غرضُ اليهود والنصارى وأدواتهم من محاولات طمس مبدأ الهُــوِيَّة.. شواهدُ ونتائجُ حية
أعلن رسولُ الله محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- في السنة العاشرة للهجرة بعد عودته من حجّـة الوداع في وادي غدير خم، ولاية أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- إعلاناً لولايته على الأُمَّــة كلها امتثالاً للأمر الإلهي الذي سبق هذا الإعلان في الآية القرآنية المباركة: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- لجموع المسلمين في غدير خم «يا أيها الناس أن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» معلناً بذلك ولاية الإمام علي على الأُمَّــة كلها.
ومن خلال الآية القرآنية السابقة ومن هذا النص النبوي الشريف، والواضح أكّـدا على مبدأ الولاية في الإسلام، كمبدأ مهم للأُمَّـة يحقّق لها التجسيد العملي بأن تكون (حزب الله) مصداقاً لقوله تعالى: «وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»؛ لكي تحظى الأُمَّــة برعاية الله وهدايته ونصره، وبهذا المبدأ يمكن للأُمَّـة أَيْـضاً حماية نفسها من الوقوع تحت هيمنة وولاية أعدائها، وهو الأمر الذي دفع الأعداء من اليهود والنصارى إلى استهداف هذا المبدأ ليضمنوا السيطرة على الأُمَّــة ويضمنوا ولائها وخضوعها لصالح هيمنتهم وسطوتهم.
ولقد عمل اليهود الصهاينة والأمريكيون والغربيون المعادون للدين الإسلامي وللمسلمين، طويلاً وعلى مدى عقود من الزمان، بالدفع بعملائهم في البلدان الإسلامية، وخَاصَّة التكفيريين الذين هم بالأصل أدَاة من أدوات الصهيونية، على القيام بدور خبيث، هدام، وتضليلي يستهدفون به أبناء الأُمَّــة بواسطة أفكارهم المسمومة، وفتاويهم المفبركة، التي ساهمت بشكل كبير في إضعاف المسلمين بعد أن شوهوا الدين الحق وهدموا بمعاول التضليل والضلال، أهم مبدأ بُنِيَ الإسلام عليه، وهو مبدأ الولاية.
فهذا المبدأ العظيم مرتبط بأهم سبب في وحدة المسلمين وجمع كلمتهم وتوحيد مواقفهم تجاه أعدائهم، ويحصنهم داخلياً من الاختراقات والانحرافات ويجعلهم في منأى من هيمنة وسيطرة اليهود والنصارى، وهو أَيْـضاً قائم على أَسَاس ولاية الهداية، وولاية الأمر والنهي والولاية التشريعية السليمة من التحريف والتضليل، والانحراف، فاليهود والصهاينة والأمريكيين والغرب المعادي للإسلام والمسلمين، يدركون أهميّة وخطورة مبدأ الولاية عليهم وتأثيره الفاعل على الأُمَّــة الإسلامية في حالة تمسكها به وسيرها عليه، لذا فقد عملوا طويلاً على محاربة كُـلّ من يستنهض الأُمَّــة الإسلامية ويعيد تصحيح مسارها المعوج، إلى طريق الهداية والحق الذي يحملها مبدأ الولاية، بحروب متعددة ووسائل كثيرة كان أهمها، هو استخدام أدواتهم من أبناء هذه الأُمَّــة، الذين تأدلجوا واعتنقوا مذاهب التطرف والضلال التي حرفت وشوهت الدين الإسلامي الحق، وحملت أفكارًا هدامة وساهمت بشكل كبير في خدمة أعداء الأُمَّــة بما تسببت به في إثارة الفتن والانقسامات بين أبناء الأُمَّــة الإسلامية وبث ثقافة الكراهية والبغضاء والعداء بينهم والتي أَدَّت إلى إضعافهم؛ مما جعل من الأُمَّــة الإسلامية لقمة سائغة للأعداء، سهلت لهم بفرض سيطرتهم وهيمنتهم عليها ونهب