عملية “السادس من شعبان”: لا وقتَ للمراوغات السياسية
بعد أقلَّ من أسبوعين على تنفيذ عملية “توازن الردع السادسة” الكبرى، وتأكيداً على الانتقال إلى مستوى ردع أعلى باستراتيجية زمنية جديدة، أعلنت القوات المسلحة، أمس الجمعة، عن تنفيذ “عملية السادس من شعبان” النوعية التي استهدفت شركة “أرامكو” في العاصمة السعودية الرياض، بطائرات مسيَّرة لم يُكشف عن نوعها، وقد اعترف العدوُّ بنجاح هذه العملية التي تأتي في ظل تصعيد عسكري كبير، وبالتوازي مع رسائلَ صريحةٍ مكثّـفة توجّـهها صنعاء للنظام السعودي ورعاته، وتؤكّـد فيها أنه لا مستقبلَ لأية عملية سياسية لا تتضمن الإنهاء الكامل للعدوان والحصار واحترام سيادة اليمن واستقلاله، أي أن كُـلَّ الحسابات التي ينطلقُ منها تحالُفُ العدوان وإدارتُه الغربية في التعامل مع “مِلَفِّ السلام” بحاجة إلى تغييرٍ جذري، إذَا كانت هناك نيةٌ جادَّةٌ لوقف الحرب التي تميلُ كفتُها باستمرار لصالح الجيش واللجان الشعبيّة.
عمليةُ “السادس من شعبان”، نُفِّذت فجرَ أمس الجمعة، بحسبِ ناطق القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، بسَتِّ طائرات مسيّرة، ضربت شركة أرامكو في عاصمة العدوّ السعودي الرياض، وأصابت أهدافَها بدقة عالية.
لم يحدّد البيانُ نوعَ الطائرات المستخدمة في العملية، في ما يبدو أنه إشارة إلى استخدام طائرات جديدة، قد تكون من تلك التي تم الكشفُ عنها في معرض الشهيد القائد للصناعات العسكرية، علماً بأن المسافةَ إلى الرياض باتت ضمن مدى أربعة أنواع من الطائرات المسيّرة التي تم الإعلان عنها حتى الآن.
وعقب الإعلان عن العملية، أقر النظامُ السعودي بنجاحها، وقال إعلامُه الرسمي: إن “مصفاة تكرير البترول في الرياْض” تعرضت لما أسماه “اعتداء” بطائرات مسيَّرة، وإن الهجومَ أسفر عن “حريق”، زاعماً أنه تمت السيطرة عليه، في محاولة للتقليل من شأن العملية بعد العجز عن إنكارها، أَو الادِّعاء باعتراض الطائرات.
اثنا عشر يوماً فقط كانت الفاصلَ بين هذه العملية التي تندرج ضمن فئة “الضربات الاستراتيجية”، وعملية “توازن الردع السادسة” التي جاءت بدورها بعد قرابة أسبوع فقط من “عملية توازن الردع الخامسة”، وفي ذلك تأكيدٌ جديدٌ وواضحٌ على أن مسار الردع اليمني التصاعدي وصل إلى مستوى جديد، يتميز بجدول زمني مختلف تضيق فيه الفترات بين الضربات الكبرى بصورة غير مسبوقة.
وتعيدُ هذه العمليةُ إرسالَ الرسالة التي وجهت للعدو في عملية “توازن الردع السادسة” والتي مفادها أن الوقتَ الممنوحَ له؛ مِن أجلِ تغيير حساباته والتفكير جديا في وقف العدوان والحصار، بات ضيقا، ولا يكفي للجوء إلى أية محاولات للالتفاف على المطلب الرئيسي للسلام، علماً بأنه قد تم إثباتُ فشل هذه المحاولات عمليًّا خلال الفترة الماضية التي بدأ فيها التصعيد الأخير تزامناً مع الدعايات الأمريكية الزائفة والمكثّـفة بخصوص “وقف الحرب”.
ويدرك تحالف العدوان أن هذا التغيير في الجدول الزمني للضربات الاستراتيجية، ليس مُجَـرّد “استعراض”؛ لأَنَّ الخسائر التي يتكبدها نتيجة هذه الضربات كبيرة، وفي ما مضى أكّـد العديد من الخبراء حول العالم حاجة المملكة إلى أوقات طويلة للتعافي من آثار بعض الضربات (مثل ضربة بقيق وخريص بالذات)، والآن يمكن القول: إن مسألة “التعافي” نفسها باتت أقرب إلى “المستحيل” في ظل تقلص الفترة الزمنية بين الضربات.
