غزة كسرت كبرياءكم.. سوريا ستكون أفضل.. اليمن يقود المرحلة العربية.. لن تنتصروا مهما طال الزمان ومهما استمرت المعركة !

خالد شــحام*

نبدأ من اليمن، ثم إلى معتقل غزة في خط مستقيم ، ثم إلى سوريا في آخر متعرج ،  ثم نعود إلى حدود النار والدمار في خطٍ متقطع ، لا شك أننا نفهم الآن سبب تسمية اليمن السعيد بهذا الاسم التاريخي ، ويبدو أيضا أن الموروث لا يغادر وارثه مهما طال الزمان ، لم يعد هنالك من شك بأن إطلالة اسم اليمن على شاشات الأخبار وتصدره العناوين  أصبح مصدرا لرشفات من السعادة  لكل شعوب العرب في سنوات القهر والمكابدة العربية .

كلما هبطت معنوياتنا أو تأرجحت عزيمتنا يعود اليمن ببطولته وتضحياته ليعيد ضبط موازين ومعايير كل الأمـة في الاتجاه الصحيح ، لم توجد طيلة الشهور الماضية كلمة تماثل أو تعيد تذخير نفوسنا بمثل ما فعلت كلمة السيد عبد الملك الحوثي مساء الخميس وهو يؤكد ثبات اليمن وشعبه البطل على ميثاق الكرامة مهما بلغت التضحيات ومهما اشتد العدوان الغادر ، والعظمة  في كتاب التاريخ تأتي من  تزاوج التضحيات الكبيرة مع استمرار العطـــاء الذي لا ينقطع ، وهذا ما يفعله اليمن وشعبه الذي يتصدر اليوم سماء الحرية في سنوات العسرة .

في نفس الوقت الذي تعمل فيه الآلة الإعلامية الأمريكية بشقيها الغربي والعربي على فتح ملفات القتل والتعذيب داخل السجون السورية وتحويلها إلى ترند الموسم لإلهاء وإشغال الوعي العربي والعالمي بما يحاك ضد سوريا والمنطقة ، تستمر عمليات القتل الأمريكي داخل غزة وتستمر الاعتداءات على لبنان وخرق الاتفاق ،  لم يعد بمقدور أحد أن يفهم أين يمكن أن تقف حدود هذه الاعتداءات التي انفلتت من خزان الكراهية الاسرائيلية .

تستمر عمليات القتل في غـزة الى الحد الذي أصبح فيه هذا القتل موضةَ المرحلة وشيئاً مسلما به ولم يعد يثير حتى شفقة المتفرجين أو يستفز إنسانيتهم لأن هذه المشاعر تم نقلها بشاحنات إعلامية إلى مواضع جديدة من الرواية الأمريكية -الصهيونية ، تستمر عمليات القتل حتى مع وجود إدانة قانونية دولية  وقرارٍ باعتقال المجرمين  نتانياهو وغالانت ، ويتصرف الكيان الصهيوني  دون أدنى اكتراث لكل القرارات والقوانين والمطالبات الدولية والشعبية وكأنها غير موجودة ، يستمر قتل الشعب الفلسطيني وتستمر مشاهد الباكين على الشهداء والجثامين المكفنة بالستائر والبطانيات وسط نفاذ الأكفان ، تستمر عمليات القتل وفصول الإبادة بمسح البيوت ونسف الحياة بكل معالمها على يد أحقر عصابة عرفها العالم المعاصر والماضي ، جباليا ، النصيرات ، خان يونس ، رفح ، بيت لاهيا ، بيت حانون ، كل اسم من هذه الأسماء الخالدة في وجدان الزمان تتحول اليوم إلى شاهدِ عيانٍ حيٍ على الوحشية الأمريكية وعلى زيف الغرب وقيمه  ، وسقوط كل الأنظمة العربية والعالمية وفشلنا جميعا في أن نرتقي إلى مستوى الوجودية الكافية لنفعل شيئا .

لقد تجاوز العدوان على غزة كل حدود المنطق والعدالة وحتى الأعراف التقليدية للعدوان ، لقد دخل الى نطاق قوننة القتل وترجمته إلى عُرفٍ دولي وإنكار الحياة  ومعانيها وإنكار حق الإنسان العربي في الوجود على سجل هذه الحياة ، هذه هي الحرب الوحيدة في القرن المعاصر التي يشاهد فيها العالم الكلاب وهي تأكل لحم الموتى لأن جيش القتلة يمنع اقتراب أحد من الشهداء ، هذه هي الحرب الوحيدة التي يعايش فيها العالم مجزرةً مستمرة مع حملات قتل وترويع وتجويع طيلة أربعة عشر شهرا وهو مكبل اليدين ، هذه هي الحرب الوحيدة التي يرى فيها العالم في بث حي ومباشر قصف وقتل الكوادر الطبية والدفاع المدني وحرق خيام النازحين دون أن يحرك ساكنا وفي نهاية المطاف يريدون إثبات أن الإجرام والسادية هما شيئان محصوران  بآل الأسد ، بينما هم الأبرياء وحمــاة حقوق الإنسان في كل زمان .

