المنافقون أو المتأثرون بهم من قاصري الوعي في اليمن يطالبون صنعاء بعدم التدخل في فلسطين بذريعة أن الاهتمام بوضع اليمن أولى وأن على كل دولة أن تهتم بشؤونها الخاصة. إن النظرة التفكيكية التي يفضلها أولئك حيال الدول العربية، وتجاهلهم للوحدة العربية، والتنكّر للانتماء القومي العربي، مؤشر على تدني مستوى الوعي لديهم إلى حدٍ خطير، على العكس ممن لديهم نظرة وحدوية.
دعونا نفترض أن هناك هذين الشخصين لنفهم فارق الوعي بينهم: الأول: يرى وطنه صغيراً، ويعتبر الدولة التي يعيش فيها هي كل ما يهمه. الثاني: يرى وطنه كبيراً، يشمل الوطن العربي الموحد الكبير.
إن الأول يُشبه شخصاً ينظر إلى شجرةٍ واحدة فقط في الغابة، بينما الثاني يمثل شخصاً ينظر إلى الغابة بأكملها.
فالشخص الذي يرى وطنه صغيرا ويفضّل النظرة التفكيكية ينغمس في مشاكل بلده فقط ويتجاهل المشاكل الأخرى التي تواجه الأمة العربية بشكل عام، لأنه يفتقر إلى الوعي بالتحديات التي تواجه الأمة العربية وبالقضايا العادلة التي تحتاج مواجهتها إلى تضامن عربي مشترك. أما الشخص الذي يرى وطنه كبيرا ويؤمن بالوحدة العربية، فهو يدرك أن القضايا والتحديات التي تواجه أي دولة عربية تؤثر على الأمة العربية بأكملها، ويفهم أن التعاون والتضامن بين الدول العربية يمكن أن يعزز قوة وتقدم للجميع، ويدرك أن الوحدة العربية ليست مجرد شعار، بل هي قوة حقيقية تؤدي إلى تحقيق الأهداف المشتركة والدفاع عن المصالح العربية وتعزيز مكانة الأمة العربية عالميا.
صحيح أن الحكومات لديها مسؤوليات متعددة، وأن عليها العمل على حل المشكلات وتلبية احتياجات شعوبها، وصحيح أن الحكومة في صنعاء – كغيرها من الحكومات – يجب أن تعالج القضايا والمشاكل التي يواجهها شعبنا العزيز، فهذا أمر مفهوم ومشروع، لكن الغريب والعجيب هي تلك المطالبات لحكومة صنعاء بعدم التدخل في فلسطين بذريعة أن الاهتمام بوضع اليمن أولى وأن على الجمهورية اليمنية أن تهتم بشؤونها الخاصة.
لقد غاب عن أصحاب تلك المطالب أن القضية الفلسطينية عادلة وتحتاج إلى اهتمام الأمة العربية والإسلامية ودعمها، وغاب عنهم أنه من الضروري أن تعمل الحكومات العربية على إنهاء هذا العدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني وأن تسعى لتحقيق العدالة في المنطقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية ذي الأطماع والأهداف التوسعية في المنطقة. إنهم يدّعون أنهم المتمسكون بحضارة اليمن وأنهم الامتداد الأصيل للأجداد، لكنهم نسوا أن الأجداد لم يتقوقعوا في قراهم ومدنهم في اليمن فقط بل انطلقوا في الأمصار منذ القدم، وأدوا دوراً هاماً في الفتوحات الإسلامية الأولى، وساهموا في نشر الدين والحضارة الإسلامية في أصقاع عديدة من هذا العالم. نسي أولئك أن أعداء الأمة هم من وضع الحدود الاصطناعية على الخريطة، ونسوا أن الله سبحانه وتعالى يأمر العرب والمسلمين بالاعتصام بحبله والتوحد لا التفرق، ونسوا الحكمة في المثل الشعبي العربي: “ما بات عند جارك أمسى في دارك”، ونسوا أن واجبهم هو العمل مع بقية الشعوب العربية على تحقيق الوحدة والتضامن بين الدول العربية وكذلك الإسلامية، بغض النظر عن الحدود السياسية الحالية، ونسوا أن العرب والمسلمين يشكلون أمة واحدة، وأن الواجب عليهم هو دعم بعضهم البعض والعمل معاً لمواجهة التحديات المشتركة. نسوا أهمية التراحم والتعاون بين المسلمين الذي يؤكده حديث الرسول محمد صلى الله عليه وآله سلم [مَثَلُ الأمة في توادها وتراحمها كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى] وأن هذا الحديث يشمل الاهتمام بجميع الشعوب العربية بشكل عام والاهتمام بشكل خاص بأي شعب عربي يعاني من احتلال أو عدوان كما هو حال شعبي اليمن و فلسطين. نسوا أن العمل الجماعي والتعاضد فيما بين الدول العربية هو ما سيساعدها على تحقيق الاستقرار والنماء والتقدم.
