فلسطين.. المترس المتقدم، والخندق الأول وقضية الأمة الكبرى
اكتسبت القضية الفلسطينية أهميتها السياسية، لأهمية موقع فلسطين الجغرافي في قلب الوطن العربي، ومكانتها الدينية، لأنها مهبط الكثير من رسالات الله، وموطن الكثير من أنبيائه، كما أن وجود الأقصى الشريف أكسبها قداسة عالمية، أضف إلى ذلك أنها بلد عربي إسلامي يرزح منذ عقود تحت نير أقذر وأخبث احتلال، عرفه تاريخ البشرية، بما يحمله هذا الاحتلال الصهيوني من نفسية استبدادية وأطماع استعمارية توسعية، وبما يتصف به من عداوة شديدة، بمكر وخداع رهيب، وما يمثله من خطورة بالغة على الأمة، انعكست نتائجها سلبا على واقعها، سواء من حيث التأثيرات النفسية، والمعنوية، التي رسخت الهزيمة النفسية لدى أبناء الأمة وجعلت من إسرائيل في نظر الكثير منهم قوة لا يمكن مواجهتها، بل يجب تقبلها والتطبيع معها، أو ما ألحقه من أضرار مادية، وبشرية كبيرة جدا في واقع الأمة، إذ لم يدع شيئا يمكن أن يكون له أدنا مساهمة في صحوة الأمة، وقوتها، إلا وطالته يد الاستهداف، مما أضعف الأمة، وأفقرها، وشتتها، وأوهن عزيمتها، وجعلها تبدوا عاجزة أمامه، كل هذه الأسباب وغيرها جعلت من القضية الفلسطينية أهم قضايا الأمة وأكثرها حساسية، وأفظعها من حيث الآثار الكارثية على حاضر الأمة ومستقبلها.
إعادة احياء قضية فلسطين في وجدان الأمة
يوم القدس العالمي مناسبة مهمة وكان اختيار الإمام الخميني لآخر جمعة من شهر رمضان من كل عام لإحياء هذه المناسبة اخيارا موفقا موضحا فيه الهدف والغاية من احياءه وهو إعادة إحياء قضية فلسطين وقد أعاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي إحياء هذا اليوم في اليمن بمحاضرة مهمة وقد دأب الشعب اليمني على أحياء هذه المناسبة وأصبحت من أكبر المناسبات ويحتشد فيها أكبر حشد على مستوى المنطقة أن أهمية يوم القدس تأتي من أهمية القضية التي يمثلها، لأنها قضية تمس كرامة الأمة، ومقدساتها، وحقوقها، وأبنائها، ولأنه محطة جامعة لكل أبناء الأمة الإسلامية، ضد أخطر أعدائها، كما أنه جاء تلبية لدعوة رجل عظيم من أعلام الأمة، وقادتها الذين أمرت باتباعهم، والتأسي بهم، لخلق الوعي في صفوفنا, وتهيئة أنفسنا لنكون بمستوى المواجهة لأعدائنا، وهو يوم يذكرنا ويذكر الضمير العالمي بمظلومية الشعب الفلسطيني، كما أنه يوم عالمي لفضح اليهود، وكشف نواياهم، وتعريتهم على حقيقتهم في عدائهم للبشرية جمعاء، وهو يوم للتعبئة العامة وإطلاق كلمة الحق وموقف الحق في وجه الاستكبار العالمي نصرة للمستضعفين واستنهاضا لهم لكي يخرجوا من نير العبودية إلى نور الحرية، ليس في فلسطين وحدها، وإنما في بقية بقاع العالم، فهو يوم يخلق ورؤية صحيحة للمخرج مما تعانيه الأمة، وإحياؤه يعتبر عبادة، وممارسة جهادية في سبيل الله، وإحياء الأمة لهذا اليوم يدل على مدى الوعي الذي وصلت إليه في معرفتها لعدوها الحقيقي، وفي تفاعلها تجاه قضاياها المصيرية، كما يبشر بصحوة إسلامية تصحح أخطاء الماضي وانحرافاته، وهو رسالة للعدو أننا لن نتخلى عن شبر واحد من أرضنا ومقدساتنا، ولأنه في العشر الأواخر من رمضان، فببركتها، وفضلها عساه أن يكون اليوم الذي تنطلق فيه الأمة مجاهدة نحو تحرير كل فلسطين.