بالتالي، فَـإنَّ ما تفعله هذه الضربات هو جعل مسألة “وقف العدوان ورفع الحصار” تصبح ضرورية جِـدًّا للنظام السعودي نفسه، للخروج من هذا المأزق الذي سبق أن جرب الخروج منه بطرق أُخرى وأخفق، خُصُوصاً وأن بنك أهداف القوات المسلحة لا زال يحوي الكثير من الأهداف “الدسمة” داخل المملكة، وما زالت هناك مستوياتٌ عليا من الألم تستطيع صنعاء أن تصل إليها بعملياتها، ولا يمتلك النظام السعودي ورعاته أية “ورقة ضغط” لاستخدامها؛ مِن أجلِ تجنب هذا المستقبل المخيف، مع العلم أن تأثير ورقة “الحصار” على قوة صنعاء العسكرية يكاد يكون منعدماً، بل إن ضرب الأهداف الاقتصادية السعودية يذكّر منظومة العدوان بضرورة وقف جريمة استخدام الحصار كسلاح حرب؛ لأَنَّ كلفتها ستستمر بالتصاعد.
هذا ما يؤكّـده أَيْـضاً ناطق القوات المسلحة الذي جدد، أمس، دعوته “لكافةِ الشركاتِ الأجنبيةِ والمواطنينَ بالابتعادِ الكاملِ عن الأهداف العسكريةِ والحيويةِ؛ كونَها أصبحت أهدافاً مشروعةً وقد يطالُها الاستهداف في أيةِ لحظة”، وهو ما يعني أن هذا التصعيد بكل ما فيه من سمات واضحة (ضربات مكثّـفة بفترات زمنية متقاربة جِـدًّا وبأسلحة نوعية على أهداف مهمة) ليس مُجَـرّد رد فعل عابر، بل خطوة مدروسة ضمن استراتيجية ردع لها هدف رئيسي هو: إجبار العدوّ على وقف عدوانه وحصاره، وبغير تحقيق هذا الهدف، لن ينتهي هذا التصعيد.
لقد وجهت صنعاء خلال الفترة القصيرة الماضية رسائل صريحة وواضحة وشديدة اللهجة بهذا الخصوص، آخرها كان حديث رئيس الوفد الوطني وناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، خلال لقائه الأخير مع قناة الجزيرة، والذي جاء فيه أن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة قرار استراتيجي، يقابل قرار شن الغارات على اليمن، وأنه “لا تقدم في النقاشات حتى الآن”، أي أن طريقة تعامل منظومة العدوان مع ملف “السلام” غير مقبولة جملة وتفصيلاً، وبالتالي لن يكون هناك أي “تأثير جزئي” يأمل العدوّ أن يحقّقه من خلال التصريحات والدعايات، بما يضمن له تجنب الضربات الصاروخية والجوية مع استمراره بشن الغارات.
والأمرُ نفسُه بالنسبة للحصار الذي لم تكتفِ منظومة العدوان بمحاولة “تجاهل” أهميته الرئيسية في ملف السلام فحسب، بل أصبحت تستخدمه كورقة ضغط و”ابتزاز” عسكرية ضد صنعاء، ويؤكّـد عبد السلام في هذا الجانب أنه لن يكون هناك أي تفاوض في ظل هذه الوضع، بل يمكن القول إن طريقةَ تعامل العدوّ مع الملف الإنساني تستلزمُ رفع مستوى الردع، أي أن منظومة العدوان تقومُ عمليًّا بمضاعفة العقبات أمام “السلام” في نفس الوقت الذي تأمل فيه أن تجد مخرجاً من ضربات الردع!
حالةٌ مثيرةٌ للسخرية من التناقض وانعدام المنطق تسيطر على موقف وخطاب تحالف العدوان والإدارة الأمريكية وبقية أعضاء المنظومة المعادية اليوم، والتعاطي مع هذا التخبط يعني الدخول في متاهات سبق تجريبها، ورسالة صنعاء الأوضح من خلال ضربة، أمس والتصعيد المستمر الذي جاءت ضمنه، هي تجديد التأكيد على التمسك بالمنطق الوحيد السليم الذي يمكن البناء عليه، وهو أن: استمرار العدوان والحصار يغلق كُـلّ الأبواب أمام السلام، ويلغي كُـلّ الخطوط الحمراء أمام مسار الردع، وَإذَا كانت لدى العدوّ مشكلة في التعاطي مع هذا المنطق، فليستعد للمزيد من الضربات؛ لأَنَّه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفرض “مزاجه” كمرجعية للحل.
صحيفة المسيرة