قطاف الزيتون، والذي يحوّله المستوطنون إلى موسم لارتكاب اعتداءات مركّزة ضد المزارعين وممتلكاتهم، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التوتر في الضفة. ووجّهت منظمة «يش دين» الإسرائيلية، صباح الأحد الماضي، رسالة عاجلة إلى وزير الحرب والمفوّض العام للشرطة وقائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، تحذّر فيها من عنف المستوطنين خلال أيام القطاف. وقالت المنظمة، في بيان، إنه «سيبدأ في الأيام المقبلة موسم قطاف الزيتون في الضفة الغربية، وهو فرع رئيسي ومركزي للزراعة في اقتصاد القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا يقل أهمية عن ذلك أنه ينطوي على بعد ثقافي واجتماعي كبير أيضاً»، مستدركةً بأن «هذا الموسم تشوبه العديد من حوادث العنف والسرقة والتخريب من جانب المستوطنين، ما يدل على ضعف الاستعداد من جانب القوات الأمنية المكلّفة بالحفاظ على النظام العام وحماية السكان». ووثّق محققو المنظمة «38 حادثة عنف خلال موسم قطاف الزيتون العام الماضي، بما في ذلك الاعتداء ومنع القطاف وسرقة المحاصيل، وإتلاف أشجار الزيتون (اقتلاع، تسميم وحرق) وأضرار في ممتلكات لا علاقة لها بموسم الزيتون».
إسرائيل أمام معضلة الردع: فلْنجرّب «ما دون الحرب»!
تحوّل تآكل الردع الإسرائيلي إلى تحدٍّ جوهري يستحوذ على اهتمام الجهات الأمنية والسياسية في كيان العدو، ويستحثّها لمحاولة اجتراح حلول تكبح هذا المسار الانحداري، وتعيد التوازن إلى صورة إسرائيل «الردعية». وفي أحدث تجلّيات تلك المساعي، أتت مواقف وزير الأمن، يوآف غالانت، في مواجهة المقاومة في قطاع غزة، والتي قال فيها «(إنّنا) لا نريد التصعيد ولا نطمح إلى الحرب، ولكن إذا طُلب منّا ذلك فلن نتردّد في استخدام القوة»، بعدما هدّد هو نفسه أيضاً بـ«إعادة لبنان إلى العصر الحجري» في سياق الردّ على حزب الله، مؤكداً في الوقت نفسه أن «إسرائيل ليست معنيّة بالحرب». تهديداتٌ تبدو السِمة الغالبة عليها، الحرص على عدم التلويح بشنّ عمليات هجومية ابتدائية، الأمر الذي يكشف عن مخاوف مؤسّسات التقدير والقرار من الخسائر التي ستتلقّاها إسرائيل في حال وقوع الحرب الشاملة، ومن إمكانية أن تتورّط في مستنقع يُعمّق مآزقها، وسط إقرار مبطن بأنها غير قادرة على الحسم في مثل هذه الحالة.
كذلك، تكشف تلك التهديدات، بالصيغة التي يُطلقها بها قادة العدو، محاولتهم التملّص مسبقاً من مسؤولية استهداف الجبهة الداخلية في أي مواجهة عسكرية، وتجنّب أيّ محاسبة لاحقاً من الجمهور الإسرائيلي أو إدانة من لجان تحقيق معيّنة. ولعلّ هذا ما لمّح إليه مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) السابق لشؤون الأمن القومي، مئير بن شبات (2017-2021)، الذي قال إن إسرائيل مهتمّة بتجنّب التصعيد «ما لم يكن ذلك ضرورياً»، معتبراً أن «فائدة أيّ مواجهات عسكرية محدودة في هذه الساحات لا تبرّر بالضرورة تكاليفها الأمنية والاقتصادية والسياسية»، مستنتجاً أنه ليس من مصلحة الكيان الدخول في مغامرة عسكرية في قطاع غزة أو في لبنان، في ما يُجلّي أيضاً بعضاً من معالم معادلة الردع القائمة مع المقاومة في كلتي الساحتَين. ومن موقعه السابق الذي خوّله الاطّلاع التفصيلي على اعتبارات الحكومات الإسرائيلية لدى دراسة خياراتها العملياتية، أضاف بن شبات عاملاً أساسياً إلى مسبّبات انكفاء إسرائيل عن مواجهة قوى المقاومة، وهو خطر «تحويل الاهتمام والطاقات إلى هذه الساحات على حساب الجهود المطلوبة في ما يتعلّق بإيران»، فضلاً عن أن ذلك، في أقلّ التقديرات، «لن يساعد في العلاقات الإقليمية التي تَجري بلورتها وتتراكم في هذا الوقت». لكن المشكلة التي تَبرز هنا، هي أن تلك الاعتبارات كلّها حاضرة لدى أعداء إسرائيل، وهذا ما أقرّ به بن شبات بالقول إن «هذا (الأمر) مفهوم أيضاً في إيران وغزة ولبنان»، ما يعني، بالضرورة، الحُكم بالفشل المسبق على كثير من الرسائل والاستعراضات التي يقوم بها قادة العدو من أمثال وزير الأمن الحالي ومن سبقه.