عملاء أمريكا وإسرائيل يسعون لتصفية القضية الفلسطينية
ما تفعله الأنظمة العربية وعلى رأسها النظامان الإماراتي، والسعودي، وكذلك النظام البحريني وبقية الأنظمة التي أعلنت التطبيع مع الكيان الصهيوني أو لها علاقات مسبقة مع الكيان من تقارب مستمر، وتطبيع بالمكشوف، وتبعية لإسرائيل، ودعم مواقفها، وتصرفاتها في المنطقة، يدل على سعيها نحو تصفية القضية الفلسطينية، وذلك من خلال عدة خطوات أهمها.
أولا: محاصرة وتجريم الحركات الإسلامية المجاهدة، والمقاومة، كحركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله، ووصفها بالإرهاب، ومحاولة فرض الصفقات الخاسرة على الشعب الفلسطيني.
ثانياً: المواجهة لكل صوت حر، وتحرك مسؤول في داخل الأمة، يعادي إسرائيل، ويناهض الهيمنة الأمريكية، وخير دليل على ذلك ما تشنه هذه الأنظمة من حروب ظالمة، وعدوانية على الشعوب العربية والإسلامية الحرة، وفي مقدمتها شعبنا اليمني العزيز.
ثالثاً: تغييب كل أشكال التوعية، والتعبئة العامة للأمة ضد إسرائيل وأمريكا، وما يمثلانه من خطورة على الأمة في كل المجالات وعلى كل المستويات [ثقافياً، وفكرياً، وإعلامياً، وكل أشكال النشاط الشعبي والرسمي] وهذه مسألة خطيرة جداً، بل للأسف الشديد تم توجيه تلك التعبئة نحو خدمة إسرائيل، والدعوة للتطبيع معها، وما تبثه قنوات العدوان، الـ بي بي سي ـ وغيرها في هذا الشهر الكريم وعلى مدار السنة من لقاءات ومقابلات ومسلسلات ،وفتوى دينية وغيرها من وسائل وطرق التوعية لصالح العدو الصهيوني، تدعوا الأمة للتطبيع مع إسرائيل، وتولد قناعات بأن فلسطين هي أرض اليهود، وأنهم أحق بها من الفلسطينيين، يدل بكل وضوح على حقيقة هذا التوجه القذر.
رابعا: إثارة المشاكل في داخل الأمة، وحرف بوصلة العداء نحو أبناء الأمة أنفسهم، [ضد اليمنيين، وضد الإيرانيين، وضد اللبنانيين، وضد حركات المقاومة، وضد الأحرار في سوريا، والأحرار في العراق، والأحرار في البحرين…وهكذا].
مسؤوليتنا إحياء حالة العداء لإسرائيل
في مواجهة سعي الآخرين لأن يفرضوا علينا حالة الولاء لإسرائيل، يجب أن نحيي حالة العداء الحقيقي لهم، وأن نترجم هذا العداء إلى مواقف عملية، حتى يكون له قيمته، وأهميته، وايجابيته، باعتباره واجباً إسلامياً، وفريضة دينية، ومسؤولية إنسانية، وأخلاقية، وقومية، ووطنية، فشعب فلسطين وأرضه جزء من أمتنا الإسلامية، وواجب علينا مناصرته، وتحرير أرضه، ومقدساته وعلى رأسها الأقصى الشريف، ثم لنعي أن فلسطين هي المترس المتقدم، والخندق الأول، الذي كلما أهتمت به الأمة، وناصرته، كلما تقلصت الأخطار في بقية أقطارها، كما يجب علينا أيضاً تفعيل المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية والأمريكية: فهي من أهم الخيارات المتاحة لكل إنسان، لأنها تشكل مصدر دعم رئيسي لهم بحكم أننا صرنا سوقا عالمية لاستهلاك منتجاتهم.
