غزّة والضاحية: جسر الانتصار والفرح
ليلى عماشا
جسر الزغاريد ارتفع في الليل من غزة إلى الضاحية، فاستحال ليل مدينة الحبّ نهارًا شمسه الابتهاج بالنصر، وناسه الصابرون الذين تآخوا بالدم وبالدعاء مع أهل غزّة، واستعادوا طيلة أيام المعركة كلّ ما عاشوه في حرب تموز، حتى بدا في العيون انعكاسٌ من شهب لكلّ صاروخ تطلقه المقاومة في غزّة، وحد الدعاء كلّما رمت الغارات العدوّة على البيوت وأهلها.. جسر يعبر الزمن بين ٢٠٠٦ و٢٠٢١ ربط الضاحية بغزّة وبكل فلسطين، فكان النصر عرسًا في بيوت الضاحية وقوسًا من ضوء يصل أهل الحبّ هنا بأهلِ الحبّ هناك ويعلو فرحةً وتبريكات.
انتصرت فلسطين. حين بدأت أخبار الاستسلام الصهيوني المتوقّع ترد على منصات التواصل وفي الإعلام، علت الأصوات المتلعثمة بالفرح من البيوت.. من نافذة في الحيّ علا صوت نشيد يُبث على شاشة التلفزيون، ومن باب آخر خرج ستينيّ يبحث عن رفاق الحيّ يخبرهم بما سمع، ويدعو أثناء الحديث للضيف ولأبي عبيدة ولكلّ يدٍ ضغطت على الزناد لتصنع النصر وتمهّد للعودة إلى فلسطين محرّرة من رجس الأعداء.. وكما في الأحياء كذلك على منصات التواصل التي توحّدت اهتمامات الناشطين فيها من أهل الوعي والحب طيلة الأيام السابقة على موضوع واحد: فلسطين..
كان الضيف في صدر البيوت الافتراضية، أي الحسابات التي حوّلها أصحابها إلى منصات فلسطينية تواكب الحدث وترفعه وسمًا عالميًا يحقّق أعلى نسب التفاعل والمشاركة.. وأبو عبيدة صار صديقًا مقرّبًا حدّ التآخي بعد أن صار انتظار كلامه محطة يتوقف عندها الجميع بإصغاء تام، وبحبّ كبير..
عهد الأخوّة بين المدينتين الشريكتين باختبار الوجع المقاتل والمنتصر لا يحتاج إلى بيانات تضامن.. فما يجمعهما ليس التشابه في حالين مختلفتين ولا التقاطع بين طريقين متمايزين.. الدم والدمع نفسه يسري في كبد المكانين اللذين رغم المسافة والحدود عرفتا القهر نفسه وإن اختلفت بعض التفاصيل.. صوت الغارات تعرفه الضاحية، ولذلك كانت تهمس لغزة أن اصبري، بعد الغارات عدتُ أجمل مما كنت وستعودين، فتبتسم لها غزة وتجيب على عجالة: لا بأس.. سأرمي الآن وانظري نحو السماء كي تري كيف بالنار أرسم طريق الحرية.
ليل أمس كان غزّاوي الملامح، فلسطيني الهوية في الضاحية.. كلّ البيوت استحالت بيت تبريك بالشهداء وبالنصر، وعلى كل الأعتاب أودعت الأمهات دمعة ترافق الأطفال الشهداء إلى مثواهم الأخير كي تدفئهم إن مسّهم في القبر برد أو خوف أو شوق.. حتى المباني التي احتفظت بذاكرة اهتزاز الأرض من وقع القذائف كانت تمد أيديها لتسند ولو من بعيد كل مبنى تمّ استهدافه في غزة..
قد تجد للصلة بين الضاحية وغزّة تفسيرات كثيرة، وقد تجد في جمع التفاصيل الكثير من المشتركات ومن الفوارق، إلّا أن التماع العيون التي بضوئها تابعت كلّ نبضات سيف القدس لن تجد له تفسيرًا إلّا أنّ أهل الحبّ يتشاركون فطرتهم ويتقاسمون خبز عزيمتهم، حتى إذا حان النصر كان الحمد صوتًا واحدًا سواء رفعته المآذن أو تردد بين دمعتي حمد ويقين.. من الضاحية، هنا غزة.. هنا فلسطين.