يجد العدو نفسه مدفوعاً في اتجاه محاولة التغيير في حسابات قوى المقاومة وتقديراتها
هكذا، يتعمّق مأزق العدو وتتعقّد تقديراته، حيث يجد نفسه مدفوعاً في اتّجاه محاولة التغيير في حسابات قوى المقاومة وتقديراتها، بما يؤدّي إلى إعادة التوازن إلى قدرة ردعه، من دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية، وذلك بعدما ثبت فشل الرهان على مفاعيل الحرب المالية والاقتصادية، والتي رأى بن شبات أن جدواها «كانت محدودة جداً في مقابل غزة ولبنان». ومن أجل استعادة التوازن هذا، دعا مستشار الأمن القومي السابق، إسرائيل، إلى تعزيز نشاطاتها الهجومية، مقيّداً هذه الأخيرة في الوقت نفسه بسقف منخفض، وداعياً إلى الاستعداد، بالتوازي مع تفعيلها، لإمكانية التدهور. وفي الاتجاه عينه، دعت دراسة صادرة عن «معهد القدس للإستراتيجيا والأمن» إلى «خيار أقلّ من حرب»، يعتمد على تصعيد تدريجي ومضبوط، والبدء بأهداف ذات قيمة ضئيلة، ثمّ الصعود تدريجياً، مع المحافظة على أكبر قدر من الغموض.
وإذ تكشف هذه الطروحات والمناقشات حجم الإرباك والقلق (المهني) من استمرار المسار الانحداري لقوة الردع الإسرائيلية. فهي بدعوتها إلى خطوات عملياتية منحفضة السقف والوتيرة، ومراوحتها بين تجنّب استفزاز الأعداء وإضعاف قدرة ردعهم في الوقت نفسه، تستبطن عوامل فشلها الذاتي، بالنظر إلى أن السقف المنخفض، محكومٌ أيضاً بمعادلة ردّ مقابل (خصوصاً على الساحة اللبنانية)، ما سيجعل إسرائيل مجدّداً محصورةً بين خيارَين: إمّا الانكفاء مجدّداً مع تقويض إضافي لقدرة ردعها، أو التدحرج نحو مواجهة لا يريدها أيّ من الأطراف في هذه المرحلة، بمن فيهم كيان العدو. أمّا في خصوص الرهان على غموض تلك الضربات بهدف سلب حزب الله الدافع و/ أو المشروعية للردّ، فهو غير ذي صلة أيضاً، كون الحزب يمكنه الردّ بقدر من الغموض، وربّما على نحو صريح ومتناسب أيضاً، فيما الأكيد أنه في حال تكرّرت مثل هذه الهجمات، فإن حزب الله سيرتقي بسقف الردود، بل وقد يتعامل مع أيّ اعتداء منخفض أو عالي السقف، كفرصة عملياتية لتوجيه ضربات تصبّ في مصلحة محور المقاومة في أكثر من اتجاه لبناني وفلسطيني وإقليمي، خصوصاً إذا ما أُخذ في الحسبان ما يُقال في الكيان عن أن الحزب أكثر توثباً واندفاعاً في المرحلة الحالية لتوجيه ضربات إلى العدو.
عن موت وحياة لا نهائيَّين: «عراقيب النقب» تواصل كفاحها
منذ عام 2010، يواصل الاحتلال هدم قرية العراقيب في النقب المحتل، فيما يُعيد أهلها بناءها من جديد، محاولين بكلّ السبل الاحتفاظ بحقّهم في الحياة، في صراع غير منقطع تجلّى أحدث فصوله قبل أيام قليلة. وتتتابع الهجمات الإسرائيلية على القرية، بالبناء، بشكل غير معلَن، على قانون «برافر» الذي أقرّه «الكنيست» في 24 حزيران 2013 بالاعتماد على توصيات لجنة حكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، إيهود برافر، بتهجير سكان العشرات من القرى الفلسطينية في صحراء النقب جنوب فلسطين، وتجميعهم في ما يسمّى «بلديات التركيز». ويعتبر الفلسطينيون هذا المشروع وجهاً جديداً لنكبتهم المستمرّة، كونه يتيح لدولة الاحتلال الاستيلاء على أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب، وتهجير 40 ألفاً من 38 قرية فلسطينية لا يعترف العدو بوجودها. ومع أن دولة الاحتلال تراجعت عن «برافر» في كانون الأول 2013 نتيجة للضغوط الشعبية الفلسطينية، فإنها واصلت مسعاها التطهيري الإحلالي، وإنْ بوتيرة أخفّ وبحجج مختلفة.
