فلسطين :المجزرة الأكبر لحكومة الفاشيّين | العدوّ يُدمي نابلس: الحساب يتضخّم ..وغضب يلفّ البلدة القديمة: لن يطول فرح المستوطِنين
مذبحة نابلس: الحساب يَكبر
لم تكد تمرّ أيّام قليلة على إماطة اللثام عن قبول السلطة الفلسطينية بالعرض الأميركي القائم على امتناعها عن أيّ «خطوات أحادية»، وتحسين أدائها في تعقّب المقاومين في بؤر التوتّر في الضفّة، مقابل وعود مالية وسياسية مبهَمة ومجرَّبة إلى حدّ الإشباع، حتى جاءت الضربة الإسرائيلية في البلدة القديمة في نابلس. ضربةٌ لم يراعِ فيها العدو أيّ معيار من «المعايير الإنسانية» المفترَض اتّباعها في العمليات العسكرية، مُكرّراً على نحو أشدّ فظاعة مذبحتَيه اللتَين ارتكبهما في مخيّمَي جنين وعقبة جبر ما بين أواخر كانون الثاني وأواسط شباط، لتكون النتيجة سقوط عشرة شهداء، بينهم مسنّون عزّل، وعشرات الإصابات. وإذ استطاع جيش الاحتلال تصفية حسابه مع منفّذَي عملية «شافي شمرون»، محمد أبو بكر الجنيدي وحسام سليم، اللذَين استشهدا بعد محاصرة منزلهما وانقطاع الإمدادات عنهما، فإن هذه المجزرة الجديدة، التي أكّدت المقاومة أنها لن تمرّ من دون ردّ، تفتح الباب على عمليات انتقام قد لا تقلّ سوداوية بالنسبة إلى جنود العدو ومستوطِنيه عمّا فعله الشهيد خيري علقم في قلب القدس المحتلّة، وخصوصاً أن لا مؤشّر إلى الآن إلى أن ثمّة «صوتاً عاقلاً» في دولة الاحتلال قادراً على لجم الفاشية ووضْع حدّ لعدوانها المنفلت
المجزرة الأكبر لحكومة الفاشيّين | العدوّ يُدمي نابلس: الحساب يتضخّم
في عملية دامية تسبّبت باستشهاد عشرة فلسطينيين، وإصابة أكثر من 100 آخرين، أغلق جيش الاحتلال، أمس، حسابه المفتوح مع مُنفّذَي عملية مستوطَنة «شافي شمرون»، والتي تسبّبت بمقتل الجندي عيد باروخ في 11 تشرين الأوّل الماضي. وجاء ذلك بعد نحو أربعة أشهر من المطاردة، تخلّلتها عشرات عمليات الاقتحام، التي كانت قد نجحت إحداها في اعتقال أسامة الطويل ورفيقه كامل جوري في الثاني عشر من شباط الجاري. عملية الأربعاء، بدأت بعد تمكُّن جهاز «الشاباك» الإسرائيلي من الحصول على ما أسماه المراسل العسكري لموقع «والا» العبري، أمير بوخبوط، بـ«المعلومة الذهبية» عن مكان وجود مطلوبين خطيرين للجيش، وانتهت باغتيال قائد «كتيبة نابلس» التابعة لـ«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، محمد أبو بكر الجنيدي، ورفيقه المنفّذ الثاني لهجوم «شافي شمرون»، حسام سليم.
