عيوب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.. الشعب لا ينتخب رئيسه
محمد الحاضري
الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يتم انتخاب الرئيس بطريقة التصويت الشعبي المباشر، بل يتم انتخاب هيئة مكونة من 538 شخصا تنتخب الرئيس في نظام للأقيات لمصلحة البيض.
المجمع الانتخابي الذي مهمته انتخاب رئيس البيت الأبيض ونائبه، فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يتم فيها انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الناس بل يتم التصويت لصالح
فبدلا من التصويت المباشر من قبل الناخبين لصالح مرشحهم الرئاسي ينتخبون المجمع الانتخابي (بالإنجليزية: Electoral College) وهو هيئة انتخابية مهمتها انتخاب الرئيس التنفيذي للولايات المتحدة الأمريكية ونائبه، وحسب الدستور الأمريكي يتألف المجمع الانتخابي من ناخبين عن 50 ولاية أمريكية، بالإضافة إلى المقاطعة الفيدرالية التي تقع فيها واشنطن العاصمة.
وكل ولاية بها عدد من الناخبين يساوي عدد ممثليها في الكونغرس الأمريكي كلا المجلسين أي مجلس الشيوخ الأمريكي و مجلس النواب الأمريكي، ومقاطعة كولومبيا، التي لا تُعتبَر ولاية، يوجد بها ثلاثة ناخبين، بينما لا يوجد في أقاليم أخرى لا تعتبر ولايات أي ناخبين. لكل ناخب من المجمع الانتخابي أحقية صوت واحد للرئيس وصوت واحد لنائب الرئيس.
وفي الولايات المتحدة، من أجل فوز مرشح لمنصب الرئيس ونائب الرئيس يجب أن يحصل على أغلبية (على الأقل 270) من الأصوات الانتخابية للمجمع الانتخابي لهذا المنصب.
ومنذ عام 1964 يتكون المجمع من 538 ممثل للشعب الذين يقومون رسميا باختيار الرئيس ونائب الرئيس للولايات المتحدة، ويتوزع على 50 ولاية أمريكية.
تجدر الإشارة إلى أن الأشخاص المنتخبين لانتخاب الرئيس في المجمع الرئاسي ليسوا مجبرين قانونياً على الالتزام بانتخاب المرشح الذي صوّت له غالبية المقترعين في الولاية، إلا أنهم يلتزمون بذلك في الغالب الأعم من الحالات، وهناك 24 ولاية تعاقب المندوبين عديمي الولاء.
وطبقا للنظام الانتخابي لرئاسية الأمريكية يمكن أن تكون هناك انتخابات يفوز فيها مرشح واحد بالتصويت الشعبي بينما يفوز آخر بالتصويت الانتخابي، كما حدث في انتخابات عامي 2000 و2016.
ففي عام 2016 كان فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالانتخابات الأمريكية رغم حصوله على أصواتٍ أقل من منافسته هيلاري كلينتون بأكثر من مليون ونصف المليون صوت، كاشفاً لعديد من عيوب النظام الانتخابي الأمريكي، التي في مجملها تحابي البيض وتظلم الأقليات لاسيما الأمريكيون ذو البشرة السمراء.
فالمواطنون الأفراد يتمتعون في الولايات الأقل كثافة سكانية والتي تضم 5% من الهيئة الانتخابية، بقوة تصويتية أكبر نسبياً من تلك الموجودة في الولايات الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وبإمكان المرشحين الفوز من خلال تركيز مواردهم على “الولايات المتأرجحة” قليلاً.
ويوجد حالياً 100 عضو في مجلس الشيوخ (كل ولاية لها شيخان)، و435 ممثلاً في مجلس النواب (توزيع عدد النواب حسب عدد السكان).
وهذا يعطي ميزة للولايات الجنوبية والوسطى الأكثر ريفية والأقل من حيث عدد السكان، والتي تعطي أصواتها للجمهوريين، غالباً، على حساب الولايات الغنية كبيرة السكان مثل كاليفورنيا ونيويورك وألينوي (بينما تكساس ولاية كبيرة تنتخب الجمهوريين عادة).
ويظهر هذا الظلم للولايات الحضرية الكبيرة الأكثر تقدماً، واضحاً في ولاية كاليفورنيا التي تعد معقل الديمقراطيين، إذ لدى كاليفورنيا 55 عضواً في المجمع الانتخابي بنسبة 10.22 % من أعضائه البالغ عددهم 583، بينما سكانها يمثلون 12.03% من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة، وهي نسبة تعادل سدس سكانها، وبالنظر إلى حدة المنافسة الانتخابية وأن الأمر يشمل ولايات أخرى، يعد الفارق كبيراً لصالح الجمهوريين.
وجد النظام الإقصاء للمواطنين من أصول إفريقية عندما كانوا عبيداً وما زال يطبق حتى الآن، فقد تم تبنِّي هذا النظام التصويتي عام 1787، في إطار مع عُرف حينها بتسوية “كونكتيكت”، وتم تفضيل هذا النظام على الانتخاب العام في المؤتمر الدستوري.