لقد تم امتطاء ذريعة هجمات 7  أكتوبر لإطلاق مشروع الشرق الأوسط الاسرائيلي وكسب الزخم الزماني والمكاني لتحقيق هذه الخطط المؤجلة ، لقد تحلل الكيان الصهيوني من الاتفاقيات القديمة واخترق كافة العهود والوعود الدولية وفرض الاعتداء دون ردع أو منع ، بل على العكس ، تتم تغطية هذا التحلل من كل المواثيق  بالعبارة الأمريكية الفرط صوتية : حق الدفاع عن النفس !  نشاهد هذا الأمر في المطالبة بإسقاط اتفاقية أوسلو والسلطة الفلسطينية على الرغم من  خدماتها الجليلة للاحتلال ، ونشاهد هذا بالاعتداء على الجولان وجبل الشيخ خلافا لكل الاتفاقيات القديمة الموقعة في العام 1974 ، ونشاهده في الاعتداء على لبنان وخرق الهدنة بعشرات المرات ، لقد أصبح من الواضح أن كل  الاتفاقيات من كامب ديفيد الى وادي عربة واتفاقيات ابراهام صارت مجرد أوراق مستهلكة تنتظر حرقها في التوقيت المناسب ، فيما العرب الراكضين وراء أحلام السلام سيحظون في نهاية المطاف بالخسران الكبير.

عند متابعة سلسلة العمليات والاختراقات التي حققها الكيان خلال الشهور الأخيرة لا شك أن حالة من السوداوية تصيب النفس ، هنالك ضرباتٌ كبيرة نالها حلف المقاومة لا يمكن إنكارها وتُوجَت هذه الضربات بالانجازات الصهيونية في سوريا  وسط حالة من الولادة الجديدة المختلطة التي تعبرها البلاد ، وكل هذا يحدث في ظل انتظار و ترقب لوصول  المخلص الامريكي الأكبر للحلم اليهودي ، لكن السؤال الكبير الذي يدور في ذهن الجميع : هل وصلنا إلى نقطة الخسران المبين وأغلقت كل الطرق وخسرنا حزب الله وسوريا وايران وربما اليمن ؟ اسمحوا لي باستعراض النقاط الآتية في محاولة الاقتراب من إجابة هذا التساؤل :

ما يجب التأكد منه هو أننا أمام مخطط متكامل لا يتوقف ولا يرحم ولا يكتفي  ، المخطط الذي يجري في المنطقة يحمل في قسطه الأول مرحلة التأديب والتحجيم ، وهي المرحلة التي نراها ونعايشها وتتضمن كسر محور المقاومة في مراكزه ، يحدث ذلك في غزة ثم لبنان ثم سوريا والدور القادم هو العراق وصولا الى المركزية الايرانية ، المرحلة الثانية هي مرحلة فرض الشروط الجيوسياسية الجديدة التي ستفضي الى الترتيب وخلق دويلات جديدة وصناعة انظمة أشـد بهدلةً من الانظمة الحالية ، المرحلة الثالثة تتمثل في الوصول بكل المنطقة العربية لحالة مشابهة لما تعانيه الضفة الغربية عداً ونقداً ، بمعنى ان كل ثروات العرب ستخضع للإشراف الأمريكي -الاسرائيلي ، وكل نمط حياتهم سيكون وفقا للمعايير الاسرائيلية لا غير .

إن العقيدة القتالية الأمريكية والصهيونية قائمة على ثلاثة أضلاع أساسية هي : وحشية المبادىء – التضليل الإعلامي – القوة التقنية المستندة إلى الآلة  ، هذه التركيبة الحضارية تمثل النموذج الأضعف في سباق البقاء للحضارات والأقصر عمرا في ضمان المستقبل ، يمكنها تحقيق إنجازات ولكن ليس انتصارات ، لقد حقق الكيان الصهيوني انجازات واسعة ضد ايران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية واليمنية ولكن هذه الإنجازات لا يمكنها أن تكون انتصارات وفقا لمسطرة القياس  ، بعكس ضربات المقاومة التي حققت إنجازات تتمتع بكونها انتصارات مؤثرة في مستقبل الكيان وداعميه.