يوضح مصدر ميداني، في حديثه إلى «الأخبار»، أن العدوان بدأ في ساعة مبكرة من الصباح، حيث لوحظ تحليق مكثَّف للطائرات المسيّرة في سماء البلدة القديمة، بالتزامن مع انتشار خفيّ للعشرات من القنّاصة الذين تمركزوا على سفح جبل عيبال وبعض البنايات العالية التي تطلّ على المنزل المستهدَف. وفي تمام العاشرة، تسلّلت شاحنة مدنية تحمل عبارة «نقليات الشرق»، وعلى متنها قوّة إسرائيلية خاصة من وحدة «اليمام»، إلى منطقة السوق الشرقي بالقرب من ساحة البلور، وحاصرت منزلاً حجرياً نهاية شارع الحبلة من جهة السوق الشرقي، قبل أن تباشر هجومها بإطلاق صاروخ موجّه تجاه المنزل الذي تحصّن فيه المطارَدان الجنيدي وأبو بكر. وفي أعقاب ذلك، وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة من الجهة الغربية للمدينة، وأخرى من شارع فيصل وحوش زلوم ومحيط الفرن الخليلي، وشرعت في تطبيق تكتيك «طنجرة الضغط» لإجبار المقاومَين على تسليم نفسَيهما؛ إذ عزلت البيت الذي احتميا فيه عن محيطه، وقطعت أيّ محاولة لإسناده، ليعلن سليم، عبر صفحته في «فايسبوك»، أنه حُوصر ورفيقه الجنيدي، وأنهما سيقاتلان حتى الشهادة.
في شوارع البلدة القديمة، اندلعت اشتباكات عنيفة بين جنود العدو من جهة، ومُقاومي «كتيبة نابلس» و«كتيبة بلاطة» التي وصل مُقاتلوها إلى البلدة القديمة في محاولة لفكّ الحصار عن المقاومين، من جهة أخرى. كذلك، وصلت إلى المكان مجموعات من «كتيبة جنين»، فيما ناشدت مجموعة «عرين الأسود»، عبر مكبّرات صوت المساجد، الأهالي الخروج للتصدّي لقوات الاحتلال، التي كانت بدأت مضاعفة ضغْطها على الشابَّين المحاصرَين، بقصفها المنزل بأكثر من خمس قذائف مُوجَّهة، تسبّبت بهدم أجزاء كبيرة منه، فضلاً عن استخدامها الطائرات المروحية وتلك المسيّرة في إطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع. ووفقاً لشهادة الشاب محمد أبو عمر، وهو من سكّان البلدة القديمة في نابلس، فإن العشرات من المقاومين خاضوا اشتباكات عنيفة مع جنود العدو في شارع حطين والسوق الشرقي وعند دخلة سوق الذهب، حيث ألقوا عبوات محلّية الصنع تجاه «جيبات» الاحتلال، فيما تسبّب انتشار العشرات من القنّاصة في نقاط مرتفعة على جبل عيبال وعدد من العمارات السكنية المرتفعة، في مضاعفة أعداد المصابين. يقول أبو عمر، لـ«الأخبار»، «تحوّلت البلدة القديمة إلى ساحة حرب حقيقية، الحاج السبعيني عدنان بعارة أَطلق القنّاصةُ الرصاص عليه عقب عودته من شراء الخبز، وبقي ينزف أمام كاميرات الصحافة التي نقلت المشهد بالبثّ الحيّ والمباشر حتى استشهاده».
ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الجاري، إلى أكثر من 60
وبعد نحو ساعتَين ونصف ساعة من الحصار، لم تَعُد تصل من المحاصرَين الجندي وسليم أيّ رسائل، ليعلن في تمام الساعة الواحدة إلّا ربعاً، تمكُّن جيش الاحتلال من اغتيالهما، وفق ما أوردتْه مصادر عبرية. وبحسب وزارة الصحّة الفلسطينية، فإن العدوان الإسرائيلي على مدينة نابلس تسبّب باستشهاد عشرة مواطنين، من بينهم الجنيدي وسليم، بالإضافة إلى كلّ من المسنّ عدنان سبع بعارة (72 عاماً)، ومحمد خالد عنبوسي (25 عاماً)، وتامر نمر أحمد ميناوي (33 عاماً)، ومصعب منير محمد عويص (26 عاماً)، ومحمد عبد الفتاح عبد الغني (23 عاماً)، ووليد رياض حسين دخيل (23 عاماً)، وعبد الهادي عبد العزيز أشقر (61 عاماً)، ومحمد فريد شعبان (16 عاماً)، وجاسر جميل عبد الوهاب قنعير (23 عاماً).
