عدوان تموز.. بين سقوط الغطرسة ورسائل المقاومة
فرضت المقاومة الوطنية اللبنانية بعد عدوان تموز 2006 معادلات ردع وتوازن جديدة أجبرت من خلالها الكيان الصهيوني على إعادة حساباته وإستراتيجياته العسكرية التي ما زال حتى اللحظة يقف عاجزاً عن وضع تصور ورؤية حقيقية وواقعية لأي مواجهة محتملة مع المقاومة اللبنانية بشكل خاص، ومع محور المقاومة بشكل عام.
جملة من الحقائق التي خلفتها حرب تموز التي انتهت بسقوط الغطرسة وتبدد الأوهام الإسرائيلية، تلك الحقائق التي أضحت بمثابة كوابيس لا تزال حتى اللحظة تقض مضاجع الكيان الصهيوني ومتزعميه الذين دخلوا في حالة من الصدمة خلال مرحلة ما بعد انتهاء الحرب وانتصار المقاومة الوطنية اللبنانية.
التقرير الذي صدر عن لجنة (فينوغراد) الإسرائيلية التي تشكلت إثر هزيمة “إسرائيل”، وانتصار المقاومة، كشف الكثير من تلك الحقائق الإستراتيجية التي كانت بالنسبة للعدو الصهيوني عناوين لمرحلة جديدة من المواجهة مع أصحاب الحق والإرادة والأرض والتاريخ.
أبرز تلك الحقائق كانت ولا تزال سقوط “إسرائيل” بالمفهوم العسكري، لجهة إنها لم تعد الأقوى عسكرياً في المنطقة كما كانت تدعي وتروج، وأن الأسطورة هي تلك التي صنعتها المقاومة بإرادتها وشجاعتها وتضحياتها، بعد أن دفعت إلى السطح حقيقة أن الكيان الإسرائيلي (أوهن من بيت العنكبوت)، ولعل مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يلملمون جراحهم ويسقطون هم وأسلحتهم الحديثة والثقيلة أمام رجالات المقاومة كان كفيلاً بنقل الصورة والحدث بشكل دقيق وواضح.
لقد أرخت التداعيات الكارثية لعدوان تموز بظلالها السوداء على البنية العسكرية للكيان الصهيوني، لأنها أظهرت ضعفه وتفككه، ليس هذا فحسب، بل إن لجان التحقيق العسكرية الإسرائيلية أظهرت أن هناك غياباً فعلياً للإستراتيجيات العسكرية للكيان الصهيوني خلال العدوان وفي أبسط قواعدها وأساسياتها، ولعل ما صرح به وزير الحرب الإسرائيلي السابق بن اليعازر في هذا الشأن يؤكد هذه الحقائق، حين قال: (إن إسرائيل ذهلت من عدم قدرة جيشها على إخضاع المقاومة)، كذلك فإن تداعيات الهزيمة امتدت آثارها لتطول كامل الشارع الإسرائيلي، حيث اجتاحه الإحباط واليأس، لينعكس ذلك على شكل فوضى وأزمات واستقالات لسياسيين وعسكر.
لقد أحدثت المقاومة خلال أيام العدوان الثلاثة والثلاثين مفاجآت عديدة كان أبرزها ما حدث باليوم السابع للعدوان في 19 تموز 2006 عندما دمرت المقاومة أربع دبابات من طراز ميركافا وأحبطت ثلاث محاولات توغل بري وأمطرت حيفا والمدن التي يحتلها الكيان الصهيوني بعشرات الصواريخ وقتلت 6 جنود إسرائيليين وأصابت 14 آخرين في معركة عيترون.
كما اعترفت “إسرائيل” بتحطيم طائرة اف16، وكذلك ما حدث في اليوم الثالث عشر للعدوان عندما خاض رجال المقاومة معارك ضارية في بنت جبيل وصدوا الاحتلال الإسرائيلي الغازي ومنعوه من الدخول إلى المدينة وكبدوه خسائر كبيرة، حيث اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل ضابط إسرائيلي وسقوط 49 جندياً بين قتيل وجريح بينهم 3 ضباط، كما شكلت معركة عيناتا الشعب التي سطر فيها المقاومون ملحمة بطولية لقنوا فيها الجنود الإسرائيليين درساً لن ينسوه نقطة سوداء وكابوسا مرعباً لضباط وجنود جيش الاحتلال الذي اعترف بمقتل 13 من جنوده بينهم 3 ضباط وإصابة 12 آخرين، فيما قالت صحيفة يديعوت أحرنوت أن عدد الإصابات وصلت إلى 44 بين قتيل وجريح ولعل الكثيرين ما زالوا يذكرون الكلمات التي قالها ضابط إسرائيلي هرب من ارض معركة عيناتا ( ليأت حالوتس ويقد المعركة بالنيابة عني ) بعد أن هام على وجهه غير عابئ باستغاثات جنوده.
كما قلبت معركة وادي حجير السحر على الساحر، وتحولت هذه المعركة التي اعتقد فيها الإسرائيليون ساسة وجنود أنها ستحقق لهم إنجازاً معنوياً يعوض إخفاق العدوان، إلى رمز الهزيمة وانكسار العدو الصهيوني، حيث ألحق المقاومون هزيمة صعبة لن تنساها أجيال المحتلين عندما انقض رجال المقاومة على رتل الدبابات الإسرائيلية وصنعوا مقبرة الميركافا وطواقمها من اللواء (ناحال) وعناصر الفرقة 163 وغيرهم من جنود” النخبة “حيث ترك الغزاة بقايا آلياتهم التي اصطادها المقاومون من كل اتجاه، واعترف الغزاة بمقتل 33 جندياً بينهم ضباط وقادة سرايا وفرق مدرعات وبوقوع مئات الجرحى والمصابين وتدمير ما يقارب خمسين دبابة ميركافا عدا الجرافات العسكرية، وأدت العملية إلى استقالة ما يسمى قائد المنطقة الشمالية أودي ادم من مهمته القيادية.
لقد شكل عدوان تموز وتداعياته الكارثية على “إسرائيل” بداية مرحلة جديدة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي تقوم على معادلات سياسية وعسكرية وإستراتيجية لم تكن موجودة قبل تلك المرحلة، أبرزها وأهمها هي أن القوة العسكرية وحدها غير قادرة على حسم أي معركة في المنطقة وهي معادلات قرأتها وفهمها الكيان الصهيوني وحلفاؤه جيداً.