“فرصة الرياض” للخروج بماء وجهها من اليمن تتقلص!
الحقيقة/ إبراهيم الوادعي
بين مطرقة الصبر الاستراتيجي لصنعاء وجيشها واللجان، ومطرقة الضغط الشعبي من جانب نتيجة ازمة المشتقات النفطية التي يفتعلها العدوان بحجزه سفن المشتقات النفطية ضمن حرب اقتصادية متواصلة، وسندان استهتار الطرف السعودي بقدرة صنعاء على توجيه ضربة اقوى من ضربة منشاتي النفط في بقيق وخريص، ومواصلتها شن الغارات وتحريض مرتزقتها على إشعال الجبهات، يبقى الوضع إزاء مبادرة صنعاء للسلام تراوح مكانها منذ إطلاقها عشية ال 21 من سبتمبر.
لا يأبه الشارع اليمني للأنباء الواردة عن جهود دولية لإيقاف العدوان على اليمن، بما في ذلك تصريحات إيجابية تقولها دول العدوان ذاتها، وهو يضطر للاصطفاف أمام محطات الوقود بشكل يومي للحصول على حصة من الوقود، ويعاني ارتفاع الأسعار في المواد الغذائية نتيجة انعدام المشتقات النفطية التي بلغ الاحتياطي منها حدا خطيرا ينذر بتوقف المستشفيات ويهدد قطاعات حيوية أخرى بالتوقف كمصانع الأدوية التي أوقفت جزئيا بعضا من خطوط انتاجها نتيجة انعدام الديزل ” السولار.
قيادة المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ بدورها، و ما أكده خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط عشية ذكرى الرابع عشر من أكتوبر، يتلاقى مع شارعه في عدم تقييم التصرفات لدول العدوان على أساس من المواقف الإيجابية تعلن على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الاعلام، بينما على الأرض تستمر بحرية العدوان في منع سفن المشتقات النفطية من إفراغ حمولاتها في ميناء الحديدة وتعميق معاناة اليمنيين، وتستمر كذلك الغارات التي تطال المدنيين والتحريض على إشعال الجبهات في الساحل الغربي وجبهات أخرى في نهم وحيران والحدود.
منذ أقل من شهر أطلقت صنعاء مبادرتها للسلام، بعدا أقل من أسبوع على ضربة منشاتي بقيق وخريص السعوديتين وتعطيل نحو 5% من إمدادات النفط العالمي، وكانت صنعاء تأمل من خلال مبادرتها تلك تقديم سلم للسعودية للنزول عن الشجرة وحفظ ماء وجه النظام السعودي بناء على رغبة دولية، ودول أفاقت أخيرا على حقيقة الحرب العبثية في اليمن، واستحالة حسمها عسكريا من قبل تحالف يتضعضع يوما بعد آخر حتى وقف على دولتين هما السعودية والإمارات والأخيرة أصبحت تعيش وضعا القلق بسبب خوفها من تعرضها وهي الأضعف لما تتعرض له السعودية.
وبرأي محللين فإن ما يمنع السعودية عن النزول عن الشجرة واستخدام المبادرة اليمنية كسلم للنزول هو الطرف الأمريكي الذي يواصل تقديم الأمنيات للرياض، أملا في تمديد فترة الحلب حتى الإجهاز على كل ما في خزائن النظام السعودي.
ويشير هؤلاء إلى أن الرياض تقوم بأفعال متناقضة في الوقت عينه ففي الوقت الذي تقوم فيه باكستان بلعب دور الوسيط لبدء حوار إيراني سعودي هدفه التهدئة وإشاعة السلام بين الجانبين بما ينعكس إيجابية على كل المنطقة، وبما قد يفضي الى إيقاف الحرب العدوانية على اليمن، والتوترات في العراق ولبنان، شرعت الرياض باستقبال نحو 3 آلاف إلى 4 آلاف جندي أمريكي سينتشرون في شرق المملكة.
رفع عديد القوات الأمريكية إلى نحو 14 ألف جندي أمريكي في المملكة والخليج بقدر ما يكلف خزينتها أموالا إضافية ستدفع كنفقات لتواجد تلك القوات بحسب ما أعلنه البيت الأبيض بأن الرياض ستتحمل كافة نفقات الجنود الأمريكيين المتواجدين على أراضيها، فإن هذه الخطوة هي كوضع العصي في دواليب السلام الذي يسعى له الوسيط الباكستاني رئيس الوزراء عمران خان الذي يجول بين طهران والرياض.
ويرى دبلوماسيون إيرانيون بأن استقدام المزيد من القوات الامريكية يعبر عن تهور سعودي قد يضيع ما يمكن وصفه بالفرصة الأخيرة أمام السعودية التي تسيء حتى اللحظة تقييم قوة خصومها، وضعف الحامي الأمريكي، وتسيء كذلك قراءة ما يجري في المنطقة حيث تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن حلفائها الأكراد في لحظة فارقة، وتركتهم لقمة سائغه للأتراك، رغم كل الأموال التي حصولا عليها سواء من الإدارة الكردية أو من دول خليجية وفي المقدمة المملكة التي تكفلت بدعم نفقات القوات الأمريكية في شرق الفرات لمدة 6 اشهر قبل ان يفاجئ ترامب حلفائه وحتى قادة جيشه بأمر الانسحاب المفاجئ قبيل ساعات من انطلاق العملية التركية في شرف الفرات لمواجهة قوات ما يسمى بسوريا الديمقراطية “قسد “.
ولا يخفي مهتمون بالوضع في اليمن خشيتهم في ان الرياض تسيء مرة أخرى تقييم قوة صنعاء المتنامية بعد 5 سنوات من الحرب الضروس والحصار القاسي، وتفسر صبرها على أنه ضعف وخشية رد فعل دولي بعد ضربة بقيق وخريص.
ويؤكد هؤلاء بأنه ومن واقع متابعة خطوات القيادة اليمنية في صنعاء خلال ال5 سنوات الماضية فإنها لم تتحد أو تعد بأمر إلا ونفذته كأن تطال يدها عواصم دول العدوان، وأن تتحول إلى وضع الهجوم وهو ما تحلى في العملية العسكرية الضاربة على الحدود ” عملية نصر من الله ” والتي استعاد بموجبها الجيش اليمني واللجان الشعبية 500 كيلو متر من الأراضي وسيطر كاملا على الحدود الجنوبية لمدينة نجران، مفتقدا في ظرف عشرة أيام من العمليات العسكرية ما جهدت السعودية لاحتلاله في نحو 3 سنوات.
ويؤكد هؤلاء بأن لا شك لديهم في أن صنعاء عازمة على حسم المعركة سلما او حربا، وتمتلك القدرات العسكرية لفعل ذلك، وعلى الرياض عدم الركون إلى الانتشار العسكري الأمريكي لمنع استهدافها مرة أخرى في مواجهة خصم يتوق للقاء الأمريكيين، في الميدان بدل بقائهم في غرف العلميات يديرون الحرب منذ 5 سنوات.
وفي الداخل اليمني لا يساور الشارع اليمني أي قلق إزاء قدرة القيادة العسكرية وقيادة الثورة الشعبية على ايلام السعودية بشكل أكبر، وينشغلون فقط بتخمين أي الأهداف ستطالها اليد اليمنية، وهل ستفوق في ألمها وتداعياتها ضربة بقيق وخريص ام تماثلها على الاقل.
في ثنايا خطاب رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط عشية ذكرى ثورة ال14 من اكتوبر وهو يشكر العسكريين على التزام المبادرة والصبر رغم المرارة إزاء استهتار الطرف السعودي المعتدي، ثمة أمران:
1- لدى قيادة المجلس السياسي الأعلى مهلة زمنية وضعتها للدول التي تجتهد لأقناع الرياض بالنزول عن شجرة العدوان وبناء السلام وقطع الآمال بالإدارة ترامب الذي لن يحارب بالنيابة عن أحد ولا يمكنه أن ينتصر.
2- إن الرد العسكري أصبح جاهزا، وينتظر قادة الجيش واللجان إشارة من القياد السياسية والثورية بنفاذ الصبر وانقضاء مهلة المبادرة لتوجيه الضربة النوعية التي قد تعني لوحدها أو في تتالي ضربات مماثلة ضياع الفرصة على النظام السعودي بحفظ ماء الوجه، ووقف العدوان تحت الخيار السلمي.
الرياض اليوم مخيرة، وعليها أن تأخذ العظة مما حل بالأكراد في شرق الفرات الذين تركتهم واشنطن لقمة سائغة للأتراك يقتلونهم كيف شأوا، واكتفى ترامب بالقول بأن ما يفعله الأتراك بالأكراد ليس جديدا.
المماطلة السعودية في إيقاف العدوان على اليمن يعني فقط أن الرياض ستوقف الحرب مجبرة، وذليلة.
وتؤكد مصادر مطلعة في صنعاء بأن الرياض قد لا تمنح فرصة أخرى للنزول عن شجرة العدوان، بل ستدفع لتركها والقفز عنها وقد ينكسر عمود نظامها عندئذ، ويفقد آل سعود مملكتهم أو استقرارهم في أدنى التبعات.