خطورة اليهود
لا يوجد طائفة أبلغ خطورة، وأشد ضررا ومكرا، ودهاء، وخداعا من اليهود، وهذه صفة ملازمة لهم وغالبة عليهم في كل بقاع الدنيا، يشهد بذلك ماضيهم، وحاضرهم، ومن أخطر أساليبهم: تحريف دين الله، وقتل أنبيائه وأعلام دينه، وإضلال عباده واستغلال أوضاع الإنسانية وقضاياها في تنفيذ مخططاتهم، واستخدام أساليب قذرة لترهيب الناس وترغيبهم، ولبس الحق بالباطل، والتحريف والتزييف للحقائق، وهدم الحضارات البشرية قديمها وحديثها، والتدرج بالبشرية نحو الضلال لأن كل ما لديهم ضلالا ولن يعطوا الناس إلا ضلالا قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ }النساء44، وصنع القدوات والأعلام المزيفة، وإنشاء حركات وكيانات عدوانية كالحركات التكفيرية والعرقية، وتمزيق الأمم، وفصلها عن معتقداتها, وإدخالها في صراعات رهيبة، والقضاء على كل مقومات القوة لديها، وتحويل المعارف والعلوم البشرية لخدمتهم، واستغلالها في جانب الشر {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}البقرة من آية102، وإصرارهم الرهيب على إضلال البشرية كلها بدون استثناء حتى مع أنبياء الله، ومن ذلك محاولتهم مع رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله) قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}(النساء: من الآية113) وهو الكامل في كل شيء، فكيف بنا نحن؟ وهذا يدل على أنهم بالغوا الخطورة، وشديدي المكر والدهاء، وأن علينا أن نكون على درجة عالية من الحيطة والحذر منهم.
نستطيع مواجهة خطر اليهود من خلال…
-
قفل الثغرات وسد المجالات, لأن مفتاح أن يضرك عدوك، ويهينك، ويهزمك هو من عندك أنت.
-
القضاء على أدواتهم من العملاء والمنافقين، التي تجعل لمؤامراتهم فاعلية على أرض الواقع.
-
الرجوع إلى القرآن الكريم لمعرفة نفسياتهم، وخطورتهم، ومبادئ الصراع معهم وتوعية الأمة بذل.
-
تفعيل العداء فيما بينهم البين وفيما وبينهم وبين النصارى وإعادته إلى أرض الواقع {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ }الحشر14.
-
العمل المستمر على إعداد المستطاع من القوة وتطوير أساليب ووسائل وطرق مواجهتهم.
-
الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) فهم القادرون فعلا على هزيمتهم والقضاء عليهم.
-
الدقة في التعامل معهم على مستوى عالي من اليقظة والحذر، والانتباه، واتخاذ مواقف قوية أمام أي شيء يصدر منهم وإن كان ما يزال نية في أعماق أنفسهم{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(البقرة:104.
-
مقاطعة بضائعهم ومنتجاتهم، وتحصين الأمة من سمومهم وما يبثونه من أمراض تؤثر حتى على نشاط الإنسان، ونفسيته ومعنوياته، وصحته لأنهم {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(البقرة:105).
