عدوان أميركي «مكرَّر» على اليمن | صنعاء تبدأ ردّها: لا تراجع عن حظر الملاحة
أكّدت صنعاء، بردّها السريع على العدوان الأميركي الواسع، والمتمثل باستهداف حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» في البحر الأحمر، أمس، فشل ذلك العدوان الذي لم يختلف كثيراً عن الاعتداءات السابقة، إلا بكون الإدارة الحالية تفوّقت على السابقة بلهجة التهويل وتوزيع التهديدات شمالاً ويميناً، بما يشمل إيران، كما بتضخيم نتائج الغارات، قبل أن تعود لتعلن أنها لا تسعى إلى حرب طويلة في الشرق الأوسط، فيما أكّد قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، أن حظر السفن سيمتد ليشمل السفن الأميركية، إذا لم يتوقّف العدوان.
وبعد ساعات على بدء الهجوم الأميركي الذي استهدف بعشرات الغارات، 8 محافظات يمنية، ولا سيما صنعاء وصعدة، أعلن الناطق باسم القوات المسلّحة اليمنية، العميد يحيى سريع، أن تلك القوات نفّذت «عملية عسكرية نوعية استهدفت من خلالها حاملة الطائرات هاري ترومان والقطع الحربية التابعة لها شمال البحر الأحمر، بـ18 صاروخاً باليستياً ومجنّحاً وطائرة مُسيّرة». وجاء ذلك في وقت أكّدت فيه مصادر عسكرية مطّلعة، لـ»الأخبار»، أن «استعدادات صنعاء العسكرية لمواجهة العدوان الأميركي والإسرائيلي أكبر بكثير حالياً، وأن أنصار الله تحتفظ بالكثير من المفاجآت العسكرية البحرية والجوية».
وعلى رغم أن إدارة ترامب حاولت تصدير الرعب إلى اليمنيين، مستخدمة في العدوان أسلحة متطوّرة وصواريخ شديدة الانفجار، في مسعى منها لتقديم نفسها بصورة أقوى من إدارة الرئيس السابق، جو بايدن، إلا أن محاولة فرض قواعد اشتباك جديدة لا يبدو أنها آتت أكلها، وفق ما يدل عليه الرد اليمني الذي لا يزال أولياً، وستعقبه ردود عسكرية أخرى في حال أمعنت القوات الأميركية في عدوانها. وقالت مصادر عسكرية مطّلعة، لـ»الأخبار»، إن «سلسلة الهجمات الأميركية التي شاركت فيها عشرات الطائرات الحربية وعدد من البوارج، عكست العمى الاستخباراتي لدى الولايات المتحدة». وأشارت إلى أن الطائرات انطلقت من حاملة الطائرات «هاري ترومان»، كما من قاعدتي «الظفرة» في الإمارات، و»العديد» في قطر، فضلاً عن رصد تحليق طائرة بريطانية للتزود بالوقود في أجواء سواحل جدة، ما يشير إلى مشاركة بريطانية في العدوان على اليمن.
وفي سياق حملة التهويل الأميركية التي كان افتتحها ترامب مع بدء العدوان، مخاطباً «أنصار الله» بالقول: «لقد جاء وقتكم»، موجّهاً تحذيراً إلى إيران، وداعياً إياها إلى أن توقف «فوراً» دعمها لصنعاء. وزعم مستشار الأمن القومي الأميركي، مايكل والتز، أن الضربات الأميركية قتلت «العديد» من قادة «الحوثيين»، إلا أنه لم يسمّ أحداً منهم. وقال لشبكة «إيه بي سي» إن الولايات المتحدة «لن تحاسب الحوثيين فحسب، بل سنحاسب إيران، داعمتهم أيضاً». وأضاف أنه «إذا كان هذا يعني استهداف السفن التي أرسلها مدربوهم الإيرانيون للمساعدة (…) وأشياء أخرى أرسلوها لمساعدة الحوثيين على مهاجمة الاقتصاد العالمي، فإن هذه الأهداف ستكون على الطاولة أيضاً».
وتوعّد وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، بدوره، بشن حملة صاروخية «لا هوادة فيها» حتى تتوقّف هجمات صنعاء. وقال في مقابلة تلفزيونية مع قناة «فوكس بيزنس»، إن «هذه الحملة تتعلّق بحرية الملاحة واستعادة الردع»، مضيفاً أنه «في اللحظة التي يقول فيها الحوثيون سنتوقف عن إطلاق النار على سفنكم وطائراتكم المُسيّرة، ستنتهي هذه الحملة. ولكن حتى ذلك الحين، ستستمر بلا هوادة». وأكّد أن «الولايات المتحدة لا تسعى الى الانخراط في حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط»، وقال: «لا يهمنا ما يحدث في الحرب الأهلية اليمنية».
نوعية الأهداف تشير إلى عمى استخباراتي أميركي
في المقابل، هدّد الحوثي بفرض حظر على الملاحة الأميركية في البحرين الأحمر والعربي ونطاق عمليات قوات صنعاء، في حال استمرار العدوان. وقال في كلمة متلفزة إن «العدوان على اليمن يأتي في إطار رد واشنطن على حظر مرور السفن الاسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي»، مؤكّداً أن «صنعاء ستفشل العدوان وستفرغة من تحقيق أي أهداف. والحل الوحيد هو دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة». وأشار الحوثي إلى أن العدوان كان متوقّعاً من قبل صنعاء، مضيفاً أن «قواتنا المسلّحة باشرت الرد. وهذا خيارنا وقرارنا وتوجّهنا طالما استمر العدوان الأميركي على بلدنا».
واتهم إدارة ترامب بالسعى إلى «التأثير على الملاحة الدولية حتى تحوّل البحر إلى ساحة حرب»، واعتبر أن من واجب الدول أن «تعرف من الذي يشكّل خطورة على الملاحة». ودعا الشعب اليمني إلى تنظيم تحرّك شامل وواسع للتصدي للطغيان الأميركي، مؤكداً أن «الشعب اليمني لن يقبل بالاستسلام للعدو». وكان «المجلس السياسي الأعلى»، لمّح في بيان أصدره أمس، إلى أن صنعاء قد تغلق باب المندب إذا لم يتوقف العدوان الأميركي، مشيراً إلى أن العدوان «من شأنه فتح الباب واسعاً أمام تطوّرات لا يقتصر أثرها على جهة معينة بل سيتأثر بها الجميع».
وسبق ذلك إعلان «القيادة المركزية الأميركية» أن «الهجوم الواسع النطاق في اليمن تركّز على قدرات الحوثيين العسكرية»، وأن «الأهداف كانت مخازن صواريخ وطائرات مُسيّرة». إلا أن العدوان استهدف في الواقع أعياناً مدنية ومنشآت خدمية ومنازل آمنة، فضلاً عن مناطق خالية من أي تواجد عسكري منذ سنوات، بحسب ما تفيد به الجهات المعنية في صنعاء. وأكّد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، أنيس الأصبحي، أن 53 قتيلاً وأكثر من 100 جريح سقطوا في العدوان الأميركي، معظمهم من الأطفال والنساء.
والواقع أن خارطة العدوان الأميركي اتسعت لتشمل أكثر من محافظة يمنية، إذ وفقاً لـ»مركز الإعلام الأمني» في صنعاء، فإن طيران العدوان الأميركي استهدف محافظة صعدة شمال صنعاء أربع مرات، ما تسبّب بسقوط عشرات القتلى والجرحى في المحافظة، كما استهدف مدينة صعدة ومناطق واقعة في ضواحيها بسلسلة غارات، قبل أن يعاود الهجوم على منزلين لمواطنين في منطقة قحزة شمال المدينة، ما أدى إلى مقتل أربعة أطفال وامرأة وإصابة أكثر من 10مدنيين بينهم نساء وأطفال.
وفجر أمس، جدّد الطيران الأميركي غاراته على منطقة ضحيان، ما أدّى إلى تدمير محطة الكهرباء التابعة للمدينة، بالإضافة إلى استهدافه منطقة سكنية في عزلة الشغف في مديرية ساقين، وكذلك استهدافه منازل مواطنين في منطقة آل سباع في مديرية سحار في المحافظة نفسها، ما أدّى إلى مقتل ثلاثة مدنيين ونفوق المئات من رؤوس الماشية. وامتد العدوان أيضاً إلى محافظات ذمار ومأرب والبيضاء وحجة وتعز، حيث شنّ الطيران ثلاث غارات على مديرية مجزر الواقعة شرق محافظة مأرب، وثلاثاً أخرى استهدفت مقطعاً للحجارة شرق مدينة ذمار.
وفي الوقت نفسه، استهدف مديريتي مكيراس والقريشية في محافظة البيضاء بثماني ضربات، كما شنّ عدة غارات على مديرية مبين، في محافظة حجة غرب صنعاء؛ ثم ليل أمس، طاول القصف شمال محافظة تعز كما استهدف برج القيادة في السفينة الإسرائيلية المحتجزة «غالاكسي ليدر» في ميناء الحديدة. وكان العدوان قد بدأ السبت باستهداف منزل مكوّن من ثلاثة طوابق في منطقة الجراف الواقعة في مديرية شعوب في صنعاء، بثلاث غارات أدّت إلى مقتل 13مدنياً وإصابة تسعة آخرين، وفقاً لوزارة الصحة، قبل أن يعاود استهداف منطقتي عطان وجريان فجر أمس، بصواريخ شديدة الانفجار.
رشيد الحداد ..الاخبار اللبنانية