وتداوَل الآلاف من المواطنين، على مواقع التواصل الاجتماعي، وصيّة الشهيدَين الجنيدي وسليم. وجاء في الرسالة المسجَّلة للأخير: «أنا وأخوي الجنيدي تحاصرنا، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت، الله لا يسامح كلّ حدا تخاذل وكلّ حدا باعنا يا إخوان، أنا وأخوي الجنيدي بدنا نسلّم على الشهدا بس بتمنى إنكم تسامحونا يا أخوان أمانة الله، وبحب أنا كل الناس وبحب كل الدنيا وأنا بحب إمي، بحيات عرضكم ما تتركوا البارودة من بعدنا وكملوا الطريق، بدي أشوف الزلام تكمل من ورانا يا أخوان، ما تنسوا وصية الوديع والنابلسي». أمّا الجنيدي فقال: «تأكّدوا إنو ابن السرايا لن يسلّم نفسه، تحيّاتي لكلّ شريف في الوطن، وتأكّدوا إنو احنا يا خيي على درب الشهداء، ما هربنا ومتنا، وزلام». وفيما غرّد الناطق باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، بأن «المقاومة في غزة تراقب جرائم العدو المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة المحتلّة وصبرها آخذ بالنفاد»، أكدت «حركة الجهاد الإسلامي»، التي نعت قائد كتيبتها في نابلس، أن على «الاحتلال أن ينتظر ردّ المقاومة في أيّ لحظة وأيّ مكان».يُذكر أنه عقب جريمة نابلس، ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الجاري، إلى أكثر
غضب يلفّ البلدة القديمة: لن يطول فرح المستوطِنين
عقب انتهاء العملية الأمنية في البلدة القديمة في نابلس، أظهرَ مقطع مصوّر عدداً من المستوطِنين، وهم يقيمون طقوساً احتفالية على حاجز زعترة المتاخم لمدينة نابلس، ويرقصون على وقْع أغنية عبرية، مُوزِّعين الحلوى على الجنود. مشهدٌ بدا وكأنه استلاب للسلوك الشعبي العفوي في المخيّمات والمدن الفلسطينية، والذي يَعقب كلّ عملية فدائية. أمّا في نابلس، التي كانت تتجهّز لتوديع عشرة من أبنائها، ستّة منهم من المقاومين، فظَهر المشهد وكأنه شريط مسجَّل لحدث سابق: بيت أثري قديم، يشبه بالضبط المكان الذي اغتيل فيه المطارَد إبراهيم النابلسي في التاسع من آب الماضي، بل وقريبٌ أيضاً منه، يتحصّن فيه مقاومان بينما يسجّلان اللحظات الأخيرة من أنفاسهما بمقاطع عفوية تتقارب في مضمونها وألفاظها حتى، مع ما قاله ابن الـ19 سنة (الشهيد النابلسي) قبل خمسة شهور من الآن. قال حسام سليم في رسالته: «بسلمش حالي، لا تتركوا البارودة، بدنا زلام ورانا تكمل الطريق، أنا بحب كلّ الناس، لا تنسوا وصية الوديع والنابلسي، أنا بحب أمي، أنا تحاصرت مع أخوي الجنيدي». أمّا محمد أبو بكر الجنيدي، فقد بعث هو الآخر برسالة مماثلة، ختمها بعبارة باللغة المحكيّة، تقصّدها على ما يبدو: «ما قبلنا نسلّم حالنا، ادعولنا واحنا كلنا على درب الشهداء، ما هربنا وظلّينا زلاااام».
