عن الحوار في حضرة العدوان!…بقلم/عبدالعزيز البغدادي
مَنْ من البشر ذوي النوايا الحسنة والرؤية الإنسانية والوطنية الناضجة والصادقة والمحبة للحرية والسلام ، مَنْ مِن هؤلاء جميعاً يرفض مبدأ الحوار ويسعى إليه بكل طاقاته وإمكاناته ؟!؛
لا يقف مع الحروب والنزاعات المسلحة إلا من يوهمه خياله المريض أن بالإمكان إجبار أمة أو شعب أو مجتمع أو حتى فرد حر على التفكير وفق ما يرى ويهوى بالقوة ، وإلا مرتزق متاجر بالمبادئ والقيم لا يفهم معنى الحرية وقيمة السيادة الوطنية وأهميتها في عالم مليء بالمتناقضات تهيمن فيه لغة الغلبة والسباق المحموم والمسموم على السلطة والثروة والنفوذ الذي تدار فيه المصالح المتوحشة في المجتمع المسمى بالدولي عبر غرف مغلقة من العيب الاستمرار في تجاهل خطورتها أو محاولة تضليل الرأي العام الدولي بنفي وجودها تحت عدة عناوين ومبررات وأكاذيب ونحن نشاهد نتائج وممارسات تنفيذ هذه النظرية البشعة في صور الجريمة المنظمة التي لا تكتفي بنهب ثروات الأمم والشعوب ودعم الحكام الفاسدين أو العاجزين بل وتسعى بكل الوسائل إلى سلب مقوماتها الروحية والثقافية ، ومسخ وإلغاء الهُويات الوطنية والدينية المتعددة بالقوة المادية أو المعنوية بدلاً من الحوار الجاد الهادف لإيجاد القواسم المشتركة بين هذه الأمم والشعوب والبحث عن تكوين رافعة لمنظومة القيم والمبادئ الإنسانية التي لوحُكِّمت العقول لكانت دليلاً لتطبيق وترسيخ مبادئ التعايش السلمي واحترام التعدد الثقافي بدلاً من استمرار طاحونة الصراعات بهدف الإقصاء والإقصاء المقابل واستخدام العنف لفرض الآراء والمعتقدات ، فالحوار الجاد والحقيقي هو الطريق الآمن للبحث عن هوية موحدة ليس فقط على مستوى الوطن والأمة بل وعلى مستوى العالم ، ومن الناحية النظرية يعد ميثاق الأمم المتحدة منطلقاً إنسانياً غاية في الأهمية نتج عن صراعات ذاقت البشرية ويلاتها ودفع العالم ملايين الضحايا قبل التوقيع على ذلك الميثاق في 26 / يونيو 1945 في سان فرانسسكو بالولايات المتحدة الأمريكية ، وهو حدثٌ مفصليٌ في تاريخ القانون الدولي وحقوق الإنسان ومع الأسف سرعان ماتم الانقلاب العملي على مضامينه بممارسات الدول المهيمنة ، وبالذات الولايات المتحدة ؛
إن الصراع الدولي وما ينتج عنه من جرائم وحشية تتم بفنون مبتكرة لم يعد مرتكبوها يتحرجون من الإعلان عنها كما حدث بإعلان بدء العدوان على اليمن في 26 /3 /2015 من واشنطن على لسان عادل الجبير وزير خارجية المملكة السعودية ليشكل هذا التوحش العالمي العلني واحدة من أوقح صور العدوان على سيادة وشرعية دولة مستقلة وضمن الأعضاء المؤسسين لما يسمى الأمم المتحدة وهي واقعة موثقة أوقفت الحوار اليمني – اليمني كما أكد على ذلك ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن حينها الأستاذ جمال بن عمر الذي قال 🙁 كان اليمنيون على وشك التوقيع على الاتفاق في ما بينهم على جميع القضايا بما في ذلك مجلس الرئاسة ولم يبق إلا إعلان الأسماء لولا العدوان السعودي على اليمن ) ، ونضيف : الموجّه أمريكياً كما يُبين المكان الذي أعلن منه ، وما السعودية سوى منفِّذ وممول وهذا لم يعُد بحاجة لإثبات لأن تبيين البين عسر كما يقال ؛
ومع أن افتضاح علاقات الولايات المتحدة اليوم مع أدواتها في المنطقة كالسعودية والإمارات في تصاعد وأصبحت المنفذ لأقذر المشاريع الأمريكية في المنطقة والعالم إلا أن هذه الدولة التي أسست على الإبادة والجريمة المنظمة رغم كل نزعاتها الإجرامية تتحرج من القيام مباشرة بارتكاب كل هذه الجرائم الأبشع وتحاول قدر الإمكان تجنيب إسرائيل ارتكابها لتكلف بها الإمارات والسعودية كما حدث في اليمن وليبيا وسوريا والعراق مثلاً ، ولكنها لا تتردد عن توفير الغطاء الدولي لهذه الجرائم لأن فضح الوكيل المنفذ فضح للموكل والموجه والمدير ويبدو أن التستر أو الفضح كلاهما مخططٌ له !؛
إن طرح حقائق هذا السلوك أمام ذوي النوايا الحسنة في بلادنا والعالم الذين يتحدثون عن أهمية الحوار لإنهاء دوامة الاقتتال والعنف في اليمن مثلاً وقد صارت على هذه الدرجة من الانكشاف إنما هو للتذكير بمصدر قرار الحرب والسلام في ظل هذا العدوان المتوحش ولا نقصد بذلك تيئيس الشرفاء والمحبين لوطنهم من بذل كل ما بوسعهم لإنهاء العدوان أو الاقتتال الممول بين اليمنيين أو الحرب سمِّهِ ما شئت ، فالنتيجة واحدة وهي أن طاحونة الموت تعمل في ظل غياب الوعي والعقل والضمير لدى من يقبل على نفسه أن يكون أجيراً لدى الإمارات والسعودية أو غيرهم لقتل أخيه أياً كانت المبررات والأوهام والتطلعات والتمذهُب المنغلق والمناطقية والعرقية ، أي أن أي مجهود جاد لإحلال السلام بين اليمنيين يجب أن يتجه إلى إقناع العملاء والمرتزقة بالكف عن الارتزاق والعمالة وتنفيذ الأجندة الخارجية وليس لإقناع المدافع عن وطنه بالتوقف عن الدفاع لأن الحرب الدفاعية هي الحرب الوحيدة المشروعة في الدين والقانون والأعراف والأخلاق والمنطق والسلام ؟!!!.