عين الحقيقة تنشر نص الدرس الخامس من البرنامج الرمضاني (رضوان الله هو الغاية التي ينشدها الانسان المسلم)..للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه
الدرس الخامس من البرنامج الرمضاني (رضوان الله هو الغاية التي ينشدها الانسان المسلم).
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
محياي ومماتي لله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطاهرين.
نرحب بكم جميعاً ونشكر لكم زيارتكم، ونتشرف بزيارتكم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يجمع صفنا، ويوحد كلمتنا على ما فيه رضاه.
نحن في هذه الأيام في العطلة الصيفية، فترة تعليم.. وفي الواقع نحن نستحي من الله سبحانه وتعالى أن لا نعطي لتعلم دينه إلا هامشاً من حياتنا هي: العطلة الصيفية، وبقية السنة نقضيها في مجالات أخرى بينما كان الذي يجب أن يكون محط اهتمامنا طول حياتنا وعلى طول أوقاتنا هو: أن نتعلم دين الله، نتعلم كيف نعبد الله نتعلم أولاً كيف نعرف الله سبحانه وتعالى.
ولكن لسوء الحظ، ولشقائنا: أن لا نعطي لديننا إلا فترة بسيطة من وقتنا في العام كله هي هامش السنة بكلها، ولكن مهما يكن تكون هذه ظروفا أو يكون هذا واقعاً فرض على الناس، ومهما تكن فترة قصيرة فإنها ستكون جديرة بأن تعطي فائدة كبيرة إذا ما اهتمينا، إذا ما أخلصنا، إذا ما شعرنا أولاً بالحياء من الله سبحانه وتعالى. أنه: إذاً معنا ستون يوماً أو أقل فأن نهمل فيها، أن نقصر، أن نتثاقل، أن لا نعطيها من الإهتمام ولو بعضاً مما يحصل من اهتمامنا كطلاب في المدارس التربوية، نستحي من الله سبحانه وتعالى فنهتم.
ونحن كطلاب علم يجب أن نفهم لماذا نطلب العلم؟ الغاية المهمة التي يجب أن ينشدها الإنسان من كل عمل صالح هي: أن يحظى برضى الله سبحانه وتعالى، أن يحصل على رضوان من الله سبحانه وتعالى.. هذه هي الغاية المهمة وهذا هو المطلب الكبير الذي يجب أن ينشده كل مسلم؛ لأن تحت هذا الخير كله في الدنيا وفي الآخرة, وفي أن يحصل على رضوان الله في الدنيا يرعاه الله سبحانه وتعالى، يحوطه بعنايته يوفقه يدافع عنه يرشده يسيِّر الخير للناس على يديه.
ومن يحظى برضوان الله سبحانه وتعالى يموت سعيداً، ويبعث سعيداً آمنا يوم القيامة، ويحاسب حساباً يسيراً، ويأمن في الوقت الذي يخاف فيه خوفا شديداً معظم البشر, عندما يكون من أولياء الله، وأولياء الله هم من قال عنهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس:62) فيدخل الجنة في رضوان الله ويحظى في ذلك المقام الرفيع والنعيم العظيم بالنعمة الكبرى التي هي رضوان الله.
رضوان الله هو المطلب المهم, كيف يمكن أن نحصل على رضوان الله من خلال عملنا؟ عندما نكون متأكدين أن العمل الذي نسير فيه أن العلم الذي نطلبه هو فعلاً المنهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده.
ليس كل طالب علم يصح أن يقال: بأنه يعمل عملاً صالحاً، طالب العلم الذي يطلب العلم الذي رسمه الله كمنهج للإنسان يتعبد لله سبحانه وتعالى به ويسير في حياته على وفقه.. هذا بالنسبة للمنهج.
بالنسبة للعمل الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الكريم في أكثر من آية: الربط بين رضوانه وبين العمل الصالح, بين رضوانه وبين الإيمان والعمل الصالح.. لا يحصل الإنسان على رضوان الله بمجرد أنه قد تعلم, بل ربما أنه قد تعلم فيقصر ويهمل ويقعد يكون عرضة لسخط الله أكبر من حالته لو كان جاهلاً؛ لأنه في هذه الحالة يقعد ويقصر ويهمل وقد علم، يقعد ويقصر وهو في نفس الوقت قدوة للآخرين قد جعل نفسه قدوة للآخرين وأصبح أمامهم معروفاً بالعلم ويحمل إسم أستاذ، أو إسم عالم.
العمل لا بد منه وإلا فسيصبح علم الإنسان وزراً، سيصبح علم الإنسان وبالاً عليه وعلى الدين وعلى الأمة أيضاً؛ لأن العالم يصبح قدوة تلقائياً للآخرين ولو لمجموعة من الناس الذين يعرفونه, يصبح قدوة لهم وإن لم يكن يتحدث معهم.. فهم يقولون: [نحن بعد فلان, إذا كان فلان سيتحرك فنحن معه إذا كان فلان قد رضي بهذا فنحن معه].
وأحيانا يقولون: [لو كان هذا صحيحا لكان فلان عاملاً به، لو كان صحيحا لما كان فلان قاعدا عنه] وهكذا سيصبح حامل العلم قدوة تلقائيا؛ فإما أن يكون قدوة في الخير قدوة في العمل، وإلا فسيكون قدوة للآخرين في الإهمال والتقصير والقعود, ويكون هو في الواقع قد لا يفهم أنه هكذا، ينظر الناس إليه ويقتدون به في هذا المجال أو ذاك يظن أنه ساكت والناس ساكتون، فيفسر سكوت الناس أنه سكوت تلقائي وأنهم مقصرون, وهم يفسرون سكوته أنه سكوت علمي، أنه هو أدرى وأعلم؛ فيكون هو والناس الذين ينظرون إليه متهادنين فيما بينهم، قد يلقون الله سبحانه وتعالى فيكتشف لهم حينئذ التقصير الذي كانوا عليه جميعا.
العمل هو محط رضوان الله سبحانه وتعالى, وارتبط به وعلى وفقه الجزاء في الآخرة, والجزاء أيضا في الدنيا قبل الآخرة. فإذا كنا نريد من طلب العلم هو: أن نحظى برضوان الله سبحانه وتعالى فمعنى ذلك أن تتجه أولاً إلى معرفة الله بشكل كافي, نتعرف على الله بشكل كافي, نحن معرفتنا بالله سبحانه وتعالى قاصرة جداً, معرفتنا بالله سبحانه وتعالى قليلة جداً بل وفي كثير من الحالات أو في كثير من الأشياء مغلوطة أيضا ليس فقط مجرد جهل بل معرفة مغلوطة, نتعرف على الله ثم نتعرف على أنفسنا أيضاً في ما هي علاقتنا بالله سبحانه وتعالى نرسخ في أنفسنا الشعور بأننا عبيد لله, نعبِّد أنفسنا لله.
وأن يعبِّد الإنسان نفسه لله معناه في الأخير أن يسلِّم نفسه لله، فيكون مسلِّما لله ينطلق في كل عمل يرضي الله باعتباره عبداً لله همه أن يحصل على رضوان الله، ويتعامل مع الله سبحانه وتعالى باعتباره هو ملكه وإلهه وسيده ومولاه. في هذه الحالة يكون الإنسان أقرب ما يكون إلى الإخلاص, وفي هذه الحالة يكون الإنسان قد رسم لنفسه طريقاً يسير عليه هو نفسه الذي أمر الله به رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما قال له: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:163:162).
هذه هي الغاية, وهذا هو الشعور الذي يجب أن يسود على نفس كل واحد منا, ويسيطر على نفس كل واحد منا. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} عبادتي بكلها {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي}حياتي هي {لِلَّهِ} كما أن صلاتي لله، ونسكي: عباداتي كلها لله, كذلك حياتي هي لله ومماتي أيضاً هو لله.
ومعنى أن حياتي لله: أنني نذرت حياتي لله في سبيله في طاعته, ومماتي أيضا لله، كيف يمكن أن يكون موت الإنسان لله؟ من الذي يستشعر أن بالإمكان أن يكون الموت عبادة؟ وأن يكون الموت عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى يجب أن تكون أيضاً خالصة كما قال: {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}(الأنعام: من الآية163).
كنا ننظر للموت كنهاية بينما هنا الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سأنذر موتي لله، فحياتي كلها لله، فسأحيى لله، وسأموت لله {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لاحظوا هذه: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام: من الآية163) فكل المسلمين الذين يقتدون برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لا بد أن يحملوا هذا الشعور, لا بد أن تكون عبادتهم لله على هذا النحو: فتكون حياتهم لله، ويكون موتهم أيضاً لله.
لا يتحقق للإنسان أن تكون حياته لله إلا إذا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسه لله ثانياً، حينها سيرى أن هناك ما يشده إلى أن تكون حياته كلها لله, سيرى بأنه فخر له: أن ينذر حياته كلها لله, سيرى نفسه ينطلق في هذا الميدان برغبة وارتياح أن ينذر حياته لله فتكون حركته في الحياة, تقلباته في الحياة مسيرته في الحياة كلها من أجل الله وعلى هدي الله وإلى ما يحقق رضاء الله سبحانه وتعالى.
أعتقد أننا نجهل كثيراً هذه المسألة: أن ينذر الإنسان موته لله وأنه مطلوب منه كمسلم يقتدي بأول المسلمين الذي أمر بهذا وهو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون حياته لله ومماته لله الآية، لا تعني أن الله هو مالك حياتي, والله هو مالك موتي كما قد يفسرها البعض!.
الآية وردت في سياق الحديث عن العبادة جاء قبلها: صلاتي ونسكي {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لو كانت المسألة هي حديث عن أن حياتنا هي بيد الله, وأن موتنا هو بيد الله كيف يمكن أن يقول: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} أنا أمرت أن تكون حياتي لله, لا يصح أن يقال: أمرت أن تكون حياتي بيد الله؛ لأن هذه قضية لا تحتاج إلى أمر هي بيد الله حتما من دون أمر.
أمرت أن يكون مماتي لله أن يكون موت الإنسان لله هو عندما يجند نفسه لله سبحانه وتعالى, عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطنا لنفسه أن يموت في سبيل الله..
لا أتصور معنى آخر يمكن أن يحقق للإنسان أن يكون موته لله إلا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعدا، بل يسعى لأن يكون موته في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القرآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك…] إلى آخره.
بينما القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يصف عباده المؤمنين بأنهم هم من يعرضون أنفسهم للبيع من الله عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية207) وهذه الآية: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أليس هذا يعني: أن المؤمنين هم دائماً يحملون هذا الشعور، هو: أنهم ينذرون حياتهم لله وأن يموتوا في سبيله.
ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله, ولا أن يكونوا أنصاراً لله, ولا أن يكونوا بشكل أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما لم يكن لديها هذا الشعور هو: أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله، هو أنهم يريدون أن يموتوا في سبيل الله.