على خطى الإمارات..اخرجوا من مقبرة الغزاة …بقلم/عبدالجبار نوري
وأنا أقلب صفحات التأريخ لليمن السعيدة أحسُ بشعورٍ غريب أن في اليمن لعنةٌ شبيهة بلعنة الفراعنة في مصر ، وسوف أسميها بلعنة اليمن السعيدة لكونها عصية على الغزاة ، فلنبدأ بالعهد العثماني بين 1872 -1918 ، ولماذا سُميّتْ المنطقة الواقعة غربي صنعاء باسم ( مذبح أناضول ) أرسل القائد العثماني كتيبة من 87 ألف مقاتل خاضتْ معارك شرسة مع قبائل ( رداع وحجه وعمران وصعده ) ولم يرجع منها إلى تركيا سوى 5 خمسة آلاف جندي فقط يبكونهم إلى يومنا هذا .
وسنة 1967 أرسل جمال عبد الناصر 70 ألف جندي مصري لدعم جماعة الجمهوريين ضد المملكة المتوكلية اليمنية ، خاض الجيش المصري حرباً ضروساً استنزفت قواه العسكرية والمعنوية في مواجهة اليمنيين الأشداء المعروفين بالمطاولة والصمود ، أدرك الرئيس المصري حينها صعوبة البقاء في اليمن أنسحب أواخر نفس العام ، وسمى المؤرخون المصريون تلك الحرب ب ( فيتنام مصر )
وسبقتهم بريطانيا بالانسحاب من جنوب اليمن وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد أن استنزفت الحرب مع الملكيين قوى وطاقات الجيش البريطاني .وتبعتها المملكة العربية السعودية والأردن يجران أذيال الخيبة والفشل .
وأما حكاية البدعة الجديدة ” عاصفة الحزم ” تلك الحرب القذرة ضد شعبٍ آمن في 26 مارس 2015 بعملية عسكرية سعودية بمشاركة 10 دول خليجية زائداً مصر والأردن والسودان والسنغال ودول الغرب والباكستان ومنظمات الأمم المتحدة بقوى 150 طائرة و180 ألف جندي ولأربع سنوات لم تحقق على أرض المعركة سوي الاستنزاف المادي والعسكري ووصول الذراع اليمني لسلاح الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية باتت تهدد مصالح الدولتين المعتديتين السعودية والأمارات ، وقد أدرك الإماراتيون أن النزاع هناك هدر للأرواح والموارد البشرية والمكانة الوطنية وأن السلام والانسحاب هو بمثابة ( جرعة ) من التعقل نظراً للاشمئزاز الأممي لهذه الحرب التي بأعتقادي أكبر ( أزمة أنسنة ) في العالم المتحضر .
فكانت البداية في انسحاب الأمارات من بعض المناطق في اليمن بتخفيف أسلحتها ومعداتها وذخيرتها العسكرية والطائرات المروحية الهجومية والمدافع الثقيلة حول ميناء الحديدة على البحر الأحمر ، وفي الخامس من شهر تموز الحالي نشر الأعلام الرسمي في الأمارات سحب قواتها من اليمن ، ويكون الانسحاب الأماراتي بمثابة الخروج من الباب الخلفي ، مسلطاً الضوء على ما هو يعتقد أمير أبو ظبي : أنهُ عمل(سلمي) وقد يكون شيئاً من الهراء والهلوسة السياسية بمشاركة حكومة الأمارات في الحرب الفعلية ولمدة أربع سنوات وعلى كل حال نبحث في أسباب هذا الانسحاب هل هو هروب أم لأجل عيون السلم أثرياء البترول ؟ هذه بعض أسباب الانسحاب أو الهروب كما يقول المثل ( الهزيمة نص المرجلة ) وبالتأكيد ستكون بداية انفراط العقد الغير مقدس مع السعودية
– أن وقف أطلاق النار الهش الذي توسطت به منظمة الأمم المتحدة بالحديدة والذي دخل حيّز التنفيذ في كانون الثاني الماضي عذراً وسبباً للانسحاب .
– القلق الأماراتي من تصاعد الأصوات المطالبة بوقف هذا النزيف من هذه الحرب التي قتلت عشرات الآلاف من اليمنيين وتدمير بناها الفوقية والتحتية وتفشي الأوبئة الفتاكة والمجاعات .
– أصبحت فاتورة الحرب مكلفة ومقلقة سياسياً واقتصادياً .
– أما عن مسيرة الحرب التي تدخل سنتها الخامسة ولم يأكلوا من عنبها ألا الحصرم فأصبح التحالف الخليجي صفر اليدين .
– وهناك سبب مبكر يتعلق بالإعادة المبكرة لمكاسب الحرب وتوزيع مناطق النفوذ في اليمن ، خاصة بعد أن بدت الفجوة واضحة في الخطاب الأعلامي الغير رسمي بين السعودية والأمارات أثر سحب الأمارات لوحدات قتالية من تخوم مدينة مأرب لعزل مدينة مأرب وتركها تواجه مصيرها للحوثيين أفضل من أن تفوز بها غريمتها السعودية .
– ولطالما استغلت دولة الأمارات الحجم الدولي والإقليمي للسعودية لتمرير مخططاتها ومآربها الخبيثة وهي تتخفى في ظل مملكة الكراهية آل سعود لتمرير خيوط المؤامرة مستغلة طيش ولي العهد الصبي محمد أبن سلمان وهو المتهم أمام الرأي العام العالمي بمجزرة المعارض السعودي خاشقجي ، فهي تريد النجاة بنفسها من الرمال المتحركة اليمنية من جهة وترغب التفرج على أبن سلمان وهو يغوصُ في هذه الرمال .
– أنّ تردي العلاقات بين السعودية والأمارات أصبح بحكم المؤكد ، فاستثمرت أبو ظبي هذه الحالة بالانسحاب من أرض المعركة لتحقيق الهدف البعيد في توريط السعودية والإمعان في تعقيد وضعها في المنطقة .
بعض التأويلات التي صاحبت الانسحاب:
1-جزء من الصراع الخفي بين الرياض وأبوظبي.
2- الضغوط الدولية جراء الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبتها قوات الأمارات والأحزمة الموالية لها في عدد من المحافظات اليمنية .
3- باعتقادي ليس تأويلا بل حقيقة جيوساسية في إعلان الأمارات الانسحاب الكامل من العدوان على اليمن يندرج في المقام الأول بأنهُ استثمار حاذق وماهر حفاظا على منشئاتها الحيوية واستثماراتها خاصة بعد التفجيرات الأخيرة التي طالت أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة وإصابة أطراف من مطارها الدولي في أبو ظبي بطائرات مسيّرة ,هو يعني إصابة العمق الأماراتي ، لهذا بكرت قبل غيرها لدرأ هذا الوضع المقلق والمؤرق لذا نأت بنفسها وفضلت الانسحاب.