وتحت مسمّى «إعادة تطوير النقب»، وفي مسعًى للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بحجّة تنظيم القرى البدوية وتأهيلها، قامت دولة الاحتلال ببسط يدها على أجزاء واسعة من تلك القرى، ومن بينها العراقيب التي تَحضر دائماً كأحد أهمّ عناوين المواجهة المفتوحة مع العدو. على أن الهدم في هذه القرية لا يقتصر على المساكن البدوية، بل يطال البناء الاجتماعي والثقافي والاقتصادي أيضاً، مستهدفاً إعادة تشكيل البدو وفق حاجات الاحتلال الاستعمارية، ومعتقداً أن مخطّطه قابل للنجاح طالما أن القوة بيديه، على رغم أن هذا المخطّط أفضى إلى إطلاق كلّ مسارات النضال ضدّه، في امتداد أصيل للمواجهات السابقة التي اندلعت في المناطق المحتلّة عام 1948، وعبر حقبات متلاحقة. وهي مواجهات تُوّج أبرزها بإسقاط مشروع «تطوير (اقرأ: تهويد) الجليل» بفعل هَبّة جماهيرية واسعة اندلعت عام 1976، وعُرفت بـ«يوم الأرض»، حيث سقط الشهداء والجرحى، وامتلأت السجون بمئات المعتقلين، وانتصر أصحاب الأرض وقتها.
تأتي الجولة الأحدث مع «الحرب» على النقب، مدفوعةً بتخوّف الاحتلال من التمدّد الجغرافي والعمراني للفلسطينيين
وتأتي الجولة الأحدث مع «الحرب» على النقب، مدفوعةً بجملة عوامل أبرزها تخوّف الاحتلال من التمدّد الجغرافي والعمراني للفلسطينيين في النقب، حيث حافظ هؤلاء على ديمومتهم، عبر الاحتفاظ بما تبقّى من أرضهم، واستصلاحها وزراعتها، وكذلك عبر النموّ السكاني الذي تضاعف عشر مرّات بعد النكبة، من 15 ألفاً إلى أكثر من 150 ألفاً. وعلى خلفية ذلك، يحاول العدو عزل الفلسطينيين عن أرضهم، وإفقادهم مقوّمات حياتهم المتمثّلة في الزراعة وتربية الماشية والرعي، وخصوصاً في قرية العراقيب، فيما يعي الفلسطينيون تماماً أن الإجهاز على قريتهم يمثّل مفتاح سيطرة الاحتلال على النقب. ولهذا، يتّخذ نضالهم هناك شكلاً ملحمياً، تتكثّف فيه الصور الدورية، وأبرزها إعادة بناء القرية 222 مرّة بعد هدمها، بالاستفادة من تطويرهم أدوات نضال تعوّض اختلال موازين القوى مع العدو، الذي باتت أساليبه مكشوفةً بالنسبة إليهم، ووسائله الناعمة مفضوحةً بنظرهم.
السؤال اليوم: هل سيتمكّن الفلسطينيون في العراقيب من الانتصار على مشاريع التهويد الزاحفة نحوهم؟ وهل يمتلكون القدرة على هذه المواجهة؟ لعلّ الإجابة تكمن في تمكّن أهالي القرية، قبل أيام، من إعادة بناء «عزلتهم» للمرّة الـ222 في غضون ثلاثة عشر عاماً، علماً أن عددهم لا يتجاوز في أعلى تقدير 800 فلسطيني. وكما مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، والذي أضحى أيقونة النضال الملحمي، تمضي العراقيب لتتحوّل إلى أيقونة أخرى في الجنوب، متابعةً نضالها حتى يسقط «برافر» وتوابعه وكلّ ما يلحق به.
ملف الاخبار اللبنانية
الأقصى هدفاً لاقتحامات غير مسبوقة | نتنياهو يلجم متطرّفي حكومته: الأولوية حفظ الهدوء
إسرائيل أمام معضلة الردع: فلْنجرّب «ما دون الحرب»!