عن كابوس مديد أَرهق الرياض : واشنطن إزاء إعلان بكين: العين على المختبَر اليمني
عندما أُعلن الاتفاق السعودي – الإيراني، برعاية الصين، في العاشر من آذار الجاري، كان السؤال الأساسي هو أين يقف الأميركيون منه؟ لكن ما أدلت به أميركا رسمياً أو تسريباً منذ ذلك اليوم، لم يَزِد السائلين إلّا حيرةً. ولأنّ الكثير من المراقبين رأوا، عن حقّ، أن المكوّن الأساسي للاتّفاق هو الأزمة اليمنية، فإنّ الجواب الأميركي الحقيقي قد يأتي في اليمن أيضاً، حيث تعتقد الولايات المتحدة، ومعها الإمارات، أن ثمّة قدرة على تعطيل مفاعيل التفاهم برمّته، انطلاقاً من تلك الساحة بالذات
تُظهر نظرة على خريطة انتشار القوى العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها السعودية والإمارات، أن الحصّة الأكبر من «المكاسب»، إذا جاز الحديث عن «مكاسب»، تعود إلى الأخيرة، على حساب الأولى التي دفعت الفاتورة الأكبر للحرب المستمرّة منذ ثمانية أعوام، سواء في ما يتعلّق بكلفة العدوان، أو القصف الذي تعرّضت له الأراضي السعودية، وكِلاهما عنصران من شأن استمرارهما أن يضربا في الصميم «رؤية 2030» التي يقوم عليها حُكم وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. ولا تسيطر القوّات الموالية السعودية سوى على شريط ضيّق على الحدود مع اليمن، مع جيوب صغيرة في محافظة صعدة ومحافظات حدودية أخرى، وهي احتاجت إلى عامَين من المعارك الشرسة للسيطرة على مديرية نهم – على أطراف محافظة صنعاء – قبل أن تَخسرها لاحقاً، فيما تُقاسِم الإمارات بعض المناطق في محافظات أخرى. لكن في المقابل، تضع أبو ظبي يدها عبر حلفائها في «المجلس الانتقالي الجنوبي»، و«ألوية العمالقة»، على حقول النفط والغاز في شبوة، بينما تُمسك بعدد من الجزر الاستراتيجية (بدأت المملكة أخيراً مزاحمتها عليها) – وأهمّها سقطرى الواقعة عند مدخل خليج عدن -، والتي يصفها كِتاب صَدر العام الماضي أعدّه عاتق جار الله وصالح بن غالب بعنوان «الأجندة الإماراتية تجاه الجزر اليمنية»، بأن لها من الأهمية الاستراتيجية ما يجعل دولاً عظمى تطمح إلى الاستيلاء عليها، على رغم أن الإمارات لا تملك ما يؤهّلها للقيام بهذه الممارسات من دون سند خارجي.
منذ البداية، كانت أبو ظبي تسعى إلى توظيف نتائج القتال على الأرض اليمنية، لمصالحها الخاصة، وليس لمصلحة تحالف العدوان ككلّ. وقد قامت تدريبات جيشها النوعية للموالين لها، وحتى مشاركة جنودها مباشرة في القتال، على مبدأ اقتناص الفرص، كما حصل عندما سيطرت «ألوية العمالقة» التي تمّ سحبها من الحديدة، على أجزاء من محافظة شبوة. آنذاك، استغلّ الإماراتيون ما عدّه البعض «خطأ» لحركة «أنصار الله»، بمحاولة الالتفاف على مأرب من جهة الجنوب، أي من شبوة، عبر اتّفاقات مع القبائل، ليقوموا بتأليب الأخيرة على الحركة، علماً أن تلك القبائل وقفت موقف المتفرّج عندما كانت المعارك للسيطرة على مأرب تَجري من جهة الشمال، ووصلت إلى حدودٍ أنهكت المقاتلين من الطرفَين بطول مدّتها. إلّا أنه عندما رمت حركة «أنصار الله» العمق الإماراتي في دبي وأبو ظبي بعدد من الصواريخ والمسيّرات في كانون الثاني من العام الماضي، اضطرّت الإمارات إلى إعلان انسحاب قوّاتها، وبالتالي تركت السعودية وحدها. هنا، تَعمّق الشِّقاق بين القوّتَين الرئيستين في تحالف العدوان، لتبدأ الرياض إثر ذاك العمل على استمالة القوّات المحلّية، وإجراء تغييرات في شكل الحكومة، كان أهمّها عزل الرئيس السابق، عبد ربه منصور عادي، وتشكيل «مجلس القيادة الرئاسي» برئاسة رشاد العليمي، والذي تَمثّل الهدف الرئيس منه في الحدّ من دور «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات. إلّا أن الذي حصل هو العكس؛ إذ ظلّ المجلس الجديد من دون فعالية كبيرة، تماماً كما كانت حكومة هادي. أمّا على جانبَي الحدود السعودية – اليمنية، فلم يستطع الجيش السعودي الاستفادة من إمكاناته الكبيرة، في الحرب، بل إن ما حصل فعلياً ليس قتالاً فقط، وإنّما أيضاً تزاوج وتجارة بالموازاة، حيث كانت معظم الأغذية وكثير من الأسلحة تَدخل إلى اليمن أثناء الحصار عبر هذه الحدود، فتَجري مثلاً مقايضتها بالقات. وحتى على المستوى الاقتصادي، كانت الإمارات تُوسّع علاقاتها مع إيران، فيما تُقاطعها المملكة.