والمفارقة أن نظام المجمع الانتخابي أدى إلى احتساب أعداد العبيد ضمن سكان كل ولاية دون أن يكون لهم حق التصويت، فأعداد الأقلية السمراء في ولايات الجنوب تؤدي إلى زيادة الوزن النسبي لهذه الولايات بالمجمع الانتخابي، في حين أن أصواتهم ليست لها قيمة، لأنهم ببساطة يمثلون في ولايات الجنوب أقل من نصف السكان، وأغلب السكان البيض بولايات الجنوب محافظين ويصوتون للحزب الجمهوري، خاصة في الانتخابات الرئاسية، وبشكل ما، ما زال هذا الوضع الذي يهمش أصوات الأفارقة قائماً،
ومن ثم عندما يحصل المرشح الرئاسي الجمهوري على أغلبية أصوات الولايات الجنوبية، كما يحدث عادةً، ينال كل أصواتها في المجمع الانتخابي رغم أن الأفارقة الذين يمثلون نسبة تقارب الثلث في بعض الولايات الجنوبية، يصوتون للمرشح الديمقراطي.
والنتيجة أن ظاهرة فوز المرشح بأصوات غالبية الناخبين وهزيمته في المجمع الانتخابي تتكرر، خاصة مع الديمقراطيين.
وفي عام 2000، تمكن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش (من الحزب الجمهوري) من الفوز في السباق الرئاسي الأمريكي، على الرغم من حصوله على 543.000 صوتاً أقل من منافسه “آل غور” (مرشح الحزب الديمقراطي)، ولكن بوش فاز في نهاية المطاف برئاسة أمريكا.
وفي انتخابات 2016 كان الوضع أكثر سفورا، حيث كشفت الإحصاءات النهائية المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأمريكية أن المرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون تقدمت من حيث أصوات الناخبين على منافسها الجمهوري دونالد ترامب بأكثر من 1.5 مليون صوت ولكنها خسرت من حيث عدد أصوات المندوبين.
والنتيجة رغم أن الناخبين السود يمثلون نحو 13% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم نحو 233 مليون ناخب في عام 2018، أي إن إجمالي الناخبين السود يبلغ نحو 30 مليوناً، ولكن بسبب توزُّع نسبة كبيرة منهم في ولايات الجنوب التي تصوت للجمهوريين، فإن أصوات ملايين- إن لم يكن عشرات الملايين- من السود لايظهر لها أثر في المجمع الانتخابي، وفق موقع “العربي بوست”.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فبالإضافة إلى عيوب المجمع الانتخابي، فإن لكل ولايةٍ الحق في تحديد نظام التصويت، الأمر يؤدي إلى نظم انتخابية في بعض الولايات تهمش الأقليات.
وأظهر استطلاع لمؤسسة The Atlantic and the Public Religion Research Institute، أن المواطنين السود والإسبان أكثر عرضة من البيض لمواجهة حواجز في صناديق الاقتراع، والخوف من التآكل المستقبلي لحقوقهم السياسية الأساسية.
على سبيل المثال مررت ولاية ألاباما (وهي ولاية جنوبية محافظة تعد معقلاً للعنصرية) قانوناً عام 2011، يتطلب أنواعاً محددة من بطاقات التعريف الشخصية التي يجب أن يقدمها الناخبون، وأغلقت الولاية مكاتب تسجيل المحركات (DMV) التي تُستخدم كوسيلة لتسجيل الناخبين، في ثماني مقاطعات من أصل عشر كانت بها أعلى نسبة من السكان السود.
في مارس 2020، أفيد بأن ولاية تكساس تتصدر الجنوب في إغلاق أماكن التصويت، مما يجعل من الصعب على الأمريكيين الأفارقة واللاتينيين ذوي الميول الديمقراطية، التصويت.
وتشير عديد من الدراسات الأكاديمية وأحكام المحاكم إلى أن قوانين الانتخابات المتحيزة عنصرياً، مثل تشريعات تحديد هوية الناخب في أماكن مثل ويسكونسن، فضَّلت المرشحين الجمهوريين في عام 2016. مثل معظم الانتخابات الأخرى في التاريخ الأمريكي، لم تكن هذه معركة عادلة.
وأقر مسؤولون جمهوريون في الولاية بأن قانون هوية الناخبين ربما كان قوياً بما يكفي لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية في ويسكونسن.
في ولاية ويسكونسن، وجدت دراسة أن عدد الديمقراطيين الذين لم يصوتوا لأنهم يفتقرون إلى بطاقة الهوية الصحيحة، تجاوز عدد الناخبين الذين أدى تصويتهم إلى فوز ترامب، وأن أكبر الانخفاضات في الإقبال كانت بأحياء السود، وهي إشارة واضحة إلى أنَّ قمع الناخبين على أساس العرق كان موجوداً.
إضافة إلى كل ذلك فإن النظام الانتخابي الحالي يحرم سكان واشنطن من التصويت في انتخابات الكونغرس، فهم ممثلون في مجلس النواب بعضو واحد له حق التشاور ولا يحق له التصويت وليس لهم أي تمثيل في مجلس الشيوخ، أما فيما يخص الانتخابات الرئاسية فالمدينة ممثلة بثلاثة أعضاء فقط في المجمع الانتخابي غير قابلين للزيادة.