فلسطين قبلة الأحرار
تعتبر فلسطين من أكثر البلدان التي يتكالب عليها الأعداء، ويسيل لها لعاب القوى الغازية، لأهميتها السياسية، ومكانتها الدينية ، فهي البلد الأكثر عرضة للاحتلال عبر التاريخ الإسلامي، فمن الصليبيين إلى التتار ثم الاحتلال البريطاني الذي فرخ الاحتلال الإسرائيلي، الأشد مكرا ودهاء، والأخبث تعنتا وعنفا، ومع كل هذه النكبات الاستعمارية، يظهر من أحرار الأمة من يتحمل المسؤولية في الدفاع عن كرامتها، ومقدساتها، فها هو الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يجعل من قضية فلسطين أهم قضية لديه، وينادي الأمة أنظمة، وشعوبا لتحرير فلسطين، ويجعل من أقدس يوم في أقدس شهر يوم لتذكر القدس الشريف لكي يبقى حيا في النفوس وتبقى قضية فلسطين هي أقدس قضايا الأمة وأهمها ، ثم هاهم أحرار حزب الله في لبنان ومنظمات المقاومة في فلسطين، يضحون بأرواحهم وممتلكاتهم من أجل تحرير كل فلسطين، ومن بلد الأحرار ينهض سيد الأحرار الشهيد القائد (رضوان الله عليه) بمشروعه القرآني الجهادي، فتكون القضية الفلسطينية أبز دوافع هذا المشروع بل هي فاتحته، ففي محاضرة(يوم القدس العالمي)، التي هي أول محاضرة للشهيد القائد داعا فيها إلى إحياء هذا اليوم في أوساط الأمة، كخطوة أولى نحو تحرير فلسطين، وشخص المشكلة وأعطى الحلول وأحيا قضية فلسطين بعد أن أماتها زعماء النفاق وأنظمة العمالة، ثم يأتي من بعده قائد الأحرار السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، فيجعل منها أولى الأولويات لديه، فاسحا لها مكانا كبيرا في خطاباته، ومحاضراته، وجاعلا من يوم القدس يوما مقدسا مشهودا عند جميع الأحرار، ليس في اليمن وحده بل في أرجاء العالم، ثم هاهم أحرار اليمن وأبطالها الذين لم يرضوا ولن يقبلوا بالمساومة على أرض فلسطين، وشعبها، ومقدساتها، يتحملون الحصار والعدوان, والكوارث والأمراض, من أجل أن تبقى فلسطين إسلامية الهوية، وعربية الانتماء.
اليمنيون وقضايا الأمة
لم يتخلى الشعب اليمني عن أمته العربية والإسلامية، ولن يتخلى، فهو الشعب الأكثر حضورا في كل مراحل تاريخ الأمة، والأبرز تأثيرا في قضاياها المصيرية، فمنذ معارك الإسلام الأولى سواء ما كان منها في عهد رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله) أو بعده، كان اليمنيون هم أصحاب الدور الأبرز دعما، ومشاركة، وإسنادا، وعندما تعرض الوطن العربي للغزو والاحتلال من قبيل الصليبين، والتتار، والعثمانيين، والأوربيين… وغيرهم، كان اليمن هو البلد الأول في مناهضة هذا الاحتلال وطرده، سواء من الأرض اليمنية، أو في مساندة الشعوب العربية الأخرى، التي تسعى نحو التحرر، ومنها الشعب الفلسطيني الذي لم يبخل عليه اليمنيون دعما، واسندا، ومشاركة فعلية، إبان الحروب العربية مع إسرائيل، حيث كان للمجاهد اليمني دوره البارز، والفعال في تلك الحروب، ومشاركته ودعمه المستمر للقضية الفلسطينية، وإن مرت بحالة من الركود بين الفينة والأخرى، لسبب أو لآخر، إلا أن هذا الشعب سرعان ما يتخلص من هذا الركود ليعود إلى سابق عهده في تحمل مسؤوليته تجاه دينة وأمته، وما نراه اليوم من مواقفه المشرفة مع القضية الفلسطينية والتي منها مشاركته الفاعلة في إحياء يوم القدس العالمي، من خلال الحشود المليونية الأكثر من حيث العدد، والأشد من حيث الحماس، والأعظم من حيث المصداقية، على رغم مما يمر به هذا الشعب من ظروف صعبة، نتيجة الحرب والحصار الذي تفرضه دول العدوان، والذي تعدى عامه الخامس، دليل واضح على أن هذا الشعب يملك من مقومات القوة المعنوية، والبشرية، ما يجعله مؤهلا لقيادة هذه الأمة نحو التحرر من الاحتلال بكل أشكاله، سواء على مستوى الأرض، أو على مستوى الإنسان.
كتب صادق البهكلي