المخاطر الأساسية على الاتفاق وعلى السعودية، وتحديداً على حُكم ابن سلمان، تأتي من الولايات المتحدة
في ظلّ ما تَقدّم، لم يكن أمام السعوديين الذين صارت المشكلة اليمنية بالنسبة إليهم الكابوس الأكبر، خيار سوى التفاوض مع «أنصار الله»، وذلك يعني تقديم تنازلات. وهو ما حصل من خلال التوصّل إلى الهدنة، إلّا أن الأميركيين ما زالوا يمنعون إبرام تسوية فعلية للأزمة اليمنية. ما حصل الآن هو أن السعوديين قرّروا تجاوز الاعتراض الأميركي، من خلال التوجّه نحو اتّفاق مع إيران، برعاية صينية، لا يرخي بظلاله على الساحة اليمنية وحدها، وإنّما على كلّ ساحات الاشتباك، ليبقى السؤال العالق هو: هل سيسلّم الأميركيون بهذا الاتفاق؟ في المفاوضات اليمنية، جرت تلبية معظم شروط «أنصار الله»، من الرواتب إلى فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء – من دون أن تسلك جميع التفاهمات طريقها إلى التنفيذ إلى الآن -، فيما يتمّ التفاوض حالياً على تفاصيل تقنية لإنجاز سلّة متكاملة، تتعلّق بمدّة الهدنة التي يريدها السعوديون عامَين، بينما تصرّ «أنصار الله» على فترة ستّة أشهر، إلى جانب عناوين أخرى متّصلة بوجود القوات الأجنبية في اليمن. ومهما يكن، فإن أصل المفاوضات يعني أن الاتفاق بين طرفَيها يجب أن ينعكس عليهما أكثر من الأطراف الأخرى، بمعنى أن يسلّم السعوديون لـ«أنصار الله» بالحصول على الحصّة الأكبر في حُكم اليمن، ويطالبوا في المقابل بنصيب في إعادة الإعمار. وهذا ما قاله مُفاوضو المملكة لممثّلي الحركة في مفاوضات عُمان. ولذا، سارع الإماراتيون إلى فتح الخطوط مع «أنصار الله». أمّا في شأن ما يُحكى في الإعلام الموالي للسعودية عن ضمانات إيرانية بوقف نقْل الصواريخ من إيران إلى اليمن، فيبدو غير ذي صلة؛ إذ إن الصواريخ والمسيّرات اليمنية تُصنّع محلياً، ويتمّ الحصول على أجهزة التوجيه الصغيرة الحجم الخاصة بها من الأسواق الدولية. ووفق المعطيات التي لدى الرياض، تستطيع «أنصار الله»، بما لديها الآن، أن ترمي، كلّ يوم، مسيّرات وصواريخ على السعودية حتى سنتين، وهو ما يثير مخاوف الرياض من أنه إذا استؤنفت المعركة، فسيكون تأثيرها بالغاً على الداخل السعودي، في حين أن مشروع ابن سلمان يقضي بأن تكون المملكة هي الرقم واحد اقتصادياً في هذه المنطقة.