ثرواتها وتعطيل مقدراتها، وهذا ما شكل وخلق واقعاً مزرياً ومؤسفاً كان قد أشار إليه وحذر منه الشهيد القائد: السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- قبل عقدين من الزمان، في إحدى محاضراته، والذي أوضح من خلالها أهميّة مبدأ الولاية وخطورة تخلي الأُمَّــة عنه، والتي أَدَّت إلى أن تصل إلى مرحلة هي من أضعف المراحل التي وصلت إليها، وأخطرها على حاضرها ومستقبلها، في الدنيا والآخرة، فالشهيد القائد بما كان يحمله من حكمة وبصيرة وبعد نظر وتشخيصه للواقع وفق الرؤية القرآنية، قد ربط بين بين العبارة التي قالها رسول الله في حديث الولاية: (فهذا عليٌ مولاه)، وبين واقع الأُمَّــة اليوم التي تنكرت (لهذا) وغفلت عن (هذا) مما أوصلت الأُمَّــة إلى حالة مؤسفة وهزيلة، مكنت أعدائها إلى أن تفرض عليها اليوم عبارة (هذا) الأمريكية، والصهيونية.
وقد قال الشهيد القائد: «أوليس الجميع اليوم ينتظرون من ستقول أمريكا له (هذا) من سيحكم العراق أو أفغانستان أَو أي بلد خاضع لها وللأسف الشديد أن هذه الأُمَّــة أضاعت عقيدتها، وأن الله ورسوله يقولان لنا إن من يملك أن يقول لهذه الأُمَّــة هذا ولي أمركم هو الله سبحانه وتعالى ولكننا تنكرنا من بعد لتلك الإشارة العظيمة (هذا) وتنكرنا لمن له الأولوية في إطلاق التعيين والحق في أن يملك توجيه تلك الإشارة العظيمة».
هذه الحقيقة المؤلمة لواقع الأُمَّــة اليوم تفاقمت وتعززت في هذه المرحلة بأحداث ومتغيرات فضحت معها أنظمة العمالة والتطبيع لبعض بلدان هذه الأُمَّــة التي طبعت علاقاتها مع العدوّ الصهيوني الغاصب المحتلّ لبلد عربي إسلامي شرد أهله ودنست مقدساته، كما أكّـد هذا الواقع المؤلم بأن الأُمَّــة في حاجة ماسة لمبدأ الولاية والذي لا يمكن بدونه تحصين الأُمَّــة من اختراقات أعدائها وسيطرتهم عليها.
لكن في المقابل ما زال هناك جانب مشرق في حياة هذه الأُمَّــة من خلال الشعوب والأنظمة الحرة المقاومة للمشاريع والمؤامرات والمخطّطات الصهيوأمريكية التي تستهدف الأُمَّــة تمثلت هذه القوى الحية في محور المقاومة التي أدركت أهميّة تمسكها بمبدأ الولاية والذي جعل منها اليوم سدًّا منيعًا أمام أعداء الأُمَّــة ومشروعًا إسلاميًّا تحرّريًّا تنويريًّا.
مبدأٌ أَسَاسيٌّ في الإسلام:
وفي اليمن كمثال حي ومتجلٍّ عكست ما مر به شعبه من مؤامرات وعدوان وحصار واقعاً مغايراً عن بقية محيطه الإسلامي الذي ما زال أغلب بلدانه يرضخ تحت الهيمنة والسيطرة الأمريكية، فالشعب اليمني الذي تعرض لعدوان وحصار عالمي تصدى وواجه هذا العدوان وهو يحمل ثقافة قرآنية وموروث إيمَـاني أصيل ومتجذر ممتد إلى نبع التولي والموالاة كان له الأثر الواضح في استمرار صموده وتحقيق انتصاراته تحت قيادة قرآنية لها صلة بهذا المبدأ وانتماء ممتد لمن اصطفاه الله سبحانه بالولاء وقيادة الأُمَّــة، فالشعب اليمني قد حمل راية المسيرة القرآنية وتمسك بمبدأ الولاية فتحقّقت له اليوم انتصارات كان لها الأثر الكبير على كُـلّ المسارات المختلفة عسكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واجتماعياً، ناهيك عن الاستقرار الأمني والاقتصادي الملحوظ عكس ما يجري في المحافظات المحتلّة من انهيار معيشي وأمني.
هنا يمكن القول إن مبدأ الولاية مبدأ أَسَاسي في الإسلام لا يستطيع أحدٌ أن يتجاهله أَو يحاول التقليل من أهميته للأُمَّـة، فما حدث في اليمن ويحدث اليوم يشهد بأن مسألة الولاء والتولي لها كان لها الأثر الملموس في حياة هذا الشعب وعبر كُـلّ مراحل معركته مع دول تحالف العدوان، وإن مبدأ الولاية والتولي مهما اختلق له المغرضون من مفاهيم مغلوطة يحاول بها الأعداء طمس وتزييف الحقيقة القرآنية والتأويل المضلل للحديث النبوي الشريف إلَّا أن هذا المبدأ ثابت بالنص القرآني الواضح والنص النبوي المتفق عليه في جميع المذاهب الإسلامية، كما أنه ليس مبدأ يتم تجسيده في تظاهرة سياسية أَو عقائدية تقتصر على فئة معينة من أبناء الأُمَّــة الإسلامية؛ مِن أجل تأطير الناس وكسبهم لتثبيت إيديولوجية سياسية أو عقائدية كما يدعي الأعداء وأدواتهم المغرضون المنافقون من أبناء الأُمَّــة فآية التبليغ في القرآن الكريم كما قال السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-: “قد أتت بعد التحذير الشديد من التولي لليهود والنصارى وما يشكله ذلك من خطورة على الأُمَّــة في إيمَـانها ودينها وفي ثباتها على دينها وسلامته وفي سلامتها على المستوى المعنوي والتربوي والثقافي والفكري وفي سلامة دينها على المستوى العملي، وهذا المبدأ ضمانة مهمة لحماية الأُمَّــة من الانحراف الداخلي الذي يشكل ثغرة كبيرة لصالح اليهود والنصارى ولصالح حركة النفاق التي تسعى للانحراف بالأمة وإخضاعها لولاية اليهود والنصارى، وهذه مسألة مهمة في عصرنا هذا بشكل كبير جِـدًّا مسألة تعنينا نحن في هذا الزمن”.
فاليهود على وجه الخصوص يدركون أهميّة مبدأ الولاية ويعرفون جيِّدًا من هو الإمام علي -عليه السلام- ويعيشون في حالة من القلق والرعب من صحوة وعي الأُمَّــة الإسلامية، ومن أعلام الهدى من آل بيت رسول الله الذين حملوا عبر مراحل التاريخ الإسلامي مشاريع استنهاض الأُمَّــة للتصدي لمؤامراتهم ومخطّطاتهم الخبيثة تجاه الدين الإسلامي والمسلمين.
لذا فَـإنَّ اليهود واللوبي الصهيوني المحرك لأمريكا والغرب الكافر يسعون اليوم بكل قواهم وإمْكَانياتهم بأن تظل هذه الأُمَّــة قابعة في الحضيض وخانعة تحت سيطرتهم ومشغولة بالصراعات والفتن والانقسامات وتعيش في حالة مُستمرّة من الهزيمة المعنوية والعملية وعلى كُـلّ المستويات والعمل على الحيلولة بأن لا تستيقظَ من غفلتها ونومها وتَيهِها الطويل، وأَلَّا تصلَ يوماً إلى مصدر عزها وسلاح نصرها وقوتها المتمثل في التولي لله ورسوله والإمام علي وأعلام الهدى من بعده.
صحيفة المسيرة| محمد يحيى السياني