هكذا وثّق نجما الحدث وأيقونتا الأيام المقبلة، اللحظات الأخيرة الفاصلة بين الحياة والموت في البلدة القديمة، التي كانت شاهدةً على صورة أخرى بدت مكرَّرة. إذ ظهرت والدة الشهيد محمد الجنيدي، واقفةً قبالة جثمان ابنها بهيئة تُشبه هيئة والدة النابلسي: امرأة ملتزمة وقورة السمت، تُظهر رباطة جأش غريبة، وتتهيّأ لحمْل جثمان نجلها وتقدُّم مشيّعيه، كما فعلت هدى جرار. من بين الشهداء أيضاً، وليد الدخيل، شقيق الشهيد محمد، الذي اغتالتْه «قوّة اليمام» نفسها، في وضح النهار وسط حيّ المخفية في 11/2/2022، رِفقة أشرف المبسلط وأدهم مبروكة. «شيء ما تَغيّر في البلدة القديمة في نابلس منذ ذلك التاريخ»، يقول أحد سكّانها لـ«الأخبار»، فيما الأكيد الذي لا يحتاج إلى لبيب لقوله أن أشياء كثيرة تَغيّرت عقب اغتيال عبود صبح ومحمد العزيزي ومحمد حرز الله وإبراهيم النابلسي.
بطل آخر في مشهد الأمس، هو مصعب عويص، ابن الـ24 ربيعاً، الذي اندفع من مخيم بلاطة حيث يسكن، ليذود عن رفاقه في البلدة القديمة. أمّا القائد محمد الجنيدي، الذي لم يتجاوز عمره الـ23 سنة، وكان قد أصيب في عمره النضالي القصير نسبياً، بـ6 رصاصات، إحداها في رأسه، وبـ36 شظيّة في جسده، فقد قال في رسالته الأخيرة: «ظلّينا زلاااام»، بينما غبار القذائف أفْقده على الأرجح النظر في عينه الوحيدة التي أبقتْها له الجراح ليبصر بها. من جهته، كان حسام سليم (24 سنة)، الذي بدا في حديثه الأخير وكأنه المؤتمن على حاضر هذا الشعب ومستقبله: «بدنا زلام تحمل البارودة من بَعدنا»، قد نفّذ بيده عملية «شافي شمرون»، وقضى الأسابيع الأخيرة في حياته «بطلاً» مطارَداً تحفّ به أدعية البسطاء بالرعاية والحماية.
شيء ما تَغيّر في البلدة القديمة. لم تَعُد المقاهي تضع في مسجّلاتها أغاني أم كلثوم في الصباح وفيروز في المساء. أضحى نشيد البلدة: «تشهد علينا حارة الياسمينة… لما بالدم حفرنا أسامينا»، فيما يغنّي الأطفال بصوت جماعي: «خاوة نعلم عليكم… خاوة في هالشوارع ندعس معاليكم». شيء ما يشبه اليقين، بأن مشهد توزيع المستوطِنين الحلوى على حاجز زعترة، سيَعقبه في قادم الأيام مشهد حقيقي في شوارع نابلس وجنين وكلّ فلسطين، يرسمه «بطل» جديد، سيعيد إلى الحياة خيري علقم وحسين قراقع وغيرهما.
تأهّب على حدود غزّة
بعد ساعات على جريمة نابلس التي أدّت إلى استشهاد عدد من المواطنين والمقاومين الفلسطينيين، وتلويح الجناح العسكري لحركة «حماس» بأن «صبر المقاومة في غزة آخذ في النفاد»، رفعت قوات الاحتلال في المناطق القريبة من القطاع، من درجة تأهّبها خشية ردّ فلسطيني متوقّع من غزة. وأفادت مصادر عبرية بأن الجيش الإسرائيلي عزّز استنفاره تحسّباً لإطلاق صواريخ، وعمل على تعزيز منظومة «القبّة الحديدية»، فيما ذكر موقع «كودكود» العبري أن الفصائل الفلسطينية في غزة أطلقت، بالتزامن مع عملية نابلس، صواريخ باتّجاه البحر، كجزء من اشتغالها على تحسين قدراتها، وأيضاً كرسالة إلى إسرائيل على خلفيّة جريمتها الجديدة. ورافقت ذلك تغريدةٌ مقتضبة لـ«أبو عبيدة»، الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، قال فيها إن «المقاومة في غزة تُراقب جرائم العدو المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة المحتلّة، وصبرها آخذ بالنفاد».
الاخبار اللبنانية