إن جذور النصر الحقيقي تتمثل في وجود شرعية حقوقية أصيلة وثابتة متضافرة مع عقيدة ربانية سوية ونمط حياة مستند إلى هذا المزيج  ، هذه التركيبة قادرة على توليد قوة صمود مستحيلة وذات عمر طويل  نراها رأي العين في غزة واليمن و لا يمكن للزمان أن يمحوها  ،  لقد استدعى نتانياهو وبايدن وحش الجوع داخل غزة لكي يحدث شرخا في هذه الجذور ويصنع ثورة على المقاومة، واستدعى القتل  لكي يكسر جدار الصمود وينشر الرعب ، واستدعى وحش الدمار من الطائرات لكي يمحو معالم الحياة ، لكن غزة وشعب غزة لم يهتز ولم يتهاوى رغما عن هول الفظائع ولم يرفع الراية البيضاء ولا زالت ألوية المقاومة تسجل لكل يوم ضربات مؤلمة بحق هذه الوحوش .

جميع المشاريع المرسومة للمنطقة ضمن خطة الشرق الأوسط الاسرائيلي هي مجرد أحلام ظرفية مولودة بحالة الموات وغير مضمونة العواقب ، إذا بدأنا بمشروع  السلام العربي الخاص بالأنظمة دون الشعوب ، فقد أصبح هذا  في مهب الريح ، إنه  ذاهب إلى الهاوية لأن الفكر الأمريكي – الصهيوني -الاستعماري هو فكر استعلائي قائم على الاحتقار والابتلاع والإبادة حتى لمن مد يده معه ، مشروع احتلال غزة والتهجير وترحيل سكان الضفة مثلها مثل سائر الأساطير والأوهام الاسرائيلية سيذهب إلى إرشيف المحاولات الفاشلة لأننا أمام شعب من الجبارين ، قادة الكيان ومن يقف وراءهم من الغرب والعرب ذاهبون بشكل حتمي إلى المساءلة والمحاكمة والامتهان بين الأمم وهذا ما سيكون عليه الحال حتى لو بعد سنوات طويلة لأن هذا العالم لا يمكن أ يقبل بما يحدث ولو بعد حين ، كامل المشروع الصهيوني وبعكس ما يعتقده الكثيرون حقق إخفاقات واضحة على الرغم من الانجازات الضخمة ، لقد خسر هذا المشروع موقعه كحامٍ للغرب ومصالحه وتكشف بأنه يمثل أداة أمريكية بشعة عديمة الإنسانية تعتمد النهج الذي يضاد كل ما يدعيه الغرب ، لقد فقد مكانته القانونية والشرعية بجرائمه وينظر له اليوم بكل سوء واحتقار من كل سكان المعمورة وكل الدعاوى المرفوعة ضده سوف تصبح كرة ثلج ضخمة مع الوقت ، لقد خسر ريادته الأخلاقية والعلمية والتقنية الكاذبة التي كان يدعيها وتحول الى منبوذ ومكروه ، خسر حجمه الفراغي وسطوته التي كان يرهب بها الشعوب والدول وسيضطر لدفع ثمن هائل لإعادة الاعتبار لمكانته ، كل هذه المنتجات ستظهر في القريب العاجل وسنشهد انقلابات حادة مضادة لكل الخطط الأمريكية  بعكس ما ينطق الواقع  ، مشروع المقاومة هو الشيء الوحيد الذاهب إلى الصعود والارتقاء وليس الانكفاء والانحناء كما يظن من يضعون خطط الشرق الأوسط الاسرائيلي .

كل من يراهن على فشل سوريا الجديدة بعد سقوط النظام ، أو يراهن على انفصال الشعب السوري أو عزله أو انقلابه عن هويته العربية فعليه أن يعلم بأن رهانه خاسر ، سوريا تستعد لمصير متشابك متعدد المؤامرات تشوبه مخاوف كبيرة  ونتمنى أن نكون على خطأ  ، لكننا واثقون من هوية الشعب السوري العربي وواثقون من قدرته على اجتيازالمرحلة بكل اقتدار ، وبقائه ضمن دائرته الصحيحة في مسؤولياته العربية والإسلامية .

إن ترامب ووعوده بالتضافر مع تصريحات وأحلام قادة الكيان الصهيوني بإزالة ايران وتغيير نظام الحكم فيها  وفرض الهيمنة الصهيونية المطلقة على الإقليم ليس قدرا محتوما للمنطقة ،  إنها أضغاث أحلام لغزاة جدد مر مثلهم الكثير على بلادنا وشعوبنا ، ندرك ان المرحلة القادمة تنطوي على تداعياتٍ هائلة ،لكننا نؤكد بأن ايران ليست دولة مارقة في التاريخ  وليست لقمة سائغة ، اليمن ليس شعبا يعيش على الحلوى الأمريكية لكي يشعر بالألم أو يطالب بالاستسلام إنه من يقود المرحلة بكل جدارة  ، حزب الله لم ينته ولم تطو صفحته من المواجهة ، غزة لم ترفع الراية البيضاء وها هي عمليات الأبطال في جباليا تشرق سماء العرب كل يوم ، وسترغمون على قبول اتفاقية التبادل استسلاما وخضوعا للمقاومة التي سيخلدها التاريخ ، وإن غدا لناظره لقريب .

*كاتب عربي فلسطيني

قد يعجبك ايضا