أما نحن المؤمنين بالوحدة العربية فيجب علينا – إزاء هذا التدني في مستوى وعي شعوبنا العربية – العمل على تصحيح الخلل الذي أصاب العقل العربي، ليدرك أبناء الأمة أن العرب هم أمة واحدة بتاريخ مشترك ودين واحد وثقافة متشابكة، وأن الواجب عليهم هو تجاوز النظرة الضيقة، والسعي لتعزيز التعاون والتضامن بين الدول العربية على طريق تحقيق الوحدة العربية.
نحن بحاجة أن نساعد أبناء الأمة على امتلاك الوعي ليتمكنوا من التفكير بشكل صحيح وواسع، فيدركوا أن لدى الأمة العربية إمكانات هائلة عندما تكون موحدة، وأن التنوع الاقتصادي والثقافي في الوطن العربي يمكن أن يكون مصدر قوة وإبداع، وأن الأمة ستتمكن من تجاوز الصعاب وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة إذا تمكّن أبناؤها من تحقيق التعاون والتضامن فيما بينهم. فإذا لم يمتلك العرب هذا الوعي بأهمية الوحدة العربية، فستعاني كل الشعوب العربية وستواجه تأثيرات سلبية خطيرة جدا. فبدون الوحدة ستستمر الدول العربية في تفرقها وتشتتها وهذا يعني أن القوة العربية في مواجهة الأعداء ستضعف عسكريا واقتصاديا وسياسيا وفي كل المجالات، وسيستفرد العدو بكل دولة عربية على حدة فيعتدي عليها واحدة تلو الأخرى، لأنها ستكون لقماً منفردة سائغة له. كما سيستغل الأعداء الانقسامات القائمة لزرع الفتن بغرض إحداث المزيد من التفرقة بين الدول والشعوب العربية مستخدمين الخلافات السياسية وبعض الاختلافات البسيطة لتقويض التعاون العربي وتقوية موقفهم الخاص كأعداء للعرب والمسلمين. كما سيضعف الدفاع عن القضايا والمصالح العربية المشتركة، وسيفوّت العرب الفرص التي تأتي مع التعاون والتكامل الإقليمي، وسيتوسع تشتت الهوية العربية وتلاشي الروح العربية المشتركة، وسيزداد التمييز والتفرقة بين الدول والشعوب العربية مما سيؤثر على التواصل والتعاون فيما بينهم.
إن إفشال مخطط الأعداء يقتضي أن يعمل إعلام محور الجهاد والمقاومة وكل مؤمن بالوحدة العربية أن يعمل على توعية أبناء الأمة بجميع ما سبق. ونحن نعلم بأن أبطال هذه المهمة قد يواجهون صعوبةً في توعية شعوب بعض الدول العربية التي تمكن العدو وخونة الأمة من تدجينها لدرجة أنها لم تعبّر بأي شكل حتى الآن عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني في غزة، ولدرجة أن تَصدُر أصوات من داخلها تؤيد الكيان الإسرائيلي الغاصب في استهداف الشعب الفلسطيني العربي المسلم، لكننا على ثقة بأن هذا الإعلام المجاهد المقاوم سيواصل العمل على ذلك لتوعيتها وتوعية جميع شعوب الأمة بشكل عام، لإيمانه بأنه يمكن للأمة بالوعي والعمل أن تغيّر واقعها إلى الأفضل. حينذاك لن نجد من يطرح – خلال تعرض أي جزء في وطننا العربي لعدوان أجنبي – بأن الأمر هناك لا يعنيه، فالجميع سيفهمون أن الأرض العربية هي وطن واحد، وأن الشعب العربي هو شعب واحد. حينذاك لن يطرح أحدٌ السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة.